منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Feb 2011, 09:20 PM
صايب أسامة صايب أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 113
إرسال رسالة عبر MSN إلى صايب أسامة
افتراضي المولد النبوي: بحث مفيد

بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله
أما بعد فقد وجدت بحثا مفيدا يتناول فيه أدلة القائلين بجواز الاحتفال بالمولد النبوي، وأدلة القائلين ببدعيته، وأردت نقله بعدما وجدت مقالا في احدى الجرائد لأحد الحاقدين على أهل السنة في الجزائر خصوصا وفي العالم عموما ورميهم بانهم حشوية وغير ذلك من الأوصاف التي تنطبق على صاحبها هداه الله، حشد مزاعم تبطل إن شاء الله في هذا البحث، هذا عسى ان ينفعني الله وإياكم بها:

الاحتفال بالمولد النبوي في أقدم الأقوال قد بدأ في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري.
ومعنى ذلك أنّ الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن معروفًا في القرون الفاضلة الثلاثة المشهود لأهلها بالخيرية.
ومع هذا فقد جوز بعض العلماء الاحتفال بالمولد النبوي، بل ذهبوا إلى استحسان الشرع له مستدلين بأدلة نوردها قريبًا
ولكن هناك فريقًا آخر من العلماء ذهبوا إلى عدم جوازه ورأوا أنّه بدعة محدثة يرفضها الشرع ويأباها، ولهم على ذلك أدلة أخرى.
ومحل النزاع بين الفريقين هو إذا كان ذلك الاحتفال خاليًا ممّا يصحبه عادة من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء وغيرها من الأمور المنهية عنها شرعًا وأما إذا صحبته شيء من ذلك فهم مجمعون على عدم جوازه لتلك العلة عند الفريق الأول.
وأمّا عند الفريق الثاني، فالعلة عندهم هي إحداثه وبدعيته حتى وإن خلا من المنهيات المصاحبة عادة. وبالتالي فمن باب أولى أن يقولوا بعدم جوازه إذا صاحبته الأمور المنهية عنها شرعًا.

ونذكر هنا آراء كل من الفريقين مع الأدلة التي يستدلون بها ووجهة استدلالهم بها.

أولاً: الفريق الأول: هذا الفريق هو الذي ذهب إلى جواز الاحتفال بالمولد النبوي بل إلى استحسانه بشرط خلوه من المنكرات مثل الطرب والرقص واختلاط الرجال والنساء.

ومن علماء هذا الفريق ابن ناصر الدين الدمشقي [هو محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الدمشقي شمس الدين الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة (842هـ) انظر ترجمته في لحظ الألحاظ لتقي الدين محمد بن فهد المكي (ص:317).] وابن الجزري [هو محمد بن محمد بن علي أبو الخير شمس الدين الدمشقي الشهير بابن الجزري المتوفى سنة (833هـ) انظر ترجمته في مفتاح السعادة لأحمد المصطفى طامش كبري زادة (2/55).] وابن حجر العسقلاني والسيوطي وغيرهم.

وقد استدل كل منهم بما رأى من دليل ومن أهمها:
1ـ رأي ابن ناصر الدين: يقول ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه، مورد الصادي في مولد الهادي (ص14):
"
ثويبة أول من أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أمه وهي مولاة أبي لهب عمه أعتقها سرورًا بميلاد خير الثقلين فلهذا صح أنّه يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين ثم أنشد:
إذا كان هذا كافرًا جاء ذمه *** وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائمًا *** يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره *** بأحمد مسرورًا ومات موحدا

"اهـ
2ـ رأي ابن الجزري: يقول ابن الجزري في هذا المقام: (وقد روي أنّ أبا لهب بعد موته رؤي في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلاّ أنّه يخفف عنّي كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا، وأشار إلى ثغرة إبهامه وأنّ ذلك بإعتاقي ثويبة عندما بشرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له، ثم قال: إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما بال المسلم الموحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ما تتصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم لعمري إنّما جزاؤه من الله الكريم يدخله بفضله جنات النعيم)[ عرف التعريف بالمولد الشريف، ورقة (143).].
ويلاحظ أن ابن ناصر الدين وابن الجزري استدلا بدليل واحد هو ما روي أن أبا لهب رؤي في النوم بعد موته وذكر بعد سؤال حاله أنّه يخفف عنهْ العذاب في كل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة بعد ما بشرته بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم سرورًا بذلك ومن ثم يجعلون ذلك دليلاً على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي لأنّ الكافر وهو أبو لهب يثاب على سروره بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يخفف عنه العذاب في كل يوم الاثنين، فمن باب أولى أن يثاب المسلم إذا احتفل بالمولد النبوي والثواب لا يكون إلاّ على عمل مشروع فدل ذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي عمل مشروع في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول. من كل عام.

3ـ رأي ابن حجر العسقلاني: يقول ابن حجر العسقلاني: (أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ثابت في الصحيحين من أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا يوم أغرق الله فرعون ونجّى موسى فنحن نصومه شكرًا لله تعالى، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى أي يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله)[ الحاوي للفتاوي للسيوطي (1/196).].
ووجه استدلال الحافظ بهذا الحديث أنّ النعمة تقابل بالشكر، فكما نقابل يوم نجاة موسى عليه السلام بالصوم فلا مانع من أن نقابل يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بلون من ألوان العبادة كالصيام والصدقة والتلاوة وهكذا.

4- رأي السيوطي: ينقل السيوطي رأي ابن حجر مع دليله ثم يقول: (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة " [السنن الكبري: (9/300).] مع أنّه قد ورد أن جدّه عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه. لذلك فيستحب لنا أيضًا إظهارًا للشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام. ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات)[ الحاوي الفتاوي: (1/196).].
وتوجيه هذا الدليل يقوم على أن الشكر على النعمة يجوز تكراره، فكما كرر النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة عن نفسه يجوز أن يكرر المسلمون الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم شكرًا لله على مولد رسولهم الكريم.

ونضيف إلى هذا دليلاً آخر استدل به بعضهم وهو: ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ" [صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (2/820).] ووجه الاستدلال بهذا الحديث هو ما دام أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصّص عبادة في هذا اليوم شكرًا لله على نعمة إيجاده صلى الله عليه وسلم فكذلك يجوز لنا أن نحتفل في هذا اليوم إظهارًا للسرور بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وشكرًا لله على هذه النعمة لأنّه كما قابل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه النعمة بالصوم فلا مانع أن نقابل هذه النعمة بألوان من العبادة كالصدقة والتلاوة وغيرها.

والآراء المذكورة تمثل رأي فريق واسع، إلاّ أنّي اكتفيت بما ذكرت لأنّه يصور واقع هذا الفريق قديمًا وحديثًا وكلهم يعتمدون على هذه الأدلة أو بعضها.
ومجمل الآراء يقوم على أن الاحتفال بالمولد النبوي في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام عمل مشروع.
وقبل أن نتكلم عن أدلة هذا الفريق من ناحية صحتها أو ضعفها، ومقدار قربها أو بعدها عما سيقت له نذكر رأي الفريق الثاني والأدلة التي يستدل بها من جانبه.

ثانيًا: الفريق الثاني: ذهب هذا الفريق إلى عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي سواء صاحبته المنكرات أم لا.

وجمهور العلماء على هذا الرأي ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن الحاج المالكي [هو محمد بن عبد الله بن محمد المبدري المعروف بابن الحاج المتوفي سنة (641هـ) انظر ترجمته في الأعلام للزركلى (7/110).] والفاكهاني [هو عمر بن أبي اليمن بن سالم اللخمي المالكي الشهير بتاج الدين الفاكهاني المتوفي سنة (734هـ). انظر ترجمته في الديباج المذهب لابن فرحون (2/8082).]

ومن أهم آرائهم ما يلي:

1ـ رأي شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام: (ما يحدثه بعض الناس من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا بدعة لأنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منّا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال متابعته وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك، بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)[ اقتضاء الصراط المستقيم: ص (254-295).].
وملخص هذا الرأي أنّ الاحتفال بالمولد أمر غير مشروع ومن ثم فهو بدعة لأنّ السلف الصالح لم يحتفلوا به مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه حيث كانت الفطرة سليمة، والحرص على التدين أصيل، ولا يسعنا إلا ما وسعهم، وعلينا أن نتبع لا أن نبتدع. ولله در القائل: لن يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها.

2ـ رأي ابن الحاج: يقول ابن الحاج بعد أن تكلم عن المفاسد المصاحبة للاحتفال بالمولد كالطرب وغيرها: (وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع فإن خلا منه وعمل طعامًا فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أنّ ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضيين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد من مخالفة ما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له ولسنته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنّه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم)[ المدخل (2/10).].
وهذا الرأي يقوم على ما قام به رأي ابن تيمية تمامًا وهو بدعية الاحتفال بالمولد لأنّ السلف لم يحتفلوا به ولا يسعنا إلاّ ما وسعهم.

3ـ رأي الفاكهاني: يقول الفاكهاني رحمه الله: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إمّا أن يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا، وليس بواجب إجماعًا ولا مندوبًا لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن به الشرع ولا يفعله الصحابة والتابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت، ولا جائزًا أن يكون مباحًا، لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلاّ أن يكون مكروهًا أو محرمًا)[ الحاوي للفتاوي: (1/190191).].
وأقرَّه الشيخ العدوي المالكي – في حاشيته على مختصر سيدي خليل –والشيخ محمَّد عليش المالكي – رحمهما الله في (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) .
وملخص هذا الرأي يقوم على أنّ الاحتفال بالمولد قد أحدثه البطالون والأكالون ومن ثم فهو بدعة لعدم ورود ما يدل على مشروعيته من كتاب ولا سنة صحيحة. ولهذا لا يكون واجبًا ولا مندوبًا ولا مباحًا وإنما يكون حكمه إمّا مكروهًا أو حرامًا.


هذه مجمل ما قيل في هذا الموضوع وهو الاحتفال بالمولد النبوي، وكما نرى أنّ كل فريق من الفريقين يستدل بأدلة تؤيد رأيه.
وقبل أن نصل إلى حكم الاحتفال بالمولد، لا بد من مناقشة الأدلة والنظر فيها لنرى مدى صحتها أو ضعفها ومدى قربها أو بعدها لما استدل بها له.

مناقشة الأدلة

ونبدأ بأدلة الفريق الأول:
استدلالهم بأن أبا لهب قد رؤي في النوم وإخباره بأنّه يخفف عنه العذاب في كل يوم الاثنين جزاء إعتاقه ثويبة عند ما بشرته بميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم وسروره بذلك.
قبل أن نرفض الاستدلال بمثل هذا النص الوارد عن رؤيا منامية نذكر سند الحديث ومتنه لأنّه خير ما يساعدنا في الرفض.

قال البخاري رحمه الله تعالى: (حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عروة بن الزبير قال: "وثوبية مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة[أي بشر حال، والحيبة والحوبة: الهم والحزن، والحيبة أيضًا الحاجة والمسكنة، النياية في غريب الحديث (1/466).]. قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أنّي سقيت في هذه بعتاقي ثويبة"[ صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب (وأمهاتهم اللاتي أرضعنكم) يحرم من الرضاعة ما حرم من النسب (3/243).].

وهذا الحديث لم يسلم عن مقال لا من ناحية السند ولا من ناحية المتن والاستشهاد به مردود لعدة أسباب:
أ) إمّا من ناحية السند فهو حديث مرسل أرسله عروة كما هو واضح.
ب) وإمّا من ناحية المتن فهو مخالف لما دلّ عليه القرآن حيث يقول الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].
وقد ذكر علماء التفسير في معنى الآية أنّ الكافر إذا فعل عمل خير لا يثاب عليه لفقده الإيمان الذي هو أساس قبول الأعمال كلها ومن ثم عمله يكون كالهباء المنثور[انظر تفسير القرطيى: (13/2122).]. ولذلك بانت معارضة الحديث للآية.
وأخيرًا فإنّ مثل هذا النص مع فرض صحته ومع تصوّر عدم معارضته للقرآن الكريم لا يفيد حكمًا شرعيًا لأنّه تصوير لرؤيا منامية رآها كافر وهو العباس بن عبد المطلب الذي لم يسلم بعد وقت الرؤيا، ورؤيا الناس عمومًا ما عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تفيد حكمًا شرعيًا، ومن باب أولى إذا كانت رؤية الكفار.

وأمّا ما ثبت [إشارة إلى الحديث الذي أخرجه الأمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". انظر صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (1/155).] في حق أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم من تخفيف العذاب عنه في النار مع كفره وبقائه في الشرك حتى فارق الحياة فمخصوص ولا يتعدى إلى غيره.

وهذا الحديث لا يصح للأمور التي ذكرناها، ومن ثم لا تقوم به الحجة.

وإذا كان كذلك فلننظر الأدلة الأخرى التي يستدلون بها:
استدلالهم بالحديث المتعلق بصيام يوم عاشوراء على جواز الاحتفال بالمولد قياسًا على ذلك لعلة حصول النعمة فيهما فمردود لأن إظهار الشكر فيهما على طرفي نقيض، وذلك أن يوم عاشوراء يوم صوم، وأن الاحتفال بالمولد يوم أكل وشرب، ولو عمل في يوم المولد من جنس ما يعمل في يوم عاشوراء وهو الصيام لكان أقرب وإن كان هذا لا يخرجه عن البدعة لعدم مشروعيته في ذلك اليوم الموافق الثاني عشر من ربيع الأول، ولأنّ مثل هذه الأعمال التي يتقرب بها إلى الله لا تثبت بالقياس كما يقال: أنّ الأصل في العادات أن لا يشرع فيها إلا ما يشرعه الله وأن الأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله.
ولهذا لا يمكن الاستدلال بهذا الحديث مع ثبوته لعدم مطابقته هذا المقام الذي نحن بصدده.

استدلالهم بالحديث الذي أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة فهو حديث لا يستدل به، وسند الحديث ونصّه هو الآتي: قال البيهقي رحمه الله: (أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله أنبأنا حاجب بن أحمد بن سفيان الطوسي، ثنا محمد بن حماد الايبردي ثنا عبد الرزاق، أنبأنا عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد عقّ عن نفسه بعد النبوة "[ السنن الكبرى: (5/300).]. ففي إسناد هذا الحديث رجل قد جرحه غير واحد من النقاد وهو عبد الله بن محرر.
ونذكر هنا أقوال العلماء فيه: يقول البخاري: (عبد الله بن المحرر عن قتادة، متروك الحديث [الضعفاء الصغير: (ص:67).]، وهنا عن قتادة.
يقول النسائي: (عبد الله بن محرر يروي عن قتادة متروك الحديث)[ الضعفاء والمتروكين: (ص:63).].
ويقول ابن أبي حاتم عن أبيه: (عبد الله بن محرر متروك)[ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.].
ويقول ابن حبان: (كان من خيار عباد الله، ممن يكذب ولا يعلم ويقلب الإسناد ولا يفهم)[ المجروحين: (2/23).].
ويقول البيهقي عن عبد الرزاق [هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب المصنف.] قال: (إنّما تركوا عبد الله بن محرر لأجل هذا الحديث[السنن الكبرى: (9/300).].
من هذه الأقوال التي أوردتها يتبين لنا أنّ هذا الحديث لا يصح سنده لوجود راوٍ متروك في سنده ومن ثم لا يمكن الاستدلال به في هذا المقام.
هذا من ناحية السند
وأمّا من ناحية المتن فلا يمكن أن يستدل به أيضًا لما نحن بصدده وهو الاحتفال بالمولد وإنّما غاية ما يستدل به عليه مشروعية العقيقة بعد البلوغ أن فرضنا صحته، وهيهات أن يصح.

استدلالهم بصيامه صلى الله عليه وسلم في كل يوم الاثنين معللاً بأنّه اليوم الذي ولد فيه واليوم الذي أنزل عليه فمردود لأن صيامه صلى الله عليه وسلم لم يكن في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام وإنما كان في يوم الاثنين من كل أسبوع وفي كل شهر من شهور السنة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فعلينا أن نشكر الله بمثل ما شكره به صلى الله عليه وسلم وهو الصيام مع مراعاة الوقت الذي شرع فيه لا أن نحتفل ونأكل ونشرب.

من هذه المناقشة يتبيّن لنا أنّ ما ذهب إليه هذا الفريق وهو جواز الاحتفال بالمولد النبوي واستحبابه غير صحيح، لاستدلالهم بأدلة بعضها واهٍ وبعضها غير مطابق لما استدل به عليه كما ذكرنا وإن كانت ثابتة.

وأمّا أدلة الفريق الثاني:
فيدور استدلالهم على ضرورة الاتباع لما كان عليه السلف الصالح فهم خير من نقل دين الله إلينا كما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنّه لم ينقل أحد منهم جواز الاحتفال بالمولد النبوي ولا خطر في بالهم يومًا ما مع حبّهم واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل نقل عنهم الاختلاف في وقت ولادته، وهذا يدل على أنّ السلف الصالح كانوا لا يرون تخصيص يوم ولادته بعبادة معينة أو إقامة احتفال.
وعلى هذا فإنّ الاحتفال بالمولد يدخل في ضمن البدع المنهي عنها في كثير من الأحاديث.
منها قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"[ صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/552).].
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[ صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة. محدثات الأمور (3/1343).].

ومن هنا نقول إنّ رأي الفريق الثاني هو الراجح لأنّه مبني على الاتباع وترك الابتداع.


ولا يفهم من هذا أنّ ترك الاحتفال بالمولد النبوي جفوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإهمال لحبه كما يقول الجهال لأنّ الاتباع الدقيق هو الحب الحقيقي ويكون مستمرًا طول الحياة في كل يوم وليلة ولا يختص بيوم من السنة دون غيره من الأيام كما يفعله المحتفلون المبتدعون. وبالإضافة إلى ذلك فإن الابتداع يعتبر زيادة في الدين خارجة عنه بعد أن أكمله الله تعالى بنزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] وبالتالي يقف المبتدع موقف المستدرك على الشارع سبحانه وتعالى وعلى صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله عز وجل.
وهذا سوء الأدب بعينه مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم يقصد بذلك وحسنت نيته لأنّ حسن النية لا يحلل حرامًا ولا يحرم حلالاً كما أنها لا يكون مبررًا لزيادة في دين الله أو النقصان منه لأنّ المرجع في كل ما يتعلق بأمر الدين هو كتاب الإله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى المسلم أن يراعي ذلك الجانب حتى لا يقع في منزلق لا يحمد عقباه وأن ينظر ما يتقرب به إلى الله قبل أن يقدم عليه فيعرف سنده من الكتاب والسنة عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]."





التعديل الأخير تم بواسطة صايب أسامة ; 06 Feb 2011 الساعة 09:23 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المولدالنبوي, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013