إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ، أما بعد ؛
لم يكن الفخر الرازى من ذوي الاختصاص في علم الحديث حتى يستطيع تمييز صحيح الأخبار من سقيمها ، وطيبها من خبيثها ، بل تفسيره ليس على منهج السَّلف الصَّالح حيث ردَّ الكثير من الآيات والأحاديث واستطرد في ذكر الشُّبه ؛ حتى قيل فيه : "يذكر الشبهة نقداً ، ويجيب عليها نسيئة" !! . وتوسع كثيراً في العلوم العقلية ، حتى قيل في تفسيره أنه حوى كل شيء إلا التفسير !!
ولقد أشار الى ذلك الحافظ الذهبى فقال عنه فى "ميزان الاعتدال"(340/3) : "رأس في الذكاء والعقليات ، لكنه عرى من الآثار" اهـ ..
كذلك أشار الشيخ الألبانى الى ذلك فقال عن تفسيره فى "السلسلة الضعيفة" (650/10) : "وهو محشو بالأحاديث الباطلة والموضوعة" اهـ ...
كما أشار أيضا الى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال فى "مجموع الفتاوى " (71/4) : "فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يعدون به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلما وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواترعند أهل العلم بالحديث وبين الحديث المفترى المكذوب وكتبهم أصدق شاهد بذلك ففيها عجائب " اهـ
وسنورد بعض الأمثلة التى تؤكد ذلك :
أولا :قال الفخر الرازى فى تفسيره (155/1) : قال عليه الصلاة والسلام : "من رفع قرطاسا من الأرض فيه «بسم الله الرحمن الرحيم» إجلالا له تعالى كتب عند الله من الصديقين ، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين " اهـ .
قلت :هكذا يذكر الحديث بصيغة الجزم (قال) ! والحديث أخرجه ابن عدى فى "الكامل" (100/6) بلفظ : "من رفع قرطاسا من الأرض فيه بسم الله الرحمن الرحيم إجلالا لله أن يداس كتبه الله من الصديقين وخفف عن والديه، وإن كانا مشركين".
وقال عنه الحافظ الذهبى فى "ميزان الاعتدال" (189/3) : "هذا غير صحيح." ، وحكم بوضعه الألبانى فى "الضعيفة"(438/1) وأخرجه أبو نعيم فى "تاريخ أصبهان "(44/2) بلفظ : "من رفع قرطاسا من الأرض فيه اسم من أسماء الله إجلالا لله عز وجل أن يداس عليه كتب عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا مشركين" .
ثانيا : "قال الفخر الرازى عند تفسير قوله تعالى : ((وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون )). قال فى تفسيره" 519/3 : " ثم إنه تعالى أحياهم فقاموا ونظر كل واحد منهم إلى الآخر كيف يحييه الله تعالى ، فقالوا : يا موسى إنك لا تسأل الله شيئا إلا أعطاك فادعه يجعلنا أنبياء ، فدعاه بذلك فأجاب الله دعوته" اهـ .
قلت : وهذه القصة لا أدرى ما سندها ؟ ، وقد استغرب ابن كثير من ايرادها ، قال ابن كثير فى "تفسيره" (265/1) : " وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين: أنهم بعد إحيائهم قالوا : يا موسى ، إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك ، فادعه أن يجعلنا أنبياء ، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته ، وهذا غريب جدا ، إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون" اهـ
ثالثا : قال الفخر الرازى فى "تفسيره" (226/1) : "قال عليه السلام: «الصلاة معراج المؤمن» اهـ .
قلت : هكذا ذكر الحديث بصيغة الجزم !! ولقد بحثت كثيرا عن سند هذا الحديث فلم أظفر به !
رابعا :قال الفخر الرازى فى "تفسيره" (154/16) : "قال عليه الصلاة والسلام : «من أخلص لله أربعين صباحا ، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» اهـ .
قلت : هكذا ذكر الحديث بصيغة الجزم (قال ) !! ،والحديث حكم بوضعه الصاغانى فى كتابه "الموضوعات "(68/1) ، وأورده بلفظ : "من أخلص لله أربعين صباحا ، نور الله قلبه ، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ".
وحكم الشيخ الألبانى رحمه الله بضعفه وأورده فى "الضعيفة " (111/1) بلفظ : من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه: ورواه ابن عدى فى "الكامل"(534/6) بلفظ : "من زهد في الدنيا أربعين يوما وأخلص فيها العبادة أخرج الله تعالى على لسانه ينابيع الحكمة من قلبه" ثم قال : "وهذا متنه منكر" اهـ
الفخر الرازي حاطب ليل في علم الحديث
العرض العادي
