منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 04 May 2014, 09:02 PM
ابو اسحاق محمد كرينة ابو اسحاق محمد كرينة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 176
افتراضي مقدمة من ذهب في الفقه الاسلامي للعلامة محمد بن عمر بازمول



محمد بن عمر بازمول

مقدمة في الفقه الإسلامي ..

مقدمة فى الفقة :لفضيلة الشيخ محمد بازمول :
العنصر الأول : تعريف الفقه.
الفقه في اللغة :
هو الفهم .
وفي الشرع :
أطلقت كلمة الفقه بمعنى تعظيم ما جاء عن الشرع، وهو المراد في قوله e: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ"، أي يجعل لديه فقهاً في الدين وهذا الفقه في الدين المقصود به: أن يكون معظماً لأمر الله ولنهيه سبحانه وتعالى، فإذا ما بلغ المسلم الأمر من دين الله سبحانه بادر إلى العمل به، وإذا ما بلغه النهي بادر إلى اجتناب ما نهى عنه وزجر، فمن يرد الله به خيراً يجعله فقيهاً في الدين يعني معظماً لأمر الدين، مبادراً إلى امتثاله.
ويدخل في هذا : العلم بمسائل الدين وبأحكام الدين.
وعلى هذا المعنى تجد ما ورد عن السلف رضوان الله عليهم من إنكارهم فقه فلان؛ عن عمران المنقري قال : قلت للحسن يوما في شيء قاله: يا أبا سعيد ليس هكذا يقول الفقهاء!
فقال : ويحك ورأيت أنت فقيها قط! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه([1]).
وهذه من صفات المعظمين لأمر الله.
فالفقه في الدين معناه : التعظيم لأمر الله سبحانه وتعالى.
وفي اصطلاح التدوين :
الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
قولهم في التعريف: (العلم بالأحكام الشرعية) قيد يخرج به العلم بالأحكام العقلية أو بالأمور العادية وبقضايا الحساب ونحوها فهذه ليس استمدادها من الشرع، فالفقه يختص بأمر وهو أن أحكامه مستمدة من الشرع، فهو علم بالأحكام الشرعية.
والأحكام الشرعية تشمل الحكم التكليفي والحكم الوضعي.
والأحكام التكليفية : هي الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة والإباحة.
والأحكام الوضعية : هي الصحة والفساد والشرط والسبب والمانع.
فالحكم الشرعي هو: خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلفين بالوضع أو الاقتضاء أو الإباحة.
والمراد بقولهم: "بالوضع" أي العلامات التي وضعها الشارع لتدل على الصحة والفساد، والسبب والمانع والشرط. وهذه الأحكام الوضعية.
والمراد بقولهم: "بالاقتضاء" أي الطلب، وهو إمّا أن يكون طلباً للفعل، أو طلباً للترك، وهو فيهما إما أن يكون على سبيل الإلزام أو لا على سبيل الإلزام. فهذه أربعة أنواع .
فالطلب للفعل على سبيل الإلزام هو الوجوب.
والطلب للفعل لا على بسبيل الإلزام هو الاستحباب.
والطلب للترك على سبيل الإلزام هو التحريم.
والطلب للترك لا على سبيل الإلزام هو الكراهة.
وقولهم : "بالتخيير" يعني التخيير بين الفعل والترك، فهذا المباح.
وهذه المشار إليها بقولهم "... بالاقتضاء أو التخيير" هي الأحكام التكليفية.
وقولهم في التعريف: (العملية) قيد أخرج الأحكام الاعتقادية فإن الفقه في الاصطلاح يختص بالأحكام العملية أعمال الجوارح المتعلقة بالمكلفين من جهة الإيجاب وعدمه والتحريم وعدمه والصحة والفساد.
فلا دخل للفقه في ما يتعلق بالأمور العلمية الاعتقادية فهذا في اصطلاح العلماء أصبح علماً مستقلاً عن الفقه.
فالفقه خاص بأحكام العبادات وأحكام المعاملات والأخلاق والآداب، هذه هي موضوعات الفقه.
وقولهم في التعريف: ( المكتسبة) يعني المستنبطة وذلك أن الفقه أمور تعود إلى الاستنباط من الأدلة التفصيلية، وأدلة الشرع المتفق عليها بين أهل العلم أربعة:
الكتاب .
والسنة .
والإجماع .
والقياس .
وقولهم في التعريف : (الأدلة التفصيلية) يعني جزيئات الأدلة على الأحكام الجزئية،
مثلا القول بوجوب الوضوء دليله قوله تعالى: ]يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم[ فهذا دليل وجوب الوضوء.
والفقه في هذا يختلف عن أصول الفقه؛ فإن النظر في الأصول إلى الأدلة الكلية، لا إلى الأدلة الجزئية، فنظر الفقيه في الأدلة الجزئية على المسألة أما الأصولي فإن نظره في الأدلة الكلية من جهة دلالتها وكيفية الاستنباط منها، فينظر في دلالة النص بعمومه وبإطلاقه وبخصوصه وبتقيده وبتفسيره وبكونه محكما وبكونه غير ناسخ، وما يعتريها فنكون تارة نصاً وتارة ظاهراً و تارة مؤولاً ونحو ذلك من الأمور التي يذكرها أهل العلم كالكلام في المنطوق والكلام في المفهوم، فهذا غاية نظر الأصولي من جهة الأدلة الكلية لا من جهة الأدلة التفصيلية.
فمثلاً الفقيه يقول : الدليل على وجوب الصلاة قوله تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة[، وقوله e: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة ..."([2]).
الدليل على وجوب الوضوء من الحدث قوله e: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"([3]).
والدليل على نقض الوضوء بأكل لحم ما جاء عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله r: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل"([4]).
فهذه مسائل يورد الفقيه أدلتها الجزئية التفصيلية الخاصة بكل مسألة فهذا نظر الفقيه.
أما نظر الأصولي أن يقول مثلاً : الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، والتحريم يقتضي الفساد، مثلاً يقول: هذا الأمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب بقرينة كذا وكذا .
أو يقول: النص العام الأصل البقاء على عمومه، ولا يُخصص إلا بدليل، فهذا هو نظر الأصولي إذ نظره إلى الأمور الكلية لا إلى الأدلة الجزئية كما يصنع الفقيه.
العنصر الثاني : ما حكم تعلم الفقه ؟
أقول : تعلم الفقه على أحوال؛
إذا أريد به تعلم الأحكام الشرعية التي يحتاجها المسلم في يومه وليلته كأحكام الطهارة وأحكام الصلاة ونحوها من الأمور التي يحتاجها إذا ما بلغ السن أو ما بلغ الحال التي يتكلف بها كأحكام الصيام وأحكام الزكاة وأحكام الحج، أقول: تعلم ما يحتاجه المسلم لإقامته عبادته لربه في يومه وليلته هذا واجب فرض عين على من يلزمه القيام به، والدليل قول الرسول e: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"([5])، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وحيث إن على المسلم أن يقوم بأداء هذه الأمور المطلوبة منه شرعاً فيجب عليه أن يتعلم أحكامها لأن الدين الإسلامي يقوم على أصلين :
- ألا نعبد إلا الله .
- وأن لا نعبد الله إلا بما شرع .
فمقتضى كوننا لا نعبد الله إلا بما شرع؛ أنه يجب علينا ويتعين علينا أن نتعلم ما شرعه الله لنا من أمر هذه العبادة التي يلزمنا القيام بها فهذا الحال الأول الذي يكون فيه طلب الفقه أو علم الفقه واجب على التعيين على من يلزمه القيام بالعبادة التي يتعلق الفقه ببيانها.
وقد يكون طلب الفقه من باب المستحبات وذلك في الأمور الزائدة على ما يحتاجه المسلم، فما زاد على ما هو مطلوب في الحال الأولى فإن طلبه للعلم بها من المستحبات.
وتارة يكون طلب علم الفقه من فروض الكفايات لأن أهل البلد وأهل الجهة يحتاجون إلى فقيه فلابد أن يكون فيهم فقيه عالم بأحكام الشرع ليدلهم على إجابات ما يعترضهم في أمور حياتهم وشؤونهم ففي هذه الحالة يكون طلب الفقه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.
وقد ورد في فضل الفقه نصوص كثيرة بل أقول: كل نص شرعي ورد في فضل العلم فإنه يدخل فيه الفقه دخولاً أولياً؛ فيدخل في الفقه قوله e: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"([6]).
وقوله e: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"([7]).
ويدخل فيه قوله تعالى: ]وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[ (التوبة:122).
إلى آخر ما ورد من النصوص الواردة في فضل طلب العلم والتفقه.
العنصر الثالث : نشأة الفقه وأطواره .
مرّ الفقه الإسلامي في نشأته بأطوار متداخلة لكن يمكن تمييزها بالعهود، فأقول:
الطور الأول : طور الفقه في عهد النبي e ويتميز هذا الطور بأن المعتمد فيه على الوحي وهو ما جاء في القرآن وفي السنة والرسول e لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
الطور الثاني من أطوار الفقه :
بعد عهد الرسول e جاء عهد الصحابة حيث تميز هذا العهد بفتاوى الصحابة.
والصحابة y كانوا يتفاوتون في العلم بالأحكام الشرعية، كما كانوا يتفاوتون فيما سمعوه من الرسول e.
وكان من الصحابة من كثرت فتاواه بسبب طول المدة التي بقاها وبسبب كثرة الحوادث التي حدثت في زمنه، وهؤلاء أئمة الفتوى من الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، و عبد الله بن عمر، و عبد الله بن العباس، ونحوهم من الصحابة رضوان الله عليهم .
الطور الثالث:
بعد عهد الصحابة يأتي عهد التابعين الذين قاموا بفقه الصحابة y وتكلموا على أساس ما سمعوه عن الصحابة.
وتميز عهد الصحابة وعهد التابعين باتساع دائرة الفقه و انتشار علم الفقه في الكثير من البلاد؛ لأن الصحابة انتشروا في العالم بسبب اتساع دائرة الفتوح الإسلامية، واتساع دائرة رقعة البلاد الإسلامية فكان من الصحابة من سكن في الشام, ومنهم من سكن في العراق, ومنهم من بقي في المدينة، ومنهم من كان في مكة ومنهم من كان في مصر، وتفرقوا في البلدان وبالتالي أصبحت كل بلد يسكنها صحابي منارة من منارات الفقه ومنارة من منارات العلم ينشر الصحابي فيها ما بلغه عن الرسول e وما أدّاه إليه علمه واجتهاده.
وكذا التابعون تلاميذ هؤلاء الصحابة، فإنهم في كل بلاد تميزوا وانتشروا ونشروا علوم الصحابة الذين أخذوا عنهم .
الطور الرابع :
ثم يأتي عهد أتباع التابعين وهو امتداد لعهد التابعين.
وفيه الأئمة المجتهدون الأربعة :
الإمام أبو حنيفة.
والإمام مالك.
والإمام الشافعي.
والإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
واشتهر من أئمة الفقه الذين نسبت إليهم مذاهب فقهية اندثر غالبها، من ذلك :
مذهب الأوزاعية نسبة إلى عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو: يحمد الشامي الدمشقي ، أبي عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام في زمانه في الحديث و الفقه، من كبار أتباع التابعين، توفي سنة 157 هـ بـ بيروت .
ومذهب الثورية نسبة إلى سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الإمام المشهور الفقيه العابد الحافظ مات سنة 161هـ.
ومذهب الداودية (الظاهرية) نسبة إلى داود بن علي الحافظ الفقيه المجتهد أبو سليمان الأصبهاني البغدادي فقيه أهل الظاهر توفي سنة 270هـ.
وطورهم تواصل مع ما سبقهم، فاهتموا بآثار الصحابة والتابعين، واتبعوا الأثر، وكان من منهجهم العلمي عدم الخروج على ما ورد عن الصحابة y.
@ قال الأوزاعي -رحمه الله-: "العلم: ما جاء به أصحاب مُحمَّد e، فما كان غير ذلك فليس بعلم"([8]).
@ وقد كان الزهري -رحمه الله- يكتب كلام التابعين, وخالفه صالح بن كيسان ثُمَّ ندم على تركه ذلك([9]).
وعلى هذا سار أبو حنيفة النعمان -عليه من الله الرحمة والرضوان-.
@ قال ابن المبارك -رحمه الله-: سَمعت أبا حنيفة [t] يقول: "إذا جاء عن النَّبِي e فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن أصحاب النَّبِي e نَختار من أقوالِهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم"([10]).
وسار عليه مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة -رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه-.
@ قال مالك -وقد ذكر له كتابه الموطأ-: "فيه حديث رسول الله e، وقول الصحابة والتابعين ورأيهم, وقد تكلمت برأيي على الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا, ولَم أخرج عن جملتهم إلَى غيره" اهـ([11]).
وسبيل التزمه الشافعي -رحمه الله ورضي عنه وأرضاه-.
@ قال الشافعي -رحمه الله-: "العلم طبقات:
الأولى: الكتاب والسنة؛ إذا ثبتت السنة.
ثُمَّ الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.
والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النَّبِي e ولا نعلم له مُخالفًا منهم.
والرابعة: اختلاف أصحاب النَّبِي –e ورضي عنهم-.
والخامسة: القياس على بعض هذه الطبقات.
ولا يُصَار إلَى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان, وإنَّما يؤخذ العلم من أعلى"([12]).
وهو نَهج أحمد بن مُحمَّد بن حنبل -رحمه الله ورضي عنه وأرضاه-.
@ قال أحمد بن مُحمَّد بن حنبل: "إذا كان فِي المسألة عن النَّبِي e حديث؛ لَم نأخذ فيها بقول أحد من الصحابة ولا من بعدهم خلافه.
وإذا كان فِي المسألة عن أصحاب رسول الله e قول مُختلف, نَختار من أقاويلهم ولَم نَخرج عن أقاويلهم إلَى قول غيرهم.
وإذا لَم يكن فيها عن النَّبِي e ولا عن الصحابة قول؛ نَختار من أقوال التابعين... "([13]).
@ وقال مُحمَّد بن الحسن: "ومن كان عالِمًا بالكتاب والسنة، وبقول أصحاب رسول الله e وبِما استحسن فقهاء المسلمين؛ وسعه أن يَجتهد برأيه فيما ابتلي به، ويقضي به ويُمضيه فِي صلاته وصيامه وحجه وجميع ما أُمر به ونُهي عنه، فإذا اجتهد ونظر وقاس على ما أشبه ولَم يأل وسعه العمل بذلك، وإن أخطأ الذي ينبغي أن يقول به"([14]).
@ وقال مُحمَّد بن الحسن أيضًا: "العلم على أربعة أوجه:
ما كان فِي كتاب الله الناطق، وما أشبهه. وما كان فِي سنة رسول الله e المأثورة، وما أشبهها.
وما كان فيما أجمع عليه الصحابة -رحمهم الله- وما أشبهه.
وكذلك ما اختلفوا فيه لا يَخرج عن جميعه؛ فإن أوقع الاختيار فيه على قول فهو علم تقيس عليه وما أشبهه.
وما استحسنه عامة فقهاء المسلمين وما أشبهه, وكان نظيرًا له.
قال: ولا يَخرج العلم عن هذه الوجوه الأربعة"اهـ([15]).
ويتميز عهد الأئمة الأربعة بما ورد عنهم من ذم التقليد والتعصب، والحث على الاتباع .
وقد رأيت للعلامة الألباني رحمه الله فصلاً في أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها أنقله هنا بتمامه([16]):
أبو حنيفة رحمه الله
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله ، وقد روي عنه أصحابه أقوالاً شتى وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها:
1- "إذا صح الحديث فهو مذهبي"([17]).
2- "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه"([18]).
وفي رواية: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي".
زاد في رواية: "فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً".
وفي أخرى: "ويحك يا يعقوب! (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد".
3- "إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول e فاتركوا قولي"([19]).
مالك بن أنس رحمه الله
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال:
1- "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"([20]).
2- "ليس أحد بعد النبي e إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي e"([21]).
3- قال ابن وهب: سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خفّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة!
فقال: وما هي؟
قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله e يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه.
فقال: إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة، ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع([22]).
الشَّافعيّ رحمه الله
وأما الإمام الشافعي رحمه الله ؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد، فمنها:
1- " ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله e وتعزب عنه، فمهما قلتُ من قول، أو أصّلت من أصل فيه عن رسول الله e لخلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسول الله e ، وهو قولي"([23]).
2- "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله e لم يحل له أن يدعها لقول أحد"([24]).
3- "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله e ؛ فقولوا بسنة رسول الله e ، ودعوا ما قلت". وفي رواية: "فاتبعوها، ولا تلفتوا إلى قول أحد"([25]).
4- "إذا صح الحديث فهو مذهبي"([26]).
5- "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أي شيء يكون: كوفيّاً أو بصريّاً أو شاميّاً؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً"([27]).
6- "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله e عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي"([28]).
7- "إذا رأيتموني أقول قولاً ، وقد صح عن النبي e خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب"([29]).
8- "كل ما قلت؛ فكان عن النبي e خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى ، فلا تقلدوني"([30]).
9- " كل حديث عن النبي e فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني"([31]).
أحمد بن حنبل رحمه الله
وأما الإمام أحمد؛ فهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة وتمسكاً بها، حتى "كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي"، ولذلك قال:
1- "لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا"([32]). وفي رواية : "لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي e وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد، الرجل فيه مخير".
وقال مرة: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي e وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخير"([33]).
2- "رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار"([34]).
3- "من رد حديث رسول الله e ؛ فهو على شفا هلكة"([35]).
فكان عهدهم يتميز بالفقه القائم على الاجتهاد والنظر في الأدلة بدون تقليد أو التزام بمذهب ولا بقول لأحد .
فهذه سمة الفقه في عهد الأئمة المجتهدين.
الطور الخامس : ما بعد الأئمة المجتهدين.
بدأ الناس يدخلون في طور التقليد والتقعيد لكلام الأئمة المجتهدين، واشتهرت مذاهب غير المذاهب الأربعة كمذهب الأوزاعية نسبه إلى الأوزاعي والثورية نسبة إلى الثوري والطبرية نسبة إلى محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، والظاهرية نسبة إلى اتباع الظاهر، وصاحبه داود بن علي الظاهري (ت270هـ)، ثم استقر أمر الناس على هذه المذاهب الأربعة المتبوعة!
وبدأ يظهر التعصب والتقيد بالمذهب، وقل الاهتمام بالرواية والأثر!
العنصر الرابع : مدرسة الرأي ومدرسة الأثر
بعد وفاة الرسول e توزّع الصحابة في الأمصار وصاروا يبثون بين الناس الفقه وأحكام الشرع، ويعلمون الناس أمور دينهم، كما تلقوها وفهموها عن الرسول e.
حظيت بعض البلدان ببعض الصحابة، وتفاوتت البلاد بما لديها من العلم عن رسول الله e وصحابته رضوان الله عليهم.
وتميزت مكة والمدينة بأن الكثير من الصحابة رواة الحديث استقروا بها، وسكنوا فيها، فكثرت فيها الرواية والأثر، فاشتهر أن أهل الحجاز أهل أثر، لأن الحديث لديهم كثير .
ولم يكن حظ البلاد الأخرى كحظ مكة والمدينة، وخاصة العراق، فالأحاديث التي لديهم ليست في كثرتها كالأحاديث التي كانت موجودة في الحجاز، فاشتهر أهل العراق بقلة الآثار الموجودة لديهم.
وترك هذا أثره؛
فقام بعض الجهلة في العراق بوضع الأحاديث على رسول الله e تكثيراً للرواية في بلادهم، مما جعل بعض العلماء يحذرون من أحاديث العراقيين، وخاصة الكوفة!
[وكان جماعة لا يقدمون على حديث الحجاز شيئا حتى قال مالك: إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نخاعه.
وقال الشافعي : إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نخاعه. حكاه الأنصاري في كتاب ذم الكلام .
وعنه أيضا : كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحا ما أريد إلا نصيحتك.
وقال مسعر : قلت لحبيب بن أبي ثابت : أيما أعلم بالسنة أهل الحجاز أم أهل العراق؟ فقال: بل أهل الحجاز.
وقال الزهري : إذا سمعت بالحديث العراقي فأورد به ثم أورد به .
وقال طاوس : إذا حدثك العراقي مائة حديث فاطرح تسعة وتسعين .
وقال هشام بن عروة : إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك .
وقال الزهري : إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا
وقال ابن المبارك : حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب .
وقال الخطيب : أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة فإن التدليس عنهم قليل والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز. ولأهل اليمن روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضا. ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم. والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة مع العلل. وحديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ]([36]).
قال محمد بن إدريس وراق الحميدي : قال أهل المدينة: وضعنا سبعين حديثا نجرب بها أهل العراق فبعثنا إلى الكوفة والبصرة فأهل البصرة ردوها إلينا ولم يقبلوها، وقالوا: هذه كلها موضوعة . وأهل الكوفة ردوها إلينا وقد وضعوا لكل حديث أسانيد([37]).
وبسبب قلة الرواية عندهم كثر اعتماد علماؤها على الرأي، وأصبح سمة لهم؛ فاشتهر أن أهل العراق أهل الرأي.
فالذين كانوا في مكة والمدينة كثر في فقههم الاعتماد على النص فعرفوا بأنهم أهل الأثر.
والذين كانوا في العراق بسبب قلة الأحاديث التي عندهم وفشوا الكذب والأحاديث المكذوبة على الرسول e تشددوا في قبول الروايات وكثر اجتهادهم ونظرهم في المسائل وفتواهم فيها بحسب الرأي والعقل فعرفت هذه المدرسة في العراق بمدرسة الرأي.
نشأت طريقتان و منهجان في العلم :
الطريق الأول : طريقة أهل الأثر التي عرفت في الحجاز .
والطريق الثاني : طريقة أهل الرأي التي عرفت في العراق في الكوفة وبغداد.
والأصل أن هاتين المدرستين لا تعارض بينهما ولا تناقض لأن كل واحدة منهما مكملة للأخرى، ولكن العيب حصل لما تمسك أهل الرأي برأيهم مع وجود الأثر؛ والأصل أنه إذا جاء نهر الله بطل نهر مَعْقِل، و إذا جاء الأثر بطل النظر!
فلما كثر تمسك بعض الناس وتعصبهم لعلماء بلدهم حتى وإن خالفوا الأحاديث أصبحت قضية الرأي عند العلماء قضية ذم؛ لأن الإنسان لما يكون من أهل الرأي ويتمسك بالرأي مع مخالفته للحديث عن رسول الله e يذم، وينسب إلى التعصب المذموم؛ لذا اهتم العلماء ببيان المسائل التي خالف فيها علماء الكوفة الأحاديث فتجد في مصنف ابن أبي شيبة كتاباً في المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة الأحاديث، وتجد بعض أهل العلم يشنع على أهل الكوفة والرأي بسبب مخالفتهم للأحاديث وهو لا يقصد بذلك انتقاص العلماء أو ذمّهم إنما يقصد بذلك ذم من يتعصب للرأي وللنظر مع وجود الأثر.
والواجب على المسلم إذا بلغته السنة من سنن النبي e على خلاف ما كان يراه أو يعتقده أو على خلاف من كان يقلده ويتابعه أن يبادر إلى متابعة سنة الرسول e؛ لأن على المسلم أن يتخيل إذا ما بلغته السنة كأنه بين يدي رسول الله e وهو يسمع منه هذا الحديث فهل يسع مسلم يسمع كلام الرسول e أن يقول: أنا لا آخذ بكلام الرسول و إنما أمشي على الرأي الذي انتهيت إليه أو ما كان عليه الإمام الفلاني أو العالم الفلاني؟
الجواب : لا . من أجل ذلك ذم علماء المدرسة الأثرية طريقة الرأي والنظر التي كانت سائدة في الكوفة، لا انتقاصاً من علمائها ولكن تحذيراً للناس من أن يتابعوا و يتمسكوا بهذه الآراء مع وجود الأحاديث والنصوص التي هي على خلافها.
وقد بلغ الحال في الخلاف بين المدرستين إلى الحد الذي وصفه الخطابي (ت388هـ) رحمه الله من علماء القرن الرابع الهجري حيث قال: "ورأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين:
أصحاب حديث وأثر .
وأهل فقه ونظر .
وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار ، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب .
ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التدانى في المحلين والتقارب المنزلتين وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه؛ إخوانا متهاجرين؛ وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين.
فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الأثر والحديث فإن الأكثرين منهم إنما وكدهم الروايات وجمع الطرق وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، ولا يستنبطون سيرها، ولا يستخرجون ركازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن، وادعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنهم عن مبلغ ما أوتوه من العلم قاصرون، وبسوء القول فيهم آثمون.
وأما الطبقة الأخرى : وهم أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آرائهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبت فيه، أو يقين علم به، فكان ذلك ضلة من الرأي وغبنا.
وهؤلاء وفقنا الله وإياهم لو حكي لهم عن واحد من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهاد من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة واستبرؤا له العهدة.
فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون من مذهبه إلا ما كان من رواية ابن القاسم والأشهب وضربائهم من تلاد أصحابه، فاذا جآءت رواية عبد الله بن عبد الحكم وأضرابه لم تكن عندهم طائلا.
وترى أصحاب أبى حنيفة لا يقبلون من الرواية عنه إلا ما حكاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والعلية من أصحابة والأجلة من تلامذته فإن جاءهم عن الحسن بن زياد اللؤلؤى، وذويه رواية قول بخلافه لم يقبلوه ولم يعتمدوه.
وكذلك تجد أصحاب الشافعي إنما يعولون في مذهبه على رواية المزنى والربيع بن سليمان المرادى فاذا جاءت رواية حرملة والجيزى (يعني: الربيع بن سليمان بن داود الجيزى) وأمثالهما لم يلتفتوا إليها ولم يعتدوا بها في أقاويله.
وعلى هذا عادة كل فرقة من العلماء في أحكام مذاهب أئمتهم وأستاذيهم.
فإذا كان هذا دأبهم وكانوا لا يقنعون في أمر هذه الفروع وروايتها عن هؤلاء الشيوخ إلا بالوثيقة والثبت فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم والخطب الأعظم وان يتواكلوا الرواية والنقل عن إمام الأئمة ورسول رب العزة؟! الواجب حكمه اللازمة طاعته ، الذي يجب علينا التسليم لحكمه، والانقياد لأمره من حيث لا نجد في أنفسنا حرجا مما قضاه ولا في صدورنا غلا من شيء مما ابرمه وأمضاه.
أرأيتم إذا كان للرجل أن يتساهل في أمر نفسه ويتسامح عن غرمائه في حقه فيأخذ منهم الزيف ويغضي لهم عن العيب هل يجوز له أن يفعل ذلك في حق غيره؟ إذا كان نائبا عنه كولى الضعيف ووصى اليتيم ووكيل الغائب.
وهل يكون ذلك منه إذا فعله إلا خيانة للعهد واخفارا للذمة؟!
فهذا هو ذاك إما عيان حس وإما عيان مثل، ولكن أقواما عساهم استوعروا طريق الحق واستطالوا المدة في درك الحظ، واحبوا عجالة النيل فاختصروا طريق العلم واقتصروا على نتف وحروف منتزعة عن معاني أصول الفقه سموها عللا وجعلوها شعارا لأنفسهم في الترسم برسم العلم واتخذوها جنة عند لقاء خصومهم ونصبوها دريئة للخوض والجدال يتناظرون بها ويتلاطمون عليها، وعند التصادر عنها قد حكم للغالب بالحذق والتبريز فهو الفقيه المذكور في عصره والرئيس المعظم في بلده ومصره .
هذا وقد دس لهم الشيطان حيلة لطيفة وبلغ منهم مكيدة بليغة .
فقال لهم : هذا الذي في أيديكم علم قصير وبضاعة مزجاة لا تفي بمبلغ الحاجة والكفاية فاستعينوا عليه بالكلام وصلوه بقطعات منه واستظهروا بأصول المتكلمين يتسع لكم مذهب الخوض ومجال النظر، فصدق عليهم ظنه وأطاعه كثير منهم واتبعوه إلا فريقا من المؤمنين .
فيا للرجال والعقول أنى يذهب بهم وأنى يختدعهم الشيطان عن حظهم وموضع رشدهم والله المستعان"اهـ([38]) .
العنصر الخامس : المذاهب الفقهية الأربعة
نشأت لدينا المذاهب الفقهيه فيما يلي عصر الأئمة المجتهدين، حيث اهتم تلاميذهم بجمع أقوالهم، والنظر في أصول فقههم، وطرق استنباطهم، ومخارج اختياراتهم، وفرعوا وبنوا عليها، فنشأ عندنا:
مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت المولود سنة ثمانين والمتوفى سنة مائة وخمسين هجرية .
وهو من أئمة الفقه الكبار العظام، أكثر المؤرخين يثبتون أنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، فهو تابعي لرؤيته هذا الصحابي، ولكنه لم يسمع منه.
وكان أبو حنيفة من مدرسة العراق التي غلبت عليها سمة الرأي ولكنه مع هذا كان يروي أحاديث.
والأحاديث التي رواها مجموعة في مجلد معروف بمسند أبي حنيفة وهي أحاديث قليلة.
والإمام أبو حنيفة إمام في الفقه، كما قال الإمام الشافعي: "الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه".
أما في ضبط الحديث فإنهم لم يروه بالدرجة العليا منه .
واجتمعت كلمة المسلمين على أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه من أئمة الفقه الكبار الذين يُرجع إليهم ويُأخذ عنهم ولم يرضوا لأحد أن يقدح فيه.
وما نُسب إليه من أقوال أهل البدع رأوا أن منها ما ثبت أنه تراجع عنها، ومنها ما يكون من باب الاجتهاد الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطيه فيه أجراً ولا يحرمه من مغفرته ومن رحمته سبحانه وتعالى.
وللإمام تلاميذ منهم :
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم توفي سنة 128هـ.
ومنهم محمد بن الحسن الشيباني المتوفي سنة 189هـ.
ومحمد بن الحسن الشيباني سمع من الإمام مالك كتابه الموطأ ورواية محمد بن الحسن الشيباني للموطأ معروفه بموطأ محمد، وهو كتاب مطبوع بتحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف.
وعليه تعليق للإمام اللكنوي بعنوان التعليق الممجّد على موطأ محمد وهذا الموطأ الذي يرويه محمد بن الحسن الشيباني عن مالك فيه الكثير من الفوائد العلمية الفقهية الحديثية.
منها أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات" يوجد في روايته للموطأ عن مالك، ولا يوجد في غيره من روايات الموطأ.
ولما تكلم الحافظ ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، في (فتح الباري) عن حديث "إنما الأعمال بالنيات"، قال: "إِنَّ هَذَا الْحَدِيث مُتَّفَق عَلَى صِحَّته أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأ ، وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأ مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق مَالِك"اهـ([39]).
جاء السيوطي في (تنوير الحوالك) فقال: "وقد وقفت على الموطأ من روايتين أخريين سوى ما ذكر الغافقي إحداهما رواية سويد بن سعيد، والأخرى رواية محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وفيها أحاديث يسيرة زيادة على سائر الموطآت منها حديث: " إنما الأعمال بالنيات " الحديث.
وبذلك يتبين صحة قول من عزا روايته إلى الموطأ ووهم من خطأه في ذلك"اهـ([40]).
ومنها أن محمد بن حسن الشيباني كان في مواضع كثيرة من كتاب الموطأ يعلق فإذا وجد حديثاً عند مالك في الموطأ خلاف ما قاله أبو حنيفة فإنه يرجع عن كلام أبي حنيفة ويقول: لو وقف عليه صاحبي لرجع إلى القول بهذا الحديث، وهذا يبين لكم مقدار ما كان عليه أبو حنيفة وتلاميذه من الحرص على إتباع الأحاديث، ويبين العذر في مخالفة الأحاديث التي وقعت له، وهو أنه لم يقف عليها أو لم تأت إليهم بأسانيد يثبت مثلها لديهم.
سمة فقه الإمام أبي حنيفة أنه تكثر فيه المسائل المبنية على الرأي.
وقد لاحظت بكثرة المراجعة، والنظر في كتب المذهب الحنفي أنها تتضمن في مسائلها أقوالاً للصحابة والتابعين الذين كانوا في الكوفة.
وأقوال أبي حنيفة مبنية في أغلبها على كلام ابن مسعود رضي الله عنه أو علي بن أبي طالب أو لأئمة التابعين رضوان الله عليهم كإبراهيم النخعي ونحوه.
وتجد أصولاً من كلام السلف يبني الإمام أبو حنيفة وأصحابه في المذهب كلامهم عليها، بحيث إنك إذا استعملت هذه الطريقة ولم تقصر النظر على الأحاديث، فتتبعت الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة تجد أن فقه أبي حنيفة مبنيا على كثير من الآثار الواردة عن السلف الصالح رضوان الله عليهم.
مذهب الإمام مالك بن أنس الأصبحي المولد سنة 93هـ، المتوفى سنة 179هـ.
والإمام مالك بن أنس إمام الدنيا في زمنه.
طلب العلم واشتهر بين أقران عصره بعالم المدينة،
جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً : "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ"([41]).
قال الترمذي رحمه الله عقب الحديث: "وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: سُئِلَ مَنْ عَالِمُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ.
و قَالَ إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ([42]).
و سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ.
وَالْعُمَرِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"اهـ ([43]).
فكان رحمه الله يوصف بأنه عالم المدينة.
من أشهر كتب الإمام مالك الفقهية كتاب "المدوَّنة".
وكتاب "المدوَّنة" هذا عبارة عن أسئلة لأسد بن الفرات رحمه الله، كان قد أخذها من كتب أهل الرأي في العراق، فأتى إلى الإمام مالك وسأله إياها فأجاب الإمام مالك على هذه الأسئلة فأخذها أسد بن الفرات وسافر المغرب ونشر أجوبة الإمام مالك بن أنس رحمه الله، على هذه الأسئلة وعُرفت هذه الفتاوى التي أجاب عنها الإمام مالك لأسد بن الفرات عرفت بـ "الأسدية" ثم مكثت مدة، فجاء عبد الرحمن بن القاسم إلى المدينة بـ"الأسدية"، وأعاد الأسئلة على الإمام مالك فتراجع الإمام مالك في مسائل وغيّر أقواله فيها، فأخذ عبد الرحمن بن القاسم تلميذ الإمام مالك هذه الأجوبة الجديدة وذهب إلى أسد بن الفرات وقال: قد سألت الإمام عن هذه الأسئلة وتراجع عن كذا وعن كذا وغيّر قوله في كذا وكذا فامتنع أسد بن الفرات عن التعديل وعن التغيير، ورأى أنه سمع هذا مباشرة من مالك فكيف يتركه لخبر نازل، يعني أتاه بواسطة ولا يدري ما حاله؛ فلما لم يستجب لتغيير إجابات مالك التي تراجع عنها، أهملت مدونته الأسدية، وأهتم بالمدونة التي دوّنها عبد الرحمن بن القاسم ودون فيها أجوبة الإمام مالك الجديدة على أسئلة الأسدية المعدلة بكلامه الجديد رحمهم الله جميعاً وهي المعروفة اليوم بالمدونة في الفقه المالكي.
وعبدالرحمن بن القاسم تلميذ الإمام مالك بن أنس توفي 191هـ.
ومن تلاميذ الإمام مالك : عبد الله بن وهب بن مسلم المتوفى سنة 197هـ، وكان الإمام مالك إذا راسل تلميذه ابن وهب، يصفه بأنه فقيه مصر .
وسمة فقه الإمام مالك اتباع الأحاديث ولآثار ومراعاة ما كان عليه العمل في المدينة.
ومن شيوخ مالك رحمه الله ربيعة الرأي أو عبد الرحمن بن أبي ربيعة الرأي هذا العالم كان من علماء الحجاز وكان لديه مسائل غلب فيها رأيه ونظره على إتباع الأثر، ومعنى ذلك أن الإمام مالك أكتسب خبرة ودراية بمسائل الرأي، ولديه خبرة ودراية بالحديث والأثر ، فهو أمام الدنيا في الحديث.
مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ولد سنة 150هـ، وتوفي سنة 204هـ.
هذا الإمام مطلبي من آل المطلب من آل البيت، إمام من أئمة الدنيا كان كما يصفه بعض المترجمين له: كالشمس للناس، اخترمته المنية وهو في بداية العقد السادس، ولد سنة 150هـ، وتوفي سنة 204هـ.
وهو الذي وضع علم أصول الفقه في كتاب "الرسالة" له، وهو الذي دوّن كتاب "الأم" من أنفس ما جاءنا من كتب الفقه المبنية على الحديث وعلى الدليل.
كتاب الأم للإمام الشافعي يرويه عنه تلميذه الربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة 270هـ، ولخّص كتاب الأم تلميذه أبو إبراهيم إسماعيل المزني المتوفى سنة 264هـ.
والإمام الشافعي من أئمة الفقه وهو الذي قال عن الإمام أبي حنيفة قال: "الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه".
وكان قد أخذ الفقه على الإمام مالك ابن أنس.
له رحلة واسعة إلى العراق وغيرها التقى فيها بالإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت189هـ) تلميذ الإمام أبي حنيفة.
ووضع الشافعي العديد من الكتب؛
منها كتاب "الرسالة".
ومنها كتاب "الأم".
وله كتاب "جماع العلم".
وله كتب أخرى ضمن مجموعة "الأم".
ومسند الشافعي استخرجه أبو يعقوب الأصم، من كتب الشافعي.
مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
وهو أحمد بن محمد بن حنبل المولود سنة 164هـ، والمتوفى سنة 241هـ.
وهو تلميذ الإمام الشافعي، والشافعي تلميذ مالك رحمهم الله جميعاً.
أخذ العلم عن الإمام الشافعي واشتهر بطلب الحديث وباتباعه للأحاديث وللآثار.
ويعتبر فقهه خلاصة فقه الإمام الشافعي و فقه الإمام مالك و فقه الإمام أبي حنيفة.
ومن نظر في فتاواه وفي مسائله وفي أجوبته علم ذلك علم اليقين.
والإمام أحمد بن حنبل هو أمام أهل السنة ثبّته الله سبحانه وتعالى في محنة خلق القرآن مع المأمون.
من تلامذته : ابنه عبد الله المتوفى سنة 290هـ.، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ، المشهور بالأثرم المتوفى سنة 273هـ.
وله من الكتب :
"المسند" الشهير.
وكتاب "الأشربة".
وكتاب "الرد على الزنادقة والجهمية".
وكتب "السؤالات" .
وكتاب "العلل ومعرفة الرجال".
هذه المذاهب الأربعة هي التي استقر عليها أتباع المذاهب في عصر ما بعد الأئمة لأن هناك مذاهب أخرى لم تبق، بل اندثرت ولا نعرف اليوم من أتباعها إلا النزر اليسير؛
مذهب الأوزاعية نسبة إلى عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو: يحمد الشامي الدمشقي ، أبي عمرو الأوزاعي توفي سنة 157 هـ.
ومذهب الثورية نسبة إلى سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري توفي سنة 161هـ
منها مذهب داود بن علي الظاهري المتوفى سنة 270هـ.
وغيرها من المذاهب التي لم يكتب الله سبحانه وتعالى لها البقاء، ولم يبق ويستقر بين الناس إلا هذه المذاهب الأربعة المشهورة عند أهل السنة والجماعة.
وأتباع المذهب الظاهري قليل، ومرجعهم فيه كتاب "المحلى" لابن حزم!
وهناك مذاهب لا تمثل أهل السنة والجماعة؛ مثل مذهب الشيعة الزيديه، ومذهب الشيعة الجعفرية، ومذهب الأباضية، وغيرها من المذاهب.
العنصر السادس : أسباب اختلاف العلماء
فإن قيل : أليس الكتاب والسنة والإجماع والقياس هي أصول هذه المذاهب؟
الجواب : بلى.
فإن قيل: لِمَ اختلفت هذه المذاهب ؟
أقول : مسائل الفقه على نوعين :
النوع الأول : مسائل فقه ظهر فيها الدليل الذي يلزم أتباعه.
فهذه المسائل يلزم كل من وقف على الدليل فيها أن يصير إليه وأن لا يخالفه.
النوع الثاني : مسائل فقهيه اجتهادية لم يظهر فيها الدليل الذي يلزم المصير إليه، إمّا لتجاذب الأدلة أوتعارضها، أو لعدم الدليل الظاهر فمبناها على الاجتهاد في القياس أو في مراعاة المصلحة ونحو ذلك.
هذه المسألة يسع فيها الاختلاف، وهي المقصودة في قول العلماء: لا إنكار في مسائل الخلاف.
و نظر العالم في المسألة يمر بأربع خطوات :
الخطوة الأولى : النظر في ثبوت الدليل.
الخطوة الثانية : النظر في دلالة الدليل.
الخطوة الثالثة : النظر في كون الدليل محكم غير منسوخ.
الخطوة الرابعة : النظر في سلامة الدليل من المعارض.
وإذا علم ذلك، فإن أسباب اختلاف العلماء في المسائل ترجع إليها؛
فتارة يكون سبب اختلاف العلماء اختلافهم في ثبوت الدليل؛
فإذا لم يثبت لديه الدليل بما تقوم به الحجة فإنه لا يأخذ به.
أو أن الدليل لم يبلغه أصلاً .
أو اختلفوا في كونه في حيز القبول أو الرد. فمن رآه مقبولاً عمل به، ومن رآه مردوداً لم يعمل به.
أو أن العالم لم يستحضره وقت الفتوى.
وتارة يكون سبب الخلاف بين العلماء اختلافهم في دلالة الدليل؛
كأن يبلغ الدليل العالم و لكن رأى في معناه معنى غير الذي يراه العالم الآخر فلم تستقم له دلالة الدليل على المسألة.
أو يكون في الحديث ما يحتمل تعدد وجهات النظر، ولا مرجح يستحضره العالم!
وتارة يكون بسبب أن الدليل غير محكم؛
أو يظنه العالم منسوخاً ، وهو غير منسوخ.
أو يختلفوا في الناسخ.
وتارة يكون بسبب وجود ما يعارض الدليل بحسب فهم العالم.
أو كان له في اجتهاده أمر يعارض الاستدلال بهذا الدليل كمن يرى تقديم النص المتواتر على غيره مطلقاً، أو له شروط في مواضع من الاستدلال بحسب اختلافهم في أصول الفقه.
والحاصل أن أسباب الخلاف بين العلماء تعود إلى هذه الأمور الأربعة!
وللبطليوسي كتاب " التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم"، وهو كتاب نافع نفيس جداً.
ولابن تيمية رحمه الله له رسالة نافعة بعنوان "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" بيّن فيها تسعة من أسباب اختلاف العلماء.
وللشاطبي في كتابه "الموافقات" فصولاً في ذكر شيء من هذا الباب. ولشاه ولي الله الدهلوي رسالة بعنوان "أسباب اختلاف الفقهاء"، وهي مطبوعة مفردة ومطبوعة ضمن كتابه "حجة الله البالغة".
الحاصل أن أسباب اختلاف العلماء تعود إلى هذه الأمور الأربعة التي ذكرنها ومن شاء البسط والتوسع فيها فليرجع إلى هذه الكتب ، والله الموفق.
العنصر السابع: موقف المسلم من الاختلاف .
ماذا يفعل المسلم أمام اختلاف العلماء؟
أقول: المسلم لا يخلو الحال فيه من أن يكون مجتهداً أو متبعاً أو عامياً.
المجتهد هو من يستطيع أن ينظر في الدليل ويستنبط المسألة ويعرف أقوال العلماء واختلافهم ويحسن النظر والإيراد؛
وإما أن يكون مجتهداً مطلقاً، وهذا النوع يمثله الأئمة الأربعة، وبعض كبار أئمة السلف مثل البخاري والترمذي ونحوهم من أهل العلم.
وأما أن يكون مجتهداً مقيداً بأصول مذهب من المذاهب المعروفة الموجودة.
فمن كان في رتبة الاجتهاد فلا يجوز له أن يأخذ بقول عالم من العلماء في مسألة مختلف فيها، و الواجب عليه أن ينظر في المسألة وفي أدلتها ويعمل بما أدى إليه اجتهاده.
والمتبع من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، لكنه يحسن النظر في الدليل ويحسن معرفة الدليل، ويمكنه أن يأخذ المسألة بدليلها، ويختلف عن المجتهد أنه ليس لديه معرفة بعامة الأقوال، ومنازعها، ووجهات الاستدلال، وما يتعلق بها، فهذا يلزمه أن لا يأخذ من المسائل إلا ما عرف دليله وتبين له دليله.
و العامي، الذي لا يحسن العلم أصلاً، فهذا مذهبه مذهب مفتيه، عند العلماء، لكن عليه نصيبه من الاجتهاد بما يناسب حاله فهو لا يُطالب بأن ينظر في المسائل وفي الأدلة، إنما يطالب إذا احتاج للسؤال عما لا يعلمه بأمور، وهي التالية:
الأول : أن يسأل من يثق بعلمه من أهل الذكر.
الثاني : أن يرجح بين هؤلاء العلماء عند الاختلاف من يراه أورع وأتقى وأكثر علماً من الآخرين.
فإذا رأى العامي اختلاف في مسألة نظر بين العلماء من أكثرهم علماً وتقوى وأكثرهم ورعاً والمشهود له؛ فهذا يسأله و يأخذ بقوله في المسألة التي نزلت به، ولا يجوز له غير ذلك، فإنه إن فعل غير ذلك فإنه جعل دينه تبعاً لهواه وتبعاً لما يترخّص به، ومن تتبع رخص الفقهاء أفسد دينه. والله عزوجل يقول: ]فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (النحل: من الآية43). والمقصود بالنهي عن تتبع الرخص هو ما جاء من ذلك عن العلماء بسبب اختلافهم، لا ما ثبت أنه رخصة بالشرع! فالعامي الذي يتتبع فتوى من يرخص له، و لا ينظر بحسب الأعلم والأورع والأتقى والمشهود له، هو محل النهي المقصود هنا، لأنه بهذه الصفة صار متبعاً لهواه، والله تعالى يقول: ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[ (القصص: من الآية50)، ويقول سبحانه: ]أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ[ (الجاثـية:23).
وقال سليمان التيمي : "إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله"([44]).
وَمِمَّا يُحْكَى : أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ ، وَذَهَبَ بِهِ إلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ ، فَعَرَضَهُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْيَانِ ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَذِهِ زَنْدَقَةٌ فِي الدِّينِ ، وَلَا يَقُولُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ"([45]).
ومما تقدم تعلم أن ما يقوله بعض الناس: المسألة إذا كانت خلافيه يجوز لكل إنسان أن يأخذ بالذي يهواه والذي يعجبه!
هذا لا يجوز، وليس على هذا أهل العلم، ولم يكن الاختلاف عندهم حجة، ولا محلاً للاتباع في يوم من الأيام كما ذكر ذلك ابن عبد البر النمري رحمه الله في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"، حيث قال رحمه الله: "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ، ولا حجة في قوله"اهـ([46]).
بل على العامي في مثل هذه الحال، الرجوع إلى من يثق في علمه وورعه، ويفاضل بينه وبين غيره بحسب ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك ينظر ما يطمئن إليه قلبه المتجرد لطاعة الله تعالى.
قال ابن عبدالبر النمري (ت463هـ) رحمه الله: " والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول على الصواب منها وذلك لا يعدم فإن استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة ، فإذا لم يبن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين فإن اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يجوز للعامة من التقليد واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول بما يعضده قوله e : "البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في الصدر فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك"([47]).
هذا حال من لا ينعم النظر ولا يحسنه وهو حال العامة التي يجوز لها التقليد فيما نزل بها وأفتاها بذلك علماؤها .
وأما المفتون فغير جائز عند أحد ممن ذكرنا قوله لأحد أن يفتي ولا يقضي إلا حتى يتبين له وجه ما يفتي به من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو ما كان في معنى هذه الأوجه"اهـ([48]).
قال الشاطبي رحمه الله: "الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيدا بما هو جار على أصولها؛ وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، ... ،
ثم نقول: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه ومضاد أيضا لقوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[، وموضع الخلاف موضع تنازع؛
فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس وإنما يرد إلى الشريعة وهى تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض"اهـ([49]).
العنصر الثامن : ما حكم الالتزام بمذهب من المذاهب؟
أقول : لا يجب على المسلم الالتزام بمذهب من المذاهب، إنما مذهب المسلم العامي هو مذهب مفتيه فما أفتاه به المفتي هو الذي يلزمه الأخذ به لا يجوز له أن يحد نفسه على مذهب من المذاهب أو أن يلزم نفسه بمذهب من المذاهب.
نعم ، إن كان هذا المذهب هو الأكثر انتشاراً في بلده أو كان علماء هذا المذهب هم الأكثر في بلده فلا مانع أن يأخذ بفتاوى علماء البلد ، لكن لا يجوز له أن يُلزم نفسه إلزاماً بأن يتبع هذا المذهب دون غيره أو أن يرى في نفسه أنه لا يسعه إلا أن يأخذ بهذا المذهب؛ لأن الواجب عليه أن يتبع الرسول e؛
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض"([50]).
فذكر e أن النجاة من الضلال وسبيل الهداية هو بالتمسك بالكتاب وبالسنة.
وأنه لا يسع المسلم إلا أن يتابع كتاب الله وسنة رسول الله e، وهذا الذي ينبغي عليه أن يكون شعار المسلم.
وفي الحديث عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ؛
فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"([51]).
العنصر التاسع : مهمات ومسائل
أذكر بعض الأمور التي تتعلق بما سبق، ويحتاج إليها الطالب:
أولا: على طالب الفقه أن يتنبه إلى أنه ليس معنى كلامنا في لزوم الأخذ بالكتاب والسنة أنه لا يجوز له أن يدرس الفقه على مذهب من المذاهب!
لا ، بل لا يسع طالب العلم اليوم أن يدرس الفقه وأن يتعلمه إلا عن طريق مذهب من هذه المذاهب الموجودة، لأن هذه المذاهب قد استقرت كتبها، وعرفت أصولها، ولها شروح، ولها مؤلفات في الكثير من الجوانب العلمية المتعلقة بها، وإذا درس الطالب الفقه عن طريق أي مذهب من هذه المذاهب فإن طريقته في طلب الفقه صحيحة، ولكن بشرط واحد وهو أنه إذا تبين له أن المذهب على خلاف الدليل يلزمه اتباع الدليل وترك المذهب.
ثانياً : على طالب العلم إذا أراد أن يطلب الفقه على أي مذهب من هذه المذاهب أن يتحرى كتب المذاهب المعتمدة فإن لكل مذهب كتباً فقهيه معتمده دون غيرها، ولكل مذهب كتب تبين ما يتعلق به من مصطلحات؛ من ذلك:
"الطليحة" وهي نظم في المعتمد من الأقوال والكتب في المذهب المالكي لمحمد النابغة الغلاوي الشنقيطي (ت1245هـ) رحمه الله.
"شرح المنظومة المسماة بعقود رسم المفتي" لابن عابدين مطبوع ضمن رسائل ابن عابدين (ت1252هـ) رحمه الله يبين لك كتب ظاهر الرواية عند الحنفية ومصطلحهم، وما يتعلق بهم لمن أراد أن يطلب المذهب الحنفي.
"مقدمة المجموع شرح المهذب" للإمام النووي (ت676هـ) رحمه الله تبين لك ما يتعلق بالمذهب الشافعي وكتبه واصطلاحه والأمور التي يحتاجها طالب الفقه على المذهب الشافعي.
كتاب "المدخل إلى مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل" لابن بدران (ت1346هـ) رحمه الله، يبين لك كتب المذهب الحنبلي المعتمدة، واصطلاح المذهب وما يحتاجه من أراد أن يطلب الفقه على طريقة المذهب الحنبلي.
هذه الكتب مهمة لمن أراد أن يطلب الفقه على أي مذهب من هذه المذاهب.
ثالثاً : هل الأفضل لطالب العلم أن يدرس الفقه على هذه المذاهب أو يدرس على كتب عُرفت بعدم التزام مذهب؟ مثل كتب الشوكاني (ت1250هـ) رحمه الله، ونحوها؟
الجواب : الذي أفضله لطالب العلم أن يدرس الفقه على مذهب من هذه المذاهب الأربعة، ولا مانع أن يستفيد من كتب الشوكاني وغيره، لأن هذه المذاهب قد استقرت وخدمت، وعرفت أصولها وفروعها، و لها شروح تبين كل جزئية وفرعية موجودة فيها، بينما كتب الشوكاني لا تجد فيها هذا. وأنت في الحقيقة لما تدرس الفقه على كتب الشوكاني أو غيره ممن عُرف بإتباع الدليل، إنما تدرس الفقه على طريقة هذا الذي صنفها، فأيهما أولى أن تدرس على طريقة الشوكاني و غيره، أو على طريقة الإمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل؟!
نعم استفد من كتب الشوكاني استفد من كتب صديق خان رحمهما الله، وغيرهما ممن ألف متبعاً الدليل بحسب اجتهاده، وأجعل أصلك في دراسة الفقه كتب أحد المذاهب المتبوعة، لما تقدّم!
ولو سألتني ما الذي أختاره لك من المذاهب؟
أقول : المذهب الحنبلي أو المذهب الشافعي فإنهما يعتبران من المذاهب المخدومة والمتيسرة كتبها، والسهلة المأخذ، والتي لها مشايخ كثر يقررونها في كثير من البلاد، فإن كنت في بلد مشايخه أحناف أو مالكية فأدرس الفقه على المذهب الذي عليه مشايخ أهل بلدك، لكي تحسن الاستفادة منهم في العلم الذي تطلبه!
وليس في هذا انتقاص لأي مذهب، المهم أن تتحرى في درسك اتباع الدليل وإن خالف المذهب.
رابعاً : عليك أن تنتبه لاصطلاح العلوم ونقل المذاهب وعزوها، فإن من الأمور التي نشتكي منها عدم تمييز اصطلاح العلوم، فتجد من لا يميز اصطلاح علم الفقه عن علم الحديث فيأتي إلى المسألة في علم الفقه تتعلق بالحديث فيذكرها على طريقة المحدثين لا الفقهاء، أو بالعكس يأتي للمسألة في كتب المحدثين فيذكرها على طريقة الفقهاء لا المحدثين!
خامساً : نبه الشاطبي في فتاواه([52]) وغيره من أهل العلم كابن الصلاح في فتاواه([53]) أنه لا يجوز للعامي أن يهجم على كتب الفقه أو يهجم على الفتاوى التي أفتى بها العلماء وينزلها على نفسه ؛ لأنه لم يبلغ الدرجة العلمية التي تؤهله لفهم كلام العلماء الفهم الصحيح حتى ينزله على حادثته وواقعته التي وقعت له وهذه من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس!
فقد يكون للعالم في كلامه أو في فتواه أمور بنى عليها لم يبلغ علم العامي إليها، وقد تكون حيثيات في الحكم لا ينتبه إليها العامي!
والواجب على العامي أن يرجع إلى العلماء الذين يثق في علمهم وفي فضلهم وأن يتبع كلامهم .
قال الشاطبي (ت790هـ) رحمه الله: "لا يحل للعامي الذي لم يقرأ كتاباً و لا سمع فقهاً أن يأخذ كتب الفقه فيقريها لنفسه، ويفتي بما حصل منها على علمه"اهـ([54]).
هذا الذي حضرني في هذا الموضوع المتعلق بمقدمات في علم الفقه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك لي ولكم فيما سمعنا وفيما علمنا وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

([1]) سنن الدرامي المقدمة، باب من قال العلم الخشية وتقوى الله، تحت رقم (294)، وإسناده حسن.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ، حديث رقم (8)، ومسلم في أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب أركان الإسلام ودعائمه العظام حديث رقم (16)، من حديث ابن عمر t.

([3]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، لا تقبل صلاة بغير طهور، تحت رقم (6554)، ومسلم في كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة رقم (225)، من حديث أبي هريرة t.

([4]) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، حديث رقم (360).

([5]) حديث متواتر، انظر نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص35.

([6]) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب باب فضل الاجتماع لتلاوة القرآن، حديث رقم (2699).ولفظه "عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله r: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

([7]) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، حديث رقم (71)، وأطرافه (بحسب موسوعة حرف): (3116 ، 5645 ، 7312 ) ، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، حديث رقم (1037)، من حديث معاوية t.

([8]) أخرجه ابن عبد البر فِي جامع بيان العلم وفضله (2/ 29).

([9]) أخرجه الخطيب البغدادي فِي تقييد العلم (ص 106، 107)، وابن عبد البر فِي جامع بيان العلم وفضله (1/76, 77) بواسطة تعليق: الأخ محمد ناصر العجمي على بيان فضل علم السلف (ص 69).

([10]) أخبار أبي حنيفة للصيمري (ص 10) عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، إيقاظ همم أولي الأبصار (ص 70).

([11]) ترتيب المدارك (1/ 193).

([12]) المدخل إلَى السنن الكبرى (ص 110).

([13]) المسودة (ص 276).

([14]) أخرجه ابن عبد البر فِي جامع بيان العلم وفضله (2/ 61).

([15]) أخرجه ابن عبد البر فِي جامع بيان العلم وفضله (2/ 26).

([16]) من مقدمة كتابه المبارك رخمه الله (صفة صلاة النبي e كأنك تراها من التكبير إلى التسليم)، وقد نقلته بهوامشه وعزوه منه.

([17]) ابن عابدين في"الحاشية" (1/63).

([18]) ابن عابدين في"حاشيته على البحر الرائق" (6/293).

([19]) الفلاني في الإيقاظ ص 50.

([20]) ابن عبد البر في الجامع (2/32).

([21]) ابن عبد البر في الجامع (2/91).

([22]) مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31-32.

([23]) تاريخ دمشق لابن عساكر (15/1).

([24]) الفلاني ص68.

([25]) النووي (1/63).

([26]) النووي (1/63).

([27]) الخطيب في الاحتجاج بالشافعي (8/1).

([28]) أبو نعيم في الحلية (9/107).

([29]) ابن عساكر بسند صحيح (15/10/1).

([30]) ابن عساكر بسند صحيح (15/9/2).

([31]) مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (93-94).

([32]) ابن القيم في إعلام الموقعين (2/302).

([33]) أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276-277.

([34]) ابن عبد البر في الجامع (2/149).

([35]) ابن الجوزي في المناقب ص 182.

([36]) ما بين المعقوفتين من تدريب الراوي (1/85-86)، الشاملة.

([37]) الإرشاد للخليلي (1/421)، الشاملة.

([38]) من مقدمة معالم السنن (شرح سنن ابي داود) للخطابي

([39]) فتح الباري (1/11) .

([40]) تنوير الحوالك (1/9) .

([41]) في كتاب العلم باب ما جاء في عالم المدينة، حديث رقم (2680). قَالَ الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ"اهـ، والحديث ضعفه الألباني رحم الله الجميع، ولعل السبب عنعنة ابن جريج وأبي الزبير في السند، وهما موصوفان بالتدليس!

([42]) تعقب في تحفة الأحوذي تفسير الترمذي للعمري وبين أنه ابنه: "عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالله بن عمر".

([43]) سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في عالم المدينة، حديث رقم (2680). وهذا الحديث فُسِّر بتفسير آخر يقتضي أيضاً فضيلة لمالك رحمه الله! التفسير الأول: هو ما ذكرناه لكم أن الله سبحانه وتعالى خص المدينة بعالم سيكون في وقت يضرب الناس فيه آباط الإبل لطلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة، قالوا: هو مالك. التفسير الآخر: إنه في كل وقت يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة، فقالوا: زيد بن ثابت وعائشة ثم بعدهما ابن عمر ثم بعده سعيد بن المسيب ثم بعده الزهري ثم بعده عبيد الله بن عمر ثم بعده مالك وهكذا ، في كل وقت يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة. وعلى التفسير الثاني: يكون في كل زمان هناك خصوصية لعالم في المدينة، وهذا في زمننا من أظهر ما يكون سبحان الله ! إذ إنه لا يوجد في هذا الوقت من يتكلم في مسائل المنهج ومسائل الجماعات والمخالفات مثل ما يوجد من علماء المدينة حتى صار الناس يعدون الكلام في الجماعات والطوائف والأحزاب، يقولون: هذا من أهل المدينة. وعلى هذا التفسير الثاني، هذه فضيلة مستمرة لعلماء المدينة: أنه في كل زمان سيكون هناك وقت يوشك أن يضرب الناس فيه آباط الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة. فعلى هذا التفسير الثاني الفضيلة مستمرة. وعلى التفسير الأول الفضيلة خاصة بالإمام مالك بن أنس رحمه الله.

([44]) جامع بيان العلم وفضله (2/92).

([45]) شرح الكوكب المنير (3/97)، الشاملة.

([46]) جامع بيان العلم وفضله (2/89).

([47]) أخرجه أحمد في المسند (الميمنية 4/194)، والطبراني في الكبير الطبرانى (22/219 ، رقم 585)، وفي مسند الشاميين (1/444)، وقال في مجمع الزوائد (1/214): "رواه أحمد والطبراني في الصحيح طرف من أوله ورجاله ثقات"اهـ. وصححه الأرنؤوط تحقيق المسند الرسالة تحت رقم (17777)، والألباني في صحيح الجامع الصغير.

([48]) جامع بيان العلم وفضله (2/80-81).

([49]) الموافقات (4/145).

([50]) أخرجه الدارقطني في سننه (4/245)، المستدرك (علوش 1/284، تحت رقم 324)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/114)، وقال في مجمع الزوائد (9/163): " رواه البزار وفيه صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف"اهـ. ولفظ الحديث عند الحاكم: "عن أبي صالح عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". قلت: في السند عند جميعهم صالح بن موسى، لكن أورد الحاكم والبيهقي في الموضع نفسه عن ابن عباس حديثاً جاء فيه : "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه e"، وهو شاهد صالح. وجاء في الموطأ في كتاب الجامع باب النهي عن القول بالقدر: "عَنْ مَالِك: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ". فالحديث يرتقي إن شاء الله إلى درجة الحسن لغيره.

([51]) أخرجه أحمد في مسنده (4/126)، والدارمي في مقدمة سننه باب اتباع السنة، والترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ r نَحْوَ هَذَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ r نَحْوَهُ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ يُكْنَى أَبَا نَجِيحٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ r نَحْوَهُ"، وابن ماجة في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، تحت رقم (42، 44). قلت: هو حديث صحيح لغيره.

([52]) ص176.

([53]) (1/16) الشامل
([54]) فتاوى الشا ملة(محاضرة ا لقيت في مساء الاثنين 19/6/1429هـ، عبر موقع الدروس السلفية الذي يشرف عليه أبو زيــاد خــالد باقيس جزاه الله

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
محمدبازمول, نشأة, أصول, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013