منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Feb 2014, 03:37 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي التعليق على أبيات المنسوخ للحافظ السيوطي رحمه الله

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد :
فقد نظم الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ الآيات المنسوخة في القرآن ، وقد وضع عليها الإمام الشنقيطي ـ رحمه الله ـتعليقا عليها ، كما هو مذكور في تتمة الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ لأضواء البيان وقال: " تمت بحول الله رسالة فضيلة الشيخ محمد الأمين المختصرة في بيان أبيات السيوطي الرمزية تقريباً في هذا الفن ، وهي على إيجازها واختصارها كافية شافية للطالب الدارس ، أملاها عليَّ فضيلته في ذي الحجة سنة 1373هـ".
قلت: وقد رمزت لها بقولي: قال الشنقيطي رحمه الله، وقد أضفت بعض التعليقات من جملة من التفاسير المشهورة لبيان ما اتفق على نسخه مما اختلف فيه، ومن سلك مسلك الجمع في ذلك ، وقد أكتفي بأحدها، كل هذا مذاكرة لإخواني المسلمين، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ في الإتقان في علوم القرآن:
قَدْ أكْثَرَ النَّاسُ في المَنْسُوخِ مِنْ عَدَدِ *** وأدْخَلُوا فِيــهِ آياً لَيْسَ تَنْحَصِــــرُ
وهَاكَ تَحْـرِيرَ آيٍ لا مَـزِيـدَ لَهَا *** عِشْرِينَ حَرَّرَهَا الحُذَّاقُ والكُبَـــــرُ
آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كـانَ وأِنْ *** يُوصِي لأهْلِهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ
وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَــــــــــــــعْ رَفَثٍ *** وفِـــــــــــــدْيَةٍ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِـــرُ
وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ فِي أَثَـــــــــــــرٍ *** وفي الحَـــــــــــــــــــرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَـــرُوا
والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَـــعْ وَصِيَّتِهَا *** وأنْ يــــــــــــــُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَــرُ
والحِلْفُ والحَبْسُ للزَّانِي وتَرْكُ أُولِي *** كُـــــــــــــفْرٍ وإشْهَادُهُمْ والصَّبْرُ والنَّفَــرُ
ومَنْعُ عَقْدٍ لِـزَانٍ أوْ لِـــــــــــــــــــــــــــــــــزَانِيَةٍ*** ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ
ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ وآيَةُ نَجْـ ـــــــــــــــ*** ــــــــــــــــــــوَاهُ كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ مُسْتَطَـــرُ
وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ من مَلَكَـــتْ *** وآيَةُ القِسْمَةِ الفُضْلَى لِمَنْ حَضَرُوا

الشرح:
******

آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كـانَ وأِنْ *** يُوصِي لأهْلِهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ
(آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كـانَ) :

قال الشنقيطي رحمه الله: يشير إلى قوله تعالى: { فأينما تولوا فثم وجه الله } منسوخة على رأي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله تعالى: { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام }".
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص: ): "{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا } وجوهكم من الجهات، إذا كان توليكم إياها بأمره، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة، فيتحرى الصلاة إليها، ثم يتبين له الخطأ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا، وبكل حال، فما استقبل جهة من الجهات، خارجة عن ملك ربه".قال ابن عباس: "أول ما نسخ من القرآن القبلة" والله أعلم.
(وأِنْ يُوصِي لأهْلِهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ) :
قال الشنقيطي رحمه الله: "أشار به إلى أن آية { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية } الآية ، منسوخة ، قيل : بآية المواريث ، وقيل : بحديث :" لا وصية لوارث " ، وقيل : بالإجماع ، حكاه ابن العربي" .
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 70): "واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث، وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين، مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل، والأحسن في هذا أن يقال: إن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة، ردها الله تعالى إلى العرف الجاري، ثم إن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث، بعد أن كان مجملا وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما ممن حجب بشخص أو وصف، فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره، وهذا القول تتفق عليه الأمة، ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين، لأن كلا من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظا، واختلف المورد.
فبهذا الجمع، يحصل الاتفاق، والجمع بين الآيات، لأنه مهما أمكن الجمع كان أحسن من ادعاء النسخ، الذي لم يدل عليه دليل صحيح".
******

"وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَـعْ رَفَثٍ *** وفِدْيَةٍ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِـــرُ"
(وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَـعْ رَفَثٍ):

قال الشنقيطي رحمه الله: يشير إلى أن آية :{ كتب عليكم الصيام } المتضمنة حرمة الأكل والجماع بعد النوم كما في صوم من قبلنا ؛ منسوخة بآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم }.
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص:72): ".كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضهم، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به".فنزل قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } .
تنبيه:
قال ابن سعدي رحمه الله: "ولما كان إباحة الوطء في ليالي الصيام ليست إباحته عامة لكل أحد، فإن المعتكف لا يحل له ذلك، استثناه بقوله: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } أي: وأنتم متصفون بذلك".
(فِدْيَةٍ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِـــرُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن آية: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } منسوخة بآية :{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ، وقيل : محكمة ، و " لا " مقدرة ، يعني : وعلى الذين لا يطيقونه".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 71): " وقوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي: يطيقون الصيام { فِدْيَةٌ } عن كل يوم يفطرونه { طَعَامُ مِسْكِينٍ } وهذا في ابتداء فرض الصيام، لما كانوا غير معتادين للصيام، وكان فرضه حتما، فيه مشقة عليهم، درجهم الرب الحكيم، بأسهل طريق، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم، وهو أفضل، أو يطعم، ولهذا قال: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } ، ثم بعد ذلك، جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق، يفطر ويقضيه في أيام أخر.
وقيل: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي: يتكلفونه، ويشق عليهم مشقة غير محتملة، كالشيخ الكبير، فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح.
{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } أي: الصوم المفروض عليكم، هو شهر رمضان، الشهر العظيم، الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم، وهو القرآن الكريم، المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية، وتبيين الحق بأوضح بيان، والفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأهل السعادة وأهل الشقاوة.
فحقيق بشهر، هذا فضله، وهذا إحسان الله عليكم فيه، أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام.
فلما قرره، وبين فضيلته، وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر.
ولما كان النسخ للتخيير، بين الصيام والفداء خاصة، أعاد الرخصة للمريض والمسافر، لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة".
فائدة:
قال ابن سعدي رحمه الله: " { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها، لأن تفاصيلها، جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات".
******

"وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ فِي أَثَـــرٍ *** وفي الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَــرُوا"
(وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ فِي أَثَـــرٍ):

قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن قوله تعالى: { اتقوا الله حق تقاته } منسوخ بقوله: { فاتقوا الله ما استطعتم } ، وقيل : محكمة ."
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 125): " هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة، وتقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود: "وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر"، وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها، فكما قال تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه".
قلت: فسلك رحمه الله مسلك الجمع - كما هي القاعدة - وأثر ابن مسعود رضي الله عنه قال عنه في "المجمع": رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح والآخر ضعيف. اهـ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: حديث صحيح وسنده على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي .
(في الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَــرُوا):
قال الشنقيطي رحمه الله: " يشير إلى أن قوله تعالى: { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } ، وقوله { ولا الشهر الحرام } منسوخان بقوله تعالى: { وقاتلوا المشركين كافة } الآية ، أخرجه ابن جرير عن عطاء بن ميسرة".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 81): " الجمهور على أن تحريم القتال في الأشهر الحرم، منسوخ بالأمر بقتال المشركين حيثما وجدوا، وقال بعض المفسرين: إنه لم ينسخ، لأن المطلق محمول على المقيد، وهذه الآية مقيدة لعموم الأمر بالقتال مطلقا؛ ولأن من جملة مزية الأشهر الحرم، بل أكبر مزاياها، تحريم القتال فيها، وهذا إنما هو في قتال الابتداء، وأما قتال الدفع فإنه يجوز في الأشهر الحرم، كما يجوز في البلد الحرام".
******
"والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَـــعْ وَصِيَّتِهَا *** وأنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَــرُ"
(والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَـــعْ وَصِيَّتِهَا):

قال الشنقيطي رحمه الله: " يعني أن قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم } الآية ، منسوخ بقوله: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 90): " وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج، ومراعاة للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم".
وقال ابن عباس وغيره: "إنها منسوخة". والله أعلم.
(وأنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَــرُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى قوله تعالى: { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } منسوخ بقوله تعالى: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }".
* قلت: وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم" رواه رواه أحمد والبخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو في: "صحيح الجامع"، وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهم.
قال ابن سعدي رحمه الله (ص:103/104): " لما نزل قوله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } شق ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي: أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى { ما جعل عليكم في الدين من حرج } فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم".
*******
"والحِلْفُ والحَبْسُ للزَّانِي وتَرْكُ أُولِي *** كُفْرٍ وإشْهَادُهُمْ والصَّبْرُ والنَّفَــرُ"

(والحِلْفُ ):
قال الشنقيطي رحمه الله: " أي المحالفة ، يشير إلى قوله تعالى: { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } منسوخة بقوله تعالى: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } الآية" .
*عن ابن عباس قال: "{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل، يقول: ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ حِلْف كان في الجاهلية أو عَقْد أدْرَكَه الإسلامُ، فلا يَزِيدُه الإسلامُ إلا شدَّةً، ولا عَقْد ولا حِلْفٌ في الإسلامِ". فنسختها هذه الآية: { وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }".
قلت: وفيه عثمان بن عطاء متروك، والأثر عند ابن أبي حاتم رحمه الله في التفسير.
وذهب ابن المسيب وابن جرير وابن سعدي رحمهم الله إلى عدم النسخ، قالوا: "أن الآية دلت على الحلف المعقود على المعاونة والنصرة والنصيحة، فالآية محكمة لا منسوخة" والله أعلم.
(والحَبْسُ للزَّانِي) :
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن قوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت } منسوخ بقوله تعالى: { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 152): "وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن".
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد أو الرجم"، وهو قول غير واحد من السلف، وقال ابن كثير: "وهو أمر متفق عليه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة"رواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبوداود وهذا لفظه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(وتَرْكُ أُولِي كُفْرٍ):
قال الشنقيطي رحمه الله: " يشير إلى قوله تعالى: { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } منسوخ بقوله تعالى: { وأن احكم بينهم بما أنزل الله}".
*قلت: وهو قول ابن عباس ومجاهد وغير واحد من السلف والله أعلم.
قال ابن سعدي رحمه الله (ص:210): "وليست هذه منسوخة، فإنه-عند تحاكم هذا الصنف إليه- يخير بين أن يحكم بينهم، أو يعرض عن الحكم بينهم، بسبب أنه لا قصد لهم في الحكم الشرعي إلا أن يكون موافقا لأهوائهم".
(وإشْهَادُهُمْ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن قوله تعالى: { أو آخران من غيركم } منسوخ بقوله تعالى: { واشهدوا ذوي عدل منكم}."
* قلت: وهو قول ابن عباس والنخعي والله أعلم.
قال ابن سعدي رحمه الله (ص:225): "وحاصل هذا، أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين- أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين، فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما، فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين، فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله: لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون، وهذه الآيات الكريمة نزلت في قصة "تميم الداري" و "عدي بن بداء" المشهورة حين أوصى لهما العدوي، والله أعلم".
فذهب ابن سعدي رحمه الله إلى أن الآية محكمة وليست منسوخة، وهو قول الأكثر، وإليه ذهب ابن جرير رحمه الله، وقال ابن كثير رحمه الله: "وهكذا قرر هذا الحكم على مقتضى هذه الآية غير واحد من أئمة التابعين، والسلف رضي الله عنهم وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله".
(والصَّبْرُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير به إلى قوله تعالى: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } الآية ، منسوخ بما بعده وهو قوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين }."
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص:303): "ثم إن هذا الحكم خففه اللّه على العباد فقال: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } فلذلك اقتضت رحمته وحكمته التخفيف".
"وعن ابن عباس قال: لما نزلت: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } إلى قوله: { يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قال: خفف الله عنهم من العدة، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفًا، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدو لهم لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم قتالهم، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم"اهـ من تفسير ابن كثير رحمه الله.
(والنَّفَــرُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: " يشير إلى أن قوله تعالى: { انفروا خفافاً وثقالاً } منسوخ بقوله تعالى: { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } الآية ، أو :{ ليس على الأعمى حرج } الآية ، أو قوله تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } الآية."
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص: 315): "{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } أي: في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والحر والبرد، وفي جميع الأحوال"، ولم يذكر نسخا، وهو قول ابن عباس ومجاهد والحسن البصري الأوزاعي وغير واحد، واختاره ابن جرير.
وروي عن ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وعطاء الخرساني وغيرهم: "أنها منسوخة" بقوله تعالى: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ }.
قال السدي رحمه الله: "{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله، فقال: { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ }" والله أعلم.
******
"ومَنْعُ عَقْدٍ لِـزَانٍ أوْ لِــــزَانِيَةٍ *** ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ"
(ومَنْعُ عَقْدٍ لِـزَانٍ أوْ لِــــزَانِيَةٍ) :

قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى قوله تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } الآية ، منسوخة بقوله تعالى: { وانكحوا الأيامى منكم } الآية".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص:539): "{ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } يحتمل أن المراد بالصالحين، صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء -وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا- مأمور سيده بإنكاحه، جزاء له على صلاحه، وترغيبا له فيه، ولأن الفاسد بالزنا، منهي عن تزوجه، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة، أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة، ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليه من العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه، قبل حاجته إلى الزواج. ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما، والله أعلم".
"وعن ابن عباس، رضي الله عنهما بإسناد صحيح : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } قال: "ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك"، ، وقد رُوي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعُرْوَة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومُقَاتِل بن حَيَّان، وغير واحد، نحوُ ذلك" .
"وذهب الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح، حتى يتوب توبة صحيحة؛ لقوله تعالى: { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }".
وقال ابن كثير رحمه الله: "وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب. قال: ذُكر عنده { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } قال: كان يقال: نسختها الآية التي بعدها: { وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ } قال: كان يقال الأيامى من المسلمين، وهكذا رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب: "الناسخ والمنسوخ" له، عن سعيد بن المسيب. ونص على ذلك – أيضا - الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله"اهـ .
(ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ) :
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى قوله تعالى: { لا يحل لك النساء من بعد } الآية ، منسوخ بقوله تعالى: { إنا أحللنا لك أزواجك } الآية".
* قال ابن سعدي رحمه الله (ص:638): "{ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، وهذا شكر من اللّه، الذي لم يزل شكورًا، لزوجات رسوله، رضي اللّه عنهن، حيث اخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، أن رحمهن، وقصر رسوله عليهن فقال: { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } زوجاتك الموجودات { وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } أي: ولا تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها، فحصل بهذا، أمنهن من الضرائر، ومن الطلاق، لأن اللّه قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، لا يكون بينه وبينهن فرقة، { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } أي: حسن غيرهن، فلا يحللن لك { إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أي: السراري، فذلك جائز لك، لأن المملوكات، في كراهة الزوجات، لسن بمنزلة الزوجات، في الإضرار للزوجات. { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } أي: مراقبًا للأمور، وعالمًا بما إليه تؤول، وقائمًا بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن إحكام"، فذهب إلى عدم النسخ.
قال ابن كثير رحمه الله: "ذكر غير واحد من العلماء -كابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وابن جرير، وغيرهم -أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضًا عنهن، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في الآية. فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان جزاؤهن أن الله قَصَره عليهن، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حجر عليه فيهن. ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر في ذلك ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تَزَوّج لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن".
ثم قال رحمه الله: "وقال آخرون: بل معنى الآية: { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أي: من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك، وبنات العم والعمات والخال والخالات والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك. هذا مرويّ عن أبي بن كعب، ومجاهد، وعِكْرِمة، والضحاك -في رواية -وأبي رَزِين -في رواية عنه -وأبي صالح، والحسن، وقتادة -في رواية -والسدي، وغيرهم".
ثم قال رحمه الله: "واختار ابن جرير، رحمه الله، أن الآية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء، وفي النساء اللواتي في عصمته وكن تسعا. وهذا الذي قاله جيد، ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف؛ فإن كثيرا منهم روي عنه هذا وهذا، ولا منافاة، والله أعلم.
ثم أورد ابن جرير على نفسه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وعزم على فراق سودة حتى وهبته يومها لعائشة، ثم أجاب بأن هذا كان قبل نزول قوله: { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } ، وهذا الذي قاله من أن هذا كان قبل نزول الآية صحيح، ولكن لا يحتاج إلى ذلك؛ فإن الآية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته، وأنه لا يستبدل بهن غيرهن، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال، والله أعلم"اهـ.
******
"ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ وآيَةُ نَجْــ *** ـوَاهُ كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ مُسْتَطَـــرُ"
(ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ):

قال الشنقيطي رحمه الله: " يشير إلى أن قوله تعالى: { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } منسوخ ، قيل : بآيات السيف ، وقيل : بآيات الغنيمة"
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص:820):" { فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } كما تقدم أن الكفار إذا كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين، فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار وفاتت عليه، لزم أن يعطيه المسلمون من الغنيمة بدل ما أنفق".
قال أبو الفرج ابن الجوزي في "زاد المسير": " وذكر بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت في "عياض بن غنم" ، كانت زوجته مسلمة ، وهي "أم الحكم بنت أبي سفيان "، فارتدَّتْ ، فلحقت بمكة ، فأمر الله المسلمين أن يعطُوا زوجها من الغنيمة بقدر ما ساق إِليها من المهر ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { براءة من الله ورسوله } إِلى رأس الخمس".
ثم قال:" قال القاضي أبو يعلى : وهذه الأحكام في أداء المهر ، وأخذه من الكفار ، وتعويض الزوج من الغنيمة ، أومن صداق قد وجب ردُّه على أهل الحرب ، منسوخة عند جماعة من أهل العلم . وقد نص أحمد على هذا . قلت : وكذا قال مقاتل : كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف"اهـ.
وفي "فتح القدير": " قال قتادة ، ومجاهد : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة ، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح"اهـ.

(وآيَةُ نَجْـــوَاهُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن قوله تعالى: { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } منسوخ بقوله تعالى: { فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } ، وبقوله: { فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم }".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص:810): " { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }: يأمر تعالى المؤمنين بالصدقة، أمام مناجاة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تأديبا لهم وتعليما، وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا التعظيم، خير للمؤمنين وأطهر أي: بذلك يكثر خيركم وأجركم، وتحصل لكم الطهارة من الأدناس، التي من جملتها ترك احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والأدب معه بكثرة المناجاة التي لا ثمرة تحتها، فإنه إذا أمر بالصدقة بين يدي مناجاته صار هذا ميزانا لمن كان حريصا على الخير والعلم، فلا يبالي بالصدقة، ومن لم يكن له حرص ولا رغبة في الخير، وإنما مقصوده مجرد كثرة الكلام، فينكف بذلك عن الذي يشق على الرسول، هذا في الواجد للصدقة، وأما الذي لا يجد الصدقة، فإن الله لم يضيق عليه الأمر، بل عفا عنه وسامحه، وأباح له المناجاة، بدون تقديم صدقة لا يقدر عليها.
ثم لما رأى تبارك وتعالى شفقة المؤمنين، ومشقة الصدقات عليهم عند كل مناجاة، سهل الأمر عليهم، ولم يؤاخذهم بترك الصدقة بين يدي المناجاة، وبقي التعظيم للرسول والاحترام بحاله لم ينسخ".
وقيل: لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والله أعلم.

(كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ مُسْتَطَـــرُ):
قال الشنقيطي رحمه الله: "يشير إلى أن قوله: { يا أيها المزمل قم الليل } منسوخ بقوله تعالى: { علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن } ، وبقوله تعالى: { فاقرؤوا ما تيسر منه}. وهذا الناسخ أيضاً منسوخ بالصلوات الخمس".
*قال ابن سعدي رحمه الله (ص:855): "ذكر الله في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه، والأصل أن أمته أسوة له في الأحكام، وذكر في هذا الموضع، أنه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين.
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال: { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى.
{ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } أي: لن تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي: فخفف عنكم، وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص، { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم، ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا، فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة".
وقال ابن عطية في "تفسيره" : "وقال آخرون : كان فرضاً في وقت نزول هذه الآية، واختلف هؤلاء فقال بعضهم : كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وبقي كذلك حتى توفي عليه السلام ، وقيل : بل نسخ عنه ولم يمت إلا والقيام تطوع ، وقال بعضهم : كان فرضاً على الجميع ودام الأمر على ما قال سعيد بن جبير عشر سنين ، وقالت عائشة وابن عباس دام عاماً ، وروي عنها أيضاً ثمانية أشهر ثم رحمهم الله تعالى . فنزلت: { إن ربك يعلم أنك تقوم } فخفف عنهم. وقال قتادة بقي عاماً أو عامين"اهـ.
******
وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ مَا مَلَكَـــتْ *** وآيَةُ القِسْمَةِ الفُضْلَى لِمَنْ حَضَرُوا
(وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ مَا مَلَكَـــتْ)
:
قال الشنقيطي رحمه الله: "آية الاستئذان: { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } والأصح فيها عدم النسخ ، لكن تساهل الناس بالعمل بها".
*قال ابن كثير رحمه الله: " ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء، وكان عمل الناس بها قليلا جدًا، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس".
(آيَةُ القِسْمَةِ):
قال الشنقيطي رحمه الله: " { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } والصحيح فيها أيضاً عدم النسخ .
ومثال نسخ الناسخ : آخر سورة المزمل ، فإنه منسوخ بفرض الصلوات الخمس .
وقوله: { انفروا خفافاً وثقالا } فإنه ناسخ لآية الكف، منسوخ بآية العذر"اهـ.
*قال في "زاد المسير": " اختلف علماء" الناسخ والمنسوخ" في هذه الآية على قولين:
أحدهما : أنها محكمة ، وهو قول أبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، والحسن ، وأبي العالية ، والشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والنخعي ، والزهري ، وقد ذكرنا أن ما تضمنته من الأمر مستحب عند الأكثرين ، وواجب عند بعضهم.
والقول الثاني : أنها منسوخة نسخها قوله : { يوصيكم الله في أولادكم } رواه مجاهد عن ابن عباس ، وهو قول سعيد بن المسيّب وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة في آخرين" اهـ.

والحمد لله رب العلمين وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


وكتبه: أبو الحارث يوسف بن عومر
في4/4/1435هـ

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 May 2015, 07:39 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي

أرجو تعليقا من طلاب العلم على هذا وجزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, تفسير, قرآن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013