منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 17 Jun 2019, 04:06 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي أهمّية دراسة العقيدة وأحكام العذر بالجهل بها.









أهمّية دراسة العقيدة وأحكام العذر بالجهل بها.

لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.

س60: ما توجيه فضيلتكم لمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟

الجواب: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمّة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه، لا بدّ أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله –تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبيّن له الأمر، لأنّه لا ينبغي أن يكون على شكّ في هذه الأمور المهمّة، أمّا المسائل التي لا تخلّ بدينه لو أجّلها ويخشى أن تكون سبباً لانحرافه، فإنّه لا بأس أن يؤجّلها ما دام غيرها أهمّ منها، ومسائل القدر من الأمور المهمّة التي يجب على العبد أن يحقّقها تماماً حتى يصل فيها إلى اليقين، وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال –ولله الحمد- والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هو أنّهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لِمَ)) والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لِمَ)) و ((كيف))

فـلِمَ عملت كذا؟ هذا الإخلاص .

كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم،


وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لِمَ)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرّون كثيراً، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدقّ الأمور،

فالناس الآن مهتمّون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهمّ وهو جانب العقيدة، وجانب الإخلاص، وجانب التوحيد،

لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنّه مع الأسف أنّ جانب التوحيد وجانب العقيدة، لا يهتم بهما ليس من العامّة فقط، ولكن حتى من بعض طلاب العلم، وهذا أمر له خطورته، كما أنّ التّركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كـالحامي والسّور لها، خطأ أيضاً، لأنّنا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التّركيز على أنّ الدّين هو العقيدة السمحاء وماشبه ذلك العبارات،

وفي الحقيقية أنّ هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه مَن يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لِمَ)) وعلى (كيف)) .

وخلاصة الجواب: أنّه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة، ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده -جلّ وعلا- على بصيرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضلّ بنفسه أو يضلّ غيره .

وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلّقه ولهذا أسماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقّـِهُهُ في الدِّين))62 .

وأوّل ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرّى كيف يأخذ هذا العلم، ومن أيّ مصدر يتلقّاه،

فليأخذ من هذا العلم :

أولاً: ما صفا منه وسلم من الشُّبُهَات،

ثم ينتقل ثانياً إلى: النّظر فيما أورد عليه من البدع والشُّبُهَات، ليقوم بردّها وبيانها ممّا أخذه من قبل من العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقّاه منه كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم كلام الصحابة –رضي الله عنهم- ثم ما قاله الأئمّة بعدهم من التّابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، خصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان .





س67: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلّق بالعقيدة؟


الجواب: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربّما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي أنّ الجميع يتّفقون على أنّ هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا التّرك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقّه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع ؟.

وذلك أنّ الجهل بالمكفّر على نوعين:

-الأوّل: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أنّ ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا،

وأمّا في الآخرة فأمره إلى الله –تعالى- والقول الراجح أنّه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله –عز وجل- والله أعلم بما كانوا عاملين، لكنّنا نعلم أنّه لن يدخل النار إلاّ بذنب لقوله –تعالى-: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: من الآية49) .

وإنّما قلنا تُجْرَى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنّه يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنّما قلنا بأنّ الراجح أنّه يُمتحن في الآخرة لأنّه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم –رحمه الله تعالى- في كتابه: ((طريق الهجرتين)) عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .

-النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنّه عاش على هذا المكفّر ولم يكن يخطر بباله أنّه مخالف للإسلام، ولا نبّهه أحد على ذلك. فهذا تُجْرَى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أمّا في ا لآخرة فأمره إلى الله –عز وجل- .

وقد دلّ على ذلك الكتاب، والسُّنَّة، وأقوال أهل العلم .

1-فمن أدلّة الكتاب: قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) وقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165) وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (إبراهيم: من الآية4)

وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) (التوبة: من الآية115) وقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155) (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) (156) (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) (الأنعام الآيات: 156، 157) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنّ الحجة لا تقوم إلاّ بعد العلم والبيان.


2-وأمّا السُّنَّة: ففي صحيح مسلم 1/134 عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ –يعني أمة الدعوة- يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) .

3-وأمّا كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/131: ((فإن كان ممّن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والنّاشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره)) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/229 مجموع ابن قاسم: ((إنّي دائماً –ومَن جالسني يعلم ذلك منّي- من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلاّ إذا علم أنّه قد قامت عليه الحجّة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وأنّي أقرّر أنّ الله –تعالى- قد غفر لهذه الأمّة خطأها، وذلك يعمي الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية –إلى أن قال- وكنت أبين أنّ ما نقل عن السلف والأئمّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حقّ لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتّعيين –إلى أن قال- والتّكفير هو من الوعيد فإنّه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً)) أ.هـ.

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: ((وأمّا التكفير فأنا أكفر مَن عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبّه، ونهى الناس عنه، وعادى مَن فعله فهذا هو الذي أكفره)) .

((وأمّا الكذب والبهتان فقولهم إنّا نكفّر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على مَن قدر على إظهار دينه، فكلّ هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنّا لا نكفّر مَن عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم مَن ينبّههم، فكيف نكفر مَن لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل)) أ.هـ.

وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسُّنَّة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله - تعالى- ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتّى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله - تعالى- من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل .

فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء اسمه حتّى يتحقّق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التّساهل في تكفيره لأنّ في ذلك محذورين عظيمين:


-أحدهما: افتراء الكذب على الله –تعالى- في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .

أمّا الأوّل فواضح حيث حكم بالكفر على مَن لم يكفّره الله –تعالى- فهو كمن حرّم ما أحل الله، لأنّ الحكم بالتّكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتّحريم أو عدمه .

وأمّا الثاني فلأنّه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنّه كافر، مع أنّه برئ من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما))81 وفي رواية: "إن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه"82 وله من حديث أبي ذر –رضي الله عنه- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ومَن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلاّ حار عليه))83 يعني رجع عليه وقوله في حديث ابن عمر: ((إن كان كما قال" يعني في حكم الله –تعالى- وكذلك قوله في حديث أبي ذر: ((وليس كذلك))يعني حكم الله –تعالى- .

وهذا هو المحذور الثاني أعني: عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به، لأنّ الغالب أنّ مَن تسرّع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره، فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الّذي قد يؤدّي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله –تعالى- في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال الله عز وجل الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))84 .

فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:

ا-لأمر الأول: دلالة الكتاب، والسُّنَّة على أنّ هذا مكفّر، لئلاّ يفتري على الله الكذب .

-الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التّكفير في حقّه، وتنتفي الموانع.

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله –تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقّة للرسول من بعد أن يتبيّن الهدى له .

ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتّب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتّب عليها؟

الجواب: الظاهر الثاني، أي أنّ مجرّد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفّارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفّارة، ولأنّ الزّاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتّب على زناه، وربّما لو كان عالماً ما زنى .

من الموانع أن يُكْرَه على المُكَفّـِر لقوله - تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106)

من الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك . لقوله - تعالى-: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية5)

وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لله أشدّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، قال من شدة الفرح: اللّهمّ أنت عبدي، وأنا ربّك، أخطأ من شدّة الفرح))85 .

من الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفّر بحيث يظن أنّه على حقّ، لأنّ هذا لم يتعمّد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله –تعالى-: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: من الآية5) ولأنّ هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله –تعالى-: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286)

قال في المغني 8/131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك –يعني يكون كافراً- وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أنّ أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقرّبين إلى الله –تعالى- إلى أن قال: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التّقرّب بقتلهم إلى ربّهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا)) .

وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/30 مجموع ابن القاسم: ((وبدعة الخوارج إنّما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنّه يوجب تكفير أرباب الذنوب))

وفي ص210 منه ((فإنّ الخوارج خالفوا السُّنَّة التي أمر القرآن باتّباعها، وكفّروا المؤمنين الّذين أمر القرآن بموالاتهم .. وصاروا يتّبعون المتشابه من القرآن فيتأوّلونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا اتّباع للسُّنَّة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن)) .

وقال أيضاً 28/518 من المجموع المذكور: "فإنّ الأئمّة متّفقون على ذمّ الخوارج وتضليلهم، وإنّما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين" .

لكنّه ذكر في 7/217 ((أنّه لم يكن في الصحابة مَن يكفّرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع)) .

وفي 28/518 ((أنّ هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره)) .

وفي 3/282 قال: ((والخوارج المارقون الّذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتّفق على قتالهم أئمّة الدّين من الصحابة، والتّابعين، ومن بعدهم، ولم يكفّرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم عليّ حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنّهم كفّار. ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الّذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها مَن هو أعلم منهم؟! فلا يحلّ لأحد من هذه الطوائف أنّ يكفّر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محقّقة، فكيف إذا كانت المكفّرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنّهم جميعاً جهّال بحقائق ما يختلفون فيه)) .

إلى أن قال: ((وإذا كان المسلم متأوّلاً في القتال، أو التّكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال : ((وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله –تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15) وقوله: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165)

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين منذرين)) .

والحاصل أنّ الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله ممّا يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله ممّا يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسُّنَّة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم .

--------------------------------

المصدر: فتاوى العقيدة

المكتبة المقروءة : التوحيد : فتاوى أركان الإسلام

للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الموقع القديم للشيخ رحمه الله.





الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أهمية العقيدة الإسلاميّة.png‏
المشاهدات:	909
الحجـــم:	33.2 كيلوبايت
الرقم:	6801   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أسألك علما نافعا.png‏
المشاهدات:	744
الحجـــم:	325.4 كيلوبايت
الرقم:	6803  
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg العقيدة.jpg‏ (27.0 كيلوبايت, المشاهدات 734)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013