منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 20 Dec 2017, 10:54 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي شرح حديث: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم )


الحمد لله رب العالمين والصّلاة والسّلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه كلمات لمشايخ و علماء ربانيّين في بيان بعض حقوق كبار السن، نسأل الله الثبات و العافية .
(من وصايا السلف للشباب‎ )
حق كبار السن لشيخنا الفاضل
الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى والديه و ولده و الناس اجمعين
إنَّ الدين الإسلامي الحنيف أتى ليكمِّلَ الناس في آدابهم وأخلاقهم ومعاملاتهم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) [1].

وإنَّ من الأخلاق النبيلة والخصال الكريمة التي دعا إليها الإسلام : مراعاة قدر كبار السن ومعرفة حقهم وحفظ واجبهم . فالإسلام أمر بإكرام المسن وتوقيره واحترامه وتقديره ، ولاسيما عندما يصاحب كبر سنه ضعفه العام وحاجته إلى العناية البدنية والاجتماعية والنفسية ، ولقد تكاثرت النصوص وتضافرت الأدلة في بيان تفضيل الكبير وتوقيره ، والحث على القيام بحقه وتقديره .

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا)) [2]. وفي هذا وعيد لمن يهمل حق الكبير ويضيع الواجب نحوه بأنه ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وغيرُ ملازم لطريقته .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) [3].

وعن أبي يحي الأنصاري رضي الله عنه قال : انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ : ((كَبِّرْ كَبِّرْ )) وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ : (( تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ ؟ )) وذكر تمام الحديث[4]. وقوله ((كَبِّرْ كَبِّرْ )) معناه : يتكلم الأكبر .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ)) [5].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْتَنُّ ، فَأَعْطَى أَكْبَرَ الْقَوْمِ وَقَالَ : ((إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُكَبِّرَ)) [6] .

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة والأدلة العديدة التي اشتملت عليها سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذه النصوص وما جاء في معناها تدعو المسلمين إلى احترام كبار السن من المسلمين ، ومعرفة حق ذي الشيبة المسلم ولزوم الأدب معهم ، وذلك باحترامهم وتوقيرهم ومعرفة قدرهم وحقوقهم ، ومراعاة كبر سنهم وأعمارهم ، وملاحظة ضعفهم ووهن أبدانهم ، وتقدير مشاعرهم وأحاسيسهم ، وتقديمهم في الكلام والطعام والدخول ، ونحو ذلك من الآداب العظيمة والأخلاق الكريمة

ويتأكد الاحترام والتقدير عندما يكون كبير السن أباً أو جدًّا أو خالاً أو قريباً أو جاراً ، وذلك لحق القرابة والصلة والجوار ، وكما يدين المرء يدان ؛ فمن راعى حقوق هؤلاء وحافظ على واجباتهم في شبابه وصحته ونشاطه، هيأ الله له في كبره من يرعى حقوقه .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )) [7]. وفي معناه ما رواه يحي بن سعيد المدني قال : : بلغنا أنه من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبته إذا شاب .

إن كبار السن وذوي الأعمار المديدة يعيشون مرحلة إقبال على الآخرة وإحساس بدنو الأجل أكثر من غيرهم ، فالطاعة فيهم تزيد والخير فيهم يكثر والوقار عليهم يظهر .

روى ابن أبي الدنيا قال : دخل سليمان بن عبد الملك المسجد فرأى شيخاً كبيراً فدعا به ، قال : يا شيخ أتحب الموت ؟ قال : لا ، قال : لمَ ؟ قال : ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره ، فإذا قمت قلت بسم الله ، وإذا قعدت قلت الحمد لله ، فأنا أحب أن يبقى لي هذا .

وعن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه : أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : (( مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) [8].

إن الواجب على الشباب أن يتقوا الله جل وعلا ويراقبوه بمراعاة حقوق هؤلاء الأمثال الأخيار والأفضال الأبرار ، أهل الإحسان والطاعة والخير والعبادة ، أهل الركوع والسجود والصيام والقيام ، والتسبيح والتهليل والحمد والطاعة.

وإن من المؤسف حقاً أن تهدر حقوق هؤلاء في ظل طيش الشباب وغمرتهم في السهو والغفلة ؛ فلا للآباء يحترمون ، ولا للكبار يقدِّرون ويوقرون ، ولا للقيام بحقوق هؤلاء يقومون ويرعون ، بل ولا للوقوف بين يدي الله يراقبون ، لاسيما وأن بعض سفهاء الشباب قد يرتكبون تجاه هؤلاء اعتداءات مشينة وتجاوزات عظيمة تسفِر عن قلة الحياء وذهاب الخلق والمروءة ومفارقة القيم والأخلاق ، فهم في غمرتهم ساهون ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقَلب ينقلبون .
ألا فليتق الله هؤلاء بمعرفة حقوق آبائهم وأكابرهم وحفظ أقدارهم ومراعاة واجباتهم ، وإنا لنسأل الله أن يهديَ شباب المسلمين وأن يردَّهم إلى الحق رداً . ونسأله سبحانه أن يمتِّع كبار السن بالصحة والعافية ، وأن يرزقهم صلاح الذرية وحسن العاقبة ، وأن يختم لنا ولهم بالخير والإيمان .

********

________________

[1] رواه البخاري في ( الأدب المفرد ) (273) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الأدب المفرد) (207) .

[2] رواه أبو داود (4943) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود) (4134).

[3] رواه أبو داود (4843) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود ) (4053) .

[4] رواه البخاري (3173) ، ومسلم (1669) .

[5] رواه البخاري (246) معلقاً ، ومسلم (2271) موصولاً – واللفظ له - .

[6] رواه أحمد (2/13 ، وصححه الألباني رحمه الله في (الصحيحة) (1555).

[7] رواه الترمذي (2022) ، وضعَّفه الألباني رحمه الله في (ضعيف سنن الترمذي) (34.

[8] رواه الترمذي (2329) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (189.
..........................................


و من اكرام الكبير كلام العلامة العثيمين رحمه الله تعالى

الكتاب : شرح رياض الصالحين
المؤلف : محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)
مصدر الكتاب : موقع جامع الحديث النبوي

354 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط " حديث حسن رواه أبو داود

الشَّرْحُ

هذه الأحاديث فيها الإشارة إلى ما سبق عن المؤلف رحمه الله بإكرام أهل العلم وأهل الفضل الكبير فمن ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم قال ذلك ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق وفي قوله ليلني منكم اللام لام الأمر والمعنى أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولوا الأحلام والنهى وأولوا الأحلام يعني الذين بلغوا الحلم وهم البالغون والنهى جمع نهية وهي العقل يعني العقلاء فالذي يجب أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يفعله من الصغار ونحوهم فلهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقدم هؤلاء حتى يلوا الإمام وليس معنى الحديث لا يلني إلا أولوا الأحلام والنهى بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول فإن هذا لا يجوز فلا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدث منهم أذية فإن لم يحدث منهم أذية فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية لا يلني إلا أولوا الأحلام وبين قوله ليلني أولوا الأحلام فالثانية تحث الكبار العقلاء على التقدم والأولى لو قدر أنها نص الحديث لكان ينهى أن يلي الإمام من ليس بالغا أو ليس عاقلا ولهذا نقول إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطأوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ومن جهة أخرى أنهم يكرهون الصبيان المساجد وهذا يؤدي إلى أن ينفر الصبي عن المسجد إذا كان يطرد عنه ومنها أن هذه لا تزال في نفسه عقدة من الذي طرده فتجده يكرهه ويكره ذكره فمن أجل هذه المفاسد نقول لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف ثم إننا لو طردناهم من أوائل الصفوف حصل منهم لعب لو كانوا كلهم في صف واحد كما يقوله من يقوله من أهل العلم لحصل منهم من اللعب ما يوجب اضطراب المسجد واضطراب أهل المسجد ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد وقوله صلى الله عليه وسلم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى يستفاد منه أن الدنو من الإمام له شأن مطلوب ولهذا قال ليلني أي يكون هو الذي يليني وعلى هذا نقول إذا كان يمين الصف بعيدا وأيسر الصف أقرب منه بشكل واضح فإن الصف الأيسر أفضل من الأيمن من أجل دنوه من الإمام ولأنه لما كان الناس في أول الأمر إذا كان إمامهم واثنان معه فإنهما يكونان عن يمينه واحد وعن شماله واحد ولا يكون كلاهما عن اليمين فدل هذا على مراعاة الدنو من الإمام وتوسط الإمام من المأمومين ولكن هذا الأمر أي كون الإمام واثنان معه يكونان في صف واحد هذا نسخ وصار الإمام إذا كان معه اثنان يصفان خلفه ولكن كونه حين كان مشروعا يجعل أحدهما عن اليمين والثاني عن اليسار يدل على أنه ليس الأيمن أفضل مطلقا بل أفضل من الأيسر إذا كان مقاربا أو مثله أما إذا تميز بميزة بينة فاليسار مع الدنو من الإمام أفضل وفي حديث الرؤيا التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يتسوك بسواك فجاءه رجلان فأراد أن يعطيه الأصغر فقيل له كبر كبر فيه دليل أيضا على اعتبار الكبر وأنه يقدم الأكبر في إعطاء الشيء ومن ذلك إذا قدمت الطعام مثلا أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعطيه الأصغر قيل له كبر ومعلوم أنه لو كان الأصغر هو الأيسر ما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيه إياه فالظاهر أنه أعطي الأيمن من أجل التيامن لكن قيل له كبر يعني أعطه الأكبر فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير لا تبدأ اليمين أما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير وعلى اعتبار الأيمن أي مراعاة الأيمن فنقول إذا كانت القصة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان معه إناء يشرب منه وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه غلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان هكذا فأعطه من على يمينك أما الذين أمامك فابدأ بالكبير كما تدل عليه السنة وهذا هو وجه الجمع بينهما ثم إن الإنسان إذا أعطى الشراب الكبير فمن يعطي بعده هل يعطي الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب أم الذي عن يمين الصاب نقول يبدأ بالذي عن يمين الصاب وإن كان على يسار الكبير لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكبر فالذي عن يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به ما لم يسمح بعضهم لبعض ويقول أعطه فلانا ..
إقتباس متعدد لهذه المشاركة

...............................................



تعليق الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله على حديث (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم..) من شرحه على كتاب رياض الصالحين .

7/354- وعن أَبي موسى ïپ´ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ï·؛: إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ حديثٌ حسنٌ، رواه أَبُو داود
.
8/355- وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبيهِ، عن جَدِّه ïپ¹ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ï·؛: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود، والترمذي، وَقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وفي رواية أبي داود: حَقَّ كَبِيرِنَا.

9/356- وعن مَيْمُون بنِ أَبي شَبِيبٍ رحمه اللَّهُ: أَنَّ عَائشَةَ رَضي اللَّه عنها مَرَّ بِها سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وهَيْئَةٌ، فَأَقْعَدَتْهُ، فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهَا في ذَلِكَ! فقَالتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ï·؛: أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ رواه أبو داود، لكِنْ قال: مَيْمُونُ لَمْ يُدْرِك عائِشَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في أَوَّلِ "صَحِيحهِ" تَعْلِيقًا فقال: وَذُكِرَ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: أَمرنا رسولُ اللَّه ï·؛ أَنْ نُنْزِل النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.
وَذَكَرَهُ الحاكِمُ أَبُو عبدِاللَّهِ في كِتابِهِ "مَعْرفَة عُلُومِ الحَديث"، وقال: هو حديثٌ صحيحٌ.

التعليق : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كالتي قبلها في أنه ينبغي إكرام ذي الشَّيبة المسلم وحامل القرآن وأهل العلم، وهكذا رحمة الصغير، وتوقير الكبير، وإكرام السلطان المقسط، كلّ هذا مما جاءت به الشريعةُ، ولهذا قال ï·؛: إنَّ من إجلال الله: إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ السلطان المُقْسِط يعني: العادل، وفي اللفظ الآخر: ليس منا مَن لم يرحم صغيرَنا، ويعرف حقَّ كبيرنا.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها -وفي إسناده انقطاع- أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: أنزلوا الناسَ منازلهم، والأدلة الشرعية تدل على هذا المعنى، فإنَّ الناس يُنزَلون منازلهم، فالعالم له حقّه، وشيخ القبيلة ورئيس القوم له حقه، والصغير له حقه، وحامل القرآن وطالب العلم له حقّه، وكبير السن بالنسبة للصغير، وهكذا إنزال الناس منازلهم.
فالمؤمن يعرف لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ولا يجفو مَن يستحق عدم الجفاء، بل ينظر في منازل الناس حتى يُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، من باب إنزال الناس منازلهم، فإذا كان الفقير الذي ترده اللُّقْمة واللُّقْمتان أعطاه، وإذا كان من ذوي الشَّرف وذوي الهيبة فيُنزل منزلته: يُدْعَا ويُكرم في البيت أو في المحل المناسب، حتى يُقدَّم له ما يحتاجه من غداءٍ أو عشاءٍ أو نحو ذلك.
فالمقصود من هذا كله أنَّ المؤمن يُنزل الناسَ منازلهم، ولا يجعلهم على حدٍّ سواء في إكرامهم وتقديرهم، بل على حسب مراتبهم في الدِّين، ومراتبهم في كبر السن، ومراتبهم في وظائفهم الشَّرعية: فالقاضي له حقّه، والعالم له حقّه، والسلطان له حقّه، والأمير له حقّه، والشيخ كبير السن له حقّه، والوالد له حقّه، والأخ الكبير له حقّه، والجار له حقّه، وهكذا، فكلّ إنسانٍ يُعْطَى حقَّه المناسب له بحسب ما جاءت به الشريعة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: بالنسبة للغالي في القرآن والجافي فيه: كيف يغلو المسلمُ في القرآن؟
ج: الغالي فيه: الذي يحمله على غير محامله، ويزيد فيه، مثل: غلو الخوارج وأشباههم، حتى يُحمِّله ما لا يحتمل، والجافي فيه: الذي لا يعمل به، يقرأه ولا يعمل به -نسأل الله العافية.
فالغلو هو أن يحمله على محامل ضد محامله زيادةً غاليةً، فيحمل الآيات التي في المعاصي على كفر مَن فعلها، ويحمل الآيات التي في الرَّجاء على أنَّ العملَ ليس من الإيمان، وأنَّه يكفي مجرد القول، وما أشبه ذلك.

التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 22 Jan 2018 الساعة 09:33 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 Dec 2017, 05:10 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

كلمة لشيخنا الفاضل الشيخ فركوس حفظه الله تعالى و والديه و الناس اجمعين

الفتوى رقم: ٦٦٩
الصنـف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأطعمة
في حكم «الوكيرة»

السـؤال:
جرتِ العادةُ عندنا أنَّ الرجلَ إذا رُزِقَ ببيتٍ أو أَتَمَّ بناءَه صَنَعَ طعامًا ودَعَا إليه الأقاربَ والجيرانَ والأحبابَ، وفي النادر مَن يهتمُّ بدعوة الفقراء والمساكين، فأرجو منكم إفادتَنا في حكمِ صنعِ هذا الطعام، وإِنْ كان مشروعًا فهل تجب تلبيةُ الدعوة أم تُستحبُّ فقط؟ وبارَكَ اللهُ فيكم.
الجـواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالطعامُ المُعَدُّ عند الفراغ مِن البناء يُسمَّى «الوكيرةَ» للمسكن المتجدِّد، مأخوذٌ مِن الوَكْرِ وهو المأوى، ووليمتُه مِن الأطعمة المعتادةِ التي تجري مَجْرَى شُكران النِّعمة والزيادةِ في الإحسان، وسبيلُها الطبخُ(١).
ومِن آدابها عدَمُ التخصيص بدعوة الأغنياء دون الفقراء، والوُجَهاء دون البُسَطاء، لِما رواه مسلمٌ وغيرُه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُمْنَعُهَا المَسَاكِينُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ»(٢)، كما أنَّ مِن آدابها القَصْدَ بها اتِّباعَ السُّنَّةِ في إكرام الضيوف وإطعامِ الأخيار لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ»(٣)، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ»(٤).
ومع ذلك فمذهب جمهور الصحابة والتابعين القولُ بوجوب الإجابة إلى سائر الولائم بما في ذلك الوكيرة(٥) ما لم تتضمَّنْ منكرًا.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٣ ربيع الثاني ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١ ماي ٢٠٠٧م
(١) «تحفة المودود» لابن القيِّم (٩٠)، «شرح مسلم» للنووي (٩/ ١٧١).
(٢) أخرجه مسلم في «النكاح» (١٤٣٢)، واللفظ للبيهقي (١٤٥٢١)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري في «النكاح» باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله (٥١٧٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا عليه وهو في حكم المرفوع كما بيَّنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (٩/ ٢٤٤)، وانظر «السلسلة الصحيحة» (٣/ ٧٢) و«الإرواء» (٧/ ٤) كلاهما للألباني.
(٣) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابُ مَن يُؤمَر أَنْ يجالِس (٤٨٣٢)، والترمذي في «الزهد» بابُ ما جاء في صحبة المؤمن (٢٣٩٥)، مِن حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه. والحديث حسنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٤٦٨)، والألباني في «صحيح الجامع» (٧٣٤١).
(٤) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في تنزيل الناس مَنازِلَهم (٤٨٤٣) مِن حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه. والحديث حسَّنه العراقي في «تخريج الإحياء»: (٢٤٥/ ٢)، وابن حجر في «التلخيص الحبير» (٦٧٣/ ٢)، والألباني في «صحيح الجامع»: (٢١٩٩).
(٥) «نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ٣٧٨).
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 Dec 2017, 08:32 PM
أبو ياسر أحمد بليل أبو ياسر أحمد بليل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: ولاية سعيدة - الجزائر
المشاركات: 405
افتراضي

أحسن الله إليك أخي عبد السلام جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 Dec 2017, 04:23 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

كلمة الشيخ العلامة
شيخنا محمد بن هادي المدخلي اطال عمره

مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ

تاريخ النشر:
الأربعاء, كانون الثاني (يناير) 6, 2016
قال - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ».

فإذا كان ذي الشيبة المسلم إجلاله من إجلال الله فكيف بمن شابت لحيته ورأسه وهو يعلم العلم وينشر العلم و ينشر السنة ويدعو إليها ويذُّبُ عنها؟ هذا أعظم وأعظم وهو «وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ» كذلك.

قد كان عبد الله بن المبارك -رحمهُ الله تعالى- إذا ذُكر مع علماء السلف الذين قبله ينكر ذلك! ويقول متمثلًا:

لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد





...كان ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما-‏ يمسك بركاب زيد بن ثابت فيقول له زيد: ".... وأنت ابن عمّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؟" فيقول له ابن عباس: "دعك، هكذا نصنع بعلمائنا"،

ويقول الإمام الشافعي -رحمه الله- بيته المشهور الذي يعرفه من طلب العلم وتأدب لأهله: أهين لهم نفسي- يعني للعلماء –

أهين لهم نفسي فهم يكرمونها *** ولن تكرم النفس التي لا تهينها



يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: " أومرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه"،
الشيخ:
محمد بن هادي المدخلي
الرابط
موقع ميراث الانبياء
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 Dec 2017, 05:21 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

كلمة الشيخ رسلان حفظه الله تعالى و رحمه و والديه
درر حول احترام ذي الشيبة
هل اعطينا الكبار و خاصة مشايخنا حقا؟


((رِعَايَةُ الْمُسِنِّينَ وَحِمَايَةُ حُقُوقِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((حُسْنُ الخُلُقِ مِنْ كُبْرَى غَايَاتِ دِينِنَا))

فقَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ، فَقَالَ ﷺ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)).

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ))، وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر وَالشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

فَلَا عَجَبَ إِذَنْ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الْخُلُقِ غَايَةَ الْغَايَاتِ فِي سَعْيِ الْعَبْدِ لِاسْتِكْمَالِ الصِّفَاتِ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّوْحِيدِ الْمَكِينِ، وَثَابِتِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ.

وَقَدْ كَانَ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ فِي ((حُسْنِ الْخُلُقِ)) عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ، وَفَوْقَ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَهَى، فَكَانَ كَمَا قَالَ عَنْهُ رَبُّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

وَهُوَ ﷺ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ يَدْعُو رَبَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ: ((اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئِهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

يَطْلُبُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ لِصَوَابِ الْأَخْلَاقِ، وَيُوَفِّقَهُ لِلتَّخَلُّقِ بِهِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ قَبِيحَ الْأَخْلَاقِ وَمَذْمُومَ الصِّفَاتِ، وَيُبْعِدَ ذَلِكَ عَنْهُ، مَعَ أَنَّهُ ﷺ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَمَعَ أَنَّ خُلَقَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.

*مِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ تَوْقِيرُ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ:

وَمِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يُوَقِّرَ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، لِوُجُودِ حُسْنِ الْخُلُقِ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ عَقَلَ مَا لَا يَعْقِلُ الصَّغِيرُ، وَعَلِمَ مَا لَا يَعْلَمُ الصَّغِيرُ، فَتَرَاهُ يَرْحَمُ الصَّغِير وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ بِالتَّعْلِيمِ، أَوْ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِفَكِّ كُرْبَتِهِ، وَعَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ إِنْ زَلَّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

((ذِكْرُ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّيْخُوخَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

*مَرْحَلَةُ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّيْخُوخَةِ تَكُونُ بِقَدَرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54].

اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ، وَأَنْشَأَكُمْ عَلَى ضَعْفِ حَالِ الطُّفُولَةِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِ ضَعْفِ الطُّفُولَةِ شَيْئًا مِنَ الْقُوَّةِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي تَتَدَرَّجُ مُتَصَاعِدَةً حَتَّى تَبْلُغُوا كَمَالَ قُوَّتِكُمْ، وَهِيَ قُوَّةُ الشَّبَابِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَ هَذِهِ الْقُوَّةِ ضَعْفَ الْكِبَرِ وَالْهَرَمِ وَضَعْفَ الشَّيْخُوخَةِ وَالشَّيْبَ، فَتَتَنَاقَصُ لَدَيْكُمْ هَذِهِ الْقُوَّةُ تَدْرِيجِيًّا حَتَّى تَصِلَ إِلَى تَمَامِ الضَّعْفِ وَنِهَايَةِ الْكِبَرِ إِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، أَوْ تُوَافِيكُمْ مَنَايَاكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ.

يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ خَلْقَهُ؛ مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَالشَّبَابِ وَالشَّيْبَةِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، الْقَدِيرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَشَاؤُهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى قَبْلَ بُلُوغِ وَقْتِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ وَاكْتِمَالِ الْعَقْلِ، وَبَعْضُكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ، فَيَبْلُغُ السِّنَّ الَّذِي يَتَغَيِّرُ بِهِ عَقْلُهُ، فَلَا يَعْقِلُ هَذَا الْمُعَمَّرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ طُفُولَتِهِ؛ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ، قَلِيلَ الْإِدْرَاكِ.

*وَذَكَرَ اللهُ بُلُوغَ الْبَعْضِ الْكِبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

وَأَنْهَى رَبُّكَ إِرَادَتَهُ التَّكْلِيفِيَّةَ بِقَضَاءٍ مُبْرَمٍ فِي وَصَايَا مُوَجَهَّةٍ لِلرَّسُولِ ﷺ وَلِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أُمَّتِهِ:

الْوَصِيَّةُ الْأَولَى: تَفْسِيرُهَا أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فَاجْعَلُوا كُلَّ عِبَادَاتِكُمْ مَحْصُورَةً بِهِ، وَمَقْصُورَةً عَلَيْهِ.

الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ بِرًّا بِهِمَا، وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمَا.

إِمَّا يَبْلُغَانِ إِلَى حَالَةِ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَيَصِيرَانِ عِنْدَكَ فِي آخِرِ الْعُمُرِ كَمَا كُنْتَ عِنْدَهُمَا فِي أَوَّلِ الْعُمُرِ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا كَلِمَةَ تَضْجُّرٍ وَكَرَاهِيَّةٍ مِثْلَ كَلِمَةِ أُفٍّ، فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، وَلَا تَزْجُرْهُمَا عَمَّا يَتَعَاطَيَانِهِ مِمَّا لَا يُعْجِبُكَ، وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا لَيِّنًا فِيهِ تَكْرِيمٌ لَهُمَا وَتَعْظِيمٌ لِفَضْلِهِمَا.

وَالرَّسُولُ ﷺ أَعْلَمَنَا بِأَعْمَارِ أُمَّتِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَعْمَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الْغَالِبَ الْأَغْلَبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَنَّ الْقَلِيلَ مَنْ يُجَاوِزُ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ، وَأَقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ -يَعْنِي: مَنْ يَتَخَطَّى السَّبْعِينَ-.

وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ شَهَادَةِ الْحَالِ، فَإِنَّ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغُوا السِّتِّينَ، مِنْهُمْ مَنْ يُتَوَفَّى دُونَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ السَّبْعِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَخَطَّى ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ.

((كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ))

لَقَدْ دَلَّنَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى فَضْلِ طُولِ الْعُمُرِ مَعَ حُسْنِ الْعَمَلِ، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

قَالَ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ)).

قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟

قَالَ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ)). أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

خَيْرُكُم مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ.

وَهَذَا وَرَدَ -أَيْضًا- فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا)).

فَخَيْرُ النَّاسِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ))، فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ إِلَّا فَضْلًا، وَلَا يَزْدَادُ بِطُولِ الْعُمُرِ إِلَّا خَيْرًا، وَلَا يَزْدَادُ بِعَمَلِ الْخَيْرِ مِنَ اللهِ إِلَّا قُرْبًا.

وَأَمَّا شَرُّ النَّاسِ فَمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ بِطُولِ الْعُمُرِ إِلَّا شَرًّا، وَلَا يَزْدَادُ عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِطُولِ عُمُرِهِ إِلَّا بُعْدًا.

خَيْرُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ طُولَ الْعُمُرِ وَالْبَقَاءَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ فُرْصَةٌ لِلتَّزَوُّدِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

فَرَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ عُمُرُهُ.

لِذَا احْرِصْ عَلَى أَوْقَاتِكَ وَسَاعَاتِكَ؛ حَتَّى لَا تَضِيعَ سُدَى.

((فَضْلُ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسْنِّينَ- الصَّالِحِينَ))

لَقَدْ أَعْطَى الْإِسْلَامُ الْكَبِيرَ حَقَّهُ مِنَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ؛ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنَ السَّبْقِ فِي الْوُجُودِ وَتَجْرِبَةِ الْأُمُورِ.

وَإِجْلَالُ الْكَبِيرِ هُوَ حَقُّ سِنِّهِ؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ فِي الْعُبُودِيَّةِ للهِ فِي أَمَدٍ طَوِيلٍ، وَرَحْمَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى رفَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفَ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ ﷺ: «فَلَيْسَ مِنَّا»: أَيْ: لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا.

فِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَوُجُوبِ الرَّحْمَةِ، مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ لِبَعْضٍ، وَمِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يُوَقِّرَ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، لِوُجُودِ حُسْنِ الْخُلُقِ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ عَقَلَ مَا لَا يَعْقِلُ الصَّغِيرُ، وَعَلِمَ مَا لَا يَعْلَمُ الصَّغِيرُ.

((رِعَايَةُ الْمُسِنِّينَ مِنْ هَدْيِ الْمُرْسَلِينَ -عَلَيْهُمُ السَّلَامُ- ))

*نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ هُوَ الْقُدْوَةُ فِي رِعَايَةِ الْمُسِنِّينَ وَالْمَسَاكِينِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْأَرَامَلِ:

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ سَلَامَةُ الصُّدُورِ، وَسَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبِهَذِهِ الْخِصَالِ بَلَغَ الذُّرَى مَنْ بَلَغَ.

سَلَامَةُ الصَّدْرِ، سَخَاوَةُ النَّفْسِ، النَّصِيحَةُ لِلْأُمَّةِ، وَبَذْلُ النَّفْسِ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا الْأَمِينُ ﷺ فِي حَاجَةِ الْمَرْأَةِ الْمِسْكِينَةِ وَالضَّعِيفِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْكَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْحَسِيرِ، كَانَ فِي حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُعْوزِينَ، كَانَ فِي حَاجَةِ الثَّكَالَى وَالْأَرَامَلِ وَالْمَسَاكِينَ، يَبْذُلُ نَفْسَهُ، وَتَأْخُذُ الْجَارِيَةُ بِكُمِّهِ بِيَدِهِ، تَسِيرُ مَعَهُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شَاءَتْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهَا ﷺ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا حَكَتْ عَائِشَةُ، وَلَمْ تَبْلُغْ بِهِ السُّنُونُ مَبَالِغَهَا، فَإِنَّهُ ﷺ قَبَضَهُ رَبُّهُ إِلَيْهِ وَشَيْبُهُ مَعْدُودٌ، شَيَّبَتْهُ هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا؛ خَوْفًا مِنَ اللهِ وَقِيَامًا بِأَمْرِ اللهِ، وَصِفَتُهُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مَعَ ذَلِكَ وَمَا عَلَتْ بِهِ السُّنُونُ، قَالَتْ لَمَّا كَانَ قَدْ أَصَابَهُ وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، حَطَمَهُ النَّاسُ فِي بِدَايَةِ الْأَمْرِ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَطُغْيَانِهِمْ وَجَبَرُوتِهِمْ، وَصِرَاعِهِمْ مَعَ الْحَقِّ، وَمُحَاوَلَاتِهِمْْ لِطَمْسِ نُورِهِ، وَتَحَمَّلَ مَا تَحَمَّلَ رَاضِيًا فِي ذَاتِ اللهِ ﷺ، حَتَّى أُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ دَارِهِ، مِنْ بَلَدِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ.

وَحُرِمَ مِنْ جِوَارِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَمِنَ السُّجُودِ عِنْدَهُ تَبَتُّلًا للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَصُدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ فِي نُسُكِ مُحْرِمًا مُعْتَمِرًا، قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَحُبِسَ الْهَدْيُ فِي مَحِلِّهِ حَتَّى أَكَلَ وَبَرَهُ؟

فَصُدَّ وَمَنْ مَعَهُ عَنِ البَيْتِ الْحَرَامِ، وَقَدْ بَنَاهُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ، بَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلَ، حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ بِكَيْدِهِمُ الرَّخِيصِ، بِتَصَوُّرَاتِهِمُ الْهَزِيلَةِ، بِنَزَوَاتِهِمُ الْوَضِيعَةِ، وَعَدَمِ فَهْمِهِمْ، وَسُوءِ قَصْدِهِمْ، وَعَدَمِ إِلْمَامِهِمْ بِجَنَبَاتِ نُفُوسِهِمْ فِي اتِّسَاعِ أُفُقِهَا الْوَضِيءِ، بِوُقُوفِهِمْ عِنْدَ حُدُودِ رَغَبَاتِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، مَعَ اتِّبَاعِهِمْ لِشَيَاطِينِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالنَّبِيُّ يُصَارِعُ ذَلِكَ كُلَّهُ، يَتَحَمَّلُ الْأَذَى فِيهِ وَالْمَكْرُوهَ، رَاضِيًا عَنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ فِي ذَاتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ، وَأَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جُنْدَهُ وَنَصَرَهُمْ، وَأَعْلَى شَأْنَهُمْ، وَفَتَحَ لَهُمْ الْبِلَادَ وَقُلُوبَ الْعِبَادِ، وَمَكَّنَ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَمِنْ رِقَابِ الْخَلْقِ، فَسَارُوا فِي ذَلِكَ سِيرَةَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَظْلِمُوا وَلَمْ يَحِيفُوا، وَكَانَ مَا كَانَ، وَوَقَعَتْ أُمُورٌ، وَكَانَ فِي حَاجَةِ إِخْوَانِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حَالٍ، فِي حَرْبِهِ وَسِلْمِهِ، فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَعلَى جَنْبٍ ﷺ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ مُعَلِّمًا.

كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي حَلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، فِي قِيَامِهِ وَفِي ظَعْنِهِ، كَانَ ﷺ دَاعِيًا إِلَى رَبِّهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ، فِي ضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ، فِي مُعَامَلَةِ الْعَدُوِّ وَالصَّدِيقِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَفِي مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.

كَانَ يَقْضِي حَاجَاتِ الْخَلْقِ، وَذَلِكَ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ، تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((بَذَلَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَبْخَلْ بِشَيْءٍ -حَاشَاهُ- ﷺ )).

نَبِيُّكُمْ ﷺ عِنْدَمَا رَجَعَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَرَجَعَ يَقُولُ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، قَالَ: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَنِي شَيْءٌ».

قَالَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «لَا وَاللهِ، لَا يُصِيبُكَ شَرٌّ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا».

عِنْدَنَا دَلَالَتَانِ:

*الدَّلَالَةُ الْأُولَى: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَتْ أَخْلَاقُهُ لَا تَصَنُّعَ فِيهَا، لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا أَخْبَرَ عَنْ أَخْلَاقِهِ، جَعَلَهَا فِي الذِّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْ سُمُوِّ الْأَخْلَاقِ وَجَلَالِهَا وَكَمَالِهَا وَبَهَائِهَا: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

وَالتَّعْبِيرُ بِـ «عَلَى» وَهِيَ الِاسْتِعْلَاءُ، فَهُوَ عَلَى الْخُلُقِ الْعَظِيمِ ﷺ، كَأَنَّهُ يَعْلُوهُ وَيَفُوقُهُ، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ﷺ، فَكَانَ هَذَا مِمَّا طَبَعَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ، وَكَمَّلَهُ بِهِ، فَكَانَ فِي بَيْتِهِ -وَفِي الْبَيْتِ تَبْدُو أَخْلَاقُ الرَّجُلِ- كَانَ عَلَى أَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الْخُلُقِ، فَهَذِهِ دَلَالَةٌ.

*وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مُحْسِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا وَاعْتِقَادًا؛ حَفِظَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ نُزُولِ الْمُلِمَّاتِ، فَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ.

قَالَتْ: «لَا وَاللهِ، لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا»، ثُمَّ ذَكَرَتِ الْعِلَّةَ: «إِنَّكَ لَتَحْمَلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ»، إِذَنْ؛ مَا دُمْتَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أَنْ يُصِيبَكَ شَيْءٌ، أَوْ أَنْ يُخْزِيكَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَوْ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ، ﷺ.

*مُسَاعَدَةُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِابْنَتَيِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ؛ لِكِبَرِ سِنَّهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}: وَهُوَ بِئْرٌ كَانُوا يَسْقُونَ مِنْهُ مَوَاشِيَهُمْ، {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ}: أَيْ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ {يَسْقُونَ}: يَسْقُونَ مَوَاشِيَهُمْ {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ}: يَعْنِي سِوَى الْجَمَاعَةِ، مُنْتَحِيًا عَنْهُمْ {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ}: تَحْبِسَانِ وَتَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنِ الْمَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ النَّاسُ وَتَخْلُوَ لَهُمَا الْبِئْرُ.

قَالَ الْحَسَنُ: تَكُفَّانِ الْغَنَمَ عَنْ أَنْ تَخْتَلِطَ بِأَغْنَامِ النَّاسِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَكُفَّانِ النَّاسَ عَنْ أَغْنَامِهِمَا، وَقِيلَ: تَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنْ أَنْ تَشِذَّ وَتَذْهَبَ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ لِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصْوَبُ: تَحْبِسَانِ وَتَمْنَعَانِ أَغْنَامَهُمَا عَنِ الْمَاءِ حَتَّى يَفْرُغَ النَّاسُ وَتَخْلُوَ لَهُمَا الْبِئْرُ.

لَا تُزَاحِمَانِ، وَهَذَا مِنَ الشُّرُوطِ، وَيَأْتِي شَرْطٌ آخَرُ فِي خُرُوجِ الْمَرْأَةِ لِلْعَمَلِ؛ أَنْ تَكُونَ مُحْتَاجَةً إِلَى ذَلِكَ حَاجَةً ضَرِورِيَّةً {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}: وَلَيْسَ هُنَالِكَ مَنْ يَسْقِي لَهُمَا، ثُمَّ إِذَا مَا خَرَجَتَا انْتَحَيَتَا جَانِبًا.

((رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْمُسِنِّينَ))

إِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ وَإِثْبَاتِ التَّيْسِيرِ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: 185].

فَمَدَارُ شَرِيعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا هِيَ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ وَدَرْءُ مَفْسَدَةٍ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا كَلَّفَ الْإِنْسَانَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ فِيهِ تَيْسِيرًا وَرَفَعَ عَنْهُ فِيهِ الْحَرَجَ.

فَتُشْتَرَطُ -مَثَلًا- الْقُدْرَةُ لِلصِّيَامِ: وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيامِ كَالْعَجْزُ الدَّائِمُ كَحَالِ كَبِيرِ السِّنِّ, أَوْ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ -أَيْ: شِفَاؤُهُ مِنْ مَرَضِهِ-.

وَالَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ لِكِبَرِهِ؛ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.

*رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ حَتَّى بِكِبَارِ السِّنِّ مِنَ الْكَافِرِينَ فِي الْحَرْبِ:

قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: ((الْمُرَادُ بِذَلِكَ: النَّهْيُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنَاهِي مِنَ الْمُثْلَةِ، وَالْغُلُولِ، وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الرُّهْبَانِ، وَتَحْرِيقِ الْأَشْجَارِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ)).

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «وَلِي عَلَيهِ مِنَ النَّظَرِ: أَنَّ قَاتَلَ (فَاعَلَ) لَا يَكُونُ فِي الغَالِبِ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ كَالمُقَاتَلَةِ وَالمُشَاتَمَةِ وَالمُخَاصَمَةِ، وَالقِتَالُ لَا يَكُونُ فِي النِّسَاءِ وَلَا فِي الصِّبْيَانِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ؛ كَالرُّهْبَانِ وَالزَّمْنَى وَالشُّيُوخِ، فَلَا يُقَاتَلُونَ».

وَفي الآيَةِ نَهْيٌ مُطْلَقٌ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ عَنْ قِتَالِ مَنْ لَمْ يُقاتِلْ؛ مِنَ النِّسَاءِ، وَالأَوْلَادِ، وَالُّشيُوخِ، وّالرُّهْبَانِ، وَكَذَلِكَ أَفَادَتِ الآيَةُ بِمَفْهُومِ المُخَالَفَةِ -وَهُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَ غَيْرِ الأَحْنَافِ- عَدَمَ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَقَاتِلْنَا كَالمَرْضَى وَالصِّغَارِ والنِّسَاءِ.

قَالَ النَّوَوَيُّ: «أجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا».

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ».

وَأَخْرَجَ مِالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ النَّفَرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَبَا الحُقَيْقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ».

كَتَبُوا أَيْضًا: «لَا يَقْتُلُ الْأَعْمَى وَالزَّمْنَى، وَلَا الرَّاهِبَ، وَلَا العَبْدَ، وَلَا يَقْتُلُ -المُجَاهِدُ- الفَلَّاحِينَ، وَلَا الصُّنَّاعَ».

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وَلَا تَعْتَدُواْ، يَقُولُ: «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ، وَالشَّيْخَ الكَبِيرَ, وَلَا يُقْتَلُ الزَّمْنَى، وَلَا الْأَعْمَى، وَلَا الرَّاهِبُ، وَلَا يُقْتَلُ العَبْدُ».

وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَدْرِكُوا خَالِدًا فَمُرُوهُ أَلَّا يَقْتُلَ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفاً»؛ وَهُمُ العَبِيدُ.

قَالَ مَالِكٌ: «لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، وَالشَّيْخُ الكَبِيرُ, وَالرُّهْبَانُ المَحْبُوسُونَ فِي الصَّوَامِعِ وَالدَّيَّارَاتِ».

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إِذَا ظَفَرَ بِالكُفَّارِ؛ لَمْ يَجُزْ قَتْلُ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا تُقْتَلُ امْرَأَةٌ، وَلَا هَرِمٌ وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ».

فدِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ، وَرَحْمَةٌ فِي الحَرْبِ.





((حُقُوقُ الْمُسِنِّينَ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- ))

1*مِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسِنِّينَ- فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: الْإِجْلَالُ وَالِاحْتِرَامُ وَالتَّقْدِيرُ:

الْإِسْلَامُ يُعْطِي الْكَبِيرَ حَقَّهُ مِنَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ، وَإِجْلَالُهُ هُوَ حَقُّ سِنِّهِ؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ فِي الْعُبُودِيَّةِ للهِ فِي أَمَدٍ طَوِيلٍ.

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُجِلَّ كَبِيرَنَا، فَلَيْسَ مِنَّا». وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

«يُجِلُّ»: يُعَظِّمُ قَدْرَهُ.

قَوْلُهُ ﷺ: «فَلَيْسَ مِنَّا»: وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ابْتَدَأَتْ بِلَفْظِ «لَيْسَ مِنَّا»، وتَعَدَّدَتْ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ:

فَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِثْلَنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِنَ الْعَامِلِينَ بِسُنَّتِنَا الْجَارِينَ عَلَى طَرِيقَتِنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا.

وَمَرَّةً قَالُوا: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا.

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ».

فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ إِخْرَاجَهُ مِنَ الدِّينِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدْعِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ مُعَاتَبَتِهِ: لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي؛ أَيْ: مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي.

وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَيْسَ عَلى دِينِنَا الْكَامِلِ؛ أَيْ: أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الدِّينِ.

فِي الْحَدِيثِ: وُجُوبُ التَّوْقِيرِ مِنَ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ؛ احْتِسَابًا وَطَلَبًا لِلْأَجْرِ كَذَلِكَ، وَرَحْمَةِ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ احْتِسَابًا وَطَلَبًا لِلْأَجْرِ، وَاتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَحِرْصًا عَلَى التَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا رَحْمَةُ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ، وَتَوْقِيرُ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ.

*وَمِنْ مَظَاهِرِ احْتِرَامِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ:

مِنْ إِجْلَالِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا أَمْكَنَ التَّوْسِيعُ لَهُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ مِنَ الشُّيُوخِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ -وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ كَمَا فِي «السِّلْسلَةِ الصَّحِيحَةِ»-: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمٌ فَأَكْرِمُوهُ».

2*مِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسِنِّينَ- فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: إِكْرَامُهُمْ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ:

عَنِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: إِنَّ مِنَ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ. وَالْحَدِيثُ حَدِيثُ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ -أَيْضًا- أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا.

وَ«الْأَشْعَرِيِّ»: هُوَ أَبُو مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

«إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ»؛ أَيْ: مِنْ تَبْجِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

«إِكْرَامَ ذَيِ الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»: تَعْظِيمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى؛ لِحُرْمَةِ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ.

فَالَّذِي يَتَدَبَّرُ مُتَأَمِّلًا يَرَى أَهْمِيَّةَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَعْلَمُ سُمُوَّ مَنْزِلَتِهَا؛ فَإِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ تَعَالَى ومِنْ تَعْظِيمِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ حَقَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ.

فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: تَأْكِيدُّ نَبَوِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ الْكِبَارِ، وَإِجْلَالِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.

وَفِيهَا: بَيَانُ فَضِيلَةِ وَأَسَاسِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، مَعَ بَيَانِ الْخَيْرِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجْتَمَعُ الْفَاضِلُ؛ لِأَنَّ خَلَلًا عَظِيمًا جِدًّا يَحْدُثُ فِي مُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا لَا يُعْرَفُ لِلْكَبِيرِ حَقُّهُ، وَالنَّبِيُّ ص شَدَّدَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.

3*مِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: أَنْ نُقَدِّمَهُمْ عِنْدَ الْكَلَامِ:

فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جُهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ، فَأَتَى يَهُودَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ.

قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِى كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ». يُرِيدُ السِّنَّ؛ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فِي الْحَدِيثِ: الْبَدْءُ بِالْكَلَامِ لِلْأَكْبَرِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ إِلَّا إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ أَعْلَمَ وَأَقْدَرَ مِنَ الْكَبِيرِ عَلَى الْبَيَانِ وَالتِّبْيِينِ.

«لَمَّا جَاءَ وَفْدٌ إِلَى عُمْرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَشَرَعَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: عَلَى رِسْلِكَ فَلْيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمْ.

فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالسِّنِّ لَكَانَ مِنْ رَعِيَّتِكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِمَجْلِسِكَ مِنْكَ.

قَالَ: فَتَكَلَّمْ بَارَكَ اللهُ فِيكَ.

تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا






وَلَيْسَ جَهُولُ الْقَوْمِ كَمَن هُوَ عَالِمٌ


فَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ






صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ».


4*مِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: الْحَيَاءُ وَالتَّأَدُّبُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ((أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، لاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا)).

فَوَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا، قَالَ النَّبِيُ ﷺ: «هِيَ النَّخْلَةُ».

فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي، قُلْتُ: يَا أَبَتِ، وَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ.

قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلَّا لَمْ أَرَكَ، وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا، فَكَرِهْتُ.

الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ سِوَى مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)).

قَوْلُهُ: ((تُؤْتِي أُكُلَهَا))؛ أَيْ: تُعْطِي ثَمَرَهَا.

قَوْلُهُ: ((لَا تَحُتُّ وَرَقَهَا))؛ أَيْ: لَا تُسْقِطُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ)): ((أَسْنَانُ)): جَمْعُ سِنٍّ بِمَعْنَى عُمُرٍ؛ يَعْنِي: كِبَارَ الْقَوْمِ وَشُيُوخَهُمْ حَاضِرُونَ، أَفَأَتَكَلَّمُ أَنَا؟!

فَمَا أَعْظَمَ أَدَبَهُ!

وَمَا أَقَلَّ أَدَبَ مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ!

فِي الْحَدِيثِ: تَوْقِيرُ الْكِبَارِ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْكِبَارُ الْمَسْأَلَةَ فَيَنْبَغِي لِلصَّغِيرِ أَنْ يَقُولَهَا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

5*حُقُوقٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ -كِبَارُ السِّنِّ بِهَا أَجْدَرُ وَأَوْلَى-:

فَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَكُمْ بِالتَّوَادِّ؛ قَالَ ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).

وَثَبَتَ فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)).

فَفي هذا الحَدِيثِ بَيَانُ عدةِ حُقُوقٍ بَينَ المُسْلِمِينَ:

*الحقُّ الأوَّلُ: السَّلامُ:

فَالسَّلَامُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ تَآلُفِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَادِّهِمْ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((وَاللهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُمْ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا مَرَّ بِهِمْ، كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِالسُّنَّةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا؛ فَلْيَقُمْ بِهَا الْآخَرُ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ السَّلَامُ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمِ الصَّغِيرُ فَلْيُسَلِّمِ الْكَبِيرُ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمِ الْقَلِيلُ فَلْيُسَلِّمِ الْكَثِيرُ؛ لِكَيْ يَحُوزُوا الْأَجْرَ.

*الْحَقُّ الثَّانِي: إِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ:

أَيْ: إِذَا دَعَاكَ إِلَى مَنْزِلِهِ؛ لِتَنَاوُلِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَجِبْهُ، وَالْإِجَابَةُ إِلَى الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ جَبْرِ قَلْبِ الدَّاعِي، وَجَلْبِ الْمَوَدَّةِ وَالْأُلْفَةِ، وَيُسْتَثْنَي مِنْ ذَلِكَ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ، فَإِنْ أَجَابَ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ إِلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا واجِبَةٌ بِشُرُوطٍ مَعْرُوفَةٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَعَلَّ قَوْلَهُ ﷺ: ((إِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ)): يَشْمَلُ حَتَّى الدَّعْوَةَ لِمُسَاعَدَتِه وَمُعَاوَنَتِهِ، فَإِنَّكَ مَأْمُورٌ بِإِجَابَةِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ إِذَا دَعَاكَ لِذَلِكَ، فَإِذَا دَعَاكَ لِتُعِينَهُ فِي حَمْلِ شَيْءٍ، أَوْ إِلْقَائِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّكَ مَأْمُورٌ بِمُسَاعَدَتِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)).

*الْحَقُّ الثَّالِثُ: إِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ:

يَعْنِي: إِذَا جَاءَ إِلَيْكَ يَطْلُبُ نَصِيحَتَكَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَانْصَحْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الدِّينِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَأْتِ إِلَيْكَ يَطْلُبُ النَّصِيحَةَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ إِثْمٌ فِيمَا سَيُقْدِمُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تَنْصَحَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ إِلَيْكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ إِزَالَةِ الضَّرَرِ وَالْمُنْكَرِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيمَا سَيَفْعَلُ وَلَا إِثْمَ وَلَكِنَّكَ تَرَى أَنَّ غَيْرَهُ أَنْفَعُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَقُولَ لَهُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِحَكَ فَتَلْزَمُ النَّصِيحَةُ حِينَئِذٍ.

*الْحَقُّ الرَّابِعُ: إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ:

أَيْ قُلْ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ؛ شُكْرًا لَهُ عَلَى حَمْدِهِ لِرَبِّهِ عِنْدَ الْعُطَاسِ، أَمَّا إِذَا عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ؛ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَلَا يُشَمَّتُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ كَانَ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يُشَمَّتَ.

وتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ فَرْضٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، فَيَقُولُ: ((يَهْدِيكُمُ اللهُ ويُصْلِحُ بَالَكُمْ)).

وَإِذَا اسْتَمَرَّ مَعَهُ الْعُطَاسُ وَشَمَّتَّهُ ثَلَاثًا فَقُلْ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ: ((أَنْتَ مَزْكُومٌ))، أَوْ ((عَافَاكَ اللهُ))، بَدَلًا مِنْ قَوْلِكَ: يَرْحَمُكَ اللهُ.

*الْحَقُّ الْخَامِسُ: إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ:

وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ: زِيَارَتُهُ، وَهِيَ حَقٌّ لَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيهِمُ الْقِيَامُ بِهَا، وَكُلَّمَا كَانَ لِلْمَرِيضِ حَقٌّ عَلَيْكَ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ كَانَتْ عِيَادَتُهُ آكَدَ.

وَالْعِيَادَةُ بِحَسَبِ حَالِ الْمَرِيضِ، وَبِحَسَبِ حَالِ مَرَضِهِ، فَقَدْ تَتَطَلَّبُ الْحَالُ كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَتَطَلَّبُ الْحَالُ قِلَّةَ التَّرَدُّدِ إِلَيْهِ؛ فَالْأَوْلَى مُرَاعاةُ الْأَحْوَالِ.

وَالسُّنَّةُ لِمَنْ عَادَ مَرِيضًا: أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيَفْتَحَ لَهُ بَابَ الْفَرَجِ وَالرَّجَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُذَكِّرَهُ التَّوْبَةَ بِأُسْلُوبٍ لَا يُرَوِّعُهُ، فَيَقُولُ لَهُ مَثَلًا: إِنَّ فِي مَرَضِكَ هَذَا تَكْتَسِبُ خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَرَضَ يُكَفِّرُ اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَمْحُو بِهِ السَّيِّئَاتِ، وَلَعَلَّكَ تَكْسِبُ بِانْحِبَاسِكَ أَجْرًا كَثِيرًا بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ.

*الْحَقُّ السَّادِسُ: إِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ:

فَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ, وَفِيهِ أَجْرٌ كَبِيرٌ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ تَبِعَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ)).

قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟

قَالَ: ((مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ)).

*الْحَقُّ السَّابِعُ: وَمِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: كَفُّ الْأَذَى عَنْهُ:

فَإِنَّ فِي أَذِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِثْمًا عَظِيمًا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأَحزاب: 58].

وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ تَسَلَّطَ عَلَى أَخِيهِ بِأَذًى؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْتَقِمُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)).

وَحُقُوقُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ))، فَإِنَّهُ مَتَى قَامَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ اجْتَهَدَ أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَضُرُّهُ.

6*مِنْ حُقُوقِ الْكِبَارِ سِنًّا وَحِكْمَةً وَعِلْمًا: تَوْلِيَتُهُمْ مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَعْلُهُمُ الْمَرْجِعَ وَأَصْحَابَ الْكَلِمَةِ:

عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بَنِيهِ فَقَالَ: ((اتَّقُوا اللَّهَ وَسَوِّدُوا أَكْبَرَكُمْ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصْغَرَهُمْ أَزْرَى بِهِمْ ذَلِكَ فِي أَكْفَائِهِمْ)). هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

* «أَبَاهُ»: أَبُوهُ: هُوَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ.

رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِدَّةَ أَحَادِيثَ، كَانَ عَاقِلًا حَلِيمًا، يُقْتَدَى بِهِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قِيلَ لِلْأَحْنَفِ: مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ؟

قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ».

«سَوَّدُوا»؛ أَيْ: جَعَلُوهُ سَيِّدًا عَلَيْهِمْ.

«خَلَفُوا أَبَاهُمْ»؛ أَيْ: قَامُوا مَقَامَ أَبِيهِمْ فِي حُسْنِ الْفَعَالِ.

«أَزْرَى بِهِمْ ذَلِكَ»؛ أَيْ: عِيبَ عَلَيْهِمْ، وَاحْتُقِرَ صَنِيعُهُمْ.

وَالْمَعْنَى: اجْعَلُوا سَادَتَكُمْ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِمْ الْمُطَاعِينَ فِي أَمْرِهِمْ أَكَابِرَكُمْ.

«فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ»؛ أَيْ: إِنَّكُمْ إِذَا سَوَّدْتُمْ أَكَابِرَكُمْ لَمْ يَزَلْ لِأَبِيكُمْ فِيكُمْ خَلِيفَةٌ، فَأَحْيُوا ذِكْرَ آبَائِكُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَحْيَيْتُمْ ذِكْرَ أَبِيكُمْ كَمَا فِي لَفْظِ: «أَحْيَوْا ذِكْرَ أَبِيهِمْ».

«أَزْرَى»؛ أَيْ: عَابَ، وَأَزْرَى بِأَخِيهِ: أَدْخَلَ عَلَيْهِ أَمْرًا يُرِيدُ أَنْ يُلَبِّسَ عَلَيْهِ بِهِ.

«أكَفْائِهِمْ». الْأَكْفَاءُ: جَمْعُ (كُفْءٍ)، وَهُوَ: النَّظِيرُ الْمُسَاويِ وَالْمُمَاثِلُ.

وَالْكُفْءُ: الْقَوِيُّ الْقَادِرُ عَلَى تَصْرِيفِ الْعَمَلِ.

«وَإِذَا سَوَّدُوا أَصْغَرَهُمْ أَزْرَى بِهِمْ ذَلِكَ فِي أَكْفَائِهِمْ»: إِذَا جَعَلُوا الصَّغِيرَ سَيَّدَهُمُ الْمُطَاعَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي نَقْصِ قَدْرِ الْأَكَابِرِ وَتَسْفِيهِهِمْ وَالزُّهْدِ فِيهِمْ، وَإِذَا سَوَّدْتُمْ أَصَاغِرَكُمْ هَانَ أَكَابِرُكُمْ عَلَى النَّاسِ.

تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، هِيَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ: مِنْ أُمُورِ الِاجْتِمَاعِ، وَضَبْطِ مَسَائِلِ الِاجْتِمَاعِ فِي تَعَامُلِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَعَامُلِ الْأَفْرَادِ فِي مْجُتَمَعَاتِهِمْ، وَفِي هَذَا ضَبْطٌ لِإِيقَاعِ الْحَيَاةِ، حَتَّى تَكُونَ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فِي هَذَا الْحَدِيث: الْحَثُّ عَلَى تَكْرِيمِ الْأَكَابِرِ وَتَبْجِيلِهِمْ وَتَعْيِينِهِمْ لِحَمْلِ مَسْؤُولِيَّاتِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ وَالْإِشْرَافِ عَلَيْهِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْإِرْشَادُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الْكَبِيرُ مِنَ الْأَبْنَاءِ هُوَ الْمَرْجِعُ وَصَاحِبُ الْكَلِمَةِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَإِذَا وُجِدَ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ أَكْبَرُ فِي الْعِلْمِ فَصَاحِبُ الْعِلْمِ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ وَالِدُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ، يَعْنِي: كَأَنَّ الْأَبَ مَوْجُودٌ وَقَامَ الْكَبِيرُ مَقَامَهُ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصْغَرَهُمْ أَزْرَى بِهِمْ ذَلِكَ فِي أَكْفَائِهِمْ، يَعْنِي: يَحْتَقِرُونَ الْكَبِيرَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الصَّغِيرَ.

7*مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ -وَكِبَارُ السِّنِّ مِنَ الْمُسِنِّينَ بِهَا أَوْلَى وَأَجْدَرُ؛ لِضَعْفِهِمْ-: الْحِرْصُ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَكَشْفِ كُرُبَاتِهِمْ، وَسَتْرِ عَوَرَاتِهِمْ، وَرِعَايَتِهِمْ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً».

النَّبِيُّ ﷺ يَجْعَلُ فِي قِمَّةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَفِي قِمَّةِ الْأَعْمَالِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ: «كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً»، وَذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْحَاجَةَ مُنَكَّرَةً لِيَدُلَّ عَلَى أَيِّ حَاجَةٍ قُضَيْتَ، قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً بِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ.

فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جَزَعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا».

وَذَكَرَ الرَّسُولُ ﷺ أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا، لَوْ تَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ فِيهِ تَأمُّلًا صَحِيحًا؛ لَعَلِمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهَا عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- لَمْ يَجْعَلِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مَقْصُورَةً عَلَى أُمُورٍ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْخَيْرَ شَائِعًا فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالصَّلَاحِ.

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟

فَقَالَ ﷺ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

((أَوْلَى الْكِبَارِ بِالْبِرِّ الْوَالِدَانِ))

إِنَّ حَقَّ الْأَبَوَيْنِ يَلِي حَقَّ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَقَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ لَيُفَرِّطُونَ فِي هَذَا الْحَقِّ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يُلْقُونَ لَهُ بَالًا!! بَلْ يَعْتَدِي الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْحَقِّ الْمَكِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23-24].

فَأَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْدَ الْأَمْرِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَبِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا؛ فَهَذَا مِنْ آكَدِ الْحُقُوقِ وَمِنْ أَجَلِّهَا.

وَبَيَّنَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ لَا يُجِيزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ سُوءٍ تَنُمُّ عَنْ ضَجَرٍ يُحِسُّهُ فِي نَفْسِهِ، فَيُعْلِنُهُ بِلِسَانِهِ، {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.

فَلَمْ يُجِزْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَتَأَفَّفَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَبَوَيْهِ إِذَا بَلَغَا الْكِبَرَ، وَصَارَا إِلَى حَالٍ لَا يَتَحَكَّمَانِ فِيهَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَيَتَأَفَّفُ مِنْهُمَا مُتَضَجِّرًا!! وَقَدْ كَانَا يَرَيَانِ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأْعَظَمَ مِنْهُ وَلَا يَتَضَجَّرَانِ، وَإِنَّمَا يَأْتِيَانِ بِهِ بِسَمَاحَةِ نَفْسٍ وَطِيبٍ خَاطِرٍ.

فَنَهَى رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ تَأَفُّفِ الْمَرْءِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ حَقَّهُمَا عَظِيمًا، وَجَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ تِجَاهَهُمَا وَاجِبًا جَسِيمًا، وَإِذَا فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)).

وَإِنَّ أَوْلَى الْأَرْحَامِ بِالرِّعَايَةِ لَهِيَ مَا يَتَّصِلُ بِالْأَبَوَيْنِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ؛ فَأَجَابَ ﷺ بِتَرْتِيبٍ وَاضِحٍ لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ؛ فَإِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟

قَالَ: ((أُمُّكَ)).

قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: ((أُمُّكَ)).

قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: ((أُمُّكَ)).

قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: ((أَبُوكَ)).

فَذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ لِلْأُمِّ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ﷺ مِرَارًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَبَ بَعْدُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ الْوَالِدَ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: ((الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَخُذْ أَوْ فَدَعْ))؛ يَعْنِي: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ مِنْ أَوْسَطِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَدُونَكَ بِرَّ أَبِيكَ؛ فَإِنَّ أَبَاكَ هُوَ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ)) بِسَنَدِهِ عَنْ أُمِّنَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: ((أُرِيْتُ فِي الْمَنَامِ فِي الرُّؤْيَا أَنِّي كُنْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟))

قَالُوا: هُوَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كَذَاكِ الْبِرُّ، كَذَاكِ الْبِرُّ))، وَكَان بَرًّا بِأُمِّهِ.

فَأُرِيَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الرُّؤْيَا، وَسَمِعَ تِلَاوَتَهُ لَمَّا قَبَضَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الْجَنَّةِ؛ لِبِرِّهِ بِأُمِّهِ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ-.

((ثَمَرَاتُ رِعَايَةِ كِبَارِ السِّنِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ))

*اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يُخْزِي مَنْ يُعِينُ الْمُحْتَاجِينَ وَالضُّعَفَاءَ الْمَسَاكِينَ -خَاصَّةً مِنَ الْمُسِنِّينَ-:

قَالَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «لَا وَاللهِ، لَا يُصِيبُكَ شَرٌّ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا».

*رِعَايَةُ الْمُسِنِّينَ -خَاصَّةً الْوَالِدَيْنِ- سَبَبٌ فِي تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ.

فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ.

فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ)).

وَأَمَّا ثَمَرَاتُ رِعَايَةُ الْمُسِنِّينَ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ: بِرَحْمَةِ الْكَبِيرِ لِلصَّغِيرِ، وَتَوْقِيرِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ يَحْصُلُ التَّآلُفُ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَات، وَالـتَّآخِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ اللَّهِ، لَا مِنْ أَجْلِ الْأَنْسَابِ وَالْأَحْسَابِ، وَلَا لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ رَجَاءُ ثَوَابِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الرابط
موقع تفريغات الشيخ رسلان حفظه الله تعالى
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 Jan 2018, 06:41 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

تبيين للحديث في اكرام كبير السن
و خاصة اهل العلم من مشايخنا

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showt...4668#post84668
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 Jan 2018, 07:09 PM
عبد السلام تواتي عبد السلام تواتي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 244
افتراضي

كلمة للعلامة المربي أ.د. سُلَيْمان الرّحَيْلي
بتاريخ ظ*ظ،/ظ*ظ¨/ظ،ظ¤ظ£ظ¥
عنوان الخطبة مكارم الاخلاق


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ (آل عمران102) .
ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًï´¾ (النساء1) .
ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ï´¾ (الأحزاب70-71) .
أما بعد: فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
ثم يا عباد الله:
إن الله بعث رسله ليدعو إلى التوحيد، وإلى مكارم الأخلاق، وإن محمدًا بن عبد الله بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، فديننا دين الأخلاق الكريمة، ديننا دين الأخلاق الحسنة، أعلى من شأن الأخلاق، ولذا قال ربنا -سبحانه وتعالى- في حق نبينا ï·؛: ï´؟وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظيمï´¾ (القلم ظ¤) لنتأسى بهم ونقتدي بهم في هذه الأخلاق العظيمة وبيّن النبي ï·؛ عظم شأن الأخلاق، فبَيّن أن ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وبين أنّه ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن، وأوصى ï·؛ بمخالقة الناس بالخلق الحسن فأوصى معاذًا ط“ بقوله: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كنت و أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا و خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ«، و إن الأمة يا عباد الله لا تزال بخير ما قامت فيها الأخلاق فإن قَلَّت الأخلاق أو عدمت الأخلاق فإن هذا نذير سوء، ولذا يا عباد الله ينبغي على أفراد الأمة أن يحرصوا على العمل بالأخلاق الحسنة، وأن يتواصو فيما بينهم بتلك الأخلاق، لا سيّما ما قل به العمل من الأخلاق أو كاد أن يذهب.
وإن من الأخلاق الكريمة التي جاء بها الإسلام وأصبح العمل يقل بها في زماننا هذا الإكرام، فإكرام المسلم للمسلم خلق عظيم جاء به ديننا ويعظم الإكرام في حق فئات حث النبي ï·؛ على إكرامها، ومن ذلك ما جاء في قول النبي ï·؛: « إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِى عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِى السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ » أي ذو الشيبة المسلم ، كبير السن من المسلمين، عَلَّمته التجارب وحَنَّكته الدنيا وهو أكبر منك سنًا وأقدم إسلامًا ، عَبَدَ الله من الوقت أكثر مما عبدت، فهو حقيق بأن تكرمه يا عبد الله!
ذو الشيبة المسلم يُكرم بكل ما جرت العادة أن يكرم به ما لم يخالف ذلك شرع الله ، ومن ذلك أنّه يُقدّم في الكلام إلا إذا وجد سبب يقتضي خلاف ذلك ولذا قال النبي ï·؛ «كَبِّرْ كَبِّرْ» ومن هنا أخذ العلماء أن كبير السن يقدم فيما ينبغي أن يقدم فيه، كدخول المكان أو الكلام أو غير ذلك.
ومن إكرامه ياعباد الله أن يعرف له حقه، وأن يُجلّ، ولذا قال النبي ï·؛: «منْ لمْ يرحمْ صغيرَنَا، و يعرفْ حقَّ كبيرِنا، فليسَ منَّا »، وفي رواية قال ï·؛: «مَنْ لـَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا ويُجِلّ كَبِيرنِا فليس منا» .
ومن إكرامه يا عباد الله أن يوسع له في المجلس، وأن يقدّم في المجلس وأن لا يترك واقفًا، جاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبيَّ ï·؛ فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ. فَقَالََ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبيرَنَا».
ومن إكرامه يا عباد الله أن يُبدأ بالسلام، يُسلم الصغير على الكبير.
ومن إكرامه يا عباد الله أن يُؤتى إليه في بيته وأن يزار في بيته. عندما فَتَحَ النبي ï·؛ مَكَّةَ ، جاء أَبُو بَكْرٍ الصديقط“بِأَبِيهِ وقد كان شيخًا كبيرًا يَقُودُهُ وفي رواية يحمله إلى رسول الله ï·؛ ، فَلَمَّا نظر إليه النبي ï·؛ قَالَ : « هَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ ، وأَنَا آتِيهِ » -الله أكبر!- إنه خلق عظيم يا عباد الله! وقد كان كبار السن قبلنا يُربُّون الصغار على هذا الخلق العظيم، وكان الطفل يرى كبار السن كأبيه من جيرانه وأقاربه، يقبل الكِبَاُر الصِغَارَ من الجيران وغيرهم، وكان الصبي يسمع كلام الكبير، إلّا أنه وللأسف الشديد في زماننا هذا قلت التربية على هذا الخلق، بل جُرئ الصغار على الكبار فأصبح الصغير لا يوقر الكبير ، يرى الكبير ولا يحترمه؛ بل بلغنا والعياذ بالله أنّ الصغارقد يعتدون على الكبار ، بل بلغ الشأن والعياذ بالله أنّ الولد يعتدي على أبيه الكبير! إذا بلغ منا هذا الحال فأيُّ سوء نحن فيه؟!
فعلينا أن نتنبه لهذا الأمر ،وأن نربي أبناءنا على هذا الخلق الكريم.
وإنّ من خلق الإكرام إكرام حامل القرآن الذي حفظ كلام الله -سبحانه وتعالى- وعمل به وكان على سنة غير غال مبتدع ولا جاف مقصر ، كيف لا يكرم وهو يحمل كلام الله ويقوم بحقه ؟!
ومن هنا أخذ العلماء أنّه ينبغي على المسلمين أن يكرموا العلماء ،وأن يقوموا بحقهم، وأن يعرفوا لهم فضلهم، وأن يستغفروا لهم ،وأن يصونوا أعراضهم، وينبغي على حامل القرآن أن أن يكرم نفسه بلزوم سنة رسول الله ï·؛ والحذر من البدع وأهلها، والبعد عن الفسق والفساق بأن يحرص أن يكون طائعًا لله، مُتبعًا لرسول الله ï·؛ فإنه إن ترك هذا يكون قد عرّض نفسه للإهانة، ولذا ورد عن بعض السلف أنّه قال: (رُبّ قَارِئ لِلْقُرْآنِ والقُرْآنُ يَلْعَنُهُ) وذلك يا عباد الله إذا لم يُقم حدود القرآن ولم يلزم سنة خير ولد عدنان ï·؛ .
وإن من هذا الخلق العظيم يا عباد الله إكرام ذي السلطان المقسط، السلطان ولي أمر المسلمين، له منزلةٌ عليّةٌ في ديننا لأنه يقوم بمصالح المسلمين العامة، وهو مؤتمن عليها ولذا شُرعَ لنا أن نكرمه، يقول النبي ï·؛: « مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ، أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " » ويقول النبي ï·؛: « خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ -سبحانه وتعالى-: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا، أَوْ دَخَلَ عَلَى سُلْطَانٍ يُرِيدُ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ » أي كان أجره مضمونًا ومنها: أن يدخل على ولي الأمر يريد تعزيره وتوقيره إمتثالا لأمر الله-سبحانه وتعالى-.
ومن إكرام السلطان يا عباد الله أن تكف الألسنة عنه، وأن لا تنشر عيوبه وأن لا يُساب ولا يشتم، جاء أحد الولاة فصعد المنبر وكان يلبس ثيابا رقاقا فقال أبو بلال مرداس الخارجي : (أنظروا إلى أميركم هذا يلبس لباس الفساق)، و كان أبو بكرة ط“ الصحابي الجليل قاعدا في أصل المنبر فناداه وقال: لا تهنه! فإني سمعت رسول الله ï·؛ يقول : «من أهان سلطان الله أهانه الله »
ومن إكرامه أن تُبذل له النصيحة بالطرق الشرعية فهذا من الإكرام والأخلاق العظيمة يقول النبي ï·؛: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
إذا رأى الإنسان على ولي الأمر ما يحتاج معه إلى النصيحة فينبغي أن لا يعلنها، وأن لا ينشرها، وإنما ينصح ولي الامر في سرّ بينه وبينه حتى لا يهيج العامة على ولي أمرها، يقول النبي ï·؛: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ»
من إكرام ولي الأمر يا عباد الله أن يسمع له ويطاع في غير معصية الله -سبحانه وتعالى-فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الله-سبحانه وتعالى-.
على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
الله أكبر يا عباد الله؛ ديننا الكريم ما ترك خيرا إلّا دلنا عليه ومنه هذا الخلق الكريم ، فينبغي علينا يا عباد الله أن نمتثله بأنفسنا وأن نعمل به في أنفسنا مع أبنائنا ووالدينا وجيراننا وإخواننا القادمين علينا من غير بلادنا، نكرم بعضنا بعضا، ونحرص يا عباد الله على إكرام من أمر رسول الله ï·؛ بإكرامه تقربا إلى الله، وامتثالا لشرع الله، لا تقربا لأحد من الناس ولا ..لأحد من الناس لا نريد جاها ولا منصبا ولا مالًا، ولكن نريد أن يرضى عنا رب العالمين لأننا قد امتثلنا شرعه، وامتثلنا أمره، حتى نكون من الفائزين عند لقائه -سبحانه وتعالى-فإنه ما منكم من أحد يا عباد الله إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ،وينظر أشمل منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة! وإن اتقاء النار يا عباد الله يكون بأن تقهر هواك لتطيع مولاك -سبحانه وتعالى-.
فاتقوا الله عباد الله واسمعوا وأطيعوا لعلكم تفلحون.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فيا عباد الله إنّ ربنا -سبحانه وتعالى-يقول: ï´؟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ï´¾ ( الطلاق: 2)
وسئل الرسول ï·؛: من أكرم الناس؟ قال« أتقاهم لله» ، ومن أكرمه الله يا عباد الله يجب على المؤمنين أن يكرموه، فيجب علينا يا عباد الله أن نكرم الطائعين لله الذين يظهر فيهم الخير والاتباع لرسول الله ï·؛ نكرمهم ونقدمهم ونصون أعراضهم، وإنّ سب أولئك يا عباد الله من أعظم المصائب، أن يُسب الصالحون من عباد الله ولذا قال العلماء: إذا سُبَّ الصالح؛ إن سُب لذاته فهذا فسق! لقول النبي ï·؛: «سِبَابُ المُسْلِم فُسُوقٌ» وإن سُبَّ من أجل دينه فذلك والعياذ بالله كفر! لأنه سبٌّ لدين الله عزّ وجل ، فاتقوا الله عباد الله وأكرموا من أكرمه الله -سبحانه وتعالى-.
يا ابن آدم إعمل ما شئت؛ فإنك ملاقيه، وأحبب من شئت؛ فإنّك مفارقه، وكن كما شئت؛ كما تدين تدان، وبقاؤك في الدنيا قليل ،وعما قريب سينادى بالرحيل وتقف بين يدي الرحمن عزّ وجل فاتق الله في نفسك ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور، إلزم دين الله، واستقم على دين الله، فإن لك في ذلك سعادة الدنيا والفوز بالجنة يوم القيامة ، فاتقوا الله عباد الله واشكروا الله على نعمة الإسلام بحسن الاستقامة على الدين والحذر من البدع والمخالفات الشرعية.
ثم اعلموا رحمني الله وإيّاكم أنّ الله أمرنا بأمر عظيم شريف بدأ فيه بنفسه ثم ثنى بملائكته فقال عزّ من قائل : ï´؟ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ (الأحزاب 56) وقال ï·؛ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ بِها عَلَيْهِ عَشْرًا» ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد وسلم تسليما كثيرا ، وارض اللّهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللّهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللّهم عن الصحابة أجمعين، وارض عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين .
اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها يا ربّ العالمين!اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها يا ربّ العالمين! اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها يا ربّ العالمين!.
اللهم قربنا من كل ما تحب ! اللهم قربنا من كل ما تحب! اللهم قربنا من كل ما تحب يا ربّ العالمين!
اللهم ما علمته فينا من خير اللهم ثبتنا عليه يا رب العالمين! وزدنا من الخير يا ربنا يا ربّ العالمين!
وما علمتنا عليه من سوء اللهم فاصرفنا عنه واصرفه عنا يا رب العالمين!
اللهم ما علمتنا عليه من سوء اللهم فاصرفنا عنه واصرفه عنا يا رب العالمين!
اللهم ما علمتنا عليه من سوء اللهم فاصرفنا عنه واصرفه عنا يا رب العالمين!
اللهم إنا عباد من عبادك؛ مذنبون أكثرنا من الذنوب، اجتمعنا في بيت من بيوتك نؤدي فريضة عظيمة من فرائضك، نرجو رحمتك ونخاف عذابك ، اللهم فاغفر لنا أجمعين، اللهم فاغفر لنا أجمعين، اللهم فاغفر لنا أجمعين ، اللهم ارحمنا يا ربّ العالمين!.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولأهلنا وللمسلمين والمسلمات يا رب العالمين!.
اللهم بارك لنا في أعمارنا، اللهم بارك لنا في أعمالنا، اللهم بارك لنا في أرزاقنا، اللهم بارك لنا في أهلنا، اللهم بارك لنا في جيراننا، اللهم بارك لنا في بلادنا، اللهم بارك لنا في ولاة أمرنا يا رب العالمين! .
اللهم وفق أمير البلاد إلى كلّ خير يارب العالمين ، اللهم قربه من الخير والأخيار وباعد عنه الاشرار يا رب العالمين اللهم املأ قلبه رحمة بالرعية واملأ قلوب الرعية محبة له يا رب العالمين! .
اللهم يا ربنا نسألك كما جمعتنا في هذا اليوم المبارك في هذه الساعة المباركة أن تجمعنا ووالدينا ومن يحبك في الفردوس الأعلى أجمعين!.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والبغي والمنكر يعظكم لعلكم تذّكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون !.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
حديث

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013