منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 Sep 2011, 09:05 PM
أبو عبد الحق أمين المشرفي أبو عبد الحق أمين المشرفي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 19
افتراضي السبب الأساس بين الحقيقة والافتراء 3




"السبب الأساس"
بين الحقيقة والافتراء

"الحلقة الثالثة"


بسم الله الرحمن الرحيم


[فنظرا لإغلاق منتديات البيضاء العلمية حيث أضع فيها هذه الحلقات وهي كذلك منذ قرابة ثلاثة أيام أطلب من منتدى التصفية والتربية السماح بهذه الحلقة مشكورين مأجورين بإذن الله]
وكانت آخر الحلقة الثانية:


ــ ونقول أيضا لطالما الأمر أخي القارئ كما ترى ، قد يضر صاحبه وقد لا يضر صاحبه كان يلزمهم قبل أن يقذفوا بقولهم كأمر أولي دراسة هذا السبب ولو ببعض التفصيل، ثم إن كان ثبت عندهم ما ذكرت وهو طبعا ثابت يرجحون أحد المأخذين بعلم ودليل
فصنيعهم ليس سوى تحكم أسرعوا إليه بلا دراسة علمية على مستواهم ومستوى المتهوم بل بالجمع واللصق والظن السيء
وهذا على التسليم بمدلول دليلهم أي العحب
فكيف ونحن لا نسلم به أصلا أو مناطا للحكم ونقول بفساد اعتباره
فنحن ننازع في الحكم مع تسليم السبب وننازع في السبب ودليله الذي اقتضى الحكم وننازع في الحكم وأنكم أولى به
فثمة ثلاثة أمور
دليل السبب الأساس والسبب ذاته وهو العجب وهو الحكم الأول ، وما سببه من تفرق وهو الحكم الثاني
وابتدأنا نقضنا عكسيا
فنقضنا دعواهم التفريق وهو الحكم الأخير
ثم تطرقنا إلى نقض السبب الأساس وهو الحكم الأول أي العجب وبقي لنا بإذن المولى جل وعز ما في أدلتهم


الفصل الثالث
نقض أدلة السبب الأساس التي ما زادت عن كونها شبهات
فأقول ومن الله وحده التوفيق:
يدل على فساد ما استخلصوه من تلكم الأدلة أمران بالأصالة و تبقى أجوبة أخرى تأتي بالتبع:
1ـ وقوع الثناء الكثير من الأنبياء فضلا عن من دونهم وفقه هذا الباب
2ـ المحاذير التي ارتكبوها في جمعهم و صنيعهم
الرد الأول:
وفيه وجهان:
الأول: خبري والثاني: فقهي
1ــ في الأخبار الأثرية على كثرة واستفاضة ما ظاهره التزكية للنفس منها
ــــ فأما أخبار القرءان عن الملائكة والأنبياء والصالحين:
فأما العامة المطلقة:
فكقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11
وكمفهوم قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم} آل عمران188
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }النساء37
وكقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }النحل83
وكقوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83
وكقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58
ومفهوم قوله تعالى: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ }غافر75 ومفهوم قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }الأعراف146
وأمثالها مما يحض على الشكر وإبداء النعم والتحديث بها والفرح بفضل الله
والخاصة المعينة:
1ـ الملائكة عليهم السلام:
إذ قالوا
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ }الصافات 165ـ 166
وقالوا لربهم وهم يجيبونه في قوله "إني جاعل في الأرض خليفة":
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30
ووجه الاستدلال مع أنهم معصومون أنه لو كان الأدب يقتضي عدم ذلك لكانوا أبعد الناس عن إتيان ما يخدشه لعصمتهم ولخطابهم لربهم فهي أحج والله أعلم
الأنبياء:
ـــ سليمان عليه السلام
قال تعالى:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }النمل16
وقال تعالى:{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }النمل36
ـــ يوسف عليه السلام
قال في السجن للمُستفتِيَيْن:
{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُمِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} يوسف37
وقال :{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55
وقال أيضا {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ }يوسف59 وقال
وقال:{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف90
وقال :{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100
ـــ وقال موسى عليه السلام
{فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} الشعراء21
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً}الكهف69
ـــ وقول شعيب عليه السلام
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88
ـــ وقول عيسى عليه السلام
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }مريم30ـ31
ـــ وقول إبراهيم عليه السلام
{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} مريم43
{قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }مريم47
ـــ إسماعيل عليه السلام
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
ـــ ومن قول نوح عليه السلام
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }هود38
الصالحون:
ـــ الملك الصالح ذو القرنيين:
{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما ً} الكهف 94ـ 95
ـــ وشعيب صاحب مدين صهر موسى عليه السلام
{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }القصص27
ــــ ومن أخبار نبينا صلى الله عليه وسلم:
عقد الذهبي رحمه الله فصلا في السير الجزء الثاني ص199 سماه:
"باب في خصائصه صلى الله عليه وسلم وتحديثه أمته بها امتثالا لأمر الله تعالى بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}الضحى11" وذكر جملة طيبة منها:
1ــــ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل من مر من الناس ينظرون إليه ويتعجبون منه ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"
رواه البخاري في المناقب ومسلم في الفضائل
ومن ذلك :
2ـــــ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. وأول من ينشق عنه القبر. وأول شافع وأول مشفع".
[قال النووي في شرح المنهاج:
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" لم يقله فخراً بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وإنما قاله لوجهين: أحدهما امتثال قوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الله عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى]
ثم قال الذهبي رحمه الله: "والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفي القرءان آيات متعددة في شرف المصطفى عليه السلام"
وأورد شيئا من أحاديث الحوض وما ورد في الكوثر
وأردف بعد ذلك أحاديث فقال:"
3ــ وصح عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأول من يشفع"
4ــ وصح عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وكان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"
5ــ وقال سلمان التيمي، عن سيار، عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله فضلني على الأنبياء ـ أو قال أمتي على الأمم ـ بأربع: أرسلني إلى الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا، فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره، ونصرت بالرعب، يسير بين يديَّ [ أي الرعب] مسيرة شهر يُقذف في قلوب أعدائي، وأحلت لنا الغنائم"
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة وأحمد واللفظ له
6ــ وقال سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلت على الناس بأربع: بالشجاعة والسماحة وكثرة الجماع وشدة البطش""
انتهى النقل بتصرف واختصار من كلام الذهبي رحمه الله كما هو واضح
ومن الأحاديث الصريحة كذلك
7ــ حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد أُخِفت في الله وما يُخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال "
مختصر الشمائل للألباني رقم 116 وصححه رحمه الله
8 ـــ حديث أم زرع عند البخاري ومسلم وفي آخره قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع).
9 ـــ عن أنس رضي الله عنه قال : شُج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقال: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم). فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء}. /آل عمران: 128/..رواه البخاري باب: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}
ورواه مسلم بلفظ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وشجوا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟" فأنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء}
10ــ عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أنه بينما يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس، مقفله من حنين، فعلقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا".
وأخرجه مالك أيضا في موطئه و ابن حبان والبيهقي
فائدة :قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :"وقد وقع في حديث أنس الذي يتعلق بفرس أبي طلحة الذي قال فيه "إن وجدناه لبحرا" وهو عنده في مواضع منها، أن في أوله في باب الشجاعة في الحرب كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس فجمع صفات القوي الثلاث العقلية والغضبية والشهوانية فالشجاعة تدل على الغضبية والجود يدل على الشهوية والحسن تابع لاعتدال المزاج المستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة الدال على العقل فوصف بالأحسنية في الجميع، ومضى في الجهاد والخمس حديث جبير بن مطعم أنه صلى الله عليه وسلم قال "ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا" فأشار بعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية وهي الشجاعة وبعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية وهي الحكمة وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوانية وهو الجود"
11ــ روى البخاري في كتاب الإيمان [رقم 20] عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: (إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا). ورواه مسلم من وجه آخروفي المسند :"والله إني لأعلمكم بالله عز وجل وأتقاكم له قلبا"
قال الحافظ في الفتح: "ولم أعرف أعيان القوم المشار إليهم في هذا الحديث ولا الشيء الذي ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت ما يمكن أن يعرف به ذلك وهو ما أخرجه مسلم في كتاب الصيام من وجه آخر عن عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي "ونحو هذا في حديث أنس المذكور في كتاب النكاح أن ثلاثة رهط سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر الحديث وفيه قولهم وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفيه قوله لهم:" والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء" اهـ
12ــ وأخرج الحاكم رحمه الله [ 1742 ] عن جابر بن عبد الله قال كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجا حتى لم يكن بيننا وبين أن نحِلّ إلا ليالي قلائل أمرنا بالإحلال فيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال:" أبالله تعلموني أيها الناس فأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولحللت كما أحلوا فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ومن وجد هديا فلينحر" فكنا ننحر الجزور عن سبعة... " الحديث
13ــ وعن عبد الله رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين، آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
14ـــ وفي رواية أخرى[ برقم: 4094]:عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبية في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع: إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء". قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، قال: "ويلك، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله". قال: ثم ولى الرجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - وأظنه قال - لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود".
وفي رواية أخرى ذكرها الحافظ لسعيد بن مسروق فقال: "ومن يطع الله إذا عصيته"
تنبيه:قال الحافظ: "في رواية سعيد بن مسروق أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك (أي ألا تأمنوني ...) عقب قول الخارجي الذي يذكر بعد هذا وهو المحفوظ"
15ــ وفي البخاري في كتاب الجهاد والسير أن رجلا قال للبراء بن عازب رضي الله عنهما: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب".
وأمثال ذلك كثير
ــــ ومن آخبار السلف والعلماء ما لا يحصيه إلا الله في الحفظ والعلم
والعبادة والاجتهاد:
[أ]ـ الصحابة رضي الله عنهم:
1ــ أبو بكر الصديق رضي الله عنه
عن قيس بن أبي حازم، قال : دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: مالها لا تتكلم
قالوا حجت مصمة
فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية
فتكلمت فقالت من أنت قال امرؤ من المهاجرين
قالت أي المهاجرين
قال من قريش
من أي قريش أنت قال إنك لسئول أنا أبو بكر
قال: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء به الله بعد الجاهلية
قال بقاءكم عليه ما استقامت بكم أئمتك
قالت وما الأئمة
قال أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟
قالت بلى قال فهم أولئك على الناس
رواه البخاري
2ــ عثمان بن عفانرضي الله عنه
قال الذهبي:
(وقال ثمامة بن حزن القشري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيْكم اللذين ألباكم، فدُعيا له فكأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله قدم المدينة وليس فيها ماء عذب غير بئر رومة، فقال:" من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها" فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟ قالوا: اللهم نعم، قال : أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك وعليه أبو بكر وعمر وأنا، فقال:" اسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان"، قالوا: اللهم نعم، فقال: "الله أكبر شهدوا ورب الكعبة أني شهيد"
ثم قال : ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل"
وعن ابن عمر قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا" فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت") اهــ
السير 2/390
3ــ علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في غزوة خيبر عند أن برز لمرحب اليهودي وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله
أخرجه مسلم: 5/189ـ195
قال الذهبي رحمه الله:
(وعن سليمان الأحمُسي عن أبيه قال: قال علي :
" والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا" ...
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: لم يكن أحد من الصحابة يقول "سلوني" إلا علي.)
السير 2/462
4ـــ أبو هريرة رضي الله عنه:
قال رضي الله عنه وأرضاه: " لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان كتب ولم أكتب"
أخرجه البخاري رقم 113
وفي المسند:
عن عمرو بن شعيب عن مجاهد، والمغيرة بن حكيم عن أبي هريرة قالا:
سمعناه يقول: ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب بيده ويعيه بقلبه وكنت أعيه بقلبي ولا أكتب بيدي استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له.
6ــ مخرمة بن المطلب رضي الله عنه
قال قيس بن مخرمة بن المطلب:
"ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل فنحن لدتان"
أخرجه الحاكم(2/603) وحسن إسناده الألباني في صحيح السيرة (ص13)
6ــ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
وعن عائشة رضي الله عنها قالت " تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال وأدخلت عليه في شوال فأي نسائه كانت أحظى عنده مني"
و قولها المشهور: "لقد وقعت في خبير"
5ــ أبو ذر الغفاري رضي الله عنه
عن أبي ذر رضي الله عنه قال "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم"
أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني في صحيح موارد ابن حبان (1/119/62)
7ــ عبد الله بن عباس رضي الله عنه
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه ويلم فإنهم اليوم كثير فقال: وا عجبا لك يا ابن عباس ! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟ قال : فترك ذلك، وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح على وجهي التراب فيخرج فيراني، فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك، فأقول : لا أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث، قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي، فقال: كان هذا أعقل مني"
أخرجه الحاكم (1/106) وصححه على شرط الشيخين
7ــ البراء بن عازب رضي الله عنه
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل على أخيه البراء وهو مستلق واضعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى، فنهاه، فقال :" أترهب أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة من الكفار، سوى من شركني فيه الناس"
أخرجه الحاكم (3/291)وصححه ووافقه الذهبي وتلاه الألباني كما في تخريج آلات الطرب (ص 129)
8ــ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
"والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأن أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته"
رواه البخاري ومسلم
وانظر مقدمة التفسير لابن كثير
9ــ جرير بن عبد الله رضي الله عنه
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
" ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك"
مختصر الشمائل للألباني وصححه برقم: 196
11ــ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
قال رضي الله عنه:
"إني لأول رجل إهراق دما في سبيل الله عز وجل ، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، لقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة حتى تقرحت أشداقنا، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير، وأصبت بنو أسد يعزرونني في الدين، لقد خبت وخسرت إذا وضل عملي"
مختصر الشمائل للألباني وصححه برقم114
ومثله عن:
12ــ عتبة بن غزوان رضي الله عنهمختصر الشمائل برقم 115
13ــ محمد بن مسلمة رضي الله عنه
ارتجز مفتخرا عند أن لاقى مرحبا اليهودي في غزوة خيبر عام سبعة من الهجرة على القول أنه هو الذي قتله فقال:
قد علمت خيبر أني ماضي حلو إذا شئت ومر قاضي
[قال الشافعي: رحمه الله وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم] سنن البيهقي
14ــ وقبلهم قتل عامر عم سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما
وقد برز لمرحب يرتجز:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
15ـــ وكذا في غزوة ذي قرد ما ارتجزه سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه فغدا يريدهم ويميهم ويرتجز
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
ومرّ ارتجاز النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين
وقد مر ما ارتجزه علي رضي الله عنه على قول الأكثرين وأنه هو قاتل مرحب ملك خيبر
وهذا معروف في السيرة النبيوية على صاحبها ألف صلاة وسلام
14ـ ذكر الصحابة كلهم لأفضل أعمالهم أمام نبيهم لا تزكية وفخرا ولا منا وعجبا
ففي البخاري في مواطن عن أنس رضي الله عنه قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع، قال: "اللهم إن العيش عيش الآخره. فاغفر للأنصار والمهاجره". فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا
[ ب] ومن التابعين لهم بإحسان:
1ــ الإمام سعيد ابن جبير قال:
" آية اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم" هي آخر ما نزل وما نسخها شيء"
أخرجه البخاري ومسلم
2ــ وقال الإمام أبو إدريس الخولاني رحمه الله :
"لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها"
أخرجه ابن نصر في السنة (رقم 101) و غيره وصححه مشهور في تحقيقه على الاعتصام (1/135)
3ــ الإمام إبراهيم النخعي رحمه الله قال :
"كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت يعرف ذلك فينا أياما لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيره إلى الجنة أو النار، وإنكم تتحدثون في جنائزكم بحديث دنياكم"
أخرجه أحمد في الزهد(ص 365) وصحح إسناده آل زهوي في "الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين" (رقم:165)
4ــ وقال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في أثر طويل
"كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت"
أخرجه أو داود (4612) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود
5ــ وقال الإمام مجاهد بن جبر المكي:
"عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه أسأله عنها "
ذكره ابن كثير في مقدمة تفسيره عن محمد بن إسحاق قال حدثنا أبان بن صالح عنه وهو إسناد صحيح
6ــ الإمام عكرمة مولى ابن عباس [السير 5/11 ]
عن داود بن أبي الهند عن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية" لم تعظون قوما الله مهلكهم"الآية
قال ابن عباس : لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟
قال فما زلت أبين له، أبصره، حتى عرف أنهم قد نجوا قال: فكساني حلة
وقال أيوب: قال عكرمة:إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون بابا من العلم
وقال أبو مسلمة سعيد بن يزيد سمعت عكرمة يقول: مالكم لا تسألوني أفلستم؟
7ـــ الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر قال:
"كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر، وإلى أن ماتت وكنت ملازما لها مع ترهاتي وكنت أجالس البحر بن عباس وقد مع أبي هريرة وابن عمر فأكثرت فكان ـ يعني ابن عمر ـ ورع وحلم جم ووقوف عما لا علم له به"
[السير 5/33]
8ـــ إبراهيم التيمي العابد الذي ترك النوم لهول المطلع[السير 5/36]
قال رحمه الله:
ربما أتى علي شهر لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا لا يسمعن هذا منك أحد
ومن جميل حكمه:" إن الرجل ليظلمني فأرحمه"
9ـــ وقال الإمام الشعبي رحمه الله :
" ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا استعدت حديثا من إنسان مرتين"
[انظر صحيح جامع بيان العلم وفضله للزهيري، رقم:169 وما بعده مثله]
10ــ وقال الإمام الزهري رحمه الله:
" إني لأمر بالبقيع فأسد آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا فوالله ما دخل أذني شيء قط فنسيته" [المصدر السابق رقم:183]
11ــ وقال الإمامعلقمة:
"ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة"
[المصدر السابق رقم 252]
12ـــ الإمام الأصمعي اللغوي رحمه الله
وقد سئل: "بم نلت ما نلت ؟قال:" بكثرة سؤالي وتلقفي الحكمة الشرود"
[المصدر السابق رقم300]
ومثل هذا كثير لا يخلو منه كتاب ومنه قصص طويلة كقصة أبي زرعة الرازي ورحلته ماشيا على رجله وقصة ابن أبي حاتم لما سافر إلى مصر وقصة ابن أبي داود لما سألوه في طريقه إلى بغداد وقصة الشعبي ورحلته لأجل حديث الوضوء والوقائع التي وقعت للبخاري وما اشتهر مما ذكره عن حفظه كقوله:
" أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومئتا ألف حديث ضعيف"
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتمتحت باب" ما ذكر من معرفة أبى رحمه الله بصحة الحديث وسقيمه":
قال سمعت أبى رحمه الله يقول:
جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم ومعه دفتر فعرضه علي فقلت في بعضها هذا حديث خطأ قد دخل لصاحبه حديث في حديث وقلت في بعضه هذا حديث باطل وقلت في بعضه هذا حديث منكر وقلت في بعضه هذا حديث كذب وسائر ذلك أحاديث صحاح فقال من أين علمت أن هذا خطأ وأن هذا باطل وأن هذا كذب أخبرك راوي هذا الكتاب بأنى غلطت وأنى كذبت في حديث كذا، فقلت: لا ،ما أدري هذا الجزء من رواية من هو، غير أنى أعلم أن هذا خطأ وأن هذا الحديث باطل وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعى الغيب، قال: قلت ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول، قلت: سلْ عما قلتُ من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمتَ أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن، قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت، قلت نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغدٍ ألفاظي في تلك الأحاديث ثم رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت أنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب، قلت: الكذب والباطل واحد، وما قلت: أنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل وما قلت أنه منكر، قال: هو منكر كما قلت، وما قلت: إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما فقلت: فقد ذلك أنا لم نجازف وإنما قلناه بعلم ومعرفة قد أوتيناها ...إلخ الحكاية
ومثله الكثير والكثير من الأئمة ممن ذكروا قوة حفظهم وتحصيلهم وعناءهم فقلّ حافظ أو فقيه أو عالم إلا وذكر حفظه و شيئا من أحواله الواقعة أوالباطنةوكذا العُبّاد الذين يذكرون ما كان منهم من صبر على الطاعات أعواما عديدة وقد مر شيء
ومنه ما جاء عن أحدهم لما أراد الموت فبكت ابنته فقال لها: "أتخافين على أبيك الموت فقد أعددت له ثماني عشرة ألف ختمة في مجلسي ذاك" أو كما قال
ومثله الآخر الذي قال وأظنه البناني ثابت رحمه الله قال:" جاهدت قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به أربعين سنة"
وقول ابن المسيِّب لما جلده الولاة لأجل الفتوى قال:
" إن هاهنا وجوها لم أرها منذ أربعين سنة"
وهذا كثير وكثير جدا حاولت عابثا ذكر شيء منه
فالكل يعلم أنني لو قلت أن هذا الباب نصف العلم لما أبعدت فما ذكره الناس من السلف والخلف لا يحصيه إلا من هو قائم على كل نفس بما كسبت سبحانه
ومنه تراجمهم التي وضعوها لأنفسهم
ومنه دفاعهم عن أنفسهم كما كان من شيخ الإسلام لما رمي بالحدّة كما في المجموع الجزء الثالث
ومنه الثناء على أنفسهم وكتبهم نثرا ونظما
فمن النظم على النفس ما و ردعن الشافعي في ديوانه وهو كثير
ومن ذلك ما أورده صاحب جامع بيان العلم منسوبا للمنصور الفقيه:
علمي حيث ما يممت أحمله ....بطني وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم معي ....أو كنت في السوق كان العلم في السوق
ومثلها أبيات الرازي وفي آخرها:
أأبيت سهران الدجى وتبيته... نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
والآخر يخاطب ابن المبارك مسترحما
خلفت زوجي يوم العرس باكية يا ابن المبارك تبكيني برنات
خلفتها سحرا في الليل لم أرها ففي فؤادي منها شبه كيات
إلخ
ومن النثر في الثناء على الكتب ثناء أحمد المشهور الذي حكاه ابنه عبد الله " يا بني احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس حجة " أو كما قال وقبله مالك لما ذكر له مكحول وجماعة أنهم حفظوا الموطأ في ثلاثة أيام قال: "فكتاب جمعته في أربعين سنة حفظتموه في ثلاثة أيام
ما أقل ما تفقهون" أو كما في الأثر
ومثلهم في النظوم وهو كثير
منه قول السيوطي رحمه الله في ألفيته المشهورة في الحديث:
"فائقة ألفية العراقي... في الجمع والإيجاز واتساق"
ومثله ابن مالك رحمه الله في ألفيته المشهورة في النحو:
"فائقة ألفية ابن معطي"
وأمثالها مما لا يحصيه إلا الله
النقطة الثانية:
فقه لُبَاب الباب
على ما منح رب الأرباب
فها أنت أيها القارئ الكريم ترى عددا هائلا من أنواع من العبارات التي ظاهرها التزكية للنفس وقد جاءت من الأنبياء والصالحين وفي القرءان والسنة والآثار، بل أقول: هي مما لا يستطيع أن يتحاشاها أحد ولو كان يَعُدُّ كلامه؛ لأنها قد تأتي في قوالب عديدة ودوافع كثيرة فضلا عن القوالب الظاهرة التي سنذكرها، فلقد كان ذكر العمل الخفي وذكر واقع المرء وحاله وذكر باطنه وما إلى ذلك لا يكون إلا محفوفا بمخاطر التزكية بل والرياء والسمعة وهذا في الحقيقة إذا قصده من قصده ولازمه كان منافقا كاذبا، وبعد ذلك له علامات ظاهرة تدل عليه منها الفرح عند الثناء عليه والأسف لترك ذلك أو لعدم المبالاة به، ومنها المداهنة في الدين ليجتلب الرضا والثناء الذي يتوافق مع حب الزعامة والعلو في الأرض، ومنها التلهف على المال و حطام الدنيا لما في خلاف ذلك من الذم وما لا يحمد من الحال فيزعجه ذلك، وجُمَاعُ أمره الخذلان، بعكس الآخر فهو يذكر ذلك لا لمحمدة الناس وإكباره بل يبغض ذلك وهذا الضابط أشار إليه القرءان الكريم، قال تعالى:
{لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم} آل عمران188
ولذلك قال من قال من السلف: "الإخلاص أن لا تحب محمدة الناس"
فالقلب المخلص لا يطلب العلو في الأرض وبالتالي لا يفسد وإن كان اجتناب الفساد لا يكون إلا بالعلم فمن جمع بين صلاح القلب من الهوى والمغالبة والكبر والتعالي و الحسد وصلاح الظاهر بلزوم السنة والعلم كان ممن ينال جزاء الآخرة وكان من المتقين ومع ذلك فهما متلازمان
فكل من طلب العلو في الأرض أفسد وكل من أفسد ففيه من العلو في الأرض على قدر إفساده والله تعالى يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83
ويرفعه بعد ذلك الله سبحانه وتعالى لقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }هود3
ولقوله عليه الصلاة والسلام :"من تواضع لله رفعه"
ورفعة العبد ليست لزاما مناصب ودنيا ولذلك جاء في سورة يوسف بعد ذكر رفعة الله له:
{وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }يوسف57
غير أن له البشرى في الدنيا ولا بد كما ورد في الآية، ومنها ثناء الناس عليه كما ورد في الحديث
وأما إذا ذم فقد يذم بالباطل ولكن لا يكون ذلك آت من شهداء الله في أرضه فإن كان منهم فليراجع نفسه
ومن شهداء الله في أرضه أهل العلم والسنة
وهنا لفتة:
فعلى ما ذكرت هل تكون رفعة يوسف رفعة ربانية أم بشرية وقد كان منه سعي في أسبابها؟؟؟
فما ورد من يوسف عليه السلام مما مر معنا وأنه قال "اجعلني على خزائن الأرض" يخالف ظاهر الآية التي تنهى عن إرادة العلو في الأرض، فهل لأحد أن يقول ما مُكن يوسف واؤتُمن حتى طلب إمارة الخزينة أي المال !! و أوداه ذلك إلى تزكية نفسه !! بما يكسبه مطلوبه، فالظن السيئ يرد على هذه الصورة نفسها مع آخرين، ولا يرد مع آخرين ومنهم يوسف عليه السلام، مما يكشف لنا حقيقة التعامل مع الآيات التي لها علاقة بأعمال البواطن وأن مناط الأخذ عند ورود الأقوال في ذلك إذا أقامت شبهة ولم تكن صريحة على ما في القلب على قرائن الأحوال فهي مرجح في الغالب لا يكذب ومن ذلك ومن سورة يوسف ما يدل على هذا فالمسجونَيْن طلبا منه تأويل الرؤيا، وذكرا ما دفعهما لذلك وأنهما يَريانه من المحسنين
فأخبرهما بأكثر من ذلك
ومن ذلك ما جاء في سنن ابن ماجة من طريقزرارة بن أوفى قال حدثني عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس قبله وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله، قد قدم رسول الله، ثلاثا، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال
((يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)).
وهاهي خديجة رضي الله عنها كما في البخاري لما أن جاءها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها خبر الغار قالت:"كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق"
فاستدلت بصلاحه الأخلاقي على مجانبة الله لإخزائه وقولها أبدا في قوة التأكيد والجزم
لأن أهل الخير مبشرون بالخير قال تعالى:
"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"
لذلك قيل أفرس الناس ثلاثة وذكروا خديجة رضي الله عنها
وهذا باب واسع
فأمور الأخلاق تؤيدها الأحوال زيادة على المعتقدات إذ يُعتمد فيها على القول وسياقاته وأمور أخرى
لذلك قال الناس: ومهما تكن عند امرء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وعلى هذا كان السلف رحمهم الله فكانوا لا يأخذون إلا بقول من يفعل بما يقول
وينظرون إلى الهدي والسمت فإن وجدوه وإلا نفروا
قال ابن الوردي رحمه الله
حتى يصدق قوله بفعال
فالعقائد تظهرها الأقوال والأخلاق تظهرها الأحوال
وإذا استدل بالأقوال غير صريحة على ما في القلب على الأحوال كان ذلك متشابها يحتاج لتأييد الحال عليه وإلا فلا يلتفت إليه
و الاشتباه إما يعارضه الحال ويقوى عليه وإما يؤيده
ومن الاشتباه الذي كان يحتاج لدراسة لأسبابه لأن الحال لا يؤيده ما وقع لامرأة العزيز مع يوسف عليه السلام، لذلك قالوا:"امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه"، فقد ابتليت بأمر لا قبل لها به، فلما خاض النسوة في عرضها دعتهم، وفعلت ما هو مذكور في كتاب الله تعالى، فقطعوا أيديهم لأجل نظرة واحدة مع أنها كانت تراه في أحوال عديدة عرفت به جماله الباهر الباطني والظاهري مما لا تقاومه امرأة بطبعها، فهي لم تكذبهم وإنما كشفت عن حجاب فتنتها لغيرها فأصابهم ما لم يصبها في ثوان، وهذا مسلك منها يدل على جانب كبير من عقلها للقضاء على الفتنة بأن وضعت النسوة كما يقال على المحك، ولهذا يقال في المثل "لا يشعر بحرّ الجمر إلا من اكتوى به" والنبي صلى الله عليه ويلم يقول: "السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها" فكثير من الناس لا يدرسون الأسباب والدوافع التي تلابس القضية وبعد ذلك إذا ابتلوا لم يحسنوا الصبر، ومن الناس طرف آخر أعور في دراسته لا يدرسها إلا ليزيد في الفتنة، ويحتج لفساده المنهجي واتهاماته الجائرة لغيره، كما نحن بصدده في هذا المقال
، وسيأتي بإذن المولى العزيز فساد صنيعهم في الرد الثاني من هذا الفصل الثالث في نقاط تجلي الدراسة المزعومة
فقرائن الحال لا بد من اعتبارها اعتبارا قويا وعدم إغفالها، فسيرة الرجل وصلاحه الأخلاقي من زهده وبعده عن الحرص والطمع وبغضه للثناء
علامة صحة القلب من الأغراض الفاسدة فإذا انضاف معها القوة العلمية والدعوية اجتمع الخير لصاحبه فلم تكد تخطئ له فراسة وفيهما يقول القحطاني رحمه الله
والزهد زهدان زهد عن الدنيا وزهد في الثنا طوبى لمن أمسى له الزهدان
وأدل دليل على قرائن الحال ما كان من حاطب بن بلتعة رضي الله عنه وكيف أنه واقع في الظاهر ما هو صريح في النفاق وطلب عمر رضي الله عنه قتله بعد سبه بالنفاق والنبي صلى الله عليه وسلم بادره بالسؤال عن قصده " ما حملك على ذلك يا حاطب"
فلما أسمعه الجواب وأنه لخشية على ماله أخذته فأضعفته، فأقاله النبي صلى الله عليه وسلم بحسنة كبيرة جدا أكرمه الله بها وهي شهود بدر فقال له صلى الله عليه وسلم:" ما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)"
فالذي أتى به ذنب بلا مرية لذلك قال لعمر ما مقتضاه مغفرة الله له إلا أنه ليس نفاقا كما تصور عمر وهنا محل الشاهد بالقصة فالاشتباه في الصور كثير وروده، شديد تزاحمه، خاصة في أعمال القلوب والجزم بها فيحتاج لتبين قال الله تعالى في إبراهيم عليه السلام" فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"
ولأجل هذا قرر ابن القيم قاعدة جليلة ينبني عليها الحكم على الأقوال مطلقا ألا وهو السؤال عن القصد والنظر في القرائن الدالة على المراد فقال:" الفقيه يقول ما قصدت ونصف الفقيه يقول ما قلت"
إلا أن هذا مع أهل السنة وأما من أقر منهم بسلامة قصده ولم يرجع عن سيء لفظه فما حمى الشريعة وهو المقصود الأساسي من وراء الحجر فيلزم التشديد على ذلك مراعاة للدين ولو على حساب الآخر ويكون إصراره على عيبه تهمة في حقه
خاصة ما تعلق بالمسائل الأصولية كمسألة سب الصحابة رضي الله عنهم
ومن هنا نرجع إلى أول وإلى الاستدلال الذي استدلوا به من قوله تعالى:{ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} النجم32
وكيف أخذوه مأخذ العموم سوى محل الاضطرار الذي أوردوه بكلام ابن عبد البر في أواخر مقالهم
فما ذكرناه من أدلة قرءانية ونبوية في مواطن كثيرة تخصص عمومها
فقوله تعالى :{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11 ينص على التخصيص في أمر واحد وهو التحدث بنعمة الله ويدل على الجواز في غيره بالمعنى، كما تدل عليه أيضا الأدلة الأخرى العينية المذكورة في باب النقل
فالناظر المنصف في ما ذكرت وما لم أذكر مما ورد مما ظاهره الثناء على النفس وتزكيتها يجد الدافع إليه أمورا واضحة وخفية، فمما وضح لي مما دل عليه السياق:
1ــ الحض والحث والتشجيع
2ــ بيان المكانة ليأخذ عنه ويوثق في علمه أو دينه
3ــ التحدث بنعمة الله وفضله
درء ودفع التهم عن الدين والعرض
5ــ تثبيت النفس والغير لتستقر وتطمئن وتقوى
6 ـ الترهيب كتخويف من لا يعرفك من ملك أو جبار ومنها أشعار الحروب
التعليم
كقوله عليه الصلاة والسلام:"ألا إني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"
وغيرها لمن تدبرها وتأملها
فمن هذه الأحوال المذكورة نفهم أن التزكية ليست محرمة لذاتها بل لغيرها فهي محرمة تحريم وسائل لذلك فهي منوطة بالحاجة، وقلت الحاجة ولم أقل الضرورة لما بينهما من فرق معلوم فالضرورة ما في تركها ضرر يلحق المقاصد الخمسة المعروفة الدين والعقل والبدن والمال والعرض
والحاجة ما لا يمكن الاستغناء عنها ولا ضرر بتركها
فتكون إذن التزكية للضرورة كما تكون للحاجة، ودليل ذلك من الأنواع النوع الأول و الثالث
فقوله تعالى إذن: " فلا تزكوا أنفسكم" هو من باب العام الذي دخله التخصيص وبالنظر في المخصصات
علمنا أنه
من باب العام الذي أريد به الخاص وهو التزكية التي أريد بها الإعجاب والغرور
وأما إذا كان لمقصد شرعي آخر فحسن
وفي تفسير الجلالين:
"( فلا تزكوا أنفسكم) لا تمدحوهاعلى سبيل الإعجاب أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن"
وهو محصل آية آل عمران [188]إذ يشير إلى المقصود من عمومها وأنه أريد به الخصوص
وأكثر مما ذكرت أنه قد يتحدث المتحدث لا لمقصد شرعي ولا لمقصد منهي عنه فيكون لا له ولا عليه
وهو مستفاد العام الذي أريد به الخاص فلطالما لا يواقع المقصود بالنهي بحيث لا يباهي بذلك ولا يرائي ولا يسمع ولا يعجب ولا يزهو أو يفتخر على أقرانه ولا يؤثر فيه ذلك شيء فلا يُنهى عنه
وهذا الذي يؤيده الوارد المتواتر عن السلف في حكاياتهم وأخبارهم ولا يمكن أن يقال في كل ذلك ما كان إلا لمقصد شرعي
فيكون فقه هذا الباب إذن بما ذكرنا أنه على أصل الوسائل مع مقاصدها على كلا الملحظين سواء قلنا أنه عام مخصوص أو عام أريد به الخصوص
وعلى هذا قد يكون ذكر الحال واجبا كدفع التهمة إذا كانت لها علاقة بالدين التي لو اعتقدها الناس ضلوا
ويكون الضرر حاصل بترك ما سميتموه تزكية للنفس، ولا يسمى كذلك لأنه لم يرد لتزكية النفس وإنما ورد لتجلية الحقائق والدفاع عن العرض والدين
وفي قصة يوسف من طلب البراءة للعرض ما هو معلوم
بل واستدلال ابن عبد البر في نقلكم وإناطته بالاضطرار يدل عليه
والله أعلم
ويبقى أمر أخر له ارتباط بالموضوع وهو أن النفوس تختلف قوة وضعفا فمن النفوس من لا يؤثر فيه المدح والثناء ومنهم من يؤثر فيه البشر والاحتفاء فضلا عن التزكية والثناء
ولذلك المدح في الوجه قيدوه بالافتتان أو عدمه كما هو معلوم
وعليه فلا يجزم بالعجب والغرور لمجرد ذكر الفضل والخصائص حتى يكون له أثر على قلبه يشعر به وإذا كثر يظهر عليه
وقد جاء عن السلف في أخبارهم ما يدل على ذلك وهي عبارة "فتغير علي قلبي" أو "فلم أجد ما كنت أجد" وأمثالها
مما يدل على المقصود
فأمر الفضائل وذكرها نسبي على حسب الأشخاص ولا يحسن في هذا قاعدة كلية يستوي أفرادها
والله أعلم
ويبقى أمر أخير وهو الصريح من التزكية فيكون بالأسماء مثلا كقول يوسف عليه السلام:"إني حفيظ عليم"، ومع ذلك لمّا كان ما يوجبه من خشية تسلط على ذلك المقام من يفسده ذكر أوصافه والملاحظ أنه كان على علم بحاله فهو ممن إذا أدرك واقعه لم يفتنه بخلاف من يفتنه أن يعرف أنه عالم أو صالح فيكذب على نفسه بأنه فاسد وجاهل ورؤية الأشياء على حقيقتها متى ما استغفل المرء نفسه قد يأتي ما يدعوا إليها فتنبه
فتزكية النفس الصريحة لغير داعي خاصة إذا تكررت صاحبها مفتون وعواقب ذلك الخزيُ المأفون نعوذ بالله من الخزي والخذلان
وبهذا النظر الكافي في موضوع كهذا إن شاء الله ــ لمن تدبر وعقل ــ والذي يسَّره سبحانه بمنه وكرمه ولعل غيري يكمل البحث ليجلي لنا ما يحوم وراء التلال
أقول بهذا:نستشكل إشكالات واضحة على مقال هؤلاء المشرفين غير شرفاء في هذه الحرب هداهم الله
1ـ هل ما ورد عن الشيخ ربيع كان الشيخ حفظه الله يذكره عجبا وغرورا أم أنه للأغراض المذكورة آنفا؟؟
2 ــ وإذا كان لا يدل على شيء من الأغراض فهل فيه ما هو صريح الدلالة على العجب والغرور
3ــ وإذا كان فيه ما ظاهره العجب والغرور فما هو حال الشيخ ربيع الأخلاقي وحياته في الناس الأخلاقية هل تؤيد أم تعارض؟؟؟
4 ــ وأخيرا لماذا لم يضبط هؤلاء المشرفين بما يبثونه من أمراض وشبه هذا الباب ضبطا يجليه ويجعل المؤمن على بصيرة من أمره؟؟
هل هو الجهل ؟؟؟؟
فهذا ما سنراه في تتمة الفصل بإذن الله ويتبعه أجوبة عن أمور جانبية في مقالهم
والله وحده المسؤول أن يتم لنا هذا الخير ويجعله منارة لطالب الهدى تفتح لهم آفاقا من الحق على تلاعب هؤلاء وفسادهم الأخلاقي والمنهجي بإذن الله
ولا حول ولا قوة إلا بالله
قال تعالى :
{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
آل عمران126


فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

أخوكم المشرفي غفر الله ذنبه وستر عيبه
وهران ، الجزائر حرصها الله

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013