وكلّ نفسٍ في هذه الحياة مصيرها الموت، وكلّ ما في الدنيا، من مبانٍ وزخارف، وملذّات، وشهوات، مصيره الزوال، وقد أحسن أبو العتاهيّة حين قال:
"لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخُرابِ**فكُلّكُمُ يَصِيرُ إلى تَبابِ(1)
لِمنْ نبنِي ونحنُ إلى ترابِ**نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ ترابِ."
فهل يعتبر مَن يشاهد، ويعاين الأحداث والوقائع، وقد رأى الموت، وحالات تصير إلى الموت، واحتضارا للموت؟
كُلَّ يَوْمٍ، نستيقظ على وقع أحداث
تفزعنا بـمفاجآت،
تُخبر أنّ ِنَفْسًا تَحْتَضِرْ لِلْمَمَات،
بِحَادِثٍ مُرَوِّعٍ، أو مَرَضِ الوَفَاة،
أو مَنِيَّةٍ تَبْغَتُ،
والقَلْبُ في غَفْلَةٍ و نَوْمٍ و سُبَات!
وتَفْنَى الدُّنْيَا، وتَفْنَى اللّذّات،
وتَبْقَى آثَارُ مُقْتَرِفِيِّ الْمُوبِقَات،
تَشْهَدُ بـالعَار، إلاّ «مَنْ» سَتَرَ اللهُ رَبُّ البَرِيَّات،
وقد عاد إليه بِالاسْتِغْفَار، قَبْلَ الرَّحِيلِ،
فَتَزَوَّدَ بِـالْمَاحِيَات، مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَات.
وهكذا تَسِيرُ الأيّام، وهكذا تَسْتَمِرُّ الحياة،
بين مُسْرِفٍ فِي الذُّنُوبِ والمُهْلِكَات،
وبين بَاذِلِ العُمُر في الخَيْرِ والطَّاعَات،
إلى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ ومَنْ عَلَيْهَا
مِنَ الأَنْفُسِ والكَائِنَات.
أم وحيد بهية صابرين
------------------------------------------------------------------
(1) هناك من نقل البيت باللّفظ الأخير في قول الشاعر: إلى "ذهاب" وليس "تباب"