منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 Dec 2014, 11:18 AM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي قواعد مهمة تدور عليها رحى العبودية

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تقدم في المقالة السابقة ذكر الأمور التي تستوجب منا عبادة ربنا، وطاعته سبحانه ما بقينا وحيينا، وكنت قد وعدت إخواني أن أتبعها بمقالة أخرى يأتي فيها ذكر الأمور التي نتعبد لله سبحانه بها، ونتقرب منه بتحقيقها والاستقامة عليها، وسيتم ذلك إن شاء الله بالإجابة على ذلكم السؤال الثاني وهو: بماذا نعبد الله؟

والجواب عليه سيكون مجملا ومفصلا:

1- أما الجواب المجمل فهو: أننا نعبد الله بدينه الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم؛ باعتقاد عقائده، والقيام بعباداته، والتأب بآدابه، والتعامل بمعاملاته.

2- وأما الجواب المفصل فهو: نعبده جل وعلا بما تعبدنا به سبحانه وتعالى وألزمنا القيام به بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا، فهناك عبادات قلبية ولسانية وبدنية تعبدنا الله بها؛ وذِكرها بأكملها لا يتيسر في مقالات متعددة فضلا عن مقالة واحدة؛ ولذلك سأذكر أمثلة منها ضمن القواعد المتعلقة بها، تلكم القواعد التي ينبغي لكل مسلم أن يعرفها؛ لأن العبادة لا تكون عبادة إلا بها، ولا تكون نافعة لصاحبها إلا إذا تحققت فيها وهي:

1- القاعدة الأولى: أي عبادة يتعبد العبد بها لربه سواء كانت قلبية أو لسانية أو بدنية لابد أن تكون خالصة لله:

- ومعنى إخلاصها لله أن لا يصرف العبد أي شيء منها ولا أي نوع من أنواعها لغيره سبحانه، قَالَ اللهُ تَعَالَى:" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)" سورة البينة. وَقَالَ تَعَالَى:" فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ" سورة الزمر من الآية 2 ومن الآية 3.

2- القاعدة الثانية: أي عبادة يتعبد العبد بها لربه سواء كانت قلبيه أو لسانية أو بدنية لابد أن تكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم:

- قال الله تعالى:" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)" سورة آل عمران، وقال تعالى:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)"سورة الأحزاب. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:"مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى" رواه البخاري رحمه الله.

- وعن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية - رضي الله عنه - قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رسولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا، قَالَ:" أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة ". رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ:"حديث حسن صحيح" وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة وغيرها.

ولأجل هذا فأي عبادة لا تقع على سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا على سنة صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم فهي مردودة على صاحبها يردها الله سبحانه ولا يقبلها:

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" متفق عليه. وفي رواية للإمام مسلم عنها أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
3- القاعدة الثالثة: أي عبادة يتعبد العبد بها لربه سواء كانت قلبية أو لسانية أو بدنية لابد أن يستعين العبد على فعلها والإتيان بها بالله جل وعلا وحده:

قال الله تعالى:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)" سورة الفاتحة.

وقرنت العبادة بالاستعانة لأنها لا يمكن أن تتم إلا بها ولا تتحقق إلا بوجودها.

- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ج1 ص36[1]: فالأمر كله له، والحمد كله له، والملك كله له، والخير كله في يديه، لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثني على نفسه، وفوق ما يثني عليه كل أحد من خلقه، ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)" سورة الفاتحة، فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب لكن على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب؛ فالأول: من معنى ألوهيته. والثاني: من معنى ربوبيته. فإن الإله هو الذي تألهه القلوب: محبة وإنابة وإجلالا وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا، والرب هو الذي يربي عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالحه، فلا إله إلا هو، ولا رب إلا هو، فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل، فكذلك إلهية ما سواه.

وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع من كتابه كقوله:"فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" سورة هود من الآية 123، وقوله عن نبيه شعيب:"وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" سورة هود من الآية 88، وقوله :" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ " سورة الفرقان من الآية 58، وقوله:" وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) " سورة المزمل من الآية 7 والآية 8، وقوله :"قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" سورة الرعد من الآية 30، وقوله عن الحنفاء أتباع إبراهيم عليه السلام :"رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" سورة الممتحنة من الآية 4.

فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين لمعنيي التوحيد اللذين لا سعادة للعبد بدونهما ألبتة" انتهى.

ولأجل أهمية الاستعانة بالله على تحقيق العبودية له أمر الله بها، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ بها عند قصدهم لمصالحهم الدينية والدنيوية فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:" الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" رواه مسلم.

4- القاعدة الرابعة: أي عبادة يتعبد العبد بها لربه سواء كانت قلبية أو لسانية أو بدنية لابد أن يتقدمها علم يصححها، ويعين على معرفة حقيقتها وشروطها وأركانها وكل ما يتعلق بها؛ حتى يوقعها العبد على الهيئة التي أمره ربه سبحانه أن يوقعها عليها:

- ومن الأدلة التي تشير إلى وجوب تقدم العلم على القول والعمل، وأنهما ينبنيان عليه ولا يصحان إلا به:

قول الله تعالى:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)" سورة محمد.

ولهذا استقر عند علماء السنة الأمر به والترغيب فيه؛ قبل أن يخوض العبد في أي عبادة من العبادات التي تجب عليه أو تستحب في حقه، بل يؤمر العبد به في شأنه كله لأنه سبيل لمعرفة المشروع من الممنوع، والمباح من المحرم، والمقبول من المردود.

ومما يدل على عناية أهل السنة بهذا المنهج وحرصهم على بيانه للناس ما جاء في كتبهم واشتملت عليه مصنفاتهم من كلمات تدل على أن العلم يتقدم القول والعمل، بل ومن أبواب علمية تقرر هذا المعنى عند المسلمين وتؤكده حتى لا يقع منهم الخلل والزلل.

فمن ذلكم صنيع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حيث بدأ في أول رسالته الثلاثة الأصول عند ذكره للمسائل الأربعة التي يجب على كل مسلم معرفتها بالعلم فقال رحمه الله:

اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:

المسألة الأولى: العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.

المسألة الثانية: العمل به.

المسألة الثالثة: الدعوة إليه.

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه.

ثم بعد أن ذكرها وعلى هذا النسق رتبها، عاد - بعد ذكر الدليل عليها - ينبه على سبب تقديمه للعلم على المسائل الأخرى بأكملها؛ بذكر كلام للإمام البخاري في صحيحه فقال: وقال البخاري رحمه الله: بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ" فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ.

ومما يجدر التنبيه عليه أن الإمام البخاري لم يذكر في آخر تبويبه إلا كلمة "فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ" أما الجملة التي بعدها وهي"قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ" فهذه غير موجودة في صحيح البخاري وإضافة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لها يكون على وجهين كما نبه عليه بعض العلماء: إما أنه اطلع عليها في بعض نسخ صحيح البخاري التي وصلت إليه ولم تصل إلينا، وإما أنه أضافها من عنده زيادة في البيان والتوضيح.

والذي يهمنا الآن أن الإمام محمد بن عبد الوهاب ومِن قبله الإمام البخاري رحمهما الله قد نبها بهذا الباب على وجوب تقديم العلم على قول وعمل.

وقد تقدمهما في التنبيه على هذا المعنى الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: فعن أبي سهل المدايني، قال: قال سفيان، وسأله رجل فقال: يا أبا محمد! العلم أفضل أو العمل؟ قال: العلم أما تسمع قول الله عز وجل:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ" فبدأ بالعلم قبل العمل. رواه البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان رقم 1571[2].

- حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا أبي، حدثنا أبو طاهر سهل بن عبد الله قال: أنبأنا بعض أصحابنا، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي الطرسوسي قال: سئل سفيان بن عيينة، عن فضل العلم، فقال: ألم تسمع إلى قوله حين بدأ به فقال:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ". ثم أمره بالعمل، فقال:"وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ". وهو شهادة أن لا إله إلا الله لا يُغفر إلا بها من قالها غفر له[3]، وقال:"قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ" سورة الأنفال من الآية 38، وقال:"وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" سورة الأنفال من الآية 33، يوحدون، وقال:"اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا" سورة نوح من الآية 10، يقول: وحدوه. والعلم قبل العمل ألا تراه قال:" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا" سورة الحديد من الآية 20، إلى قوله:"سَابِقُوا[4] إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا" سورة الحديد من الآية 21، ثم قال:"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ" سورة الأنفال من الآية 28[5]، ثم قال:"فَاحْذَرُوهُمْ" سورة التغابن من الآية 14[6]. بعد وقال:"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" سورة الأنفال من الآية 41. ثم أمر بالعمل به[7]" رواه أبو نعيم في حلية الأولياء[8].

5- القاعدة الخامسة: ليس للعبادة زمن محدد تنتهي إليه وتتوقف عنده بل العبد ملزم بعبادة ربه إلى أن تفارق روحُه جسدَه:

- قال الله تعالى:" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)" سورة الحجر. واليقين هنا هو الموت؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ج1 ص152[9]: فإن الله عز وجل أمره ( أي: الرسول صلى الله عليه وسلم ) وأمر سائر رسله بعبادته إلى حين انقضاء آجالهم فقال:" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)" سورة الحجر. وهو الموت بالإجماع كما قال في الآية الأخرى عن الكفار:"وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)" سورة المدثر، وقال صلى الله عليه وسلم: "أما عثمان بن مظعون فقد جاءه اليقين من ربه" قاله لما مات عثمان، وقال المسيح:"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)" سورة مريم، فهذه وصية الله للمسيح وكذلك لجميع أنبيائه ورسله وأتباعهم قال الحسن: لم يجعل الله لعبده المؤمن أجلا دون الموت" انتهى.

- وقال الله تعالى:" وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)" سورة البقرة.

- وقال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)" سورة آل عمران.

والآيتان المتقدمتان فيهما الأمر بالاستقامة على الإسلام والدوام عليه إلى غاية محددة وهي الموت الذي لابد لكل عبد أن يلاقيه.

- عن سفيان بن عبد الله الثقفي أنه قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك وفي رواية: غيرك قال:" قل: "آمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.

قال الإمام النووي عند شرحه لهذا الحديث: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّه: هَذَا مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُطَابِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى:"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقَامُوا" أَيْ وَحَّدُوا اللَّه، وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ اِسْتَقَامُوا فَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ التَّوْحِيد، وَالْتَزَمُوا طَاعَته سُبْحَانه وَتَعَالَى إِلَى أَنْ تُوُفُّوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيث إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.

- خلاصة نفيسة من كلام ابن القيم رحمه الله:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ج 1 ص101[10]:" فلا ينفك العبد من العبودية ما دام في دار التكليف، بل عليه في البرزخ عبودية أخرى لما يسأله الملكان "من كان يعبد؟ وما يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" ويلتمسان منه الجواب.

وعليه عبودية أخرى يوم القيامة، يوم يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود، فيسجد المؤمنون، ويبقى الكفار والمنافقون لا يستطيعون السجود، فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف هناك، وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحا مقرونا بأنفاسهم لا يجدون له تعبا ولا نصبا" انتهى.

6- القاعدة السادسة: هي ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله من قواعد العبودية التي من كملها كمل مراتب العبودية بأكملها حيث قال رحمه الله في مدارج السالكين ج 1 ص 104[11] وما بعدها بنوع من الاختصار والتصرف:"

ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية.

وبيانها: أن العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه.

والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.

فواجب القلب: منه متفق على وجوبه ومختلف فيه.

فالمتفق على وجوبه: كالإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والرجاء والتصديق الجازم والنية في العبادة.....

واتفقت الأمة على وجوب هذه الأعمال على القلب من حيث الجملة.....

وكذلك الصبر واجب باتفاق الأمة....

وأما المختلف فيه فالكرضا فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية

والقولان لأصحاب أحمد.....

وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني وأما الرضا به ربا وإلها والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته بل لا يصير العبد مسلما إلا بهذا الرضا: أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.....

والقصد أن هذه الأعمال واجبها ومستحبها هي عبودية القلب فمن عطلها فقد عطل عبودية المَلِكِ وإن قام بعبودية رعيته من الجوارح.

والمقصود: أن يكون مَلِكُ الأعضاء وهو القلب قائما بعبوديته لله سبحانه هو ورعيته.

وأما المحرمات التي عليه: فالكبر والرياء والعجب والحسد والغفلة والنفاق وهي نوعان: كفر ومعصية.

فالكفر: كالشك والنفاق والشرك وتوابعها.

والمعصية نوعان: كبائر وصغائر.

فالكبائر: كالرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والفرح والسرور بأذى المسلمين والشماتة بمصيبتهم ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله وتمني زوال ذلك عنهم وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريما من الزنا وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها والتوبة منها وإلا فهو قلب فاسد وإذا فسد القلب فسد البدن.

وهذه الآفات إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب وترك القيام بها.

فوظيفة "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" على القلب قبل الجوارح فإذا جهلها وترك القيام بها امتلأ بأضدادها ولابد وبحسب قيامه بها يتخلص من أضدادها.

وهذه الأمور ونحوها قد تكون صغائر في حقه وقد تكون كبائر بحسب قوتها وغلظها وخفتها ودقتها.

ومن الصغائر أيضا: شهوة المحرمات وتمنيها، وتفاوت درجات الشهوة في الكبر والصغر بحسب تفاوت درجات المشتهى؛ فشهوة الكفر والشرك: كفر، وشهوة البدعة: فسق، وشهوة الكبائر: معصية، فإن تركها لله مع قدرته عليها أثيب، وإن تركها عجزا بعد بذله مقدوره في تحصيلها: استحق عقوبة الفاعل لتنزيله منزلته في أحكام الثواب والعقاب، وإن لم ينزل منزلته في أحكام الشرع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ" فنزله منزلة القاتل لحرصه على قتل صاحبه في الإثم دون الحكم وله نظائر كثيرة في الثواب والعقاب.

وقد علم بهذا مستحب القلب ومباحه.

فصل

وأما عبوديات اللسان الخمس:
- فواجبها: النطق بالشهادتين، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن؛ وهو ما تتوقف صحة صلاته عليه، وتلفظه بالأذكار الواجبة في الصلاة التي أمر الله بها ورسوله كما أمر بالتسبيح في الركوع والسجود، وأمر بقول:"رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" بعد الاعتدال، وأمر بالتشهد، وأمر بالتكبير.

ومن واجبه: رد السلام وفي ابتدائه قولان.

ومن واجبه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وأداء الشهادة المتعينة، وصدق الحديث.

- وأما مستحبه: فتلاوة القرآن، ودوام ذكر الله، والمذاكرة في العلم النافع، وتوابع ذلك.

- وأما محرمه: فهو النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله؛ كالنطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله، والدعاء إليها، وتحسينها وتقويتها، وكالقذف وسب المسلم وأذاه بكل قول، والكذب، وشهادة الزور، والقول على الله بلا علم وهو أشدها تحريما.

- ومكروهه: التكلم بما تركه خير من الكلام به مع عدم العقوبة عليه.

- وقد اختلف السلف: هل في حقه كلام مباح متساوي الطرفين؟

قلت: ورجح الإمام ابن القيم رحمه الله:"... أن حركة اللسان بالكلام لا تكون متساوية الطرفين بل إما راجحة وإما مرجوحة..."....

فصل

وأما العبوديات الخمس على الجوارح: فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضا. إذ الحواس خمسة وعلى كل حاسة خمس عبوديات.

- فعلى السمع:

- وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه من استماع الإسلام والإيمان وفروضهما وكذلك استماع القراءة في الصلاة إذا جهر بها الإمام واستماع الخطبة للجمعة في أصح قولي العلماء.

- ويحرم عليه استماع الكفر والبدع إلا حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة من رده أو الشهادة على قائله أو زيادة قوة الإيمان والسنة بمعرفة ضدهما من الكفر والبدعة ونحو ذلك وكاستماع أسرار من يهرب عنك بسره ولا يحب أن يطلعك عليه ما لم يكن متضمنا لحق لله يجب القيام به أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه.

وكذلك استماع أصوات النساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهن إذا لم تدع إليه حاجة: من شهادة أو معاملة أو استفتاء أو محاكمة أو مداواة ونحوها.

وكذلك استماع المعازف وآلات الطرب واللهو كالعود والطنبور واليراع ونحوها ولا يجب عليه سد أذنه إذا سمع الصوت وهو لا يريد استماعه إلا إذا خاف السكون إليه والإنصات فحينئذ يجب لتجنب سماعها وجوب سد الذرائع....

- وأما السمع المستحب: فكاستماع المستحب من العلم وقراءة القرآن وذكر الله واستماع كل ما يحبه الله وليس بفرض.

- والمكروه: عكسه وهو استماع كل ما يكره ولا يعاقب عليه.

- والمباح ظاهر.

- وأما النظر:

- الواجب: فالنظر في المصحف وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الأعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها ونحو ذلك.

- والنظر الحرام: النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا وبغيرها إلا لحاجة كنظر الخاطب والمستام والمعامل والشاهد والحاكم والطبيب وذي المحرم.

- والمستحب: النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلما والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين والنظر في آيات الله المشهودة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته.

- والمكروه: فضول النظر الذي لا مصلحة فيه فإن له فضولا كما للسان فضولا وكم قاد فضولها إلى فضول عز التلخص منها وأعيى دواؤها وقال بعض السلف: كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.

- والمباح: النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ولا منفعة.....

- وأما الذوق:

- الواجب: فتناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت فإن تركه حتى مات مات عاصيا قاتلا لنفسه قال الإمام أحمد وطاووس:" من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار".

ومن هذا: تناول الدواء إذا تيقن النجاة له من الهلاك على أصح القولين....

- والذوق الحرام: كذوق الخمر والسموم القاتلة والذوق الممنوع منه للصوم الواجب.

- وأما المكروه: فكذوق المشتبهات والأكل فوق الحاجة وذوق الطعام الفجاءة وهو الطعام الذي تفجأ آكله ولم يرد أن يدعوك إليه وكأكل أطعمة المرائين في الولائم والدعوات ونحوها وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن طعام المتبارين"[12] وذوق طعام من يطعمك حياء منك لا بطيبة نفس.

- والذوق المستحب: أكل ما يعينك على طاعة الله عز وجل مما أذن الله فيه والأكل مع الضيف ليطيب له الأكل فينال منه غرضه والأكل من طعام صاحب الدعوة الواجب إجابتها أو المستحب.

وقد أوجب بعض الفقهاء الأكل من الوليمة الواجب إجابتها للأمر به عن الشارع.

- والذوق المباح: ما لم يكن فيه إثم ولا رجحان.

- وأما تعلق العبوديات الخمس بحاسة الشم:

- فالشم الواجب: كل شم تعين طريقا للتمييز بين الحلال والحرام؛ كالشم الذي تعلم به هذه العين هل هي خبيثة أو طيبة؟ وهل هي سم قاتل أو لا مضرة فيه؟ أو يميز به بين ما يملك الإنتفاع به وما لا يملك...

- وأما الشم الحرام: فالتعمد لشم الطيب في الإحرام، وشم الطيب المغصوب والمسروق، وتعمد شم الطيب من النساء الأجنبيات، خشية الافتتان بما وراءه.

- وأما الشم المستحب: فشم ما يعينك على طاعة الله، ويقوي الحواس ويبسط النفس للعلم والعمل، ومن هذا هدية الطيب والريحان إذا أهديت لك؛ ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلاَ يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ".والمكروه: كشم طيب الظلمة وأصحاب الشبهات ونحو ذلك.

والمباح: مالا منع فيه من الله ولا تبعة، ولا فيه مصلحة دينية، ولا تعلق له بالشرع.

- وأما تعلق هذه الخمسة بحاسة اللمس:

- فاللمس الواجب: كلمس الزوجة حين يجب جماعها، والأمة الواجب إعفافها.

- والحرام: لمس ما لا يحل من الأجنبيات.

- والمستحب: إذا كان فيه غض بصره وكف نفسه عن الحرام وإعفاف أهله.

- والمكروه: لمس الزوجة في الإحرام للذة، وكذلك في الاعتكاف، وفي الصيام إذا لم يأمن على نفسه.

ومن هذا لمس بدن الميت لغير غاسله لأن بدنه قد صار بمنزلة عورة الحي تكريما له....

- والمباح: مالم يكن فيه مفسدة ولا مصلحة دينية.

- وهذه المراتب أيضا مرتبة على البطش باليد، والمشي بالرجل وأمثلتها لا تخفى:

- فالتكسب المقدور للنفقة على نفسه وأهله وعياله واجب، وفي وجوبه لقضاء دينه خلاف والصحيح: وجوبه ليمكنه من أداء دينه، ولا يجب لإخراج الزكاة وفي وجوبه لأداء فريضة الحج نظر والأقوى في الدليل: وجوبه لدخوله في الاستطاعة وتمكنه بذلك من أداء النسك والمشهور عدم وجوبه.

ومن البطش الواجب: إعانة المضطر، ورمي الجمار، ومباشرة الوضوء والتيمم.

- والحرام: كقتل النفس التي حرم الله قتلها، ونهب المال المعصوم، وضرب من لا يحل ضربه، ونحو ذلك، وكأنواع اللعب المحرم بالنص كالنرد، أو ما هو أشد تحريما منه عند أهل المدينة كالشطرنج، أو مثله عند فقهاء الحديث كأحمد وغيره، أو دونه عند بعضهم، ونحو كتابة البدع المخالفة للسنة تصنيفا أو نسخا إلا مقرونا بردها ونقضها، وكتابة الزور والظلم، والحكم الجائر، والقذف، والتشبيب بالنساء الأجانب، وكتابة ما فيه مضرة على المسلمين في دينهم أو دنياهم، ولا سيما إن كسبت عليه مالا:"فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" سورة البقرة من الآية 79، وكذلك كتابة المفتى على الفتوى ما يخالف حكم الله ورسوله إلا أن يكون مجتهدا مخطئا فالإثم موضوع عنه.

- وأما المكروه: فكالعبث واللعب الذي ليس بحرام، وكتابة مالا فائدة في كتابته، ولا منفعة فيه في الدنيا والآخرة.

- والمستحب: كتابة كل ما فيه منفعة في الدين، أو مصلحة لمسلم، والإحسان بيده بأن يعين صانعا، أو يصنع لأخرق، أو يفرغ من دلوه في دلو المستسقي، أو يحمل له على دابته، أو يمسكها حتى يحمل عليها، أو يعاونه بيده فيما يحتاج له، ونحو ذلك، ومنه: لمس الركن بيده في الطواف، وفي تقبيلها بعد اللمس قولان.

- والمباح: مالا مضرة فيه ولا ثواب.

- وأما المشي الواجب: فالمشي إلى الجمعات والجماعات في أصح القولين لبضعة وعشرين دليلا مذكورة في غير هذا الموضع، والمشي حول البيت للطواف الواجب، والمشي بين الصفا والمروة بنفسه أو بمركوبه، والمشي إلى حكم الله ورسوله إذا دعي إليه، والمشي إلى صلة رحمه، وبر والديه، والمشي إلى مجالس العلم الواجب طلبه وتعلمه، والمشي إلى الحج إذا قربت المسافة ولم يكن عليه فيه ضرر.

- والحرام: المشي إلى معصية الله وهو من رجل الشيطان قال تعالى:"وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ" سورة الإسراء من الآية 64، قال مقاتل استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم، فكل راكب وماش في معصية الله فهو من جند إبليس.

- وكذلك تتعلق هذه الأحكام الخمس بالركوب أيضا:

- فواجبه: في الركوب في الغزو والجهاد، والحج الواجب.

- ومستحبه في الركوب المستحب من ذلك، ولطلب العلم، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وفي الوقوف بعرفة نزاع هل الركوب فيه أفضل أم على الأرض؟ والتحقيق أن الركوب أفضل إذا تضمن مصلحة: من تعليم للمناسك واقتداء به وكان أعون على الدعاء ولم يك فيه ضرر على الدابة.

- وحرامه: الركوب في معصية الله عز وجل.

- ومكروهه: الركوب للهو واللعب وكل ما تركه خير من فعله.

- ومباحه: الركوب لما لم يتضمن فوت أجر ولا تحصيل وزر.

فهذه خمسون مرتبة على عشرة أشياء: القلب واللسان والسمع والبصر والأنف والفم واليد والرجل والفرج والاستواء على ظهر الدابة" انتهى.

فهذه قواعد تدور عليها رحى العبودية فمن أراد أن يحقق ما خلق له وأمر به من عبادة ربه سبحانه فعليه بها اجتهادا في معرفتها وسعيا في العمل بها وتطبيقها.

والله الموفق للصواب وهو الهادي إلى صراط مستقيم.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

وكتب:

أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان

مغنية:

الثلاثاء: 24 صفر 1436ه

16/ 12/ 2014م




[1]- طبعة مكتبة دار التراث القاهرة، تحقيق محمد سيد كيلاني.

[2]- ج3 ص217 طبعة مكتبة الرشد ناشرون تحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد.

[3]- وهذه فائدة نفيسة في معنى العمل الذي أمر به وعبر عنه بالاستغفار وأنه التوحيد وتدبر الآيات التي استدل بها بعد ذلك، فلله دره من عالم جليل القدر.

[4]- في الأصل:" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا" وهذه الآية ليست هي التي في سورة الحديد بل هي الآية 133من سورة آل عمران فالصواب ما أثبته والله الموفق.

[5]- والآية باكملها هي: قال الله تعالى:" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)".

[6]- والآية بأكملها هي: قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)".

[7]- ويقصد بالعمل ما جاء في تمام الآية من تفصيل لموضع الخمس حيث قال الله تعالى:" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)".

[8]- ج7 ص285 طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

[9]- طبعة مؤسسة المختار للنشر والتوزيع القاهرة، ضبط وتحقيق رضوان جامع رضوان.

[10]- طبعة مؤسسة المختار للنشر والتوزيع القاهرة، ضبط وتحقيق رضوان جامع رضوان.

[11]- طبعة مؤسسة المختار للنشر والتوزيع القاهرة، ضبط وتحقيق رضوان جامع رضوان.

[12]- رواه أبو داود وصححه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب رقم 2158.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 Dec 2014, 02:28 PM
أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 196
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذا المقال الماتع النافع
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Dec 2014, 05:44 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

بارك الله فيك أخي عبد الصمد.

مقال يغرس في القلوب حب التوحيد والمتابعة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, توحيد, عقيدة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013