أهمية معرفة صفات المخالفين لدعوة أهل السنة ، إعداد: أبو عبد الرحمن كمال العنابي- وفقه اللّه-
ا[ أهمية معرفة صفات المخالفين لدعوة أهل السنة ]ا
إن فائدة الوقوف على أوصاف الصائغين مما يعين في الكشف عن رزاياهم ، وأغوار شرورهم ، وبيان سوء طريقتهم ، وهذا على نسق ما ساقه العلامة الإمام ابن بطة العكبري _ رحمه اللّه تعالى _ في تحذيرهِ من أهل الضلال المنحرفين .
حيث قال :" ... أنا أذكرُ طرفا من أسمائهم ، وشيئًا من صفاتِهِم ؛ لأنّ لهم كتبا قد انتشرت ، ومقالات قد ظهرت ، لا يعرفها الغر من الناس ، ولا النشء من الأحداث ، تخفى معانيها على أكثر من يقرؤها ، فلعلّ الحدث يقع إليه الكتاب لرجلٍ من أهل هذه المقالات قد ابتدأ الكتاب بحمد اللّه والثناء عليه والإطناب في الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم أتبع ذلك بقيق كفرهِ وخفيَ اختراعُهُ وشرِّه ، فيظن الحدث الّذي لا علم له ، والأعجمي والغمر من الناس أن الواضع لذلك الكتاب عالم من العلماء أو فقبه من الفقهاء ، ولعلّهُ يعتقِدُ في هذه الأمة ما يراهُ فيها عبدة الأوثان ومن بارز اللّه ووالى الشيطان "(1).
ولذلك كانت معرفة أوصاف المخالِفين للمحجة الناصعة ، من مسالكِ العلوم النافعة الّتي تعود على العبد بالفوائد الجليلة .
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه اللّه -: " العلم النافع ، هو العلم المرشد إلى الخير ، فكلُّ علم يكون فيه رشد ، وهدايةٌ لطريق الخير ، وتحذير عن طريق الشر ، أو وسيلة لذلك . فإنه من العلم النافع ، وما سوى ذلك ، فإمّا أن يكون ضارًّا ، أو ليس فيه فائدة لقوله :{ أن تُعلِّمنِ ممَّا علِّمتَ رُشدًا } [ الكهف : 66 ].
وعليه ، فقد جاء لهذا الأصل النافع أدلة كثيرة تدل عليه ، فمن ذلك ما يلي :
1 _ فمن القرآن الكريم : قال اللّه تعالى :{ ومِن النّاس من يقول آمنا باللّه واليوم الآخِرِ وما هُم بمؤمنين ( 8) يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 9) في قلوبهم مَّرض فزادهم اللّه مرضًا ولهم عذابٌ أليمُ بما كانوا يكذبون } [ البقرة : 8_ 10 ] .
قال العلامة السعدي -رحمه الله تعالى -:" فمن لطفِ اللّه بالمؤمنين ، أن جلَّى أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها ، لئلا يغتر بهم المؤمنون ، ولينقموا أيضًا عن كثيرهم من فجورهم "( 2)
ب_ ومن السنة النبوية: عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه قال :" كان الناس يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول اللّه ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا اللّه بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟
قال : نعم .
قلت : بعد ذلك الشر من خير ؟
قال : نعم ، وفيه دخن .
قلت : ومادخنه ؟
قال : قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر .
قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟
قال :نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها ، قذفوه فيها.
قلت : يا رسول اللّه ، صفهم لنا ؟
فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟
قال : تلزم جماعة المسلمين وامامهم.
قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟
قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ( 3).
ومن فوائد مايحصله الشخص من معرفة صفات المخالفين ، أمور كثيرة ، فمن ذلك :
1_ الاقتداء بهدي السلف الصالح مع النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيقهم لهذا الأصل العظيم ، كما مر معنا في قول الصحابي الجليل حذيفة رضي اللّه عنه قال:" كان الناس يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني "، وذلك أن حال النبي صلى اللّه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها ( 4).
قال العلامة سليمان بن سحمان - رحمه اللّه تعالى - :" فعلى من نصح نفسه ، وأراد نجاتها أن يعتصم بكتاب اللّه وسنة رسوله ، وأن يتمسك بما كان عليه أصحاب رسول صلى اللّه عليه وسلم ؛ لأنهم القدوة ، وبهم الأسوة ، وما من خير وقد إليه "( 5)
2 _ لزوم الحذر الوقوع في مصيدة المبتدعة الضلال ، وهذا يدعو إلى تحقيق مجانبة أهل الأهواء وبغضهم ، وتحذير الناس منهم.
قال سفيان بن عيينة- رحمه اللّه تعالى -: ليس العالم الّذي يعرف الخير والشر ، إنما العالم الّذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر فيجتنبه "( 6)
وقد أحسن الشاعر في قوله:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ** ومن لا يعرف الشر الخير يقع فيه
ويقول العلامة ابن القيم- رحمه اللّه تعالى -:" وهذه حال المؤمن ، يكون فطنًا حاذقًا ، أعرف الناس بالشر وأبعدهم عنه ، فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس ، فإذا خالطته طويته رأيته من خير الناس "( 7)
3_ أن الدراية بمسالك الشر وسبل الأعداء ،ذلك مما يحبه اللّه عز وجل ، بدليل اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم:{ ولِتَستَبِينَ سبِيلُ المُجرِمِين } [ الأنعام:55 ].
قال العلامة ابن القيم - رحمه اللّه تعالى -:" أن اللّه سبحانه وتعالى يحب أن تعرف سبيل أعدائه ؛ لتتجنب وتبغض ، كما يجب أن تعرف سبيل أوليائه ؛لتحب وتسلك "( 8).
4_تكسب العبد قوة فيالتمسك بالحق والثبات عليه ، والصدع به ، ونفرةًمن الباطل ، وبُغضًا لأهله .
قال شيخ الإسلام- رحمه اللّه تعالى -" من كان بالباطل أعلم ؛كان للحق وبقدره أعرف إذا هدي إليه "( 9).
ويقول العلامة ابن القيم - رحمه اللّه تعالى -: وهكذا البدعوالشرك والباطل وطرقه للّه ،وحذرها وحذّرَ منها ، ودفعها عن ، ولم يدعها تخدش وجه إيمانه ، ولا تورثه شبهة ولا شكًّا،بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له، وكراهة ونفرة عنها ، أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه ، فإنه مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورًا به ، فيقوى إيمانه بها "( 10).
وهذه الفائدة تثمر لنا فائدةً أخرى وهي أن مامن تغليظ في الرد من أئمة السنة حماة الدين على أهل البدع من الحركيين الزائغين ، وغيرهم من المنحرفين ، وامتعاضِ كلِّ مخالف من مثلِ ذلك ؛ فالحقيقة أنه ما امتعض له إلا الشيطان وحزبه ، وإلا فإن في الشدة في الردود على المخالفين عند تحقيق المصلحة تُعد عند أهل العلم الراسخين من محامد المناقب ، وأجلِّها ، وذلك لثلاثة أشياء ، وهي:
1_ مضرَّةُ البدعة في الدين ، وأنها كالسُّم الزعاف ، وهي أعظم من الكبائر.
2_ أنَّ البدع تجُرُ إلى الردَّة ، والإلحاد ، كما وجد في كثير من أهل البدع.
3_ من سنن سلفننا الصالحين_ رضوان اللّه عليهم _ ( 11) .
4_ معافاة العبد من الوقوع في بنيَات الطريق ، وهذا يستوجب كثرة حمد اللّه تعالى ، وشكره ( 12) ، على هذه النعمة العظيمة .
قال أبو العالية- رحمة اللِّه تعالى -:" قرأت المحكم بعد وفاةِ نبيِّكم بعشرِ سنِين ، فقد أنعم اللّه عليَّ بنعمتين لا أدري أيّتهما أفضل: أن هداني للإسلام ، أو لم يجعلني حروريًّا " ( 13)
ويقول العلامة ابن القيم - رحمه اللّه تعالى -:" والنعمة نعمتان: نعمة مطلقة، ونعمة مقيّدة ، فالنعمة المطلقة هي المتصلة بسعادة الأبد وهي الإسلام والسنة ، وهي الّتي أمرنا اللّه سبحان وتعالى أن نسأله في صلواتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها ، وجعلهم أهل الرفيق الأعلى ، حيث يقول تعالى :{ ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم مِّنَ النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداءِ والصالِحين وحسنَ أولائك رفيقًا } [النساء : 65] . فهؤلاء الأصناف الأربع هم أهل هذه النعمة المطلقة ، وأصحابها أيضًا هم المعنيون بقول اللّهِ تعالى :{ اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نِعمتي ورضيت الإسلام دينًا } [ المائدة: 3]. فأضاف الدين إليهم إذ هم المختصون بهذا الدين القيِّم دون سائر الأمم " ( 14).
كتاب :"البراهين المُرصَّعة في كشفِ حالِ الحدَّادية والمُمَيعة "
إعداد: أبو عبد الرحمن خميسي العنَّابِّي- وفقه اللّه -
تقديم: فضيلة الشيخ محمد بن رمزان الهاجري- حفظه اللّه-
( 1)" الإبانة الصغرى " ( ص 326)
( 2) " تفسير السعدي " ( ص 42)
( 3) أخرجه البخاري ( 3606) ومسلم ( 1847)
( 4) " مدارج السالكين " (2 /135) بتصرف .
( 5) " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ( 2/ 347)
( 6) " حلية الأولياء " ( 7/ 274)
( 7) " مفتاح دار السعادة " ( 2/ 289)
( 8) " الفوائد "( ص 161)
( 9) " الفتاوى " ( 5/ 118)
( 10) " الفوائد " ( ص 160)
( 11) سيأتي بيان أكثر في المطلب الثاني عن المميعة.
( 12) أي : بالقلب واللسان والعمل بالجوارح.
وانظر : جزء من الكلام على حديث شداد بن أوس :" إذا كنز الناس الذهب والفضة " . " من مجموع رسائل ابن رجب " ( 1/ 349_ 350_ 351)
( 13) " الطبقات الكبرى " لابن سعد ( 7/ 113)
( 14) " اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية " ( ص 2).
نقله أخوكم يعقوب بن مسعود الجزائري .
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس يعقوب الجزائري ; 17 Jan 2016 الساعة 11:29 PM
|