منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 07 Jun 2014, 09:53 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي القصد والأمم في فضيلة نشر العلم بالقلم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد:

فإن من أشرف المقامات مقام الدعوة إلى الله عز وجل إذ ذكر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية في هذا المقام ((وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا))[الجن: 19]، وهي وظيفة المرسلين ((إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا))[الأحزاب: 45-46]، وأحسن منازل المقربين ((ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين))[فصلت: 33].

ثم من إن من نعمة الله سبحانه وتعالى ورحته أن نوع وسائل الدعوة ومن ذلك الكتابة وقد استعملها المرسلون ((قالت يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم))[النمل: 29-30]، وكذا مراسلات النبي صلى الله عليه وسلم لملوك زمانه ككتابه لهرقل [البخاري (7) مسلم (1773)].

وقد فشا بيان القلم في هذا الزَّمان حتى ضارع بيان اللِّسان، وأمسكه أهل الأمانة والإتقان، وزاحمهم فيه الأغرار وسفهاء الأحلام، وبين المنزلتين مراتب؛ فأحببت(1) إيراد طرف يتعلق بالكتابة وأحوال الكتاب، وقصدت في ترتيب فصوله، البلوغ بالقارئ لنيل مأموله، رابطا بينها قدر الاستطاعة مستعينا به سبحانه طالبا توفيقه، فلولا توفيقه ما تم عمل، ولولا إعانته ما ظفر راغب بأمل.

إِن كان عزمُكَ في الكتابةِ صادقاً ... فارغبْ إِلى مَوْلاكَ في التيسيرِ
فأسأل الله تعالى التوفيق لما قصدت والتيسير لما أردت، والله الموفق.


فصل
شرف الكتابة وفضلها وبيان شيء من فوائدها
ذكر القلقشندي –رحمه الله- في كتابه: «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»(1/63) وقد عقد لبيان فضل الكتابة فصلا برأسه صدره بما نصه:

«أعظم شاهد لجليل قدرها، وأقوى دليل على رفعة شأنها، أن الله تعالى نسب تعليمها إلى نفسه، واعتدّه من وافر كرمه وإفضاله فقال عز اسمه: ((اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَم))[العلق: 3-5]، ثم بيّن شرفها بأن وصف بها الحفظة الكرام من ملائكته فقال جلّت قدرته: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ))[الانفطار: 10] ولا أعلى رتبة وأبذخ شرفا مما وصف الله تعالى به ملائكته ونعت به حفظته؛ ثم زاد ذلك تأكيدا ووفر محله إجلالا وتعظيما بأن أقسم بالقلم الذي هو آلة الكتابة وما يسطر به فقال تقدّست عظمته: ((ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ))[القلم: 1-2] والإقسام لا يقع منه سبحانه إلا بشريف ما أبدع، وكريم ما اخترع: كالشمس والقمر والنجوم ونحوها إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرفها ورفعة قدرها».

وقال الجاحظ في كتابه «الحيوان»(1/47) مبينا شيئا من فضلها:

«ولولا الكتب المدوّنة والأخبار المخلّدة، والحكم المخطوطة التي تحصّن الحساب وغير الحساب، لبطل أكثر العلم، ولغلب سلطان النّسيان سلطان الذكر، ولما كان للناس مفزع إلى موضع استذكار. ولو تمّ ذلك لحرمنا أكثر النفع».

وقال في كتابه «البيان والتبيين»(1/11) نبها مشيرا إلى أمر آخر مما يدل على فضلها وهو عموم نفعها:

«أما الخط أو الكتابة فهو وسيلة التبيين في الكتب، ونقل المعرفة عبر الزمان والمكان، ولولاه لا ندثر العلم. ومن ثم كانت أهمية الكتب وأفضليتها لأن الكتاب يدرس في كل زمان ومكان بينما لا يعدو اللسان سامعه».

بل إنها فضِّلت على السَّيف ومن ذلك قول أبي الفتح البستي:

إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب عزا ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وجاء في «زهر الأكم في الأمثال والحكم»(2/223) مما يدل على فضلها أنه كان يقال: أثر المداد –وهو من أدواتها- دليل على الفضل حتى إنَّ عبيد الله بن سليمان رأى صفرة زعفران في ثوبه فطلاها بالحبر وقال: المداد أحسن بنا من الزعفران! وأنشد:

إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدواة عطر الرجالِ
وقال بعضهم وقد نظر إلى فتى عليه أثر المداد وهو يستره:

لا تجزعن من المداد فإنه ... عطر الرجال وحلية الكتاب!
وذكر العلامة ابن القيم –رحمه الله- في كتابه:«مفتاح دار السعادة»(1/279) طرفا من فوائدها وشيئا من عوائدها، فقال:

«...ثم ذكر ثالثا التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمه على عباده إذ به تخلد العلوم، وتثبت الحقوق، وتعلم الوصايا، وتحفظ الشهادات، ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس، وبه تقيد أخبار الماضين للباقين اللاحقين، ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست السنن، وتخبطت الأحكام، ولم يعرف الخلف مذاهب السلف، وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم إنما يعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم فجعل لهم الكتاب وعاء حافظا للعلم من الضياع كالأوعية التي تحفظ الأمتعة من الذهاب والبطلان، فنعمة الله عز وجل بتعليم القلم بعد القرآن من أجل النعم...».

فهذه نبذ من النقولات تدل على شرفها وفضلها وشيء من فوائدها ومن أراد الاستزادة في ذلك فما عليه إلا الرجوع إلى ما كتب فيها فقد عني الأدباء بها عناية فائقة وضمنوا كتبهم بحوثا رائقة.


فصل
دفع سؤال وارد واستشكال
ولا شك أن المسلم إذا قرأ طرفا مما جاء في شرفها وفضلها وفائدتها ليقف وقفة نظر وتأمل ويرد عليه سؤال واستشكال: إذا كان هذا فضل الكتابة وشرفها فلم كان نبينا صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب.

وقد أورد الشيخ محمد عطية سالم –رحمه الله- في تتمته على "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن"(9/355) الاستشكال وأجاب عنه رحمه الله بأجوبة بديعة فيقول:

«...إذا كان هذا كله شأن القلم وعظم أمره، وعظيم المنة به على الأمة، بل وعلى الخليقة كلها.

وقد افتتحت الرسالة بالقراءة والكتابة، فلماذا لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي أعلن عن هذا الفضل كله للقلم! لم يكن هو كاتبا به، ولا من أهله بل هو أمي لا يقرأ ولا يكتب، كما في قوله: ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم))[الجمعة: 2]؟

والجواب: أنا أشرنا أولا: إلى ناحية منه، وهي أنه أكمل للمعجزة، حيث أصبح النبي الأمي معلما كما قال تعالى: ((يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة))[آل عمران: 164].

وثانيا: لم يكن هذا النبي الأمي مغفلا شأن القلم، بل عني به كل العناية، وأولها وأعظهما أنه اتخذ كتابا للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه، مع أنه يحفظه ويضبطه، وتعهد الله له بحفظه وبضبطه في قوله تعالى: ((سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله))[الأعلى: 6-7]، حتى الذي ينساه يعوضه الله بخير منه أو مثله، كما في قوله تعالى: ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها))[البقرة: 106]، ووعد الله تعالى بحفظه في قوله: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))[الحجر: 9].

ومع ذلك، فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ وكان له عدة كتاب، وهذا غاية في العناية بالقلم.

وذكر ابن القيم من الكتاب الخلفاء الأربعة، ومعهم تتمة سبعة عشر شخصا، ثم لم يقتصر صلى الله عليه وسلم في عنايته بالقلم والتعليم به عند كتابة الوحي، بل جعل التعليم به أعم، كما جاء خبر عبد الله بن سعيد بن العاص: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا محسنا» ذكره صاحب الترتيبات الإدارية عن ابن عبد البر في "الاستيعاب".

وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال: «علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن» .

وقد كانت دعوته صلى الله عليه وسلم الملوك إلى الإسلام بالكتابة كما هو معلوم.

وأبعد من ذلك، ما جاء في قصة أسارى بدر، حيث كان يفادي بالمال من يقدر على الفداء، ومن لم يقدر، وكان يعرف الكتابة كانت مفاداته أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك.
وكان ممن تعلم: زيد بن ثابت وغيره.

فإذا كان المسلمون وهم في بادئ أمرهم وأحوج ما يكون إلى المال والسلاح، بل واسترقاق الأسارى، فيقدمون تعليم الغلمان الكتابة على ذلك كله، ليدل على أمرين:

أولهما: شدة وزيادة العناية بالتعليم.

وثانيهما: جواز تعليم الكافر للمسلم ما لا تعلق له بالدين، كما يوجد الآن من الأمور الصناعية، في الهندسة، والطب، والزراعة، والقتال، ونحو ذلك.

وقد كثر المتعلمون بسبب ذلك، حتى كان عدد كتاب الوحي اثنين وأربعين رجلا، ثم كان انتشار الكتابة مع الإسلام، وجاء النص على الكتابة في توثيق الدين في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه))[البقرة: 282] الآية، وهي أطول آية في كتاب الله تعالى رسمت فيها كتابة العدل الحديثة كلها» اهـ.

والأمية في غيره صلى الله عليه وسلم نقيصة وفي حقه مدحة وكمال، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في «الإخنائية»(ص225):

«وكذلك إذا وصف صلى الله عليه وسلّم بأنه أمّيّ كما وصفه الله بذلك؛ فهي مدحة له وفضيلة ثابتة فيه وقاعدة معجزته إذ معجزته العظيمة في القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم مع ما منح صلى الله عليه وسلّم وفضّل به من ذلك، كما قدمناه في القسم الأول.
ووجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ ولم يكتب ولم يدارس ولا لقّن مقتضى [كذا ولعله: مقتض] العجب، ومنتهى العبر، ومعجزة البشر. وليس في ذلك نقيصة، إذ المطلوب من الكتابة والقراءة المعرفة، وإنما هي آلة لها وواسطة موصلة إليها غير مرادة في نفسها، فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغنى عن الواسطة والسبب؛ والأمية في غيره نقيصة لأنها سبب الجهالة وعنوان الغباوة. فسبحان من باين أمره من أمر غيره، وجعل شرفه فيما فيه محطة سواه...».


فصل
ظهور القلم

إن من أشراط الساعة التي أخبر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم فشو القلم وظهور الكتابة، فقد روى الإمام أحمد في «مسنده»(برقم: 3870) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم». وفسر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- «ظهور القلم» بأنها الكتابة، وحكم على إسناده بالصحة.

وعند النسائي في «سننه»(برقم: 6005) عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر، وتفشو التجارة، ويظهر العلم، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد». وصححه الشيخ الإثيوبي حفظه الله في «ذخيرة العقبى»(34/106).

قال الشيخ التويجري –رحمه الله- في كتابه: «إتحاف الجماعة»(2/110):
«قوله في رواية النسائي: «ويظهر العلم» معناه والله أعلم ظهور وسائل العلم، وهي كتبه، وقد ظهرت في هذه الأزمان ظهورا باهرا، وانتشرت في جميع أرجاء الأرض، ومع هذا فقد ظهر الجهل في الناس وقل فيهم العلم النافع، وهو علم الكتاب والسنة والعمل بهما، ولم تعن عنهم كثرة الكتب شيئا».

فرع
وقد ذكر العلماء –رحمهم الله- أنه لا تعارض بين هذا الحديث، وبين حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل...».

فقال الشيخ الألباني –رحمه الله- في «سلسة الأحاديث الصحيحة»(6/635):

«ففي الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى!

فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.

ولا يخالف ذلك –كما قد يتوهم البعض- ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل، لأن المقصود به العلم الشرعي الذي يعرف به الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية إلا ما قل وندر وذلك مما لا حكم له».

وقال الشيخ محمد علي آدم الإثيوبي –حفظه الله- في «ذخيرة العقبى»(34/105) مؤكدا:

«ولا تنافي بينه وبين حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا»، متفق عليه فإن المراد به العلم الديني، فالناس جهلاء في أمور دينهم، لبعدهم عنه، علماء بأمور دنياهم لانهماكهم في حب الدنيا، وانشغالهم بها».

وجمع فضيلة الشيخ الوالد أبو عبد المعز محمد علي فركوس –حفظه الله- بين الحديثين بوجه آخر؛ فقد سئل يوم الأربعاء 08 من رمضان عام 1434هـ بعد صلاة الصبح:

كيف يجمع بين ما ورد أن من أشراط الساعة فشو الجهل، وفشو الكتابة؟

فأجاب: من أشراط الساعة ظهور القلم أي: فشو الكتابات فكل الناس يكتبون، وهذا ملاحظ، فيكتب فيها العالم والجاهل، وغالبهم في آخر الزمان هم الجهال. اهـ

فظهر بهذه النقول عن المشايخ حفظ الله الأحياء ورحم الله من مات، أن من أشراط الساعة فشو القلم وهو الكتابة وأكثر من يكتب في آخر الزمان هم الجهال بأمور دينهم.


فصل
بعض أصناف الكتاب
إنَّ الناظر في مصنَّفات الأئمة والعلماء ليدرك ما للكتابة من أهمية في الذَّب عن الإسلام وحياضه فإنهم –رحمهم الله- كتبوا كتبا كثيرة ورسائل جمة في نصرة الدِّين وتقرير أصوله ومعالمه في شتى الفنون إما تقريرا أو ردا على المبطلين من الكفار كاليهود والنصارى أو من المبتدعة على اختلاف أصنافهم.

فقام الأولون بهذا الأمر خير قيام، ولا زال من بعدهم يسيرون على منوالهم ودربهم، وتوالت السنون تلو السنون، إلى أن استجدت الوسائل وظهرت ما لم يكن موجودا قبل مما يسهل الكتابة ونشرها، ومع تعدد هذه الوسائل تعدد الكتَّاب واختلفت أصنافهم وتنوعت مشاربهم، بين كاتب بعلم وعدل، وكاتب بظلم وجهل، وبينهما مراتب تلحق بالأقرب منهما، ولو انبرى أحد الإخوان لجمعِ مقال في أصنافهم لكان شيئا طيبا.

ومما سهل في انتشار القلم وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية وما حوته من فروعها وخيوطها، فكما أنها ساهمت في نشر الخير ويسرت سبله، كذلك روجت للباطل ورسمت طريقه.

ويمكن تقسيم بعض الكتاب في هذا الزمان إلى صنفين تحت كل صنف أقسام:

1-الصنف الأول: كاتب بعلم وعدل.

والأقسام المندرجة تحت هذا الصنف ثلاثة:

أ‌-العلماء وطلاب العلم المتمكِّنون:

وهو أشرف الأقسام وأفضلها وأكملها وأعلاها، فهي كتابات من أوتي علما، وفهما، واستنباطا، وأحاط بما يكتب فيه إحاطة، فإذا كتب إما تقريرا أو ردا أو نصحا وإرشادا، فتجد أن كتابته قد بلغت ذروتها، وآتت ثمرتها، ويغني عن وصفها النظر في حالها.

ب‌-طلبة العلم المتوسطون:

فهذا القسم لم يبلغ درجة الأوائل، ولكن عنده من الآلة ما يمكنه من الكتابة كمعرفة مظان المسائل التي يكتب فيها، والفهم، وحسن الانتقاء والترتيب ونحوها، وحق هذا الصنف التحفيز والحث على الكتابة تعاونا على البر والتقوى، وأن يؤخذ بأيدهم حتى ينفع الله بهم.

ت‌-طلبة العلم المبتدئون:

وهذا القسم لم يحصل الملكة الكاملة التي يمكنه الاستقلال من خلالها بالكتابة وتوجيه الأقوال وبيان الاعتراضات الواردة والإشكالات الطارئة والإجابة عنها.

ومع ذلك بإمكانه نقل الفوائد والدرر مما يسمعه من العلماء أو يقرأه، ويقتدر على نظمها في سلك واحد متصلا بعضها ببعض.

2-الصنف الثاني: كاتب بجهل وظلم.

ويندرج تحته قسمان:

أ‌-الجهال:

فيشتمل على أهل الجهل ممن يكتب على بعض الصُّحف والمجلات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ممن لا فهم ولا دراية له إذا كتب، ولا تمييز له إذا نقل، وقد يضم إلى جهله تعالما ظاهرا، فما أصدق قول القائل فيهم:

حمار في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو غرّقت ثوبك في المداد

ب‌-أهل الأهواء والبدع:

وهو آخر الأقسام وشرُّها وأخطرها، وهم وإن كانوا داخلين في القسم الأول من الجهال إلا أنني أفردتهم بالذكر، فتأثيرهم على الناس أكبر من تأثير الجهال عليهم، فالجاهل حاله ظاهر إلا على من أجهل منه، أما المبتدع فمثله كالعقرب تخفي ذيلها حتى إذا تمكنت لذعت، وإذا كان هذا حالهم فلا ينبغي النظر في كتاباتهم إلا لمميز متقن.

وهم مع اختلاف مشاربهم، وتنوع مذاهبهم، قد اجتمعوا على محاربة الحق ونصب العداء له، ولا يضر ذلك الحق وأهله شيئا، بل هو مما يزيد الحق ثباتا وظهورا، يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي –رحمه الله-:

«...فما زال الخير يبتلى بالشر ليزداد الخير ثبوتا في نفسه وثباتا في نفوس الخيرين، وما زال الباطل يقف في جنب الحق لا ليعارضه ولكن ليكون حجة ناطقة على أن الحق هو الحق»["آثار العلامة محمد البشير الإبراهيمي" (1/91)].


وختاما فيظهر من خلال ما سبق العناية بالكتابة والحرص عليها كونها إحدى وسائل الدَّعوة إلى الله عز وجل ونشر العلم لا سيما في هذا الزَّمان الذي انتشر فيه القلم، فعلى من نصح لنفسه وللمسلمين أن يجتهد في تقرير الحق بكتاباته ومناصرته والذب عنه وعن حامليه وليبذل دون ذلك الغالي والنفيس -وإن لم يكن كاتبا فقارئا محفزا لا مثبطا- وليساهم في نشر الخير الذي يعود عليه بالأجر العميم فـ«من دل على خير فله مثل أجر فاعله»[مسلم برقم: 1893] والكتابات والمقالات مما يبقى نفعه لصاحبه حتى بعد موته كما ورد «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة» وفيه: «أو علم ينتفع به»[مسلم برقم: 1631].

ثم إنني أعتذر للإخوان حفظهم الله إذ خضت غمار الموضوع وحقه أن يكتب فيه من هو أكبر وأعلم مني، ولم أوف المقام حقه ولا قاربت.

كما أشكر مَن(2) قدم يد العون والمساعدة بقراءة الموضوع والنَّظر فيه وتصويب ما وقع فيه من خلل أو نقص، فجزاهم الله خيرا وبارك فيهم.

وأسأل الله تعالى أن يتجاوز عني وأن يغفر لي ما قدمت وما أخرت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وما من كاتب إلّا ستبقى ... كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه

=======

(1)أكبر سبب داع لكتابة المقال سماع كلمات من فِي الشَّيخ خالد حمودة –حفظه الله ووفقه- في محاضرته التي ألقاها بالحي الجامعي بوراوي عمار بالحراش في الدروة العلمية التي أقيمت تحت شعار: «فضل الصحابة رضي الله عنهم» وكان المجلس بعنوان: «بيان فضل الصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه» فذكر: (أنَّ حسان بن ثابت رضي الله عنه رزقه الله تعالى حسن البيان فسخره في الدفاع عن الإسلام وأهله، وهذا الأمر عظمت أهميته في هذا الزمان إذ إنه زمان شاعت فيه الكلمة وانتشر القلم فما نصر الإسلام في هذا الوقت بمثل الكلمة وما حورب بأشد منها) فبعد سماعي لمثل هذه الكلمات أحببت جمع نبذ يسيرة مما له علاقة بالمقام.
(2)أخص بالذكر منهم أخي الفاضل مهدي البجائي –حفظه الله ووفقه-.


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 09 Jun 2014 الساعة 12:35 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07 Jun 2014, 11:29 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جديَّة الموضوع وجمال الأسلوب وجودة العرض، ثلاث جيمات قلَّ أن أظفر بها مجتمعة في مقالات إخواننا سددهم الله، وهي بحمد الله آخذٌ بعضها بحجُز بعض في هذه المقالة الباسقة أغصان فصولها، الوارفة ظلال فوائدها، فبارك الله فيك أبا حذيفة.
ولو علم المتكلم أن في الحاضرين من يبني على إشاراته مقالا، وينفخ من ذرات كلماته جبالا، لحبره حتى لا يدع للإخلال مجالا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07 Jun 2014, 12:08 PM
مهدي بن صالح البجائي مهدي بن صالح البجائي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 591
افتراضي

ما أحسن وأجمل بطالب العلم السلفي أن تكون اهتماماته سليمة ومثمرة، فيأخذ من العلم أقومه ويتبع من القول أحسنه، وهل ساد من ساد إلا بحسن اختيار وسلامة طوية وعلو همة، والله المستعان.

ومن أنفس ما سمعت عند الشيخ الفاضل أبي أسامة -حفظه الله- في دورة وهران قوله نقلا عن ابن رجب -رحمه الله- :" أن أهل اليمن كانوا يحرصون على العلوم ما يقوي إيمانهم".

جزاك الله خيرا أخي فتحي.

التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن صالح البجائي ; 07 Jun 2014 الساعة 12:32 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07 Jun 2014, 12:44 PM
أبوعبدالرحمن عبدالعزيز الونشريسي أبوعبدالرحمن عبدالعزيز الونشريسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 8
افتراضي

اللهم بارك . حفظكم الله جميعا وسدد خطاكم .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07 Jun 2014, 05:37 PM
عماد معوش عماد معوش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 92
افتراضي

أسأل الله أن يجعل شعلتك دائمة الانارة لأخوانك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07 Jun 2014, 06:09 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم على التَّشجيع والمساندة، والدَّعوات الطيبات، فأسأل الله أن يحفظكم وأن يبارك فيكم وأن يوفقكم لكل خير.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08 Jun 2014, 12:23 PM
محمد طيب لصوان محمد طيب لصوان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 219
افتراضي

جزاك الله خيرا فتحي ، فقد أوتيت في مقالك حسن منطق و بيان، و هذه نعمة عظيمة تستوجب شكر الرحمن، فنسأل الله أن يوفقك لخدمة الإسلام.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 08 Jun 2014 الساعة 12:53 PM
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08 Jun 2014, 12:55 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي فتحي على مقالك المفيد

وأرجو من المعلقين ألاّ يذبحوا الرجل!
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08 Jun 2014, 03:38 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وجزاك خيرًا أخي الفاضل الطَّيب على حسن ظنك، وجميل أدبك، وبارك الله في الشيخ محمد مرابط وحفظه وجزاه خيرا على التنبيه.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08 Jun 2014, 04:03 PM
أبو سهيل عبد الوهاب أبو سهيل عبد الوهاب غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 128
افتراضي

وما من كاتب إلّا ستبقى ... كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه
كتبت أخي فتحي فأفدت أسأل الله أن يجعل مقالك هذا ممّا يسرّك أن تراه يوم القيامة
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 08 Jun 2014, 04:15 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سهيل عبد الوهاب مشاهدة المشاركة
وما من كاتب إلّا ستبقى ... كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه
كتبت أخي فتحي فأفدت أسأل الله أن يجعل مقالك هذا ممّا يسرّك أن تراه يوم القيامة
تعليقك أخي أبا سهيل قليل مبناه كثير معناه فجزاك الله خيرا، وأرجو الله ذلك.

التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 08 Jun 2014 الساعة 04:21 PM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10 Jun 2014, 04:29 PM
عبد الغني بلوط عبد الغني بلوط غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
المشاركات: 59
افتراضي

جزاك الله خييراً أخي فتحي وفقك الله
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 01 Apr 2015, 01:48 PM
إسحاق بارودي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي إدريس

فيما يخص ما نقلته "وعند النسائي في «سننه»(برقم: 6005) عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر، وتفشو التجارة، ويظهر العلم، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد». وصححه الشيخ الإثيوبي حفظه الله في «ذخيرة العقبى»(34/106)."

هذا الحديث صححه العلامتين الألباني والوادعي رحمهما الله

الألباني في : صحيح النسائي 4468 وفي السلسلة الصحيحة 6/631 (قال صحيح لما يقويه )
الوداعي في :صحيح المسند 1005 وفي صحيح دلائل النبوة 631


كما وجدت في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ، نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، نا أَبِي ، نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الحسن ، عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفِيضَ الْمَالُ ، وَتَفْشُو التِّجَارَةُ ، وَيَظْهَرَ الْعِلْمُ أَوِ الْقَلَمُ " ، قَالَ : قَالَ عَمْرٌو : فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ ، فَيَقُولُ : حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلانٍ ، وَيَلْتَمِسُ فِي الْجَوِّ الْعَظِيمِ الْكَاتِبَ فَلا يُوجَدُ

يعني جعل المقطع الأخير من الحديث من كلام الصحابي بن تغلب رضي الله عنه

و في تصحيفات المحدثين للعسكري قال : قوله : القَلَم القاف مفتوحة واللام مفتوحة ، ومن لا يميز يصحفه بالعلِم ، فيقلب المعنى واللفظ ، وإِنما أَراد صلى الله عليه وسلم القلم الَّذِي يكتب به.

قالَ عمرو بْن تغلب : إِن كان الرجل ليبيعُ البيعَ فيقول حَتَّى أَستأْمِر تاجر بني فلان ، ويلتمس فِي الحِواءِ العظيم الكاتب فلا يوجد وَفِي حديث آخر : " وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ وَيُوضَعُ الْجَهْلُ ".

وليس من هَذَا فِي شيءٍ.


وقال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم 647 :(.....و قد وجدت لآخر الحديث شاهدا من حديث عمرو بن تغلب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “ .... و إن من أشراط الساعة أن يكثر التجار , و يظهر القلم “ . أخرجه الطيالسي في “ مسنده “ ( 1171 ) : حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال : قال عمرو بن تغلب به . و من طريق الطيالسي أخرجه ابن منده في “ المعرفة “ ( 2 / 59 / 2 ) . قلت : و ابن فضالة - و اسمه مبارك - صدوق , و لكنه يدلس , و كذلك الحسن و هو البصري , لكن هذا قد صرح بالتحديث عن عمرو في “ مسند أحمد “ ( 5 / 69 ) و قد أخرج الطرف الأول من الحديث)

والله أعلم
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 21 Apr 2015, 08:54 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وجزاك الله خيرًا أخي عبد الغني.

بارك الله فيك أخي الفاضل إسحاق على ما أتممت به الكلام عن الحديث، فحفظك الله ووفقك لكل خير.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 Apr 2015, 11:02 PM
أبو زيد رياض الجزائري أبو زيد رياض الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: تنس
المشاركات: 221
افتراضي

جزاك الله خيراً أخي فتحي وفقك الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, تزكية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013