تفريغ الجزء الثاني من المحاضرة
ولا يطعنون في أعراضهم ويلطخون سُمعهم،ويكونون قطاع طرق عن استقامة الناس بسبب الدنيا،قدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم،الذي جاءه الرجل وقال:يا محمد اعطيني المال فليس مالك ولا مال أبيك،فقال النبي صلى الله عليه وسلم له:أرأيت هذا الوادي ؟ وهو مليء بالأغنام والأبقار و الإبل.
قال:نعم رأيته،قال:اذهب ( كلمة لم اسمعها جيدا)
قال: يا محمد أ تستهزئ بي؟
يبينلو النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي يستقيم على هذا الدين لا تكون الدنيا في قلبه،بل لهداية رجل إلى الحق خير له من الدنيا وما عليها.
(كلام لم افهمه)،قالو أ تستهزئ بي؟ قالو لا اذهب ( كلمة لم اسمعها جيدا)
فهبط الرجل و أخذ كل المال،ورجع إليهم وقال:لقد جئتكم من عند رجل يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر.فأسلم بعد ذلك من الناس من أسلموا جم غفير وعدد كبير وفير، أسلموا لهذا الموقف،لما عرفوا أن أهل الاسلام وأتباع محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام،لا يعبدون الدنيا ولا يجعلون الدنيا سبقاً للآخرة،بل يقدمون ما عند الله جل وعلا ولو كان في ذلك بيعا للدنيا وما عليها،وما أمر عمر وأبي بكر عليكم ببعيد ولا عثمان رضي الله عنه الذي اشترى الجنة بماله مرارا وتكرارا،فهذا الرجل بين ما كان الناس عليه من جاهلية،يعبدون الأصنام ويقطعون،ويأكلون الميتة،ويسيئون الجوار،أهل السنة لا يسيئون الجوار،أهل السنة يتقون الله جل وعلا في جيرانهم،أهل السنة يضربون المثل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضربه في حُسن الجوار،يخليو الناس يبكون عليهم،لما يريدون أن يغادروا،أهل السنة يحفظون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في حُسن الجوار،كيفاش اليوم إنسان من أهل السنة وجيرانو كلهم معادين له؟ لا في ذات الله عز وجل ولكن لأجل التجارات،والأموال والأولاد،واحد يضربلك ولدك خلاص تجعله عدو،لا تنظر إلى وجه الله عز وجل،ولا تترك مرضاة الله عز وجل،ولا تنصب نفسك داعية بين جيرانك،أين نحن من قول النبي صلى الله عليه وسلم:< لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه>.
وكان ابن عمر رضي الله عنه،شوف الصحابة،السلف الصالح،والسلفية هي الانتساب للسلف فقط،هذا هو تعريف السلفية،فلان سلفي يعني ينتسب في اعتقاده وفي أقواله و أفعاله،وأخلاقه إلى السلف،وقد قال شيخ الاسلام رحمه الله:" ولا عيب على من اعتزى إلى السلف وانتسب إليهم فإن منهجهم لا يكون إلا حقا".
ابن عمر رضي الله عنه يذبح فيرسل إلى جاره اليهودي،والحديث في البخاري في الأدب المفرد،يذبح ذبيحة فيقول: هل أرسلتم لجارنا اليهودي؟
فيقول له بعض أهله: أ اليهودي أصلحك الله؟ ألا تعرف ما يصنع اليهود وما يفعلون؟وكيف أرادوا بالنبي الكريم كيدا؟اليهودي؟
فيقول:نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: :< لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه>.
اليوم تجد بعضنا ممن لم يعرف حقا هذا المنهج،وممن مازالت فيه الجاهلية،ومازالت فيه الحمية،ومازال لم يختلط لحمه وعظمه بهذا المنهج الطيب،لا ينظر إلى المسائل نظرة بعيدة،بل هاجر لجيرانه،قاطع لجيرانه،مُحارب لجيرانه،قد دب الحقد والبغضاء بينه وبين جيرانه.
هذا لا يمكن أن يكون،من صفات أهل السنة أنهم لا يعادون غيرهم إلا إذا كانت المعاداة لمن؟لله عز وجل،أما لأجل الدنيا فكانوا رحمهم الله السلف الصالح،كانوا يتركون لوجه الله سبحانه وتعالى وكانوا يتجاوزون و كانوا يغفرون فيما يستطعون أن يغفروا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:< اغفر يُغفر لك واسمح يُسمح لك>.
هكذا كان السلف الصالح رحمهم الله،إذا أُصيبوا في ذواتهم و أُصيبوا في أموالهم كانوا يسمحون،يتركون وكانوا يتركون لوجه الله عز وجل ودافعهم إلى ذلك ما صححه العلامة الألباني رحمه الله:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:< من ترك غيظا أن ينفذه وهو يستطيع أن ينفذه بعثه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيره من أي حور العين شاء >.
إذا كانت مسألة من الدنيا ومسألة من التفاهات ، الإنسان يترك لله عز وجل.
يتذكر أنه داعية إلى الله،ويتذكر أنه حامل للسنة،ويتذكر أن الله جل وعلا يعوضه خيرا مما قيل فيه، وخيرا مما صُنع به،وخيرا مما افتري عليه به.
ولكم العبرة في فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه لما طعن بعض الناس في عرض ابنته،وأي أمر أعظم من الطعن في العرض،ومش عرضي ولا عرض فلان هذا عرض من؟ النبي صلى الله عليه وسلم،تكلموا في عرضه.
الآن واحد منا يسمع جاره يقول عليه كلمة يقطعو ،يحاربو ويقطع باب الخير بينك وبينه،وينسى أن الداعية إلى الله لازم يصبر،وحامل السنة لازم يحتمل، و الداعي إلى الحديث والأثر يجب عليه أن يصبر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صبر.
هذه المسالة تقراو وتعلمو،ونقراو قول ورقة بن نوفل: ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا و أذاه قومه.
ونقراو الإمام أحمد وما وقع له،ونقراو الإمام مالك كيف ضُرب،ونقراو الإمام البويطي رحمه الله وأحمد بن نصر كيف قُتلوا لأجل السنة،ونقراو سير السلف الذين ما تُرك واحد منهم إلا و أوذي في ماله،وأوذي في عرضه،وأوذي في نفسه،ثم بعد ذلك لما ننزلو للواقع،ويُتكلم فينا بنصف كلمة،نغضب وننتقم لأنفسنا،وننسى أننا دُعاة إلى الله،وأن الداعية ينبغي أن يصبر لأن الأذى للدعاة لله عز وجل ،مما عُرف أنه من مستلزمات هذه الدعوة.
أبو بكر يُطعن فيه ويُتكلم فيه،من رجل أحسن إليه أبو بكر،وهو من الصحابة رضي الله عنهم،و هو مسطح بن أثاثة الذي كان أبو بكر يُنفق عليه.
دار فيه خير،وخير عظيم ولما تكلم المنافقون في عرض عائشة،حتى هو تكلم وقال بما قالوا وخدعه المنافقون وهو رجل من الصحابة،فلما بلغ أبى بكر ذلك حلف أن لا يُنفق عليه،فنزل قول الله جل وعلا:{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }النور.
تحب المغفرة هكاك ؟تظن الجنة باب سوق تدخل كما تشاء؟
{ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران.
وأعظم ذلك أن تنفق من عرضك فتتركه لله،إذا درت هكا راك على طريق السلف،أما إذا تنتقم لنفسك وتتبع كل كلمة وتجعلها سبب للقطيعة مع الجيران ومحاربتهم وإذايتهم،ولا تصبر على إيذايتهم لك فراجع نفسك.
هذه هي الطريق قبلها من قبلها وردها من ردها،هذه الطريق التي حُفت جنتها بماذا؟ بماذا؟ بالمكاره،بالمكاره وتصبر كما صبر،الله جل وعلا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } الأحقاف.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:< اصبروا حتى تلقوني على الحوض>.
والصحابة رضي الله عنهم تركوا هذه الوصية لمن جاء بعدهم لأصحاب واتباعهم وأنصارهم،والتابعين وهم كذلك تركوها فيقول الإمام أحمد ويُسئل يا إمام الرجل يُمكن له ثم يُبتلى،أم يُبتلى ثم يُمكن له؟
فقال رحمه الله: لا يُمكن له حتى يُبتلى.
لا يُمكن ما تقدرش تكون داعية في أهلك،ولا مرجع في قومك،ولا رجل من أئمة أهلك حتى تصبر .
وقال سبحانه وتعالى :{ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } السجدة.
لمَّا؟
{ لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة.
هذه من أعظم العلامات والمميزات،أن تنتظر الإذاية وتصبر وتحتسب وتعلم أن هذه الطريق التي تحملها فيها ما فيها من الأذى.
إذا طُعن في عرضك، فقد طُعن في عرض من هو خير مني و منك،وإذا أُخذ مالك،فقد أُخذ مال من هو خير مني ومنك،وإذا تُكلِمَ فيك بسوء وقبحٍ،فقد تُكلِمَ فيمن هو خير مني ومنك،وقد قال بعضهم:
ولست بناجٍ من مقالة طاعن... ولو كنت في جبل وعر
واحد يتكلموا عليه كلمة يُقيم الدنيا ولا يُقعدها،ويبدأ يتكلم ويحذر ويسب ويشتم الناس من عامة الناس.
ولم يصنع هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم،الذين قالوا عنه بأنه مجنون،وقالوا عنه بأنه كاذب،وقالوا عنه بما أنه ماذا ؟ساحر،وقالوا كثر من هذه كلها أنهم اتهموه في قضاء الله وقدره،فسموه بالصنبور المنبتر،و الصنبور المنبتر هو الذي لا عقب له من ماذا؟ من الولد من الذكور،وقالوا بأن نحنا عندنا الذكور يحملون لقبنا ومحمد صنبور منبتر،فنزل قول الله عز وجل :{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } الكوثر.
وهذه مش فقط للنبي الكريم،هذه لكل من يحمل السنة،أن يعلم أن من شنؤوا السنة وحاربوا أهلها،وانتقصوهم وطعنوا فيهم،صاروا على طول الأيام،وعلى تعاقب الليالي و الأزمان،بقوا أراذل الناس وصاوا هم بطران القول خلقا وعلما وعملا.
فاصبر واحتسب هكذا قال جعفر بن أبي طالب قال : فبعث الله إلينا رجلا نعرف نسبه وصدقه وأمانته ،و هذه فيها فائدة عظيمة،أن أهل السنة لا يستقيم منهجهم إلا بالعلم وأن ثباتك على هذا الطريق،يكون بالعلم،بالكتاب والسنة،لأن هذا الرجل،شوف واش قال؟ قال: فبعث الله إلينا رجلا واش؟ نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته.
فمن أعظم مميزات أهل السنة،أنهم أعظم الناس طلبا للعلم،بل.وهذا الواقع و المُشاهد،لا تجد قوما في هذا الزمان يحبون العلم و(كلمة لم اسمعها جيدا) ويضحون لأجله،ويتركون ديارهم وأموالهم وأبناؤهم مشاغلهم و يقطعون المسافات كأهل السنة.
أهل السنة هم الذين يصنعون هذا،ولا أعرف من هذه الوجوه الآن ممن مشى وترك داره،وترك أهله،وأغلق محله،علاش يا إخواني؟
مَن مِن أهل البدع الآن الذين يصنعون هذا يطلبون العلم؟
والله إن أهل البدع والأهواء والسياسات،لا يتركون ديارهم إلا لغرض من الدنيا ولحظ من الدنيا،إذا مشى راو مشى على جال المال؟وإذا خلى دارو خلاها على جال المنصب،ورفعة المنزل والموضع،الذين يمشون للعلم لوجه الله هم أهل السنة،الذين رفعهم الله جل وعلا بالعلم،فقال سبحانه وتعالى:{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة.
وقال صلى الله عليه وسلم مُثنيًا على أهل السنة:< إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع>.
هكذا.هكذا أهل السنة،فقد كان السلف الصالح رحمهم الله،يسمون أهل السنة،يُسمونهم بالشُجعان الذُكران، ويستدلون ويقولون لذلك: لا يطلب العلم إلا بازل ذكر وليس يُبغضه إلا المخانيث.
وأخذوا هذه الكلمة من قول الإمام الزهري رحمه الله وهو يتكلم عن أهل العلم،وعن شباب السنة وأهلها،الذين يتميزون عن غيرهم،الذين يطلبون علم الجرائد والمجلات،وعلم التفاهات والسفاهات،قال رحمه الله الزهري.إمام.
قال:لا يطلب العلم إلا مذاكير الرجال،ولا يبغضه إلا مخنثوهم.
وأخذ هذه الكلمة بعضهم فنظمها:
رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا وزينة المرء في الدنيا الأحاديث
لا يطلب العلم إلا بازل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيث
وقد جاء في الأثر عند الإمام ابن كثير رحمه الله وغيره أن أمير المؤمنين أبى جعفر المنصور قال لأتباعه ولوزرائه: لقد اشتقت أن أكون مع طلبة العلم،فقالوا يا أمير المؤمنين،نَحْنُنَا نجعلك من طلبة العلم،فجاؤوا وهم قد لبسوا لباس الوزراء،أنت تعرف الوزراء كيف يلبسون،وجابو كتب،وأقلام مزخرفة مزينة،وجلسوا وقالوا: إملي علينا،تحب هذا المجلس نتاع طلبة العلم؟ ساهلة،نحن نصنع لك مجلس نتاع طلبة العلم،فنظر إليهم وقال: لستم أنتم.
لستم أنتم،بل هم الشعثةُ رؤوسهم،الدنِسةُ ثيابهم،الذين ما سمعوا بمجلس علم إلا وطاروا.
قلهم ماكمش أنتم،هاذوا الذين رُفعوا،هم الذين شَعثتْ رؤوسهم لطلب العلم،ودنِسًتْ ثيابهم لطلب العلم،وتركوا ديارهم و أموالهم وأهليهم في طلب العلم،بل كانوا يقولون:إذا رأيت الرجل يجري فاعلم أنه مجنون أو طالب حديث.فقط إذا شفت واحد يجري إما طار عقله،وإما قد طار قلبه لطلب العلم.
فقال جعفر هذا الكلمة وهو يُبين مميزات أهل السنة،ومميزات الثابتين على الحق،وأنهم يعلمون فيتعلمون،وليس.ولم يبقى في هذا الزمان قوم يحبون العلم وأهله والعلماء،إلا أهل السنة.
يتبع