27 Jan 2014, 09:06 PM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
|
|
خُلَاصَةُ تَفْسِيرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ دَرْسِ: الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.
خُلَاصَةُ
تَفْسِيرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ
مِنْ دَرْسِ الأُسْتَاذِ:
الشيخ عبد الحميد بن باديس
الذي ختم به
تفسير القرآن
كلمة بين يدي التلخيص
للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله
أكمل طرائق المتقدمين من علماء هذه الملة في تلقين العلوم- طريقة الإملاء. والإملاء نتيجة لاستحكام الملكة في العلم واستقلال الفكر فيه، أو سعة المحفوظ ورحابة آفاق الحافظة. واستحكام الملكة واستقلال الفكر وقوّة الحافظة مزايا تكاد تكون خالصة لعلماء سلف هذه الأمة لم يبلغ علماء الأمم الأخرى مُدَّ أحدهم فيها ولا [نصيفه]([1]).
وكانت وظيفة السامعين كتابة ما يُملى عليهم كلّه أو خلاصته، وكانت المحابر والأقلام والأوراق هي الأدوات اللازمة لروّاد مجالس العلم إلّا في مقامات مقابلة الأصول وضبطها. فهنا لا بدّ من إحضار النسخ الكاملة من الكتب.
ومن ثمرات تلك الطريقة المثلى في التلقين والتلقي كتب الأمالي في الحديث واللغة والأدب، وفي تراجم المحدثين والأدباء الشيء الكثير من ذلك، وإن لم يبق لنا الدَّهر منها إلّا الأقل من القليل.
ولما انتهى عصر الرواية بجمع روايات السلف في التفسير ورواياتهم للأحاديث والسنن ودونت أصول اللغة والأدب والعلوم المتفرعة عنها وجاء دور الاستغلال لها -نشأت عوامل الانحطاط في العلوم الإسلامية، وكان من أظهر مظاهرها جفاف القرائح وجدب الأفكار وضعف القوى الحافظة، وانحطت طرائق التلقين تبعًا لذلك وانحصرت في الطريق الشائعة إلى اليوم. وهي التزام كتاب تتعدّد نسخه بتعدّد المتلقين له يحل الشيخ عباراته ويشرح معانيه. وانحطت وظيفة السامعين من الكتابة والتقييد إلى الاستماع المجرد.
ولسنا نعيب طريقة التزام الكتب وشرح معانيها بالكلام، فذلك في حقيقته نوع قاصر من الإملاء. وإنما ننعى على السامعين إهمالهم لكتابة ما يسمعون فتضيع عليهم الفوائد التي يلقيها الأستاذ وقد تكون قيّمة، كما تضيع في عصرنا هذه الخطب والمحاضرات المرتجلة التي لا يكتبها ملقيها ولا متلقيها.
ولسنا بصدد التأريخ لهذه الطرائق والمقارنة بينها وبيان وجوه النقص والكمال فيها وإنما ننبّه في هذا المقام إلى أن أسوأ أثر لهذه الطريقة الشائعة اليوم هو القضاء على الملكة العلمية، لأنها شغلت المعلم والمتعلم معًا بالكتاب عن العلم إذ أصبح همّهما كله مصروفًا إلى تحليل الكتاب وفكّ عباراته والقيام على اصطلاحاته الخاصة وفي بعض هذا ما يستغرق الوقت ولا يُبقي سعة لإدراك قواعد العلم وتطبيق جزئياته على كلّياته، وبعيد جدًا على من يدرس علمًا على هذه الطريقة أن تستحكم ملكته فيه، وكيف تستحكم ملكة الفقه مثلًا لمن يقرؤه من مثل (مختصر خليل)([2]) على هذه الطريقة فيمضي وقته في تحليل عباراته وتراكيبه المعقدة التي ذهب الاختصار بكثير من أجزائها وفي بيان التقديم والتأخير في الألفاظ وربط المعمولات بالعوامل البعيدة وإرجاع الضمائر المختلفة إلى مراجعها. والطفرة بالذهن من مذكور إلى مقدر؟.
وهذا هو كل ما يشغل وقت المعلم والمتعلم، وهم في الحقيقة لا يدرسون علم الفقه وإنما يدرسون كتابًا في الفقه، ودراسة الكتب لذاتها أصبحت اليوم فنًّا كماليًّا من التَّاريخ لا أصلًا في تعلّم العلوم.
والدارس لتاريخ العلوم الإسلامية يتجلّى له هذا في تراجم علماء تلك العلوم، إذ يجد فيها دائمًا أشباه هذه العبارة:
كان أقوم الناس على كتاب (الجمل)([3]) للخونجي([4]). أو على كتاب (التهذيب)([5]) للبراذعي([6])، أو على كتاب الشامل([7]) لابن الصباغ([8]). كان نافذا في إقراء (المحصّل)([9]) للرازي([10]). كان سديد البحث في (مختصر ابن الحاجب) الأصلي([11]) كثير المناقشة لعباراته.
وأين سداد البحث وكثرة المناقشة في عبارة كتاب من تحصيل الملكة في علم؟.
إن الأصولي الحقيقي هو الذي ينفق مما عنده أو يقرئه من أي كتاب كان. ولا يفتتن بكتاب عين هذا الافتتان، وإن الفقيه الحقيقي هو الذي يفهم الفقه، لا الذي يفهم كتابًا في الفقه، وفي وقتنا هذا نسمع علماء المعاهد المشهورة يتمدحون بمثل هذا ويصفون من يحسن إقراء (التنقيح)([12]) للقرافي([13]) على هذه الطريقة بالأصولي المحقق .
ولقد حاول جماعة من العلماء الحفّاظ في القرون الأخيرة إصلاح هذه الحالة وإحياء طريقة الأمالي فلم ينجحوا لافتتان جمهور المتعلمين بالكتب وانصرافهم عن العلم إلى كتب في العلم. حاول ذلك الحافظ ابن حجر([14]) وهو أهل لذلك، ولكن أهل زمانه لم يكونوا أهلًا له، ونعى معاصره ابن خلدون المؤرخ طرق التلقين في زمنه وكثرة المؤلفات والمختصرات في العلم وعدّها عائقة عن التحصيل([15])، وحاول ذلك بعد ابن حجر تلميذه الحافظ السيوطي([16]) وهو أهل لذلك على ما فيه من تبجح واستطالة، وقد شكا في بعض رسائله إخفاقه في هذه المحاولة بعبارة مرّة، ووصف انصراف الجمهور عنها بأنه من غلبة الجهل وكلال الهمم وضعف العزائم.
نجمت في هذه العهود الأخيرة ناجمة اضطراب وتبرّم من طرائق التعليم المتبعة وكتبه الملتزمة. وارتفعت الأصوات بالشكوى من أضرارها وسوء عواقبها. وكان الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده([17]) أعلى الحكماء([18]) صوتًا بلزوم إصلاحها وأبلغهم بيانًا لأضرارها وسوءاتها ومعايبها وأسدهم رَأيًا في تغييرها بما هو أجدى منها وأنفع وأكثرهم عملًا جديًّا في ذلك.
وكان من إصلاحاته العملية في هذا الباب درسه لكتاب الله بأسلوب حكيم لم يسبقه إليه سابق، وكان- رحمه الله- وهو من هو في استقلال الفكر واستنكار الطرائق الجامدة يجاري الطريقة الأزهرية بعض المجاراة لاعتبارات خاصة، ومن هذه المجاراة السطحية أنه كان يلتزم في تلك الدروس العامرة بالحكم العليا( تفسير الجلالين)([19]) ويستهلها بقراءة عبارته.
ولكن السامعين لتلك الدروس- على كثرتهم وجلالة أقدارهم في العلم والمعرفة وتساويهم في الاعتقاد بأن تلك الدروس فيض من إلهام الله أجراه على قلب ذلك الإمام وعلى لسانه، وأنها ممّا لم تنطو عليه حنايا عالم ولا صحائف كتاب- لم تتسابق أقلامهم لتقييد تلك الدروس إلّا قليلا، ولو أنهم فعلوا لما ضاع من كلام ذلك الإمام حرف واحد. ولو لم يقيّض الله محمد رشيد رضا([20]) لهذا العمل الجليل لضاع كله ولكن الله وفقه لحفظ معاني تلك الدروس وسدّد قلمه في أدائها، ثم نهج نهجه بعد موته وسار على شعاع هديه في تفسير كلام الله فأبقى لهذه الأمة تلك الأسفار القيمة المعروفة بتفسير المنار([21]).
مدّت حركة الإصلاح العلمي مدّها بعد موت الإمام، وانتشرت في الأقطار الإسلامية، وأسفرت عن إصلاح حقيقي لأساليب التعليم في المعاهد الحرّة، وعن إصلاح صوري في المعاهد الرسمية. ولا تزال الحرب قائمة في هذه المعاهد بين طلاب الإصلاح وبين أنصار الجمود، وستكون العاقبة للمصلحين بإذن الله. ولقد كان من حسن حظ الجزائر أن باعث النهضة العلمية فيها الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس قد وضع أساس هذه النهضة على قواعد صحيحة من أول يوم، فسلك في درس كلام الله أسلوبا سلفي النزعة والمادة، عصري الأسلوب والمرمى، مستمدًا من آيات القرآن وأسرارها أكثر ممّا هو مستمد من التفاسير وأسفارها. وقد قرأنا له في بعض افتتاحيات مجلة (الشهاب)([22]) أنه يعتمد في هذه الدروس على تفاسير مخصوصة في مواضيع مخصوصة، كالطبري([23]) في المأثور والكشاف([24]) للزمخشري([25]) في أسرار الإعجاز، وذلك صحيح ومفيد لمن يجعل فهوم الرجال مقاييس لفهمه ولا يعطيها أكثر من أنها فهوم تصيب وتخطيء، أما المعنى الصحيح لكتاب الله فيستجليه من البيان العربي والشرح النبوي ومن مقاصد الدين وأسرار التشريع، ومن عجائب الكون وسنن الله فيه ومن أحكام الاجتماع الإنساني. ومن تصاريف الزمن ونتائج العقول وثمرات العلوم التجريبية وإذا كان من دواعي الغبطة ختم تفسير القرآن بها على هذه الطريقة في القطر الجزائري فإن من دواعي الأسف أنه لم ينتدب من مستمعي هذه الدروس من يقيّدها بالكتابة، ولو وجد من يفعل ذلك لربحت هذه الأمة ذخزاً لا يُقوم بمال، ولاضطلع هذا الجيل بعمل يباهي به جميع الأجيال، ولتمخض لنا ربع قرن عن تفسير يكون حجة هذا القرن على القرون الآتية. ومن قرأ تلك النماذج القليلة المنشورة في (الشهاب) باسم (مجالس التذكير) على أي علم ضاع وأي كنز غطى عليه الإهمال.
ولما كان اليوم المشهود بختم هذه الدروس جمع أحد الحاضرين ما وعته ذاكرته وأمكنه تقييده من معنى درس الختم في تفسير المعوذتين وتصرف في ألفاظه بما لا يخرج عن معانيه إذ لم يكن من الميسور أن يلتقط الألفاظ كلها. فجاء بهذه الخلاصة التي ننشرها على الناس في هذا العدد (الخاص بالاحتفال) لافتين أنظارهم إلى أن هذه الخلاصة محيطة بمعاني الدرس مع تصرف ضروري اقتضته مساوقة ما كتب لما قيل.
استهل الأستاذ الدرس بعد الاستعاذة والتسمية بالتحميد المأثور:
[الحمد لله إن الحمد لله. نحمده ونشكره ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يضلل الله فلا هادي له ومن يهد فما له من مضل، ونشهد أن لا إله إلّا الله ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله]([26]).
ثم عقّب بما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ به خطبته. وجرت عادة المحدثين والمفسرين أن يفتتحوا به مجالس التحديث والتفسير، وإن اختلفت الروايات في ألفاظه وهو قوله - صلى الله عليه وسلم: ( أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة)([27]).
ثم قال توطئة للدخول في تفسير المعوذتين ما معناه مع تصرف وتوضيح:
بني هذا الكون الدنيوي على أن يقترن فيه الخير بالشر، وأن يتصلا وأن يشتبها وأن يحيطا بالإنسان من جميع جهاته فتكون أعماله الكسبية في الحياة مكتنفة بها دائرة بينهما موصوفة بأحدهما، ولا بد من قدر الله ومن سننه العامة في هذا العالم الإنساني.
وحكمته المبينة في وجيه هي ابتلاء خلقه ليجازوا على ما يكون من كسبهم وسلوكهم بعد أن وهبهم العقل والتمييز وأكمل عليهم نعمته بهداية الدين عدلا منه تعالى ورحمة .
وحكمة أخرى: وهي تمرين هذا الإنسان في حياتيه العلمية والعملية وتدريب فكره على اختيار الأنفع على النافع، والنافع على الضار، ثم سوق الجوارح إلى العمل على ذلك الترتيب وترويضها عليه.
والإنسان يكتسب القوّة والدربة بتمرّسه على ما يلقاه من الخير والشر بعمله وبفكره، وللفكر الإنساني عمل سابق لأعمال الجوارح المجترحة وسائق لها ومُهَيِّئٌ لما يظهر أنه من بدواتها.
وهذا العمل الفكري تظهر قوته في نواح منها- وهو أهمها- التمييز بين الخير والشر وأدق منه التمييز بين خير الخيرين وشر الشرين. فإن الخير درجات وأنواع، والشر كذلك دركات وأنواع.
والإنسان في هذا الخضم الذي تلاطمت أمواجه، وفي هذا الفضاء الذي تشابهت أفواجه، محتاج إلى معونة إلهية في تمييز الخير من الشر. وقد أمده الله بهذه المعونة من دينه الحق. ومحتاج إلى تأييد إلهي يعصمه من الشر ويقيه من الوقوع فيه عن جهالة أو عمد. وقد هداه الله إلى أسبابه ووسائله بما شرع له من المنبهات عند طروق الغفلة. والمبصرات عند عروض الشبهة والمعوذات المحصنات عند إلمام لمة الشيطان وطواف طائفه.
ومن هذه المعوذات عقائد تدفع عن صاحبها الشكوك وهي شر، وحقائق تقي صاحبها الوهم وهو شر. وعبادات تربي مقيمها على الخير وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأعمال تثبت فاعلها على الحق، وأقوال يلفيها القلب العامر بتقوى الله والخوف من مقامه على الألسنة لتكون شهادة لها وعنوانًا عليها،. والألسنة تراجمة القلوب.
فكان ممّا شرع الله لنا في كتابه وعلى لسان نبيه التعوذ باللسان من الشر والباطل وأنزل الله عليه هاتين السورتين وفيهما الاستعاذة بالله من أنواع من الشرور هن أمهات لما عداهن.
وكان نبينا عليه السلام يكثر التعوذ بالله وكلماته من أنواع أخرى من الشرور مفصلة في صحاح السنة([28]).
أما السورتان فيكفي في فضلهما ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني قَالَ : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ [مِثْلُهُنَّ ]([29])قَطُّ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾[الفلق:1] و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1])([30]).
وفي رواية أخرى في مسلم عنه تسميتهما بالْمُعَوِّذَتَيْنِ([31]) وفي رواية أبي أسامة في مسلم أيضًا وصف عقبة بن عامر بأنه كان من رفعاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ([32]).
فتسمية هاتين السورتين بالمعوذتين تسمية نبوية مأثورة كأسماء جميع سور القرآن وقد يقال المعوذات ويراد بها ما يشمل سورة الإخلاص.
وكفى بما فيها من أصول العقائد معاذًا من الشرك وهو أصل الشرور كلها.
وحديث مسلم هو أصح ما ورد في نزولهما.
وأما ما يذكر في نزولهما في قصة سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك لم يصح سببًا لنزولهما([33]). وإن كان لقصة السحر وصاحبها لبيد بن الأعصم أصل ثابت في الصحيح([34]) وقد تساهل كثير من المفسرين في حشر هذا السبب في تفسيرهما وفي حشر كثير مما لم يصح في فضائلهما ولنا فيما صح غنية عما لم يصح.
وهذه الخيرية التي أثبتها لهما حديث عقبة عند مسلم هي خيرية نسبية في ناحية مخصوصة. وهي ناحية التعوذ بهما من الشرور العامة والخاصة المذكورة فيهما ودليل هذه النسبية ما أخرجه النسائي في سننه([35]) عَنْ اِبْن عَابِس الْجُهَنِيّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ( يَا اِبْن عَابِس! أَلَا أَدُلّك - أَوْ - أَلَا أُخْبِرك بِأَفْضَل مَا يَتَعَوَّذ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ ؟قَالَ: بَلَى يَا رَسُول اللَّه قَالَ : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾[الفلق:1] و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1]هَاتَانِ السُّورَتَينِ).
فبيّن - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن خيريتهما وأفضليتهما من جهة ما تشتملان عليه من معنى التعوذ وهو من المعاني الداخلة في دائرة ما كلفنا الله به.
ولهاتين السُّورَتَينِ خصوصية غير المناسبات التي يذكرونها في ارتباط بعض السور بالبعض ويستخرجون منها بالتدبر ما لا يحصى من الأنواع وهذه الخصوصية هي ختم القرآن بهما، وهما كالسورة الواحدة.
فما هي الحكمة في ختم القرآن بهما؟ وترتيب السور توقيفي ليس من صنيع جامعي المصحف كما ذكره السيوطي في (الإتقان)([36]) وجماعة.
يستطيع ممارس القرآن ومتدبره ومتلقيه بالذهن المشرق والقريحة الصافية أن يستخرج من الحكم في هذا الختم بهما أنواعًا ولكن أجلاها وأوضحها أنهما ختم على كنوز القرآن في نفس المؤمن. وتحصين لهذه النعم المنشالة من القرآن عليه أن يكدِّرها عليه كيد كائد أو حسد حاسد، فإن من أوتي الشيء الكريم ورزق النعمة الهنية هو الذي تمتدُّ إليه أيدي الأشرار وألسنتهم بالسوء وتقذفه عيونهم بالشرر وتتطلع إليه نفوسهم بالحسد والبغضاء ويشتد عليه تكالبهم سعيًا في سلبه منه أو تكديره عليه وبقدر النعمة يكون الحسد، وعلى مقدار نفاسة ما تملك تكون هدفًا لمكائد الكائدين وتأتيك البلايا من حيث تدري ولا تدري ومن أوتي القرآن فقد طوى الوحي بين جنبيه وأوتي الخير الكثير، فهو لذلك مرمى أعين الحاسدين ومهوى أفئدة الكائدين.
فكان حقيقًا وقد ختم القرآن حفظًا أو مدارسة أو تلاوة أن يلتجىء إلى الله طالبًا منه الحفظ والتحصين من شر كل كيد وحسد يصيبه على هذا الخير العظيم الذي كمل له وهذه النعمة الشاملة التي تمت عليه.
هذه حكمة.
وأخرى وهي أن من أوتي القرآن وتفقّه فيه فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب وأحاط بالعلم من أطرافه وملك كنزه الذي لا ينفذ.
وإنَّ من آفات العلم اغترار صاحبه به وقد يتمادى به الغرور حتى يسول له أن ما أوتيه من العلم كاف في وقايته من الأضرار ونجاته من الأشرار فكان من رحمة الله بصاحب القرآن ولطف تأديبه له، وحسن عنايته به أن ختم بهاتين السورتين كتابه لتكونا آخر ما يستوقف القاريء المتفقه، وينبهه إلى أن في العلم والحكمة مسألة لم يتعلمها إلى الآن. وهي أنه مهما امتدّ في العلم باعه واشتد بالحكمة اضطلاعه. فإنه لا يستغني عن الله ولا بد له من الالتجاء إليه والاعتصام به يستدفع به شر الأشرار وحسد الحاسدين وكفى بهذه التربية قامعًا للغرور. وإنه لشر الشرور.
هذه هي المناسبة العامة بين جميع القرآن مرتبًا ترتيبه التوقيفي وبين هاتين السورتين في اتحاد موضوعهما.
وأما المناسبة الخاصة بين السورتين وبين سورة الإخلاص فهي أن سورة الإخلاص قد عرَّفت الخلق بخالقهم بما فيها من التوحيد والتنزيه والتمجيد. فإذا قرأت القرآن وتدبّرتَه على ترتيبه ووجدت توحيد الله منبثًا في آياته وسوره متجليًّا ذلك التجلي الباهر بمعارضه وصوره سادًّا ببراهينه على النفوس كل ثنية وكل مطلع - كانت آخر مرحلة يقطعها فكرك من مراحل التوحيد في القرآن هذه السورة المعجزة على قصرها، فكأنها توكيد لما امتلأت به نفسك من معاني التوحيد وكأنها وصية مودعّ مشفق بمهمّ يخشى عليك نسيانه فليعمد فيها من الكلام إلى ما قلّ ودلّ ولم يملّ.
ومن صدقك في توحيدك لله في ربوبيته وإلهيته أن تنقطع عن هذا الكون وتكون منه وكأنك لست منه بصدق معاملتك لله وإخلاص توحيدك إياه.
فأنت وقد آمنت وصدّقت وخرجت من سورة الإخلاص متشبعًا بمعانيها ومنها معنى الصمد - تستشعر أن العالم كله عجز وقصور، وأن خيراته مكدّرة بالشرور. وأن لا ملجأ إلّا ذلك الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد،فَتَجِيءُ المعوذتان بعد الإخلاص مبينتين لذلك الالتجاء الذي هو من تمام التوحيد.
ولأجل هذه المناسبة والارتباط بين السور الثلاث جمع بينهنَ التَسْمِيَةِ، ففي الصحيح عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَنْفُثُ عَن نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ([37]).
وسياق النسائي لحديث عقبة بن عامر المتقدم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ وقرأت معه الإخلاص ثم ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فلما ختمهن قال: ما تعوّذ بمثلهن أحد)([38]).
وكما جمع - صلى الله عليه وسلم - بينهن في التسمية والتعوذ جمع بينهن عمليًّا في قراءة الوتر([39]).
هذا إجمال المناسبة الخاصة بين السور الثلاث.
-يتبع-
=======
[1] : في الأصل : ( نصيبه)، و الصواب ما أثبتنه ، و النصيف هو: النصف ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم : (وفيه أربع لغات : نصف بكسر النون ، ونصف بضمها ، ونصف بفتحها ، ونصيف بزيادة الياء ، حكاهن القاضي عياض في المشارق عن الخطابي).
[2] : مختصر خليل كتاب من أمهات الفقه المالكي لمؤلفه خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب، ضياء الدين أبو المودّة المصري المعروف بالجندي، أحد مشاهير فقهاء المالكية.
[3] : هو كتاب (الجمل) اختصار (نهاية الأمل) لابن مرزوق التلمسانى.
[4] : هو محمد بن ناماور بن عبد الملك الخونجى، أبو عبد الله، أفضل الدين: عالم بالحكمة والمنطق، فارسي الأصل.
انتقل إلى مصر، وولي قضاءها. وتوسع في ما يسمونه (علوم الأوائل) حتى تفرد برياسة ذلك في زمانه، وصنف كتاب (كشف الإسرار عن غوامض الأفكار) في استمبول والقاهرة، في الحكمة، و (الموجز) في المنطق، و (الجمل) اختصار (نهاية الأمل) لابن مرزوق التلمسانى، توفى بالقاهرة سنة (646هـ) [ الأعلام للزركلي (7/122)].
[5] : هو كتاب (تهذيب المدونة) وهو مشهور جدا واعتمد صاحبه في اختصاره على طريقة ابن أبي زيد القيرواني الذي كان أول من اختصر المدونة .
[6] :هو خلف بن أبي القاسم محمد، الأزدي، أبو سعيد ابن البراذعي: فقيه، من كبار المالكية. ولد وتعلم في القيروان، وتجنبه فقهاؤها، لاتصاله بسلاطينها. وانتقل إلى صقلّيّة فاتصل بأميرها وصنف عنده كتبا، منها (التهذيب - خ) في اختصار المدونة، منه نسخ في الصادقية بتونس، والقرويين بفاس، ومنه السفر الأول قديم مبتور الآخر، في خزانة الرباط (266 جلاوي (وعنه أخذت اسم أبيه، ومنه باسم (تهذيب مسائل المدونة) في شستربتي (3952) والبلدية (ن 1052 - ب) و (تمهيد مسائل المدونة) و (اختصار الواضحة) . ثم رحل إلى أصبهان فكان يدرّس فيها الأدب إلى أن توفي سنة (372هـ).[الأعلام للزركلي (2/311)].
[7] :هو كتاب الشَّامِلُ الكَبِيْرُ: شَرْحٌ لِمُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ.
[8] : هو عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، أبو نصر، ابن الصباغ: فقيه شافعيّ. من أهل بغداد، ولادة ووفاة. كانت الرحلة إليه في عصره، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية أول ما فتحت. وعمي في آخر عمره. له " الشامل - خ " في الفقه، و " تذكرة العالم " و " العدة " في أصول الفقه توفي سنة (477هـ)[الأعلام للزركلي (4/10)]
[9] : المحصل في أصول الفقه أو محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين.
[10] : هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي: قرشي النسب. أصله من طبرستان، ومولده في الري وإليها نسبته، ويقال له (ابن خطيب الري) رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفي في هراة سنة (581هـ)[الأعلام للزركلي (6/313)]، و قد كان الرازي أشعريا و قيل أنه قد تاب من ذلك ، و له طوام يندى لها الجبين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في شأن الفخر الرازي كما في مجموع الفتاوى (16/213-214) : ( وَهَكَذَا الْجَهْمِيَّة تَرْمِي الصفاتية بِأَنَّهُمْ يَهُودُ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ مُتَقَدِّمِي الْجَهْمِيَّة وَمُتَأَخَّرِيهِمْ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِي الجهمي الْجَبْرِيُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْرُجُ إلَى حَقِيقَةِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ . وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابَهُ الْمَعْرُوفَ فِي السِّحْرِ وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ . مَعَ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُحَرِّمُ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْهُ مُتَّبِعًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكُتُبِ وَالرِّسَالَةِ . وَيَنْصُرُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَمَا يُشَكِّكُ أَهْلَهُ وَيُشَكِّكُ غَيْرَ أَهْلِهِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ . وَقَدْ يَنْصُرُ غَيْرَ أَهْلِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ . فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّشْكِيكُ وَالْحَيْرَةُ أَكْثَرُ مِنْ الْجَزْمِ وَالْبَيَانِ ) .
[11] : أي : (منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل) وهو كتاب في أصول الفقه ، و ابن الحاجب هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار المعلماء بالعربية. كردي الأصل. ولد في أسنا (من صعيد مصر) ونشأ في القاهرة، وسكن دمشق، ومات بالإسكندرية. وكان أبوه حاجبا فعرف به. من تصانيفه «الكافية - ط» في النحو، و «الشافية - ط» في الصرف، و «مختصر الفقه - خ» استخرجه من ستين كتابا، في فقه المالكية، ويسمى «جامع الأمهات» [ثم طُبع] و «المقصد الجليل - ط» قصيدة في العروض، و «الأمالي النحوية - خ» و «منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل - ط» في أصول الفقه، و «مختصر منتهى السول والأمل - ط» و «الإيضاح - خ» في شرح المفصل للزمخشري، و«الأمالي المعلقة عن ابن الحاجب - خ» في الكلام على مواضع من الكتاب العزيز وعلى المقدمة وعلى المفصل وعلى مسائل وقعت له في القاهرة وعلى أبيات من شعر المتنبي، منه نسخة في مكتبة عابدين بدمشق، وثانية في خزانة الرباط (209 أوقاف) توفي سنة (646 هـ)[انظر الأعلام للزركلي].
[12] : هو عبارة عن متن في أصول الفقه المعروف بـ( تنقيح الفصول في علم الأصول) تناول فيه المؤلف جميع مباحث أصول الفقه بأسلوب سهل و مختصر ، ثم جعله مقدمة لخزانته الفقهية القيمة و الفريدة من نوعها ( الذخيرة ) ، و أفردها فيما بعد بشرح أسماه ( شرح تنقيح الفصول في علم الأصول ).
[13] : هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المصري، الشهير بالقرافي، أحد الأعلام المشهورين في المذهب المالكي، كان حافظا مفوها، بارعا في العلوم الشرعية والعقلية، انتهت إليه رئاسة المالكية، وله مصنفات قيّمة منها: «الذخيرة» في الفقة، و«الفروق» في القواعد الفقهية، و«شرح المحصول للرازي» و«تنقيح الفصول وشرحه» في أصول الفقه، توفي سنة (684ﻫ-1285م) . انظر: الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله (ص:22-23).
[14] : هو أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمّد الشهير بابن حجر الكناني العسقلاني المصري، الحافظ الكبير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعِلَلِه في عصره، الشافعي الفقيه، ولد سنة (773 ﻫ - 1372م)، توفّي والده وهو صغير فتربّى في حضانة أحد أوصياء أبيه، ودرس حتّى برع في العلم، وتولّى التدريس، وأصبح رؤوس العلماء من كلّ مذهب تلامذته، كما تولّى القضاء والتصنيف، له مؤلّفات نفيسة، منها: «فتح الباري»، و«تهذيب تهذيب الكمال»، و«الإصابة»، و«الدرر الكامنة» وغيرها، توفّي سنة (852 ﻫ ‑ 1449م)[ الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله (ص: 31)].
[15] : قال ابن خلدون : ( الفصل الرابع والثلاثون: في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل:
اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعد طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك وحينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور ولابد دون رتبة التحصيل ويمثل ذلك من شأن الفقه في المذهب المالكي بالكتب (المدونة) مثلا وما كتب عليها من الشروحات الفقهية مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير و(التنبيهات) و(المقدمات) و(البيان) و(التحصيل على العتبية) وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد والمتعلم مطالب باستحضار جميعها وتمييز ما بينها والعمر ينقضي في واحد منها ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك بكثير وكان التعليم سهلا ومأخذه قريبا ولكنه داء لا يرتفع لاستقرار العوائد عليه فصارت كالطبيعة التي لا يمكن نقلها ولا تحويلها ويمثل أيضا علم العربية من كتاب سيبويه وجميع ما كتب عليه وطرق البصريين والكوفيين والبغداديين والأندلسيين من بعدهم وطرق المتقدمين والمتأخرين مثل ابن الحاجب وابن مالك وجميع ما كتب في ذلك كيف يطالب به المتعلم وينقضي عمره دونه ولا يطمع أحد في الغاية منه إلا في القليل النادر مثل ما وصل إلينا بالمغرب لهذا العهد من تآليف رجل من أهل صناعة العربية من أهل مصر يعرف بابن هاشم ظهر من كلامه فيها أنه استولى على غاية من ملكة تلك الصناعة لم تحصل إلا لسييبويه وابن جني وأهل طبقتهما لعظيم ملكته وما أحاط به من أصول ذلك الفن وتفاريعه وحسن تصرفه فيه وذلك على أن الفضل ليس منحصرا في المتقدمين سيما مع ما قدمناه من كثرة الشواغب بتعدد المذاهب والطرق والتآليف ولكن ﴿فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء ﴾[الحديد:21] وهذا نادر من نوادر الوجود وإلا فالظاهر أن المتعلم ولو قطع عمره في هذا كله فلا يفي له بتحصيل علم العربية مثلا الذي هو آلة من الآلات ووسيلة فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمرة؟ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾[القصص:56])[مقدمة ابن خلدون (ص:592-593) طبعة مؤسسة الرسالة].
[16] : هو الحافظ جلال الدين:أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال,أبي بكر بن محمد بن سابق الدين,بن الفخر عثمان,بن ناظر الدين ,محمد بن سيف الدين ,خضر بن نجم الدين,أبي الصلاح أيوب ,بن ناصر الدين ,محمد ابن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي الشافعي، عالم في الحديث والتفسير واللغة والتاريخ والأدب والفقه وغيرها من العلوم ، لما بلغ الأربعين من عمره، اعتزل في منزله، وعكف على التصنيف. ذُكر له من المؤلفات نحو 600 مؤلف ، توفي سنة (911هـ).
[17] : هو محمَّد عبده بن خير الله المصري من آل التركماني، فقيهٌ متكلِّمٌ كاتبٌ صحفيٌّ سياسيٌّ، له رحلاتٌ وأنشأ مجلَّة «العروة الوثقى» مع جمال الدين الأفغاني، عُيِّن قاضيًا ثمَّ مفتيًا للديار المصرية، وأُوخذ بانتهاجه -في نشاطه الدعوي- منهجَ التوفيق والتقارب بين الإسلام والحضارة الغربية وغيرها من المؤاخذات، من آثاره: رسالةٌ في وحدة الوجود، و«فلسلفة الاجتماع والتاريخ»، و«شرح نهج البلاغة»، و«شرح البصائر النصيرية»، تُوفِّي سنة 1323ﻫ).الإعلام لما في كتب الشيخ من الأعلام للشيخ ابي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله تعالى . المصدر: موقع الشيخ. و انظر ترجمة محمد عبده في معجم المؤلِّفين لعمر رضاكحالة (3/ 474) طبعة الرسالة.
[18] : لا تغتر بهذا المدح أو تسيء الظن بالشيخ لأنه لم يكن يعرف حال محمد عبده و كان يظنه على الجادة و كثير من العلماء لم تبين لهم حاله ولما عرفوا الحق تبرؤوا منه و انظر للعلامة أحمد شاكر و هو يتحدث عن محمد عبده حين قال كما في كتابه نظام الطلاق في الإسلام (ص: 8) ط.مكتبة السنة: (ثم في أوائل سنة 1899، وكان الأستاذ الوالد نائباً لمحكمة بنها الشرعية ، قدم تقريراً لأستاذه الإمام الحكيم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية).
[هذا النص فيه ثناء على محمد عبده من العلامة أحمد شاكر بما لا يتناسب مع ما بين الرجلين من تباين عقدي ومنهجي ، ويبدو أن الشيخ أحمد شاكر كان مغتراً بالدعايات التي نسجت حول محمد عبده .
ثم إنه بعد ذلك تنبه فانتقد محمد عبده وشيخه الأفغاني وتلميذه محمد رشيد رضا نقداً سديداً حيث قال شرح المسند (12/ 128_ 129) : (بل لم نرَ فيمن تقدمنا من أهل العلم من اجترأ على ادعاء أن في الصحيحين أحاديث موضوعة ، فضلاً عن الإيهام والتشنيع الذي يطويه كلامه ، فيوهم الأغرار أن أكثر ما في السنة موضوع ! هذا كلام المستشرقين.
غاية ما تكلم فيه العلماء نقد أحاديث فيهما بأعيانهم ، لا بادعاء وضعها _ والعياذ بالله _ ولا بادعاء ضعفها ، إنما نقدوا أحاديث ظنوا أنها لا تبلغ في الصحة الذورة العليا التي التزمها كل منهما.
وهذا مما أخطأ فيه كثيرٌ من الناس ، ومنهم أستاذنا محمد رشيد رضا رحمه الله على علمه وفقهه ، ولم يستطع قط أن يقيم حجته على ما يرى ، وأفلتت منه كلمات يسمو على علمه أن يقع فيها ، ولكنه كان متأثراً أشد الأثر بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، وهما لا يعرفان في الحديث شيئاً بل كان هو بعد ذلك أعلم منهما ، وأعلى قدماً ، وأثبت رأياً ، لولا الأثر الباقي دخيلة نفسه ، والله يغفر لنا وله ).
موطن الشاهد كلام الشيخ على رشيد رضا ومحمد عبده ، وإلا فكلامه في الصحيحين محل مباحثة ، ولا شك أن كلامه هذا متأخر عن كلامه في نظام الطلاق ، وتأمل كيف أنه ذكر محمد عبده مجرداً عن الألقاب ، إذ أنه رأى أنه لا يستحقها بعد علم جهله وجرأته على السنة.
وللعلامة أحمد شاكر نقد آخر لمحمد رشيد رضا هو أقوى من هذا حيث قال في تعليقه على تفسير الطبري (16/ 484): (هذا إسناد واه جدًا، والعجب من السيد رشيد رضا في تعليقه على تفسير ابن كثير (4: 537) حيث يقول: من الغريب أن تبلغ الجرأة بكعب إلى هذا الحد الباطل شرعًا وعقلا. ثم يعتدون بدينه وعلمه ويردون عنه، والغريب هو تحامله على كعب الأحبار قبل التثبت من إسناد الخبر، وما ذنب كعب إذا ابتلاه بذلك مثل(أبي حمزة الأعور)؟ ولكن هكذا ديدن الشيخ، إذا جاء ذكر كعب الأحبار، يتهمه بلا بينة).
ولم يكن الشيخ العلامة أحمد شاكر يعتبر محمد رشيد رضا داعياً إلى السلفية بدليل أنه قال مقال: (بيني وبين الشيخ محمد حامد الفقي) مخاطباً للشيخ محمد حامد : ( ولعلنا _ فيما قمنا به معاً _ من أول العاملين على نشر العقيدة الصحيحة في بلادنا هذه . وما أريد بهذا فخراً بعملي ولا بعملك ، فما كنا نعمل إلا لله، وكان من أعظم المصادر العلمية التي استضأنا بنورها _ بعد الكتاب الكريم والسنة المطهرة _ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه الإمام الحافظ ابن القيم ، ثم كتب شيخ الإسلام ( مجدد االقرن الثاني عشر ) محمد بن عبد الوهاب).
أقول:فلوكان محمد رشيد رضا داعياً للسلفية عند أحمد شاكر لما ادعى تلك الأولية في نشر العقيدة الصحيحة له ولمحمد حامد الفقي ، مع كونه أعلى طبقةً منهما ، ولما ذكر مراجعه لم يذكر المنار وإنما ذكر كتب الإسلام وتلميذه ابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب.
وهذا سيد قطب على ضلاله الجامح يتذمر من عقلانية محمد عبده ومحمد رشيد رضا فيقول في ظلاله في تفسير سورة الفيل: (ولكن مواجهة ضغط الخرافة من جهة وضغط الفتنة بالعلم من جهة أخرى تركت آثارها في تلك المدرسة . من المبالغة في الاحتياط , والميل إلى جعل مألوف السنن الكونية هو القاعدة الكلية لسنة الله . فشاع في تفسير الأستاذ الشيخ محمد عبده - كما شاع في تفسير تلميذيه الأستاذ الشيخ رشيد رضا والأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي - رحمهم الله جميعا - شاع في هذا التفسير الرغبة الواضحة في رد الكثير من الخوارق إلى مألوف سنة الله دون الخارق منها , وإلى تأويل بعضها بحيث يلائم ما يسمونه (المعقول) ! وإلى الحذر والاحتراس الشديد في تقبل الغيبيات .
ومع إدراكنا وتقديرنا للعوامل البيئية الدافعة لمثل هذا الاتجاه , فإننا نلاحظ عنصر المبالغة فيه , وإغفال الجانب الآخر للتصور القرآني الكامل . وهو طلاقة مشيئة الله وقدرته من وراء السنن التي اختارها - سواء المألوف منها للبشر أو غير المألوف - هذه الطلاقة التي لا تجعل العقل البشري هو الحاكم الأخير . ولا تجعل معقول هذا العقل هو مرد كل أمر بحيث يتحتم تأويل ما لا يوافقه - كما يتكرر هذا القول في تفسير أعلام هذه المدرسة )
هذا مع كونه وافقهم على كثير من ضلالهم ، فذهب إلى حصر المعجزات في القرآن ، وأنكر خلق حواء من ضلع آدم ، وغيرها من الضلالات التي بينها العلامة ربيع المدخلي في كتبه على هذا الرجل ، وكذا العلامة عبد الله الدويش.
وقد بلغ حذق العلامة أحمد شاكر المبلغ الذي أدرك به ، خطر جماعة الإخوان المسلمين الذي اتصل سندها بمحمد رشيد رضا حيث قال في كتابه شؤون التعليم والقضاء (ص: 48) : (حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدامة، ينفق عليها الشيوعيون واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين ) اهـ]مقال بعنوان : تحرير موقف العلامة أحمد شاكر من محمد عبده وشيخه جمال الدين الأفغاني. للأخ : عبد الله الخليفي .منشور على شبكة سحاب الغراء .
[19] :أول من بدأ هذا التفسير هو جلال الدين المحلي الذي وصل فيه إلى سورة الإسراء ، و قد قام جلال الدين السيوطي بإكماله ولذلك سمي تفسير الجلالين , وقد نقى تفسيره من عبث الأساطير والإسرائيليات .
[20] : محمد رشيد رضا (1282 - 1354 هـ/ 1865 - 1935 م) هو: [محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني، البغدادي الأصل،الحسيني النسب: صاحب مجلة (المنار) وأحد رجال الإصلاح الإسلامي.
من الكتاب، العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير.
ولد ونشأ في القلمون (من أعمال طرابلس الشام) وتعلم فيها وفي طرابلس.
وتنسك، ونظم الشعر في صباه، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر سنة 1315 هـ ، فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له.
وكان قد اتصل به قبل ذلك في بيروت.
ثم أصدر مجلة (المنار) لبث آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي.
وأصبح مرجع الفتيا، في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة.
ولما أعلن الدستور العثماني (سنة 1326 هـ) زار بلاد الشام، واعترضه في دمشق، وهو يخطب على منبر الجامع الأموي، أحد أعداء الإصلاح، فكانت فتنة، عاد على أثرها إلى مصر.
وأنشأ مدرسة (الدعوة والإرشاد) ثم قصد سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتخب رئيسا للمؤتمر السوري، فيها. وغادرها على أثر دخول الفرنسيين إليها
(سنة 1920 م) فأقام في وطنه الثاني (مصر) مدة.
ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوربا.
وعاد، فاستقر بمصر إلى أن توفي فجأة في (سيارة) كان راجعا بها من السويس إلى القاهرة.
ودفن بالقاهرة.
أشهر آثاره مجلة (المنار) أصدر منها 34 مجلدا، و (تفسير القرآن الكريم – ط) اثنا عشر مجلدا منه، ولم يكمله، و (تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - ط) ثلاثة مجلدات، و (نداء للجنس اللطيف - ط) و (الوحي المحمدي - ط) و (يسر الإسلام وأصول التشريع العام - ط) و (الخلافة - ط) و (الوهابيون والحجاز - ط) و (محاورات المصلح والمقلد - ط) و(ذكرى المولد النبوي - ط) و (شبهات النصارى وحجج الإسلام – ط).
وللأمير شكيب أرسلان كتاب في سيرته سماه (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة – ط)]أنظر: الأعلام للزركلي.
[21] : و بدايته كانت دروسا في التفسير ألقاها محمد عبده ، وكان رشيد رضا يدِّون ما يسمعه من هذا التفسير ويرتِّبه، ثم نشره في مجلة المنار، ولهذا عرف بهذا الاسم ، و تفسير محمد عبده وصل إلى الآية :(125) من سورة النساء ثم توفي، فواصل رشيد التفسير إلى الآية: (101) من سورة يوسف، ثم توفي، وطبع هذا التفسير في اثني عشر مجلداً.
وهذا التفسير عليه عدة مؤاخذات من بينها رده للأحاديث الصحيحة بلا بينة و لا برهان.
[22] : جاءت [مجلة «الشهاب» خلفًا «للمنتقد» تعمل على نفس المبدأ والغاية، وتؤدّي رسالتها النبيلة بكلّ صمود، مصدّرة في الغالب بآيات مفسرة وأحاديث مشروحة إلى غاية سنة (1358ﻫ-1939م)] انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص:191).
[23] : هو أبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبري، العلم المجتهد المطلق كان إمامًا في علوم شتى، قال عنه الخطيب البغدادي: «فكان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله تصانيف عديدة منها: «كتاب التفسير وتهذيب الآثار»، و«التبصرة في أصول الدين»، و«تاريخ الأمم والملوك»، و«اختلاف العلماء»، توفي سنة: 310ﻫ.[ انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص:347)].
و تفسيره جامع البيان عن تأويل آي القرآن المشهور بـ (تفسير الطبري) من أجلِّ التفاسير وأعظمها شأناً، وقد حُكِي الإجماع على أنه ما صُنِّف مثله لما تميَّز به من استدلاله بالمأثور و خلوه من البدع، وانتصاره لمذهب أهل السنة و الجماعة.
[24] : كتاب الكشاف للزمخشري كتاب في التفسير ، و هو جيد من حيث البلاغة واللغة لكنه ليس بسليم من حيث العقيدة ، وفيه كلمات تمر بالإنسان لا يعرف مغزاها ، لكنها إذا وقرت في قلبه فربما يتبين له مغزاها فيما بعد ، ويكون قد استسلم لها فيضل ، و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (13 /386 – 387) : ( وأما ( الزمخشري ) فتفسيره محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن ، وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد ، وغير ذلك من أصول المعتزلة ... وهذه الأصول حشا بها كتابه بعبارة لا يهتدي أكثر الناس إليها ولا لمقاصده فيها ، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين ) ، وقال رحمه الله في معرض كلامه عن التفاسير الغير مقبولة : ( و منهم حسن العبارة ، يدس البدع في كلامه ، كصاحب الكشاف ، حتى إنه يروج على خلق كثير)[ حاشية مقدمة التفسير لابن القاسم الحنبلي (ص:129) الطبعة الثالثة.]
و لجهلنا بقواعد اللغة و معاني القرآن لا ينبغي لطالب العلم المبتدئ أن يقرأ هذا التفسير لأنه لا يميز بين الحق و الباطل فحتى العلماء الأكابر قد أقلقهم وأزعجهم ، فهاهو الإمام البلقيني شيخ الحافظ ابن حجر يقول : ( استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش) ، وهذا يدل على أنها خفية ، و الرجل لبلاغته و تمكنه من اللغة و الإحاطة بأسرارها في الجملة كان يستطيع يدس ما يدس من غير أن يفطن إليه إلا اللبيب الحاذق، وإذا كان هذا الإمام يقول هذا الكلام فما بال الذي لا يستطيع إعراب جملة و الله المستعان.
[25] : الزمخشري صاحب الكشاف من أبرز دعاة المعتزلة على الإطلاق إذ كان فخورا بالإنتساب إليهم وحريصا على إثبات تلك النسبة إليه ، فكان إذا طرق الباب قيل: من؟ قال : (جار الله المعتزلي)، والزمخشري هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم: من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب ، ولد في زمخشر -من قرى خوارزم- وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا فلقب بجار الله ، وتنقل في البلدان، ثم عاد إلى الجرجانية -من قرى خوارزم- فتوفى فيها سنة (538 هـ) ، قال الذهبي رحمه الله : ( الزمخشري ، العلامة ، كبير المعتزلة ، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي ، صاحب ( الكشاف ) و ( المفصل ) (في النحو )... وكان داعية إلى الاعتزال ، الله يسامحه)[سير أعلام النبلاء (20/151-156).] ، وقال : ( صالح لكنه داعية إلى الاعتزال، أجارنا الله فكن حذراً من كشافه) [ ميزان الاعتدال : (4/78).]
[26] :هذه الخطبة التي كان النبي صلى الله عليه و سلم يبتدأ بها خطبه و هي معروفة عند العلماء بـ(خطبة الحاجة) ،وكانت تُفتح بها جميع الخطب ، سواء كانت خطبة نكاح ، أو خُطبة جمعة ، أو غيرها ، فليست خاصة بالنكّاح وحده، و قد وردت من عدة طرق ، فمن طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه أبوداود في سننه : كتاب النكاح : باب في خطبة النكاح ، رقم (2118).و الترمذي مطولا: باب ما جاء في خطبة النكاح ، رقم (1105) و قال : ( حديث عبد الله حديث حسن) ،و ابن ماجة مطولا : باب خطبة النكاح ، رقم (1892)،وغيرهم.
و من طريق ابن عباس أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الصلاة : باب تخفيف الصلاة و الخطبة برقم (868) و ابن ماجة برقم (1893) ، و من طريق جابر أخرجه مسلم برقم (867).
و راجع في هذا : (خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه) للشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
و قول الشيخ رحمه الله (نشكره) و ( نتوب إليه) زيادة مدرجة في الأحاديث الوارد في خطبة الحاجة، والأولى ذكر ها بما هو ثابت.
و أما ذكره للشهادتين بصيغة الجمع فهو مخالف للمنصوص عليه من الأحاديث النبوية المثبتة لها بصيغة الإفراد قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (2/791-792) ط. المعارف: ("والأحاديث كلها متفقة على أنَّ: "نستعينه ونستغفره ونعوذ به" بالنون، والشهادتان بالإفراد، "وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحد عن أحد، و لاتقبل النيابة بحال أفرد الشهادة بها، ولما كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار يقبل ذلك فيستغفر الرجل لغيره، ويستعين الله له، ويستعيذ بالله له، أتى فيها بلفظ الجمع، ولهذا يقول: "اللهم أعنا، وأعذنا، واغفر لنا. قال ذلك في حديث ابن مسعود، وليس فيه "نحمده"، وفي حديث ابن عباس"نحمده" بالنون ، مع أنَّ الحمد لا يتحمله أحد عن أحد، ولا يقبل النيابة، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه إلى ألفاظ الحمد والاستعانة على نسق واحد.
وفيه معنى آخر، وهو أنَّ الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب وإنشاء، فيستحب للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين، وأمَّا الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه، وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله بخلاف إخباره عن غيره، فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه، لا عن عقد قلبه. والله أعلم).
[27] :الحديث أخرجه بهذا اللفظ النسائي في الكبرى (2/308)في العيدين باب: كيف الخطبة، برقم(1799) [طبعة الرسالة] مع زيادة(وكل ضلالة في النار)،ومسلم في صحيحه برقم(867) وابن ماجة : باب اجتناب البدع و الجدال ، رقم (45)
[28] : منها ما أخرجه البخاري في صحيحه (3371) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ) ، و ما أخرجه مسلم في صحيحه (2708) عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت: ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ).
[29] : في الأصل : ( خير منهن).
[30] :صحيح مسلم : كتاب : فضائل القرآن و ما يتعلق به : بَاب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، رقم (814).
[31] :قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى : (وحدثنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ).
[32] : قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى : (وحدثنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وحدثنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
[33] :قصة سحر اليهودي للنبي صلى الله عليه و سلم قصة صحيحة صححها الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة ، رقم (2761).
[34] : أخرجه البخاري : كتاب الطب : باب السحر ، رقم (5763) ، و في باب : هل يستخرج السحر؟ ، رقم (5765) ، وفي باب السحر ن رقم (5766) ، و مسلم في صحيحه : برقم (2189) عن عائشة رضي الله عنها قالت : (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل فقال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر قال وأين هو قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين قلت يا رسول الله أفلا استخرجته قال قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا فأمر بها فدفنت تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام وقال الليث وابن عيينة عن هشام في مشط ومشاقة يقال المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط والمشاقة من مشاقة الكتان).
[35] : سنن النسائي(طبعة مشهور) : كتاب الاستعاذة :برقم (5432) ، و صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (4547)،و في السلسلة الصحيحة برقم (1104).
[36] : في (ص: 134) طبعة الرسالة : ( فصل : الإجماع و النصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي ، لا شبهة في ذلك).
[37] : البخاري : كتاب فضائل القرآن : بَاب فَضْلِ الْمُعَوِّذَاتِ، رقم (5016) ، و مسلم في : كتاب السلام : باب رقية المريض بالمعوذات و النفث ، رقم (2192) ، من طرق ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بن الزبير عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا).
[38] : سنن النسائي (طبعة مشهور) : كتاب الاستعاذة ، حديث رقم (4530) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابي داود ، حديث رقم (1315)، و هو بهذا اللفظ : قال النسائي رحمه الله تعالى : (أخبرنا محمد بن علي قال: حدثني القعنبي عن عبد العزيز، عن عبد الله بن سليمان، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة إذ قال: يا عقبة !قل، فاستمعت، ثم قال: يا عقبة ! قل، فاستمعت فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟ فقال: ﴾قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1].، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ ، وقرأت معه حتى ختمها، ثم قرأ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ، فقرأت معه حتى ختمها، ثم قال: ما تعوذ بمثلهن أحد).
[39] : كما في الحديث الذي رواه ابن حبان كما في صحيح موارد الضمآن (675) و (682)، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَة الأولى من الْوتر بـ﴿سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى﴾ وَفِي الثَّانِيَة بـ﴿قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وَفِي الثَّالِثَة بـ﴿قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ وَ﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس﴾).
|