منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 26 Apr 2019, 11:59 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي همسة توكّل في أُذُن كلّ جزائريّ و مسلم.










همسة توكّل في أُذُن كلّ جزائريّ مسلم.


الحكمة والأناة، في اتّخاذ القرارات، من أنحع سُبُل الخَلاص والنّجاة، عند اشتداد الفتن وتفاقم الأزمات. يقول الله تعالى:"يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ".(1)، والمثل الشّائع يقول: "واللّبيبُ بِالإِشَارَةِ يَفْهَمُ".

فكم من متعلّم، زاده التّعنّتُ جَهْلاً، أغرقه في سقَم. شارف به الموت، ومااتَّعَظ وما ندم.

أناشد كلّ جزائري مسلم، أن يصغي إليّ، وينتبه إلى ما يُحاك للجزائر من مخطّط تدمير وطن، مثل ما صارت إليه بلاد إسلاميّة، غرّهم زيف شعار: تحقيق مطالب عبر مسيرات، كان مآلها، إزهاق أرواح، وسفك دماء، وتشتّت عائلات. والله، بما يصلح لنا، أعلم.

سألتُ إحدى المعلّمات الجزائريّات، وهي تحكي عن المظاهرات، وما أسفرت (في نظرها) من إيجابيات، وبها عُرِف مَن كان وراء الفساد الّذي لحق مؤسسات الاقتصاد.

فقلتُ لها: اصدقيني القول، إذا سألتكِ، هل دائمًا يتحقّق ما تأملين إليه؟ إذا قلتِ: نعم، فالحمدلله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات.

أمّا إذا قلتِ: لا، فالأمر كلّه بيد الله، قد يقضي لكِ أمورًا، فيها خير لكِ، وقد يمنع عنكِ أمورًا، قد تصير، لو تحقّقت ، شرًّا لكِ، والله يعلم ونحن لانعلم.

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:"إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ* إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا" (2).

وقوله تعالى : " إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ " إخبار أنّه تعالى هو الرزّاق القابض الباسط، المتصرّف في خلقه بما يشاء، فيُغْنِي مَن يشاء ويفقر مَن يشاء بما له في ذلك من الحكمة ولهذا قال: "إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا" ، أي خبير بصير بِمَن يستحقّ الغِنَى ومَن يستحق الفقر ، كما جاء في الحديث: "إنّ من عبادي مَن لا يصلحه إلا الفقر ولوأغنيته لأفسدت عليه دينه وإنّ من عبادي لمن لا يصلحه إلاّ الغِنَى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه".

وقد يكون الغِنَى في حق بعض الناس استدراجا والفقر عقوبة عياذا بالله من هذا وهذا]اهـ.





فقلت: إنّ الحكمة الإلهية أوجبت علينا أن نرضى بالقضاء والقدر كيفما كان، وأن نتوكّل على الله في كلّ ما أهمّنا. فهو سبحانه، الّذي بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير.

وهذا لايعني أنّنا لانتحرّك للحصول على مبتغانا، فـالأسباب تحرّك بإذن الله ما يكون مقدّرًا لنا، ولكن كما يقول العلماء أنّ اتّخاذ الأسباب للحصول على مطالبنا، واجب، والأهمّ من وجوبه أن تكون الأسباب شرعيّة. وإلاّ، فكم من سارق يسير في طريق الحرام، وقد نال مقاصده.
فهل هذا الشخص يرضى عنه الله ويبارك عمله؟!!
الجواب: لا، وقد تسرّع في أخذ رزقه، دون أن يخضع لما أراده الله لعباده، من التماس سُبًل الحلال في تحقيق الأرزاق.

وعلى هذا، وما سبق من الكلام، يقرّر علماء السُنَّة وأهل الخير، والحكمة والنّباهة، أنّ كلّ ما يؤدّي إلى فساد ، فهو فاسد. انطلاقًا من قاعدة: كلّ ما يؤدّي إلى حرام، فهو حرام.

ومن الْأَدِلَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَامِ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ (3) :....

- الْوَجْهُ الْخَامِسُ:

قَوْله تَعَالَى لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 43] {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] فَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ يُلِينَا الْقَوْلَ لِأَعْظَمِ أَعْدَائِهِ وَأَشَدِّهِمْ كُفْرًا وَأَعْتَاهُمْ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ إغْلَاظُ الْقَوْلِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقٌ بِهِ ذَرِيعَةً إلَى تَنْفِيرِهِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ، فَنَهَاهُمَا عَنْ الْجَائِزِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ تَعَالَى.

الْوَجْه السَّادِسُ:

أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ فِي مَكَّةَ عَنْ الِانْتِصَارِ بِالْيَدِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ انْتِصَارُهُمْ ذَرِيعَةً إلَى وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِغْضَاءِ وَاحْتِمَالِ الضَّيْمِ، وَمَصْلَحَةُ حِفْظِ نُفُوسِهِمْ وَدِينِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الِانْتِصَارِ وَالْمُقَابَلَةِ.
.......
الْوَجْهُ التَّاسِعُ:

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكُفُّ عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ - مَعَ كَوْنِهِ مَصْلَحَةً - لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى تَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ النُّفُورَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَمَفْسَدَةُ التَّنْفِيرِ أَكْبَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ قَتْلِهِمْ، وَمَصْلَحَةُ التَّأْلِيفِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَتْلِ.....].اهـ.


فأقول:

الحِرَاك هو عبارة عن مسيرات، واحتجاجات، ومظاهرات، يطالب فيها الشعب بحقوقه، وعلماء السُنّة يحرّمون المظاهرات، على أنّها ليست من هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مع أنّهم كانوا مضطهدين في عصرهم، وأصابهم من الأذى ما يفوق ما يصيبنا بكثير، ومع هذا، صبروا كما أمرهم نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم (قدوتهم) حتّى فتح الله عليهم. والحمدلله ربّ العالمين.

قال الشيخ ربيع حفظه الله ورعاه، في حكم المظاهرات في الإسلام:

إنّ المظاهرات فيها مطالبات الحكام بالحريات ومطالباتهم بالحقوق، وهذا العمل من الشغب والفساد يأباه الإسلام بأدلّته الجليّة الواضحة.

ومن الأدلة قول الرسول الكريم والناصح الأمين:

"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أطلعه الله على ما سيكون في هذه الأمّة من جُور الأمراء واستئثارهم بالأموال والمناصب وغيرها، ولمّا أخبر أصحابه بهذا الواقع الّذي سيكون لا محالة، سأله أصحابه الكرام: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما يجنّبهم الخوض في الفتن وسفك الدّماء، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ". ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ثُورُوا عليهم وتظاهروا،، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم".]. اهـ (4)

و بهذا أقول :

من بين أسباب تحريم المظاهرات: حدوث مالايُحمد عقباه من فتن واضطرابات، في الأمن وتفرّق الجمع إلى مؤيّد و معارض، فتحدث الشحناء والبغضاء بين أفراد الشّعب الواحد، والدليل واقع في المجتمعات التي خاضت المظاهرات، واعتقدت أنّ تحرّكها هذا هو الذي يجلب إليها الرزق والخير، للأسف الشّديد، فكان وبالاً عليهم ودمارًا لبلدانهم.

فمن عقيدة المسلم أن يعلم أنّ الله هو الرزّاق، وهو الذي يتكفّل بكلّ ما أهمّ عبده، لو توكّل عليه حقّ توكّله، ونبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول:"لوأنّكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خِمَاصًا وتروح بِطانًا".



فمَن يعتقد أنّ الطّيور لها القدرة على تحريك الأمور لتحقيق أرزاقها، إن لم يوجّهها الله إلى رزقها، ويسوقه إليها سوقًا؟!!!.

قد يرفض هذه العقيدة كثير من الّناس وإن كانوا مسلمين، لطغيان المادة، وتفشّي الإلحاد، وكثرة التّوهّم أنّ القوّة بيدهم تتحرّك، ولكن، لو أصاب ذلك الشخص المغرور شَلَلٌ شمل كلّ الجسد، أقعده عن العمل، لتعطّلت عليه الأسباب التي يراها جالبة لرزقه، فمَن يعتمد عليه، بعد هذا، لجلب منافعه، ودفع المضار عنه؟


ومن الفائدة الشّرعيّة الّتي تجمع التّوكّل على الله مع اتّخاذ الأسباب لجلب المنافع ودفع المضار، سأل أحدهم شيخنا الجليل محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، قائلا:

هل اتّخاذ الأسباب ينافي التّوكّل؟ فبعض الناس إبان حرب الخليج اتخذ الأسباب وبعضهم تركها وقال: إنّه متوكّل على الله؟

فأجابه الشيخ رحمه الله:

الواجب على المؤمن أن يعلّق قلبه على الله عز وجل، وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، فإنّ الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كلّه، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ* وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (5)، وقال موسى لقومه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} (6)، وقال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (7) ، وقال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ* إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ* قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} (8)،

فالواجب على المؤمن أن يعتمد على ربّه، ربّ السماوات والأرض ويحسن الظن به. ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله تعالى بها، لأنّ أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته ولا تنافي التّوكّل.

فها هو سيّد المتوكّلين محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتّخذ الأسباب الشرعية والقدرية فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحروب، وخندق على المدينة حين اجتمع أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله تعالى ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها، فقال عن نبيه دواد: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ* فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80) } (9)، وأمر الله دواد أن يجيد صنعها ويجعلها سابغة لأنّها تكون أقوى في التحصين. وعلى هذا فإنّ أهل البلاد القريبة من مواقع الحرب التي يُخشى أن يصيبها من آثاره ليس عليهم حرج في الاحتياط باستعمال الكمامات المانعة من تسرب الغازات المهلكة إلى أبدانهم، والتحصينات المانعة من تسربه إلى بيوتهم، لأن هذا من الأسباب الواقية من الشر المحصنة من البأس، ولا حرج عليهم أن يدّخروا لأنفسهم من الأطعمة وغيرها ما يخافون أن يحتاجوا إليه فلا يجدوه، وكلّما قويت الخشية من ذلك كان طلب الاحتياط أقوى، ولكن يجب أن يكون اعتمادهم على الله عز وجل ، فيستعملوا هذه الأسباب بمقتضى شرع الله وحكمته على أنّها أسباب أذن الله لهم فيها لا على أنّها الأصل في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يشكروا الله تعالى حيث يسّر لهم مثل هذه الأسباب وأذن لهم بها.

والله أسأل أن يقينا جميعاً أسباب الفتن والهلاك، وأن يحقّق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتّوكّل عليه والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنّا. إنّه جواد كريم، وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.] اهـ.(10)



وختامًا:

قد أحسن مَن خضع للشريعة دون أن ينزعج ممّا يحتويها من أمور يراها تضايقه، ربّما تكون هي المخرج والنّجاة من أزماته. والله المعين.

قال الله تعالى: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ* كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ* وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا* غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا* لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ* رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا* رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا* رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ* وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا* أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)" (11).


اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.


بقلم: أم وحيد بهية صابرين

الجمعة 21 شعبان 1440 هـ الموافق لـ 26 أبريل 2019 م


------------------------------------------------------------

المراجع:

(1)- سورة البقرة الآية: 269

(2)- سورة الإسراء، الآية: 30

(3)- من كتاب: "إعلام الموقعين عن ربّ العالمين"، منقول من شبكة سحاب.

(4)- حكم المظاهرات في الإسلام/ حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان/ (الحلقة الثانية)

(5)- هود123

(6)- يونس.

(7)- التوبة

(8)- الطلاق

(9)- الأنبياء


(10)- مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب العبادة.

(11)- البقرة.









الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	لامانع لما أعطيت.png‏
المشاهدات:	1281
الحجـــم:	475.2 كيلوبايت
الرقم:	6688   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	لو أنّكم تتوكلون على الله.png‏
المشاهدات:	1057
الحجـــم:	8.9 كيلوبايت
الرقم:	6689   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إنّ الله هو الرزاق.jpg‏
المشاهدات:	1298
الحجـــم:	63.2 كيلوبايت
الرقم:	7155  
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg فائدة في التوكل.jpg‏ (104.7 كيلوبايت, المشاهدات 1828)
نوع الملف: jpg من زرع خير يوشك أن يحصده.jpg‏ (37.9 كيلوبايت, المشاهدات 1155)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 Apr 2019, 10:14 AM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي




بسم الله الرّحمن الرّحيم



ولزيادة فوائد أخرى، أرفق مع الموضوع مقال قيّم ومفيد، للشيخ العلاّمة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ورعاه

أسأل الله أن ينفع به الجزائريّ المسلم، وجميع المسلمين في أقطار العالم. وبالله التّوفيق.






حكم المظاهرات في الإسلام


حوار مع الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان

(الحلقة الثانية)


قال الدكتور في (ص7-8):

"الوقفة السادسة: أدلّة المظاهرات السلميّة:

1- الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية حتى يرد دليل خاص في المنع وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة لأنها سلمية بحته. ومتى ترتب عليها مفسدة فهي محظورة.

2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلّها أدلة للمظاهرات السلميّة كقوله تعالى:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... "،[آل عمران: 110].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :"مَن رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

ويجوز الاحتجاج([1]) على المنكر بسائر الجوارح ويقاس على اليد واللسان- كل وسيلة مناسبة كما قرّره السّلف والخلف في مصنفاتهم.

كما قرّر العلماء إذا حضر جماعة مكانا أو حفلا فيه منكر ولم يستطيعوا أن يغيّروه فيجب عليهم أن يخرجوا و يفارقوا المكان. وهذا هو عين الاحتجاج على المنكر وأهله".


التعليق:

أقول: أمر عجيب هذا:

1- إذ يعترف أنّ المظاهرات الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية، ثم يدّعي أن جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية، وهذا منه اضطراب وتناقض واضح.


وهذا تعريف الإباحة والبراءة الأصلية عند الأصوليين:

قال ابن قدامة -رحمه الله- في "روضة الناظر" مع مذكرة أصول الفقه (ص44-45) :

"القسم الثالث (المباح) وحده ، ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذمّ فاعله وتاركه ولا مدحه، وهو من الشرع .."، الخ كلامه .

علّق عليه العلامة الشنقيطي –رحمه الله- بقوله: "اعلم أنّ الإباحة عند أهل الأصول قسمان :

(أ) الأولى : إباحة شرعية، أي عرفت من قبل الشرع كإباحة الجماع في ليالي رمضان المنصوص عليها بقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىظ° نِسَائِكُمْ)، [سورة البقرة: 187]، وتسمى هذه الإباحة الإباحة الشرعية .

(ب) الثانية: إباحة عقلية وهي تسمّى في الاصطلاح البراءة الأصلية، والإباحة العقلية وهي بعينها (استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل ناقل عنه ).


ومن فوائد الفرق بين الإباحتين المذكورتين أنّ رفع الإباحة الشرعية يسمى نسخًا كرفع إباحة الفطر في رمضان ، وجعل الإطعام بدلاً عن الصوم المنصوص في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، [سورة البقرة:184]، فإنّه منسوخ بقوله: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [سورة البقرة: 185].


وأمّا الإباحة العقلية فليس رفعها نسخًا؛ لأنّها ليست حكما شرعيا، بل عقليًّا".

أ- فهي إباحة عقليّة وليست شرعيّة.

ب- استصحاب هذه الإباحة والبراءة حتى يرد دليل شرعي ناقل عنها، ولا دليل مع الدكتور.

جـ- أنّها ليست حكماً شرعياً، بل هي حكم عقلي، وهذا على التسليم بأنّ الأصل في المظاهرات والمسيرات الإباحة، والحقّ أنّها محرّمة، وتتناولها بالتّحريم عدد من الأدلّة، ومنها أدلّة تحريم الإحداث والابتداع في الدّين، وآيات وأحاديث النّهي عن الفساد والإفساد في الأرض، والأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأمراء واستئثارهم وإتيانهم بما ينكره المسلمون عليهم.


2- مَن قال من علماء الإسلام المعتبرين أنّ الأصل في المظاهرت الإباحة؟


3- إنّ المظاهرات فيها مطالبات الحكام بالحريات ومطالباتهم بالحقوق، وهذا العمل من الشغب والفساد يأباه الإسلام بأدلّته الجليّة الواضحة.


ومن الأدلّة قول الرسول الكريم والنّاصح الأمين:

"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، متفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).

فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أطلعه الله على ما سيكون في هذه الأمّة من جور الأمراء واستئثارهم بالأموال والمناصب وغيرها، ولما أخبر أصحابه بهذا الواقع الذي سيكون لا محالة، سأله أصحابه الكرام: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟

فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما يجنّبهم الخوض في الفتن وسفك الدّماء، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ". ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ثُورُوا عليهم وتظاهروا،، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم.


ولا تنس أنّ الدكتور قد ادّعى أنّ المظاهرة حصلت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد بيّنا بطلان هذه الدعوى.

وقال -صلى الله عليه وسلم- للأنصار الكرام: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلْقَوْنِي على الْحَوْضِ"، أخرجه البخاري حديث (3792)، ومسلم (1845).

فلم يأمر الأنصار الذين قامت على كواهلهم وكواهل المهاجرين نصرة الرسول والإسلام ودولة الإسلام العظمى التي لا نظير لها، لم يأمرهم إلاّ بالصبر في هذه الدنيا حتّى يلقوه -صلى الله عليه وسلم- على الحوض.

إنّ حق الأنصار على المسلمين والحكّام لعظيم وعظيم، ومع ذلك يأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر عند وجود الأثرة لا بمناهضة الحكّام الّذين لا دور لهم في إقامة دولة الإسلام ونصرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حال الشدّة والقلّة في العدد والعدّة والمال.

وهذا أَصْلٌ ربّى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمّته، ودان به أئمّة الإسلام وقرّروه، ورفضه الخوارج الّذين نكبوا الإسلام والمسلمين بفتنهم وسفكوا دماءهم.

وقد حذَّر منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3611)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1066).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "...يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (3344)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1064).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إلى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا منه في شيء"، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (3/224).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " الخوارج كلاب النّار"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/355)، وابن ماجه في "سننه" حديث (173).


ومعلوم عند أهل العلم والتأريخ أنّ الخوارج قسمان:


-قسم: يسلّون السّيوف على الحكّام والأمّة.

-وقسم: يحرّكون الفتن بالكلام والإثارة والتهييج على الخروج. وهم المعرفون بـالقعد، ورأس هذا الصنف عمران بن حطان مادح ابن ملجم قاتل علي.


وبعض الأحزاب السياسية هم امتداد لهذا النّوع من الخوارج، كما أنّ المعتزلة امتداد لهم.


وهاك كلام بعض أهل العلم في وصف الخوارج القعد.

قال أبو بكر البيهقي في "القضاء والقدر" (330) رقم (573):

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا يعلى حمزة بن محمد العلوي النهدي يقول : سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن القاسم الحسني - وما رأيت علويا أفضل منه زهدا وعبادة - يقول : المعتزلة قعدة الخوارج عجزوا عن قتال الناس بالسيوف فقعدوا للناس يقاتلونهم بألسنتهم أو يجاهدونهم - أو كما قال -.


وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/303):

" وكان من رءوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال قاله المبرد قال وكان من الصفرية وقيل القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزيّنونه".


وقال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (454):

"عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي الخوارج. قال أبو العباس المبرد: كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم انتهى. والقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون الخروج بل يزينونه وكان عمران داعية إلى مذهبه وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي -رضي الله عنه- بتلك الأبيات السائرة".


فـالمظاهرات تنطوي على مقدمات من إثارة الأحقاد والتهييج على طريقة الخوارج القعد، وإشعار الناس بالظلم، وحث للناس على المطالبات بالحقوق والحريات وغير ذلك من المثيرات، وقبل ذلك نفخ ونفث الشيطان في النفوس، ثم يندفع الناس في الشوارع والميادين في هياج وفوضى وصخب والغالب أن يكون من المتظاهرين تحد وتخريب، لا يحكمهم ولا يحكم عواطفهم عقل ولا شرع. فتأتي النتائج المرة من الاصطدام بقوّات الدولة؛ الأمر الذي يؤدّي إلى سفك الدماء وإهدار الأموال ونهبها إلى آخر المفاسد التي حصلت وتحصل.


وقول الفنيسان عن المظاهرات: "وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة".


كلام باطل ومصادم للواقع، بل للشرع الإسلامي، فكم يقع بها ويترتّب عليها من المفاسد الكثيرة والكبيرة من التخريب والتدمير للممتلكات وإزهاق الأرواح وغرس الشحناء والأحقاد، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، [سورة البقرة: 205].

وكل فساد وإفساد في الأرض إلى يوم القيامة تتناوله الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد، وأصول الإسلام وفروعه كذلك، ومن أعظم الفساد والإفساد المظاهرات وما يترتب عليها من الشرور وأخطر أنواع الفساد والإفساد، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.



قال الدكتور: "2- جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية".


التعليق:


1- تذكّر أيّها القارئ تقريره السابق بأنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وتذكّر أنّها لا ترقى حتى إلى الإباحة، وقد بيّنتُ لك فيما سلف أنّ الأصل فيها التحريم.

2- ليس للمظاهرات أيّ صلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا بآياته وأحاديثه، وحاشا هذه الشريعة الحكيمة الغرّاء أن تشرّع الفوضى الّتي لا يقوم بها إلاّ الدهماء وأهل الغوغاء وأهل المطامع الدنيوية والأهواء ومَن ينخدع بهم من البلهاء.

3- إنّ المظاهرات معروفة لدى العرب والعجم، وهي عبارة عن تجمّعات غوغائية، يشترك في المطالبات بها المسلم الغِرّ والكافر يجوبون فيها الشوارع والميادين، ولهم شعارات وهتافات بأصوات عالية منكرة وحركات بغيضة واختلاط منكر بين الرجال والنساء يحرمه الإسلام ويأباه الشرف والمروءة.

وغالباً أو تسعة وتسعين في المائة أن يكون فيها تخريب وتدمير للممتلكات، ونهب للمتاجر، وإحراق للسيارات، ويكون فيها سفك للدماء، ويندر جداً أن تكون سلمية، والحكم للغالب لا للنادر.

أفيجوز لمسلم أن يدَّعي هذه الدّعوى العريضة أنّ جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات؟

فالأحاديث التي أسلفناها ومنهج أهل السُنَّة والجماعة وأئمّتهم كلّها تدين الديمقراطية أمّ المظاهرات، وتدين المظاهرات القائمة فعلاً على الفساد والإفساد.

ومَن يقول غير هذا فقد صادم نصوص القرآن والسُنَّة وما عليه أئمّة الإسلام وأهل الحق والسُّنَّة.


4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، والمعروف أوّل ما يدخل فيه التّوحيد، والمنكر أوّل ما يدخل فيه الشّـِرْكُ والبِدَع الكبرى.

فهل المظاهرات التي شرعها اليهود والنصارى من أهدافها وأولوياتها الدعوة إلى التّوحيد ومحاربة الشرك والبدع والضلالات؟

وعلى فقهك هذا الذي لم تسبق إليه تكون المظاهرات لأتفه الأسباب من أوجب الواجبات.


فاتّقِ الله في الإسلام والمسلمين، فلقد أدخلتَ المظاهرات في التشريع الإسلامي من باب المباحات، ثم قفزت بها قفزة هائلة إلى أن جعلتها من أوجب الواجبات، فجعلت آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلّة على المظاهرات السلميّة، وهذا والله من أنكر المنكرات.

ومعروف أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات، فكيف تجعل المظاهرات من أصول الإسلام، ومن أوجب الواجبات مع أنّها في الحقيقة من أخبث البدع ومن أنكر المنكرات؟


5- إنّ المظاهرات من أقذر تشريعات اليهود والنصارى، فلا يجوز لمسلم أن يدنّس بها الإسلام، وهي من أنكر المنكرات، فالآيات والأحاديث الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر تتناولها باعتبارها من أنكر المنكرات، وهي ضد المعروف الذي شرعه الإسلام، ودان به المسلمون الملتزمون بعقائد الإسلام وعباداته وسياسته وأخلاقه.


6- إنّ الآيات والأحاديث التي تذمّ التّفرّق والاختلاف وأسبابهما لتنطبق على المظاهرات وما يترتب عليها.


7- إنّ الأحاديث التي تذمّ البدع وتحذّر منها وتصفها بأنّها من شرّ الأمور لتنطبق على المظاهرات مهما كان شكلها.


ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في جلّ خطبه أو كلّها:

"أَمَّا بَعْدُ فإن خَيْرَ الحديث كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، أخرجه مسلم حديث (867)، وأحمد (3/371).

والمظاهرات من شرّ البدع والمحدثات، وليست من هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، نزهه الله عنها.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في موعظته العظيمة التي ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قال العرباض -رضي الله عنه- فقلنا: يا رَسُولَ اللَّهِ كأن هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قال:

" أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإن كان عَبْداً حَبَشِيًّا، فإنّه من يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بعدي اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وإن كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/126)، وأبو داود حديث (4607)، والترمذي حديث (2676).


والمظاهرات من شرّ البدع والضلالات التي حذرنا منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهي مخالفة لسنّته وسنّة خلفائه الراشدين المهديّين التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نعضّ عليها بالنّواجذ.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قال: فَمَنْ"، أخرجه البخاري حديث (3456)، ومسلم حديث (2669).


والمظاهرات من سنن اليهود والنصارى، ولا يأخذ بها ويتّبعهم فيها إلاّ مَن خذله الله فيخالف المنهج الإسلامي والنّصوص القرآنية والنّبوية، فيتعلق بها ويحرِّف لها النّصوص القرآنية والنبوية، فيزداد فتنة على فتنته، ويفتن الناس بهذا العمل، "وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"، أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (1017)، وأحمد في "مسنده" (4/357) . وقد يكون من هذه الأوزار دماء وأشلاء المسلمين.


8- كل الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد والإفساد تنطبق على المسيرات والمظاهرات بكل أشكالها وآثارها.



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 Apr 2019, 11:00 AM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي







قال الدكتور في (ص8):

"3- حديث أبي هريرة عند أبي داوود والبخاري في (الأدب المفرد 1/216) قال:" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّ لي جارا يؤذيني فقال له أصبر - ثلاثا- فكرّر عليه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : انطلق فأخرج متاعك في الطريق. فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق فجعلوا يقولون: اللّهمّ العنه. اللّهمّ أخزه، فأتاه جاره فقال له: ارجع إلى منـزلك فو الله لا أوذيك".


أقول:

1- تذكّر أنّه قد ادّعى أنّ الأصل في المظاهرات الإباحة، وقد عرفت معنى الإباحة، وأنّها ليس لها دليل شرعي.

2- إنّ هذا الحديث لا يدلّ على المظاهرات، لا من قريب ولا من بعيد، وفي الاستدلال به على المظاهرات غلوّ شنيع. إذ مؤدّى هذا الاستدلال أنّه كلّما وقع ظلم على شخص من حاكم أو محكوم ولو كان ضعيفاً قام الشعب بمسيرات ومظاهرات، وتصب على الظالم اللّعنات.

فهذه المظاهرات لا يقول بها ولا يدعو إليها حتّى الغُلاة في الديمقراطية ولا مَن اخترعوها، فَاتَّقِ الله، فلا تحمل النصوص النبوية ما لا تحتمله وما لا يقبله عقل ولا شرع، ولا حتّى الغلاة في الديمقراطية والمظاهرات؛ لأنّ مؤدى فقهك أنّ الناس سيعطّلون مصالحهم الدينية والدنيوية لانشغالهم بالمظاهرات على مر الأيام والسنوات؛ لأنّه لا يخلو وقت من ظلم الأفراد للآخرين.

3- هذا الاجتماع المذكور في الحديث لم يكن عن تنسيق سابق ممّن اجتمعوا على هذا الرجل، وليس لهم مطالب ضد الحاكم، كما هو واقع المظاهرات، وكلّ ما في الأمر أنّ رجلاً جلس في قارعة الطريق بطريقة عجيبة، والناس يخرجون إلى أعمالهم، فيأتي الرجل فيقف عند هذا المشهد الغريب، ويأتي الثاني والثالث كذلك، فحصل منهم في هذا الاجتماع استنكار على أذى جاره، فقد ظهر لك أنّ هذا الاجتماع الذي حصل على الوجه الذي ذكرنا ليس من المظاهرات في شيء، فلا سبب ولا غاية، ولا تجمّع مقصود، ونعوذ بالله من الجرأة على تحريف الكلام عن مواضعه.

وأنا أسأل: مَن سبقك إلى هذا الفقه من فحول الإسلام؛ فقهاء ومحدّثين ولغويّين؟


قال الدكتور في (ص8-9):

"4- ومنها الحديث الصحيح عند أصحاب السنن أبو داوود (2/245) وابن ماجه (2/366) والنسائي في الكبرى ( 5/371)والحاكم (المستدرك 2/188) على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وأخرجه ابن حبان في (صحيحه 9/499) وعبد الرزاق في (مصنفه 9/442) عن إياس بن عبد الله قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد ذئـر(اجترأ) النساء على أزواجهن. فأمر بضربهن. فلمّا أصبح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد طاف البارحة بآل محمد سبعون امرأة، كلّ امرأة تشتكي زوجها ثم قال : فلا تجدون أولئك خياركم"ا.هـ .

فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟! فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أو وزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


التعليق:

أقول:

1- أعتقد أنّه لا توجد في الدنيا مظاهرات مثل هذه المظاهرات التي يدعو إليها هذا الرجل، وما أعتقد أن أحداً يفكر هذا التفكير.

أرأيت لو كان هذا الرجل وزيراً أو قاضياً أو رئيساً لدار الإفتاء أيقبل مثل هذه الفتن والفوضى ضدّه وضدّ غيره في المؤسسات الأخرى إذا كانوا من أصدقائه؟


2- إنّ هذا الحديث مداره على رجل اسمه إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي، وقد اختلف في صحبته. قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" (2/280):

" إياس بن عبد الله بن أبى ذباب الدوسي مديني له صحبة، روى عنه عبد الله بن عبد الله بن عمر سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

والظاهر أن أبا حاتم وأبا زرعة إنّما حكما له بالصحبة بناء على إسناد هذا الحديث. وهذا وحده لم يقنع الأئمّة أحمد والبخاري وابن حبان، فنفوا صحبته، وهذا النفي حال بين الذهبي والحافظ ابن حجر وبين الجزم بصحبته.

قال الذهبي في "الكاشف": مختلف في صحبته، وعنه ولد لابن عمر د س ق. ولم يزد على ذلك.

وقال في "تذهيب التهذيب": د س ق إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي مختلف في صحبته له عن النبي –صلى الله عليه وسلم- "لا تضربوا إماء الله، وعنه عبد الله ويقال عبيد الله بن عبد الله بن عمر". ولم يزد على ذلك، ولم يرجح صحبته، ولا عدم صحبته.

وترجم الحافظ ابن حجر لإياس هذا في كتابه "تهذيب التهذيب" (1/389)، وقال : "مختلف في صحبته...، ثم قال: قلت: جزم أحمد بن حنبل والبخاري وابن حبان أن لا صحبة له، ولم يخرج أحمد حديثه في مسنده، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره في الصحابة، والراجح صحبته".

وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" خلال ترجمته لإياس: "مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين" ، ولم يرجح الحافظ هنا صحبته كما ترى.


والظاهر أنّه غيّر رأيه في الترجيح، والدليل على ذلك أنّه ألّف "تقريب التهذيب" بعد تأليفه لـتهذيب التهذيب، وقد نصَّ على ذلك في مقدمة "تقريب التهذيب" فيكون رأيه الأخير هو ما قاله في "التقريب"، وهو عدم الجزم بصحبته.

وقال الحافظ في "الإصابة" (رقم382): " إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي من أهل مكة قال ابن حبان يقال: إنّ له صحبة، ثم أعاده في التابعين، وقال: لا يصح عندي أن له صحبة، روى له أبو داود والنسائي وغيرهما حديثاً بإسناد صحيح، لكن قال ابن السكن: لم يذكر سماعاً، وقال البخاري: لا نعرف له صحبة".


وقول الحافظ: "بإسناد صحيح" ، يقصد أنّ الإسناد صحيح إلى إياس لا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


أقول: والذي يترجح لي أنّه لا تثبت له الصحبة. وذلك أنّ العلماء قد قرّروا الأمور التي تثبت بها صحبة الصحابي، وهي: كما قال الحافظ في "الإصابة" (1/14):

" الفصل الثاني: في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابياً.

وذلك بأشياء : أوّلها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة، ثم بأن يروى عن آحاد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ؛ وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد؛ وهو الراجح، ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة: أنا صحابي .

أمّا الشرط الأول - وهو العدالة - فجزم به الآمدي وغيره؛ لأنّ قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك - يلزم من قبول قوله إثبات عدالته؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدول، فيصير بمنـزلة قول القائل: أنا عدل؛ وذلك لا يقبل.."([2]) .


أقول: إنّ إياساً لم يوجد له من الأشياء المذكورة أيّ شيء، فلم تثبت صحبته عن طريق التواتر، ولا عن طريق الاستفاضة والشهرة، ولا بشهادة أحد من الصحابة أنه من الصحابة، ولم يقل هو: إني صحابي، ولا قال أحد من ثقات التابعين: إنّه صحابي.

ثم هو قد روى هذا الحديث بصيغة لا يثبت بها سماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو ليس له إلاّ حديث واحد فقط، لم يقل: حدثني أو حدثنا رسول الله أو سمعت أو سمعنا رسول الله يقول كذا، وإنّما قال في روايته لهذا الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبمقتضى قواعد أهل الحديث يصير إياس تابعياً مجهولاً، فحديثه هذا حسب أصول أهل العلم ضعيف؛ لأنه حديث مرسل، فيه جهالة.

أضف إلى هذا أنّه معارض لقول الله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)، [سورة النساء : 34]. فقد أباح الله للرجال ضرب النساء إذا استدعى الحال ذلك.

ومعارض أيضاً للحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في حجة الوداع: "... فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ولكم عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.."([3]).

فقد أباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للرجال ضربهن إذا وجد موجب لضربهن. قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية (4/27): "وكذا قال ابن عباس وغير واحد ضرباً غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، وقال الفقهاء هو أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا".

فقد ظهر أنّ حديث إياس بن عبد الله مع ضعفه، قد خالف نصاً قرآنياً وحديثاً نبويّاً صحيحاً وعليه عمل فقهاء الإسلام.

قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث: " فيه دليل على جواز ضرب النساء على ما أتين به من الفواحش، وتركن من الفرائض، وكذلك إذا خرجت بغير إذنه من بيته، أو أدخلت بيته غير ذي محرم لها، أو خانته خيانة ظاهرة، فله تأديبها بالضرب، لأنّه قيّم عليها، ومسؤول عنها" ، "شرح السنة"، (9/159).


فبطل قول الدكتور: " فإذا كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟!".


وأقول:

1- إنّ هذا لفقه باطل، فالحديث على ضعفه لا يدل على مظاهرة سلمية، ولا غير سلمية، وهو على ضعفه لا يدل على تجمع مقصود ولا غير مقصود، وإنما فيه أن نساء جئن إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، كل واحدة جاءت على انفرادها تشكو زوجها، ثم تذهب، وتأتي الأخرى تشكو زوجها وتذهب، فأين هي المظاهرات المعروفة بصخبها وهتافاتها في الشوارع والميادين بتجمعاتها المعروفة.


2- إنّ هذا الفقه فيه إساءة إلى ذلك المجتمع النبوي الطاهر المنـزّه عن أفكار وأعمال اليهود والنصارى وتشريعاتهم المناقضة لهدي محمد –صلى الله عليه وسلم-.


ثم قال الدكتور داعياً إلى المظاهرات النسائية مع الأسف الشديد على الطريقة الأوربية:

" فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أوزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟".


أقول:

إنّ في هذا الكلام لدعوة خطيرة إلى أعمال لا تعرفها الجزيرة العربية في جاهلية ولا في الإسلام ، فأيّ مسلم حرّ أبيّ يرضى لزوجته أو أخته أو ابنته أن تخرج فتشترك في أفعال قبيحة من الفوضى والجلبة والصياح ما ينافي المنهج الإسلامي الذي يأمر النساء بالحجاب والقرار في البيوت والحياء والحشمة، وخفض الأصوات، وغض الأبصار، ومَن يأمن أن يهرع أهل الفجور إلى حضور هذه المظاهرات النسائية الشبابية التي تقوم على الهتافات المنكرة المنطوية على الفحش في الأقوال والأفعال، والتي من لوازمها قيام المجرمين بالتخريب والتدمير، بل وسفك الدماء، ومشاركة عُبّاد القبور الذين يستغيثون بغير الله ويلجؤون إليهم في الشدائد.


لقد نهى الإسلام عن التشبه بالكفار فيما هو أدنى من المظاهرات، كمشابهتهم في طريقة الأكل والشرب واللباس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تشبّه بقوم فهو منهم"، رواه أبو داود([4]) بإسناد حسن من حديث ابن عمر –رضي الله عنه-، وله شواهد، وقد ورد من قول عمر بن الخطاب، ومن قول حذيفة نحوه، فهو يرتقي إلى درجة الصحة.


لا مانع في الإسلام أن يشتكي المظلوم إلى مَن يزيل الظلم عنه، بطريقة شريفة، أمّا أن يتجمهر الرجال أو النساء أمام الوزارات والمحاكم للمطالبة بالحقوق، وقد يكون بعضها حقوقاً مفتعلة، فهذا لا يعرفه الإسلام، ولا يعترف به، ويعده تهديداً وإرجافاً بالفتن، وخروجاً عن الآداب والأخلاق الإسلامية، بل هو خروج على الحاكم المسلم.

وهذه الأعمال الشنيعة لا يعرفها المسلمون على مرّ التأريخ الإسلامي، حتى جاء تلاميذ أوروبا وأمريكا وأفراخها، فأخذوا من عقائد الأوروبيين والأمريكان وأخلاقهم ومظاهرهم وتشريعاتهم ومنها المظاهرات التي يقومون بها، تحقيقاً لمصالح سادتهم وتنفيذاً لتشريعاتهم وإفساداً في بلدان المسلمين، وتمرداً على الأخلاق والتشريعات الإسلامية الحكيمة التي تنهى عن الفساد والمفاسد التي تؤدي إليها هذه المظاهرات.

وأنا لا أظن أنّ في دعاة المظاهرات مَن دعا إلى مثل هذه الصور الغريبة البغيضة التي يدعو إليها هذا الرجل، وأعتقد أنّهم يستغربونها.

ومن المستغرب جداً أن تأتي دعوة هذا الرجل إلى المظاهرات بهذا الحماس في هذا الوقت العصيب الذي يعاني العالم الإسلامي من ويلات المظاهرات ونتائجها المرّة في الأنفس والأموال ما يشيب لهوله النواصي.

ألا يدرك هذا الرجل ومن وراءه ما حصل من المصائب والكوارث المهولة الناشئة عن المظاهرات من سفك الدماء الذي ذهب فيه آلاف القتلى وآلاف الجرحى وآلاف المشردين والترويع العام للنساء والأطفال، بل والرجال، وإهلاك الأموال والحرث والنسل.

وكم ستترك في نفوس الألوف المؤلفة من البغضاء والأحقاد والتعطش للانتقام والأخذ بالثأر، فما هو رأي أهل الدين والنهى والأبصار؟

يا هذا إنّ الله يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً..)، [سورة المائدة : 32].

ورسول الهدى –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".
أخرجه الترمذي في "جامعه" حديث (1395)، وابن ماجه في "سننه" حديث (2619)، والنسائي في "المجتبى" حديث (3987) من طرق مرفوعاً وموقوفاً على عبد الله ابن عمرو، ورجح الترمذي وقفه، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" حديث (2609)، وفي صحيح الترغيب والترهيب حديث (2438)، وفي "صحيح الجامع الصغير" حديث (5077)، ويبدو لي أن هذا الحديث صحيح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وحسن مرفوعاً بمجموع طرقه؛ لأنه روي مرفوعاً عن البراء بن عازب وبريدة وعبدالله بن عمرو من طرق فيها كلام، لكن يقوي بعضها بعضاً.


ونسأل الله العافية من الأهواء الداعية إلى الفتن والزلازل.



قال الدكتور في (ص9):

"5-قال محمد بن حرب سئل الإمام أحمد عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال: (يأمره قلت فإن لم يقبل؟ قال: تجمّع عليه الجيران وتهوّل عليه لعل الناس يجتمعون ويشهرون به) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال صـ117".


أقول:

1- لا ندري من هو محمد بن حرب الذي روى هذا القول عن الإمام أحمد.

2- فيقال لهذا الرجل: أثبت العرش ثم انقش، أي أثبت أن هذا القول صدر عن الإمام أحمد.

3- أنّه لو ثبت هذا القول عن الإمام أحمد فلا علاقة له بأي وجه من الوجوه بالمظاهرات.

4- أنّ الإمام أحمد وعلماء السُنَّة واجهوا محنة القول بتعطيل صفات الله، والقول بخلق القرآن وإنكار رؤية الله في الدار الآخرة في عهد ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية المأمون والمعتصم والواثق، فواجهوا تلك المحنة الشديدة بالحكمة والصبر انطلاقاً من التّوجيهات النبوية، مع أنّهم يعتقدون أنّ هذه العقائد التي دُعوا إليها عقائد كفرية.

جاء في "ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل" (ص70-71) لحنبل بن إسحاق قوله: "فلمّا أظهر الواثق هذه المقالة، وضرب عليها وحبس، جاء نفر إلى أبي عبد الله، من فقهاء أهل بغداد، فيهم بكر بن عبد الله، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، وغيرهم، فأتوا أبا عبد الله، وسألوا أن يدخلوا عليه، فاستأذنت لهم، فأذن لهم([5])، فدخلوا عليه، فقالوا له: يا أبا عبد الله إن الأمر قد فشا وتفاقم، وهذا الرجل يفعل ويفعل، وقد أظهر ما أظهر، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا له أن ابن أبي دؤاد مضى على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن، القرآن كذا وكذا.

فقال لهم أبو عبد الله: وماذا تريدون؟ قالوا: أتيناك نشاورك فيما نريد، قال: فما تريدون؟ قالوا: لا نرضى بإمرته ولا بسلطانه، فناظرهم أبو عبد الله ساعة، حتى قال لهم، وأنا حاضرهم: أرأيتم إن لم يبق لكم هذا الأمر، أليس قد صرتم من ذلك إلى المكروه، عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقّوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، ودار بينهم في ذلك كلام كثير لم أحفظه، واحتج عليهم أبو عبد الله بهذا. فقال له بعضهم: إنا نخاف على أولادنا، إذا ظهر هذا، لم يعرفوا غيره ويمحى الإسلام ويدرس. فقال أبو عبد الله : كلا، إن الله عز وجل ناصر دينه وإن هذا الأمر له رب ينصره، وإنّ الإسلام عزيز منيع.
فخرجوا من عند أبي عبد الله، ولم يجبهم إلى شيء ممّا عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك، والاحتجاج عليهم بالسمع والطاعة، حتى يفرج الله عن الأمّة، فلم يقبلوا منه".

وقال أبو بكر الخلال في "السنة" ( 1/ 132):

" وأخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارا شديدا.

أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: ثنا معاوية بن هشام قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم أنهما كرها الدم يعني في الفتنة.

أخبرني محمد بن أبي هارون([6]) ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث([7]) حدثهم قال: سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد، وهَمَّ قوم بالخروج فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه ( يعني أيام الفتنة )؟ قلت: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان فإنّما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا، ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به".

فموقف الإمام أحمد هذا مستمد من منهاج النبوة في حماية الأمّة من الفتن التي تؤدي إلى سفك الدماء ونهب الأموال وإهدارها وقطع السبل إلى شرور أخرى.

ومن هذه الفتن التي حذَّر منها الإمام أحمد وغيره المظاهرات والمسيرات الوافدة من بلدان الكفر والفتن.


...يُتبع قريبًا...إن شاء الله...


الصور المرفقة
نوع الملف: jpg ديننا ليس دين فوضى.jpg‏ (180.9 كيلوبايت, المشاهدات 1106)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 Apr 2019, 04:30 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي







وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- يحدثنا عن تلك الفتنة وصبر أهل السُنَّة عليها.

قال –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (6/214-215):

" وأحمد إنّما اشتهر أنّه إمام أهل السُنَّة، والصابر على المحنة؛ لما ظهرت محن "الجهمية" الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون: إن الله لا يرى في الآخرة، وإن القرآن ليس هو كلام الله؛ بل هو مخلوق من المخلوقات، وإنه تعالى ليس فوق السماوات، وان محمداً لم يعرج إلى الله، وأضلوا بعض ولاة الأمر؛ فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن الناس من أجابهم رغبة، ومن الناس من أجابهم رهبة، ومنهم مَن اختفى فلم يظهر لهم.

وصار مَن لم يجبّهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته، وان كان أسيرا لم يفكوه ولم يقبلوا شهادته، وربما قتلوه أو حبسوه.


المحنة" مشهورة معروفة، كانت في إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق، ثم رفعها المتوكل، فثبت الله الإمام أحمد، فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى، وناظرهم في العلم فقطعهم، وعذّبوه فصبر على عذابهم، فجعله الله من الأئمّة الذين يهدون بأمره كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، [سورة السجدة : 24]. فمَن أُعْطِيَ الصبر واليقين جعله الله إماما في الدّين".

أقول:

معلوم أنّ السّلف، ومنهم الإمام أحمد كانوا يُكفِّرون بـتعطيل صفات الله وبالقول بـخلق القرآن وبـانكار رؤية الله في الآخرة، ولم يكتف الجهميّة بهذه الفتنة، بل أضافوا إليها تكفير مَن يخالفهم وامتحانهم بما ذكره شيخ الإسلام، ومع كل هذا فلم يقوموا بمظاهرات ولا خروج، وإنّما قاموا بـالصبر المشروع دفعاً لمفسدة كبرى عن المسلمين تهدر فيها أرواحهم وأموالهم إلى غير ذلك من المفاسد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/527-528):

" وقلّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلاّ كان ما تولّد على فعله من الشرّ أعظم ممّا تولّد من الخير كالّذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الّذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالّذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء

وغاية هؤلاء إمّا أن يغلبوا وإمّا أن يغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإنّ عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللّذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور. وأمّا أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/529-530):

"وكان الحسن البصري يقول إنّ الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ولكن عليكم بالاستكانة والتّضرّع. فإنّ الله تعالى يقول: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون)، وكان طلق بن حبيب يقول اتّقوا الفتنة بالتّقوى فقيل له أجمل لنا التّقوى فقال أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله. رواه أحمد وابن أبي الدنيا

وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث ولهذا استقر أمر أهل السُنَّة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.

وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة وليس هذا موضع بسطه ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضا اعتبار أولى الأبصار علم أنّ الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/531):

"وهذا كلّه ممّا يبيّن أنّ ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، من الصبر على جور الأئمّة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد وأنّ مَن خالف ذلك متعمّدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: إنّ ابني هذا، سيّد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمّة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة.
وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة في الصحيح كلها تدل على هذا".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/536):

" لكن إذا لم يزل المنكر إلاّ بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا

وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك مَن وافقهم في الخروج على الأئمّة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم
".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/538):

"وممّا ينبغي أن يعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة. فيرد على القلوب من الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده. ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية. والجاهلية ليس فيها معرفة الحق ولا قصده. والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح بمعرفة الحق وقصده فيتّفق أنّ بعض الولاة يظلم باستئثار فلا تصبر النفوس على ظلمه ولا يمكنها دفع ظلمه إلا بما هو أعظم فسادا منه ولكن لأجل محبّة الإنسان لأخذ حقّه ودفع الظلم عنه لا ينظر في الفساد العام الذي يتولّد عن فعله. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

وقال –رحمه الله- في "منهاج السنة النبوية" (4/540):

"وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنّه قال على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه.

وفي الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وسلم- عن عبادة قال بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.

فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بأن يصبروا على الاستئثار عليهم وأن يطيعوا ولاة أمورهم وإن استأثروا عليهم وأن لا ينازعوهم الأمر".

أقول:

تأمّل هذه الأقوال السديدة لشيخ الإسلام ابن تيمية القائمة على النصوص النبوية وعلى مراعاة المصالح والمفاسد وعلى معرفة تأريخ الثورات ونتائجها المدمرة، والعاقل مَن يعتبر.

فعلى مَن ينشد الحق أن يستفيد من المنهج الإسلامي في مواجهة الفتن وأن يحذر المسلمين من مخالفة هذا المنهج، وأن يحذّرهم أن يجرّهم الشيطان إلى الفتن وسفك الدماء، وأن يستفيدوا ممّا قرّره أئمّة السّلف وطبّقوه فعلاً.

وأقوال شيخ الإسلام التي سقناها هنا تدور في هذا الفلك وتبينه وتدعو إليه.

نسأل الله أن يبصّر المسلمين بالحق في السرّاء والضرّاء وعند حلول دواعي الفتن وأن يجنّبهم الخوض فيها ويقيهم شرورها.

وقال ابن القيم –رحمه الله- في "إعلام الموقعين" (3/15):

" إنَّ النبي -صلى اللَّهُ عليه وسلم- شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ من الْمَعْرُوفِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فإذا كان إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ ما هو أَنْكَرُ منه وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فإنّه لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ وان كان اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ وَهَذَا كَـالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنّه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وقد اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا وَقَالُوا أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ فقال لَا ما أَقَامُوا الصَّلَاةَ وقال مَن رَأَى من أَمِيرِهِ ما يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا ينـزعن يَدًا من طَاعَتِهِ . وَمَنْ تَأَمَّلَ ما جَرَى على الْإِسْلَامِ في الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا من إضَاعَةِ هذا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ على مُنْكَرٍ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه فَقَدْ كان رسول اللَّهِ -صلى اللَّهُ عليه وسلم- يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا بَلْ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ وَصَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ عَزَمَ على تَغْيِيرِ الْبَيْتِ وَرَدِّهِ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَمَنَعَهُ من ذلك مع قُدْرَتِهِ عليه خَشْيَةُ وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه من عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَلِهَذَا لم يَأْذَنْ في الْإِنْكَارِ على الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليه من وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه كما وُجِدَ سَوَاءٌ".

أقول:

كلام الإمام ابن القيم مستمد من منهاج النبوة القائم على الحكمة والنظر في العواقب والنتائج التي تترتب على التصرفات الهوجاء والعواطف العمياء، التي لا تنضبط بالتّوجيهات النّبوية الحكيمة، الّتي يراعى فيها مصالح الأمة في دينها ودنياها، وما يدرأ عنها المفاسد الكبيرة والفتن العظيمة في دينها ودنياها.

وتأمّل جيّداً في مقال ابن القيم هذا، ومنه قوله: " وَمَنْ تَأَمَّلَ ما جَرَى على الْإِسْلَامِ في الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا من إضَاعَةِ هذا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ على مُنْكَرٍ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه".

وقوله: "وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ".

فكيف لو رأى علماء السلف من الصحابة فمن بعدهم ما يجري في هذا العصر من المظاهرات والفتن لا من أجل الإسلام ولا من باب تغيير المنكرات الشركية والبدعية والإلحادية، وإنّما للمطامع الدنيوية، واللّهث على المناصب السياسية، ولتطبيق التشريعات والأنظمة اليهودية والنصرانية.

فاللّهمّ نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك.


قال الدكتور في (ص9):

" وملخص القول في طاعة ولي الأمر إذا أمر أو نهى عن شيء مباح إن كان الأمر والنهي متوجها على فرد بذاته كأن يمنعه من السفر أو أن يتزوج من خارج البلاد ونحو ذلك. فهذا جائز وعليه السمع والطاعة لولي الأمر . أما إذا أصدر الحاكم تنظيما أو تعميما أو قانونا يمنع فيه عامة الشعب من شيء هو مباح بأصل الشرع فإنّ هذا تقييد لحرية التعبير".

التعليق:

1- يُقال: إنّ هذا الكلام عجيب وتقرير غريب.

قارن بين التّوجيهات النبوية وتوجيهات أهل العلم والسُنَّة والحق ومنهم الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن تيمية وابن القيم وما فيها من حكمة وعلم صحيح ووعي عظيم وابتعاد بالأمة عن الفتن المدمرة للدنيا والدين.

قارن بين هذه التّوجيهات الحكيمة وبين ما يقرّره هذا الرّجل بهذا الأسلوب البعيد عن هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح.

2- يرى القارئ أنّه فرّق بين الفرد والجماعة في طاعة وليّ الأمر إذا أمر بأمر مباح أو نهى عنه، بدون دليل شرعي على هذا التفريق.

إنّ فقهاء الإسلام ليعلمون أنّ الشريعة الإسلامية قائمة كلّها على مراعاة المصالح والمفاسد، فتأمر بكل ما فيه صلاح للناس في دينهم ودنياهم، وتنهى عن كل ما فيه فساد في دينهم ودنياهم، وهذا المنهج يغيب عن هذا الرّجل.

فالحاكم المسلم في ضوء هذا المنهج له أن يجتهد -حيث لا يوجد نص يمنعه- فيما يحقّق لرعيّته الخير والمصلحة، ويدفع عنهم المفاسد والأضرار، فإذا أخطأ، فمعالجة خطئه يقوم بها أهل الحل والعقد من العلماء والعقلاء فقط بالمناصحة الحكيمة دون تشهير وإعلان المعارضات، ولا يجوز أن يتدخل في هذه الأمور السياسية الجهلة والسفهاء وأهل الأغراض، فإن رجع الحاكم عن خطئه بعد النصيحة فالحمد لله، وإن لم يرجع، فالشرع الحكيم يأمر المسلمين بالصبر حتى يفرِّج الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..)، [سورة الطلاق: 2-3]، وهذا العلاج الإسلامي الحكيم خير وأنفع بمئات المرات من العلاج بالهوى والفتن والمسيرات والمظاهرات.

قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة النبوية" (4/527):

"ففي الجملة أهل السُنَّة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى: (فاتّقوا الله ما استطعتم)، [سورة التغابن:16].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، ويعلمون أنّ الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجّحوا الراجح منهما، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجّحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجّحوا تركه.فإنّ الله تعالى بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها".

وهذا الرّجل لم ينظر إلى مراعاة المصالح ولا إلى درء المفاسد، ولم يتطرق إلى الترجيح بين المصالح والمفاسد، الأمر الذي بُعث به محمد –صلى الله عليه وسلم- وسار على هديه فيه علماء وفقهاء الإسلام الراسخون، وانحرف عنه أهل الأهواء.

وهذا الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يتصرف في شئون الأمة بناء على مراعاة جلب المصالح ودرء المفاسد.

قال أبو بكر بن أبي شيبة –رحمه الله-:

حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أنّ عمر حمى الربذة لنعم الصدقة"([8]).

وقال -رحمه الله-: حدثنا عَفَّانَ قال حدثني مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قال سَمِعْت أبي قال حدثنا أبو نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ([9]) مولى أبي أُسَيْدَ الأَنْصَارِيِّ قال سمع عُثْمَان أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قد أَقْبَلُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَكَانَ في قَرْيَةٍ خَارِجًا من الْمَدِينَةِ أو كما قال قال فلما سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ إلَى الْمَكَانِ الذي هو فيه قال أَرَاهُ قال وَكَرِهَ أَنْ يَقْدُمُوا عليه الْمَدِينَةَ أو نَحْوًا من ذلك فَأَتَوْهُ فَقَالُوا اُدْعُ بِالْمُصْحَفِ فَدَعَا فَقَالُوا افْتَحْ السَّابِعَةَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ فَقَرَأَهَا حتى إذَا أتى على هذه الْآيَةِ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ من رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ منه حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ على اللهِ تَفْتَرُونَ) قَالَوا أَرَأَيْت ما حَمَيْت من الْحِمَى آللَّهُ أذن لَك بِهِ أَمْ على اللهِ تَفْتَرِي فقال أَمْضِهِ أَنْزَلَتْ في كَذَا وَكَذَا وَأَمَّا الْحِمَى فإن عُمَرَ حَمَى الْحِمَى قَبْلِي لإبل الصَّدَقَةِ فلما وُلِّيتُ زَادَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَزِدْت في الْحِمَى لِمَا زَادَ من إبِلِ الصَّدَقَةِ..."([10]).

فالربذة أرض غير مملوكة لأحد، بها مراع مباحة لكلّ المسلمين، رأى أمير المؤمنين عمر أن يجعلها حمى ترعى فيه إبل وخيل الصدقة خاصة، ومنع منها المسلمين إلا من يأذن له أمير المؤمنين.

وهذا العمل من عمر –رضي الله عنه- من باب مراعاة المصالح، ومن أبواب الاجتهاد التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"([11]).

وأقرّ الصحابة الكرام هذا الاجتهاد، وهذا أمر لا يجوز عند الديمقراطيين الّذين يلبسون الديمقراطية لباس الإسلام.

وأمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- انطلق من هذا المنطلق الذي انطلق منه عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- إن صح هذا الأثر عنه، ولم يعارضه إلا أهل البغي والفتن.

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ"([12]).

ومن اجتهادات عمر -رضي الله عنه- بناء على مراعاة جلب المصالح جعله سواد العراق وقفاً على سائر المسلمين، ولم يقسمه على الغانمين، وأقره الصحابة الكرام على هذا التصرف، وما قالوا: السواد ملكنا، ويجب قسمه على الغانمين كما فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أرض خيبر، وليس لك منه إلا الخمس الذي قال الله فيه: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، [سورة الأنفال : 41].

قال الحافظ ابن رجب في "الاستخراج لأحكام الخراج" (ص9):

"وقد تقدّم قول الإمام أحمد -رضي الله عنه- إنّما كان الخراج على عهد -عمر رضي الله عنه- يعني أنّه لم يكن في الإسلام قبل خلافة عمر -رضي الله عنه- ولا ريب أن عمر -رضي الله عنه- وضع الخراج على أرض السواد ولم يقسمها بين الغانمين وكذلك غيرها من أراضي العنوة.

وذكر أبو عبيد أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومعاذ بن جبل أشارا على عمر -رضي الله عنهم- بذلك".

ولأمير المؤمنين عمر اجتهادات أخرى منها وضع بيت لمال المسلمين، انطلاقاً من مراعاة المصالح للمسلمين، والصحابة والمسلمون يطيعونه في ذلك، تنفيذاً لأوامر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بطاعة أولياء الأمور وإيماناً بمراعاة المصالح للأمة، وهذا هو منهج الصحابة الكرام وأهل السُنَّة والجماعة إلى يومنا هذا.

بعد أن ذكر أبو يعلى –رحمه الله- ما يجب على الأمير بيّن ما يلزم من تحت إمرته من المسلمين.

قال في "الأحكام السلطانية" (ص46-47):

أمّا ما يلزمهم في حقّ الأمير عليهم أربعة أشياء:

أحدها: التزام طاعته، والدخول في ولايته. قال تعالى -(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم).قيل: هم الأمراء. وقيل: هم العلماء. وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال "مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن عصى أميري فقد عصاني([13]).

الثاني: أن يفوضوا الأمر إلى رأيه، ويكلوه إلى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم، وقد قال تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بيّنوه له، وأشاروا به عليه، وقد ندب الله تعالى إلى المشاورة.

الثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة حسب أحوالهم، ولا يغلظ فينفر، وقد قال الله تعالى لنبيه: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). وروى ابن المسيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "خير دينكم أيسره".

الرابع: أن لا ينازعوه في الغنائم إذا قسمّوها بينهم، ويرضوا فيها بتعديل القسمة عليهم".

أقول:

انظر إلى قوله: "الثاني: أن يفوضوا الأمر إلى رأيه، ويكلوه إلى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم".

فإنّه يرى الاجتهاد لولي الأمر في مصلحة المسلمين ابتعاداً بهم عن اختلاف آرائهم، واستدل على ذلك بالآية.

وقوله: "فإن ظهر لهم صواب خفي عليه بيّنوه له، وأشاروا به عليه".

والّذي يبيّنه ويشير عليه هم العلماء الكبار النابهون أهل الاستنباط من النصوص ومن الأحداث التي تلمّ بالأمّة. فيقدمون للإمام تنبيههم ومشاورتهم الحكيمة، ولا دخل لعامة الشعب، فإنهم بعيدون عن إدراك المشكلات وحلولها.

وانظر إلى قوله: "الثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة حسب أحوالهم، ولا يغلظ ...الخ.

انظر إلى قوله: " أن يسارعوا إلى امتثال أمره...الخ" ، أي أمره الاجتهادي.

وانظر إلى قوله: "فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة..الخ". وذلك لأنّهم خالفوا من أَمَرَ الله بطاعته في غير معصية، فإذا أمرهم بغير معصية ولم ينفذوا أمره فله تأديبهم، لأنّهم بمعصيته عصوا الله ورسوله.

فكان على الدكتور أن يعلم توجيهات رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ويعلم منهج العلماء الربّانيّين في هذا الباب، ويسلك سبيلهم، سبيل العلم والعقل والخير والهدى والسلامة من الفتن وأسباب الردى.

وساق ابن زنجويه آثاراً أخرى تتعلق بوقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لسواد العراق وكذلك وقفه لأرض الجابية بالشام وما فتح عنوة من أرض مصر([14])، وكلها من اجتهاد هذا الإمام العادل –رضي الله عنه-.


قال سعود الفنيسان في (ص9):

"والمظاهرة السلمية يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية:

1- أن تكون المطالب مشروعة وعادلة فإن تضمنت مفسدة أو حراما فلا تجوز.

2- ألا تؤدي المظاهرة إلى منكر آخر يساوي أو يزيد عن المنكر الذي خرج المتظاهرون لتغييره.

3- ألا يصحب المظاهرة ترك واجب كصلاة الجمعة أو الجماعة أو تشتمل على اختلاط محرم بين الرجال والنساء.

4- ألا تتسبب بإلحاق ضرر في الأنفس والممتلكات.

فالمظاهرات السلمية التي لا تشهر سلاحا ولا تسفك دما ولا تتعدى على الأنفس والممتلكات المعصومة- جائزة شرعا. والله أعلم".

التعليق:

1- برأ الله الإسلام من المظاهرات، فلا يجوز أن تُلْصقَ بالإسلام.

2- لا علاقة للديمقراطية ولا بالمظاهرات ولا بمطالب أهلها بالإسلام، فكيف تكون هذه المطالب مشروعة وعادلة، فالإسلام يحرِّم ويجرِّم هذه الأعمال والمطالب؛ لأنه يأمر بالصبر والطاعة، فهي وما شرعته بكل أشكاله فيها مصادمات للتشريعات الإسلامية.

3- إنّ المظاهرات ليست من المعروف في شيء، فهي وإن كانت سلمية من المنكرات، فكيف إذا ترتب عليها منكرات.

4- غالب مَن يخوض في المظاهرات غير ملتزمين، والإسلام يمنع اختلاط الرجال بالنساء حتى في المساجد، والمظاهرات يحصل فيها الاختلاط المحرم، ولا ندري ما هو الاختلاط المحرم عند هذا الرجل وما هو الاختلاط الجائز.

5- إلحاق الضرر بالناس في الأنفس والممتلكات من لوازم المظاهرات تسعة وتسعين في المائة ولا عبرة بالنادر الذي لا نعرفه ولم نسمع به.

فما من مظاهرة إلاّ ويصحبها أضرار وفساد، لأنّ مَن يخوضها غالبهم غير ملتزمين بعقائد الإسلام وأحكامه وآدابه، فإذا خاضوا في المظاهرات سهل على كثير منهم أن يروي ظمأه ويشفي غليله، فهذا يدّمر وهذا يضرب، وهذا يقتل، وهذا ينهب...الخ، وكأنّ الكاتب يعيش في عالم الخيال أو يتصوّر أنّ المتظاهرين معصومون أو شبه الملائكة، فيضع هذه الشروط التي يعتقد كلّ عاقل مجرّب أنّها لن تتحقّق، فيذكرنا بقول الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء


فإذا أجزت للناس المظاهرات السلمية المزعومة، فقد فتحت أمامهم أبواب الفتن الخطيرة المدمرة التي تتولد عن المظاهرات وذلك أن شياطين الإنس والجن يتخلّلونها ثم يحقّقون ما يطمحون إليه من الفساد والإفساد وسفك الدماء ونهب الممتلكات وتدميرها، والمتسبب في هذه الشرور شريك لفاعليها.


هذا ونسأل الله أن يوفّقنا والدكتور سعود وسائر المسلمين للثّبات على الحق والتّمسّك بالكتاب والسُنَّة عقيدة ومنهجاً وسياسة وأخلاقاً، وأن يجنّبنا الفتن وأسبابها وكلّ ما يؤدي إليها، وأن يجمع كلمة المسلمين حكّاماً وشعوباً على الحق والهدى. إنّ ربّنا لسميع الدعاء.

وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه

ربيع بن هادي عمير المدخلي

12/4/1432هـ

--------------------------------------------------------------------------------

الحواشي:

[1] - لو قلت: ويجب إنكار المنكر باليد واللسان والقلب كل على حسب طاقته من السلطان إلى أضعف المسلمين، ووقفت لأصبت. لكن قولك: "كل وسيلة مناسبة" ، تريد أن تدخل في هذه الوسائل المظاهرات والتصوير بكل أنواعه والتمثيل، وهذا قول باطل، ولم يقرره السلف والخلف من أهل السنة والحق؛ لأنه يصادم النصوص النبوية الصحيحة.

[2] - انظر "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص264)، و"اختصار علوم الحديث" لابن كثير (ص517)، النوع التاسع والثلاثون.

[3] - أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (1218)، وأبو داود في "سننه" حديث (1905)، والنسائي في "الكبرى" حديث (4001)، وابن ماجه في "السنن" حديث (3074)، وابن أبي شيبة (5/485) حديث (14908)، وابن حبان حديث (1457)و (3944).

[4] - "سنن أبي داود"، حديث (4031).

[5] - في الأصل " فأذنوا لهم".

[6] - قال فيه الخطيب في "تأريخ بغداد" (4/395) برقم (1591): "وكان مشهوداً له بالصلاح والصدق"، وقال الذهبي في "تأريخ الإسلام" (21/291): "صالح، فاضل، واسع العلم".

[7] - قال فيه الخطيب في "تأريخ بغداد" (6/328) رقم (2823): "...كان أبو عبد الله يأنس به وكان يقدمه ويكرمه وكان له عنده موضع جليل، وروى عن أبي عبد الله مسائل كثيرة جدا بضعة عشر جزءا، وجوّد الرواية عن أبي عبد الله"، ومثل هذا المدح في "طبقات الحنابلة" (1/74) رقم (59)..

[8] - "مصنف ابن أبي شيبة" رقم (23535).

[9] - ذكره أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5/2911) رقم (3244)، وذكره ابن الأثير في "أسد الغابة في معرفة الصحابة" (6/141) رقم (5951)، وذكره الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" (2/173) رقم (2015)، وذكره الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في قسم الكنى (7/95) برقم (588)، فقال: " أبو سعيد مولى أبي أسيد بالتصغير الساعدي، ذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر ما يدل على صحبته، لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- فيكون من أهل هذا القسم، قال ابن منده روى عنه أبو نضرة العقدي قصة مقتل عثمان بطولها وهو كما قال، وقد رويناها من هذا الوجه وليس فيها ما يدل على صحبته".

[10] - أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (1/470)، و ابن أبي شيبة في " مصنفه" (38686)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" رقم(859).

[11] - أخرجه البخاري في "الاعتصام" حديث (7352)، ومسلم في "الأقضية" حديث (1716).

[12] - أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (2334).

[13] - من مجالات طاعة الأمراء الأمور التي يجوز فيها الاجتهاد، ومنها جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها.

[14] - "الأموال" (1/190-195).


تحميل المقال:

http://www.rabee.net/ar/artdownload.php?id=185


الصور المرفقة
نوع الملف: jpg المظاهرات شر.jpg‏ (65.6 كيلوبايت, المشاهدات 2652)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013