منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08 Jun 2011, 11:21 AM
لزهر سنيقرة لزهر سنيقرة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 343
افتراضي استنسار البغاث

بسم الله الرحمن الرحيم

استِنسارُ البُغاثِ

إنَّ مِن أعظم نِعَم الله على عبادِه المؤمنين هذِه العَودة والأَوْبة إلى الله (الصَّحوة المبارَكة) الَّتي نلمسُ آثارَها في مجالات عديدَةٍ متنوِّعةٍ، ومِن أبرزها ما نراه مِن حركةٍ علمِيَّةٍ واسعةِ الانتشار؛ في مجال التَّعلُّم والتَّعلِيم، والتَّحقِيق ونشر التُّراث، والتَّألِيف والطِّباعة، وما إلى ذلك؛ حيثُ ظهرَت كتبٌ كثِيرةٌ ـ مِن كتب الأسلافِ العِظام ـ محقَّقةً مضبوطةً، كما ظهرَت مؤلَّفاتٌ أخرى مفيدَةٌ في أبوابها نافِعةٌ لأصحابها، فنفع الله بها خَلقًا كثيرًا.
ولكن ظهَر في ثنايا تلك اليَقظة المبارَكة شيءٌ مِن المظاهر الَّتي كدَّرت بهاءَها، وعكَّرت صَفوها، الأمرُ الَّذِي تحرَّك مِن أجل دفعِه ثُلَّةٌ مِن أهل العِلم الغَيورِين على المنهَج الحقِّ، الَّذي يدَّعِيه الكثِيرُ ثمَّ هم يخالِفون أصولَه، ويُعرِضُون عن قواعِده، الَّتي اجتَمع عليها سلفُ هذِه الأمَّة الكِرامُ.
مِن أبرَز هذا التَّكدير ـ الَّذي يدعو إلى التَّنفِير والتَّشهِير قصدَ التَّحذِير ـ ظُهور الرُّوَيبِضات وتطاوُلهم، عن عوفِ بنِ مالِكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ، عن رسولِ اللَّهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ قال: «إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَوادِعُ؛ يُتَّهَمُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ الخَائِنُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ النَّاسِ الرُّوَيبِضَةُ» قِيلَ: يَا رسولَ اللَّهِ! وما الرُّوَيبِضَةُ؟ قال: «السَّفِيهُ يَنْطِقُ فِي أَمرِ العَامَّةِ».
وفي رواية عنه: «تَكُونُ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنُونَ خَوَادِعُ؛ يَكثُرُ فِيهَا المَطَرُ، وَيَقِلُّ فِيهَا النَّبْتُ, وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: يا رسولَ اللَّهِ! وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَال: «مَن لاَ يُؤْبَهُ لَهُ» [«المعجم الكبير» للطبراني (12/ 438) (14551) وهو صحيح].
وفي رواية عنه كذلك: «المَرْءُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمرِ العَامَّةِ».
مِن مِثل أولئِك الَّذين ركِبوا أمواجَ الفِتَن الَّتي حلَّت في الكثِير مِن البلاد الإسلامِيَّة هذه الأيَّام، وخرَج مَن خرَج فيها يدعُو بصريحِ العِبارة: اخرُجوا فإنَّ الخروج واجِبٌ.
وقد كان يدَّعي السَّلفِيَّة، ووُجِد مَن يُدافِع عنه، بل ويستَمِيتُ في الدِّفاع عنه، ثمَّ هو يغمِزُ ويطعَن في أجِلَّة علمائِنا مِن مثل شيخِنا ربيع ـ حفظه الله ورعاه وسدَّد على الحقِّ خُطاه ـ، كقول هذا المفتون دِفاعًا ذاكَ المغرور داعِيةُ الفِتنة والخُروج وأمثالِه، ممَّن تشبَّع بفِكره وسارَ على نهجِه: «الحَربُ سِجالٌ بين الحقِّ وبين الباطِل، بين أهل الإِنصاف وبين ذوِي الاِعتِساف، وبين أصحابِ السُّنة، وبين أَذناب البِدعة" [«الأنوار الكاشِفة» للحلبي (ص 4)].
سبحانَك ربِّي هذا بهتانٌ عظِيمٌ! !
فلا تعجَبنَّ لجاهلٍ علا، إنَّ البُغاثَ بأرضِنا يَستَنسِرُ
أي: الضَّعيف يصيرُ قوِيًّا بأرضِنا. [«المصباح المنير» (ص 56)]، ليس قويًّا فحَسب؛ بل شَرِسًا شراسَة الكواسِر مِن الطَّير.
هذا المَثل الَّذي ما حفِظناهُ إلاَّ مِن الشَّيخ الألباني ـ رحمه اللهُ وجعلَ الجنَّة مثواه ـ، فقد كان كثيرًا ما يذكُره، ويتمثَّل به في مِثل هذه المناسَبات، كذِكره له في «الضَّعيفة» في معرِض ردِّه على أحد المتطاوِلِين، فقال: «لكنَّ لحديثِه شواهِدَ تُقوِّيه؛ فراجِعها في «الدُّر المنثور». ولقد كان الباعِث على تحرير هذا : أنَّني رأيتُ الشَّيخ عبدالله الحبَشي في رسالته «الصِّراط المستقِيم» (ص 29) قد قال: أخرجه البيهقي بالإسناد الصَّحيح عن ابن عبَّاس ...» فذكر الحديث!
فتصحِيحُه لهذا الإسناد لَأكبَر دلِيلٍ على جَهل هذا الرَّجل بهذا العِلم، وقد بلَغنا أنَّه صار له أتباعٌ كثُرٌ في لبنان؛ ممَّا ذكَّرني بالقول المشهور: «إنَّ البُغاث بأرضِنا يَستَنسِرُ»!» اهـ
إنَّ ذهابَ الأكابِر ثُلمَةٌ في الإسلام لا تُسَدُّ، هذا النَّوع من التَّطاول والتَّعالم أثرٌ مِن أسوَء آثارها، مِصداقًا لقول نبيِّنا ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ـ، مِن حديث عبد الله بن عَمرِو بن العاص ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: سمِعتُ رسولَ الله يقول: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِن يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفتَوْا بِغَيرِ عِلمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا...» [رواه البخاري: (100)، ومسلم (2673)، والترمذي (2652)، وابن ماجه (52)، وأحمد(6511)].
قال الحافظ العيني ـ رحمه الله ـ [«عمدة القاري»: (3/90)]: «بيَّن بهذا الحدِيث أنَّ المراد برفعِ العِلم هنا قبضُ أهلِه، وهُم العلماء، لا محوُه مِن الصُّدور، لكن بمَوت أهلِه واتِّخاذ النَّاس رؤساءَ جهَّالاً؛ فيَحكُمون في دِين الله تعالى برأيِهم، ويُفتون بجَهلهم. قال القاضي عِياض: وقد وُجِد ذلك في زماننا كما أخبَر به ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ. قال الشَّيخ قطب الدِّين: قلت: هذا قولُه مع توفُّر العلماء في زمانِه! فكيف بزمانِنا؟ قال العبدُ الضَّعيف: هذا قولُه مع كثرةِ الفُقهاء والعُلماء مِن المذاهِب الأربَعة والمحدِّثين الكِبار في زمانه! فكيف بزمانِنا الَّذي خلَت البِلادُ عنهم وتصدَّرت الجُهَّال بالإِفتاء والتَّعيُّن في المجالِس والتَّدريس في المدارس؟ فنسألُ السَّلامة والعافِية» اهـ.
وقال الشَّيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ في شرحه لـ«سنن أبي داود»: «ذهابُ أهلِ العلم الَّذين هم متمَكِّنون منه، والَّذين هم مرجِعٌ فيه يُعَدُّ خسارَةً كبِيرةً على النَّاس، ويتَّضِح ذلك في هذا الزَّمان بوفاة شيخِ الإسلام الشَّيخ عبدِ العزِيز بن باز ـ رحمةُ الله عليه ـ، والشَّيخ محمَّد بن عثَيمِين ـ رحمةُ الله عليه ـ، والشَّيخ محمَّد ناصر الدِّين الألباني ـ رحمةُ الله عليه ـ؛ فإنَّ هذا يبيِّن لنا أنَّ ذهابَ مِثل هؤلاء نقصٌ كبِيرٌ وخَسارَةٌ كبِيرةٌ للنَّاس؛ لِمَا أعطاهُم اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ مِن سَعة العِلم ونَفعِ النَّاس، وما خلَّفُوه مِن تُراثٍ وعِلمٍ يبيِّن لنا شدَّة الخسارَة وعِظَم المصيبَة بذهابِ مَن هو متمكِّنٌ في العِلم.
قوله: «اتَّخَذَ النَّاسُ» فيه إشارَةٌ إلى أنَّ المتَّخِذ الجهلَةَ؛ لأنَّ العُلماء قد ذَهبُوا ومضَوا، وأنَّ هؤلاء ـ الرُّؤوس الجُهَّال ـ ليسُوا مجرَّد أدعياءِ عِلمٍ، بل إنَّهم يتصدَّون لمسائِل خطيرَةٍ ووقائِعَ نازِلةٍ في حياة النَّاس، فهم متَّخِذون ومسؤُولون ومُفتُون، وهذا يُصوِّر لنا الوضعَ الَّذي نعِيشُه اليَوم مِن تطاوُل المتعالِمين الموَزِّعِين للألقاب لمَن شاءُوا وعلى مَن شاءوا، ويقرِّرون ويقعِّدون القواعِد وكأنَّهم من مُنظِّري هذِه الأمَّة.
مِن هذِه القواعد؛ قولُهم (فلانٌ عالِمٌ)، ودليله أنَّه مِن مقرَّبِيه، وحكم القرِيب أولى مِن حُكم غيرِه، وإن كان هذا القرِيبُ أجهلَ مِن حمار أهلِه، ثمَّ يعلِّق على حكمه طاعِنًا في كلِّ مَن خالفه في هُرائِه: «ولم أَجفُ وأُقصِّر كما صنَع مَن تتبَّع عثراتِه مِن الجُفاة الغُلاة»!، هكذا يُطلِق عباراتٍ أظنُّه لا يَفقَهُ معانِيها، وإلاَّ ما معنى: تتبُّع عثراتِ الجُفاة الغُلاة؟!
أمَّا مَن وصفَهم بالجُفاة المتتَبِّعين للعَثرات؛ فقَد فهِمنا مَن يقصِدُ، بعد استِثنائه لأشجَعهم الَّذي أنصَف العالَم، وادَّعى أنَّ إِخوانه ظلَمُوه، ووالله ما ظلَموهُ، ولكِن شُبِّه إليه.
وأمَّا الغُلاة؛ فهُم يتتَبَّعون العَثراتِ كذلك؟ أم أنَّهُم يرفَعون أصحابَها أعلى المقاماتِ، وأرفَع الدَّرجاتِ؟
وفي نفسِ تِلك الوُرَيقات قال واصِفًا أحدَ أقرانِه بقوله: «وأمَّا الثَّاني فهُو أحَدُ عُقلاءِ وَهران وطُلاَّبِها المُجدِّين المتمكِّنين ـ لأنَّه ممَّن يشُدُّ الرِّحال للعالِم الجَليل!! ـ، محدِّث الشَّباب المعلِّمي...».
رحم اللهُ المعلِّمِيَّ، وكما يُقال: خلا لكَ الجوُّ فحمِّري وصفِّري!!
هذِه عيِّنةٌ مِن كثيرٍ مِن مثِيلاتِها الَّتي ابتُلِيَت الأمَّة بها في عدَد مِن أمصارِها وأقطارِها، وما هذِه الفُرقة الَّتي مزَّقت صفَّها وضرَبت جماعتَها إلاَّ بسَبب عدمِ إِنزال النَّاس منازِلهم، ثمَّ التَّعصُّب لهم، والإِعراضُ عن الحقِّ بسبَبهم «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)» [النِّساء: 66].
«وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)» [النِّساء: 83].
فالمَطلُوب مِن المُتلقِّي (أو المُرِيد) أن يتَخلَّى عن غُرورِه، وثِقته المُفرِطة بنفسه، ويعرِف قدرَه ، وأن يتخلَّق بأدَب القُرآن «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)» [الإسراء: 36] .
فهكَذا عرَفنا العُلماءَ مِن سلفِنا الصَّالح، لا يتوَرَّعون عن قول: (لا أَعلَم)، ولا يجِدون فيها مَنقصَةً ألبَتَّة، أمَّا في أَزمانِ الظُّلمات فلا تُوجَد هذِه العِبارة في قامُوس المسطِّرين والمتحدِّثين، وانظُر إلى قولِ ابن عبدِ البَرِّ ـ رحمه اللهُ ـ: «صحَّ عن أبي الدَّرداء أنَّ (لا أدرِي) نصفُ العِلم»، وسُلوكِ الإمامِ مالك بن أنس ـ رحمه الله؛ قال الهَيثم بن جميل: سمِعت مالِكًا سئِل عن ثمانٍ وأربَعين مسألةً، فأجاب في اثنَتَين وثلاثِين منها بـ (لا أدرِي)» [«سير أعلام النُّبلاء» للذَّهبي: (8/77)].
ثمَّ انظر إلى حالِ واقِعنا العِلميِّ والدَّعويِّ لتعلَم الحقِيقة، وهي أنَّه كلَّما ازداد عِلمُ العالِم اتَّسعت دائِرةُ (لا أعلَم)، وكلَّما نقَص علمُه تآكلَت دائرةُ (لا أعلَم)؛ لأنَّ الأوَّل يعلَم عُمق بحرِ العِلم وامتِدادَه، والآخَر يظنُّها البُقعة الَّتي يرَى لا غَير!
ومطلُوبٌ مِن طلَبة العِلم العامِلين أن يُربُّوا شبابَ الأمَّة على التَّميِيز بين العُلماء وبينَ المتشبِّعين بما لم يُعطَوا، وأن يغرِسوا في قلوبِهم تعظِيمَ الحقِّ واتِّباعه، ويربِطوهُم بالوَحي المعصُوم، حتَّى لا يكونُوا أتباعًا لكلِّ ناعِقٍ.
اللهُمَّ أرِنَا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطِلَ باطِلاً وارزُقنا اجتِنابَه.


وكتبه: أبو عبدالله أزهر بن محمود سنيقرة
07 رجب 1432هـ



التعديل الأخير تم بواسطة لزهر سنيقرة ; 08 Jun 2011 الساعة 11:28 AM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مسائل, سنيقرة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013