منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » قــســـــــــــم الأخــــــــــــوات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03 Jan 2019, 01:48 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي فضائل الصدق.













فضائل الصّدق



الخطبة الأولى


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:


فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، من الأخلاق التي دعا الإسلام إليها ورغّب فيها خُلُقُ الصّدق، فالصّدق رأس الفضيلة، وأجمل خلق حميد اتّصف بها الإنسان فيزداد هيبةً ووقارا، إن الصدق ضرورة لانتظام العالم، ففيه تحفظ الحقوق وتصان النفوس ويتم النظام ويعيش الناس أمناً واطمئنانا،

حقيقة الصّدق: الإتيان بما يطابق الواقع وإظهار الحقيقة على حقيقتها، فهو عنوان الإسلام وميزان الإيمان وأساس الدّين وخصلة حميدة في حق مَن اتّصف بها، خصلة كمال في حقّ مَن اتّصف بها، وقد أمر الله عباده المؤمنين بلزوم الصّدق وصحبة الصّادقين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، كونوا مع الّذين صدقوا الله في إيمانهم به: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ).


أمّة الإسلام، للصدق في الإسلام فضائل عديدة، فمن فضائل الصدق:

- أنّ الصّدق صفة من صفات ربّنا جلَّ وعلا: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)، ويقول أهل الجنّة إذا دخلوها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ)، والله يقول: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا)، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)،.

الصّدق خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم في جاهليّته قبل أن يُوحَى إليه ثم ازداد صدقاً ويقينا صلى الله عليه وسلم، فهو الصّادق الأمين معروف بذلك قبل الإسلام لما أراد الله به من الخير للعالم، فإنّ الله جبله على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، قال لقريش يوما:"لو أخبرتكم أن جيشا بهذا الوادي أكنتم مصدّقيّ؟"، قالوا: ما جرّبنا عليك كذبةً قط.


وسأل هرقل أبا سفيان أثناء كفره عن محمد صلى الله عليه سول قائلا: ماذا يأمركم به؟ قال: يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ودعوا ما كان يعبد أسلافكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والصّلة والعفاف.

ولمّا اختلفت قريش قبل مبعثه بخمس سنين بعدما بنوا بيت الله الحرام وأرادوا وضع الحجر الأسود واختصموا، كلٌّ يقول إنّه أولى بذلك اتّفقوا على أن يحكمه ا أوّل داخل لهذا المسجد الحرام فيجعلوا حكماً بينهم، فما هو إلاّ أن أطلّ محياه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فلمّا نظروا إليه قالوا: هذا الصّادق الأمين رضينا به حكما (صلوات الله وسلامه عليه)، فجاءهم وأمرهم أن يضعوا الحجر الأسود في كساء ثم تحمل كل قبيلة جزء منه ثم هو الذي يضعه بكفه الكريم صلوات الله وسلامه عليه،


-والصّدق خُلُقُ أنبياء الله الذين اختارهم الله لإبلاغ شرعه ونصيحته للأمم قال الله جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً)، وقال عن نبيّه إسماعيل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)، وقال عن إدريس: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً* وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً)، وقال أيضاً عن يوسف عليه السلام تخبر: (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)، وقال عن مريم: (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ).


-أيُّها المسلم، ومن فضائل الصّدق أنّه صفة أهل الإيمان في إيمانهم قال جلَّ وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

من فضائل الصّدق أنّه سبب لدخول الجنّة قال الله جلَّ وعلا: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الصِّدْقَ ليَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ ليَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ولا يزال العبد يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا


من فضائل الصدق أنّ صاحبه مرافق للنبي صلى الله عليه وسلم في جنّات النعيم قال الله جلَّ وعلا: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً).

- ومن فضائل الصّدق أنّ الله وعده بالثواب العظيم: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).


من فضائل الصّدق أنّه ينجّي أصحابه من المضايق والمهالك، فالثلاثة الذين تخلّفوا يوم تبوك قال كعب بن مالك: يا رسول الله لقد أتيت جدلاً أستطيع التّخلّص من الموقف ولكن أصدق الله وأرجو أن يكون خيرا: فتاب الله عليهم: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).


من فضائل الصدق أنّه خُلُقُ المؤمن كما أنّ الكذب خُلُقُ المنافق يقول صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ"، أمّا المؤمن عكس ذلك إذا حدّث صدق.


من فضائل الصدق أنّه طمأنينة وسكينة يقول صلى الله عليه سلم: "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ، والصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ


من فضائل الصّدق البركة في الرزق في البيع والشراء يقول صلى الله عليه وسلم: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا


من فضائل الصدق أنّ الناس يثقون بالصّادق في أموره كلّها ويطمئنون إليه لعلمهم بصدقه وأنّه على الحق لا متظاهر بخلاف ما يعتقد.

- ومن فضائله: إجابة الدعاء الصّادق يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".


أيّها المسلم، والصّدق له مجالات عظيمة سواء كان بين العبد وربّه، أو في تعامله مع نفسه، أو مع الناس، أو في أقواله وأعماله، وأعظم من ذلك صدقه مع ربّه في الأقوال والأعمال، في الظاهر والباطن، في الطاعة والإتّباع وتكون حركاته وسكراته فيما يرضي الله عنه فيكون صادقاً في دينه، صادقاً في إيمانه بعيدا عن النّفاق والخداع،


وكذلك الصدق في التّعامل مع نفسك فتترك خداعها وإهمالها وتقف معها لحظات تحاسبها لكي تمسك زمامها فلا تطغي عليك ولا تخرجك عن الطريق المستقيم "كلّ الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها



وتعاملك مع النّاس بحب الخير لهم والنُّصح لهم وحسن التعامل معهم والبعد عن غشّهم وإلحاق الضرر بهم وأنت صادق فيما تقول، فالصّدق وِسَام شرف يحمله الصادق ويطمأن إليه، وأنت صادق فيما أوكل إليك من عمل فتتقنه وتؤدّيه على الوجه المطلوب، ورحم الله عباداً عمل عملا فأتقنه.


أيّها المسلم، لقد أثّر الصّدق على الصّادقين، فظهر منهم العجائب في صدقهم. فـأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أصدق الناس إيمانا أصدقهم يقينا. ظهر الصدق عليهم في أحوالهم كلّها، فهذا أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه صدق رسول الله و كذّبه الناس وتخلّى عنه الناس فكان صدّيق هذه الأمّة ولهذا لقب بـالصّدق الصِّدِّيق: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، فكان أسرع الناس في تصديق رسول الله صلى الله وسلم وأسبقهم في تأييده. فكان أفضل الصحابة رضي الله عنه بل هو أفضل خلق الله بعد الأنبياء رضي الله عنه وأرضاه. أنس بن النضر يوم أحد فأتوا يوم بدر فقال: لئن بلغني الله مشهد مع نبيّه ليرني الله منّي ما أفعل وكره أن يقول أكثر من ذلك، فلمّا كان يوم أحد وانكتما الصحابة وقال: اللّهم إني أبرأ إليك مما فعله المشركون وأعتذر إليك مما فعله أصحابي، فالتقى بسعد بن معاذ، وقال يا سعد: آهن لريح الجنّة أني لأجدها من دون أحد فتقدم وقاتل حتى قتل، قالت أحد قريباته: وجدنا فيه بضعاً وثمانين ما بين ضربة بالسيف، وطعنةٍ برمح، ورميةٍ بسهم، قال أنس: كنّا نتحدث عن هذه الآية نزلت فيه وأمثاله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً


الصدق حمله سعد بن أبي وقاص للدفاع عن الرسول يوم أحد أعطهم فيقول: ارمهم فداك بأبي وأمي، وأبو دجانه يدنس عن رسول الله ويتلقى النبلة في ظهره صابراً متحسباً حتى فرج الله عن نبيّه صلى الله عليه وسلم،


هذا الصدق الذي أوصلهم وبلّغهم تلك المنازل العالية. الصدق في أصحاب رسول الله، صدقوا الله في إيمانهم، فتأتيهم الأوامر الشرعية تخالف الأهواء، فيستجيبون لذلك. لمّا أنزل الله تحريم الخمر قال أنس: كنت أسقي أبا طلحة، فلمّا بلغ النهي قال: أرقه أرقه، قال: استقبل الصحابة برواية الخمر إلى الأسواق وشنها في الطرقات وتخلّوا عنها في أسرع وقت، فلمّا بلغهم أنّ القبلة تحوّلت إلى الكعبة وهم يصلّون، تحوّلوا. يا معاشر المسلمين لقد أنزل على الرسول في البارحة من الكتاب وأمر باستقبال القبلة وكانوا في قباء، قالوا: فتحوّلوا نحوا القبلة رضي الله عنهم وأرضاهم.


من صدقهم أنّهم صبروا في نشر الدّين ونصر الإسلام. حملوا هذا الدّين بعد نبيّهم إلى الأرجاء المعمورة. فنشروا دين الله بصدق وأمانة وعدل وإيمان وإنصاف -لا غلو ولا تفريط- ولكن بصدق وأمانة حملوا هذا الدّين وبلّغوه من بلغوا هذا العالم بصدق وأمانة وعفة ونزاهة. فرضي الله عنهم ورضوا عنه وجازاهم عن نبيّه وعن الإسلام خيرا.


أيها المسلمون، هكذا أثر الصدق، فلنصدق الله في إيماننا، ولنصدق الله في إخلاصنا، ولنصدق الله في أعمالنا كلها، فلا ينجينا من عذاب الله إلاّ صدقنا العظيم الذي نلتزم به ، نخالف المنافقين الذين كذبت ألسنتهم وكذبت قلوبهم، لكن المؤمن صادق في قوله، صادق في فعله، صادق في تصرّفاته كلها،


أقولٌ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.


الخطبة الثانية




الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:


فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، الصدق ملازم للمؤمن في كل أحواله في كل تصرّفاته، كثيرها وقليلها، ما أحوجنا إلى الصدق في تعاملنا، ما أحوجنا إلى الصدق في مناهج حياتنا بأن تكون أعمالنا ومنهج حياتنا مسبوغة بتعاليم هذا الدّين، فننطلق منه لأمورنا كلها على وفق ما شرع الله لنا ورسوله، ما أحوجنا إلى الصدق في توبتنا إذا تبنا إلى الله ، إقلاع عن الخطأ، وندم على ما مضى، وعزيمة على أن لا نعود، ورد المظالم إلى أهلها،


ما أحوجنا إلى الصّدق في توكّلنا على الله واعتمادنا عليه
، ما أحوجنا إلى الصدق في استقامتنا ومراقبة أحوالنا، ما أحوجنا إلى الصّدق في تطهير بيوتنا عما يخالف شرع الله، ما أحوجنا إلى الصدق في مجالسنا بأن تكون مجالسنا مجالس خير وهدى لا غيبة ولا نميمة ولا بهتان ولا قيل وقال ممّا يخرج عن الشرع والدين.
ما أحوجنا إلى الصدق في أقوالنا بأن تكون أقوالنا أقوال صادقة بعيدا عن الكذب والافتراء، ما أحوجنا إلى الصدق في تعاملنا مع أبوينا لاسيما عند كبرهما فلنصدق في برّهما والإحسان إليهما وخدمتهما والقيام بواجبهما،


ما أحوجنا إلى الصدق في تعامل مع زوجتنا مع أبناءنا وبناتنا التعامل الصحيح
الذي نؤدي به الواجب ونغرس في الفضائل، ما أحوجنا إلى الصدق في حب أوطاننا والدفاع عنها ومنع كل المفسدين والمجرمين والأخذ على أيدي المفسدين والمتربّصين بالأمّة الدوائر، ما أحوجنا إلى الصدق أيضا في تعاملنا مع ولاة أمرنا بمحبتهم وطاعتهم بالمعروف وجمع الكلمة عليهم وتحبيب رعيّتهم والسعي فيما يجمع الكلمة ويوحّد الصف،



ما أحوجنا أيها المسلم إلى الصدق في إعلام يكون صادقا في مهمّته بما يسطّر بيمينه ويخطّه بقلمه ممّا ينفع الأمّة ويسعدها بعيدا عمّا في التّشنيع والافتراء والكذب والأباطيل بل يكون صادقاً في إعلامه صادقاً في اطرحيته صادقاً في نقاشه،


ما أحوجنا إلى خطيب ذا فهم يبصّر الأمة وينشر الخير ويتحدّث عن مشاكلها بعيدا عن الغلو والتّطرّف، ما أحوجنا إلى واعظ وداعي إلى الله يدعو على علم وبصيرة في دين الله ، فينشر الخير ويدعو إلى الخير،


ما أحوجنا أيها المؤمن إلى صدق مسئول يتولّى شأن الأمّة ومعايشها وحاجاتها بأن يكون صادقاً في ولايته متّقي الله، يهتم بما يصلح وينفع وبما يخدم الأمة وبما يحقّق الخير في حاضرها ومستقبلها على قدر جهته لا يكون همّه أن يكون ظاهر في وسائل الإعلام متحدّثا أو همّه أن يجمع مالاً من وراء ذلك ولكن همّه الوحيد أن يكون صادقاً في تحقيق ما أوكل إليه وما أمتنّ عليه من مسئوليه لعلمه أن الله سأله عن ذلك،


ما أحوجنا إلى مَن يفقه الأمّة في اقتصادها ونظمها
، فينظر بالواقع والمستقبل لما يجلب الخير والسعادة صادقاً في تخطيطه وما يناسب الأمّة في حاضرها ومستقبلها حريصا على تحرير الخير لها، ما أحوجنا إلى مستشار صادق يشير بالخير ويدعو إليه، ما أحوج الأمّة إلى صدق فيماً يحقق لها أمنياً واستخباريا فيدرس حال الأمة وما يخطط الأعداء لهذه الأمّة لأنّ الأمّة بأمس حاجة إلى مَن يخطط أمرها ويكشف لها الحقائق عمّا يريده أعداؤها ويتربصّون بها ليتّخذ المواقف المناسبة في كل أحوالها وتتعامل مع الواقع بما يحفظ كيان الأمّة وانتظام شملها وبعدها،


ما أحوج الأمة إلى صادق في اقتصاد الأمّة يخطط في اقتصادها تخطيطاً سليماً يبعدها عن كل ما يؤدي إلى التضخم والباطل، وإنّما يحرص على أن يكون تخطيطه خططاً مستقبلية ذا طابع إخلاص،


فالإخلاص هو المطلوب منا جميعاً
، فالصدق في الأحوال هو المطلوب منا. فإنّ الصدق سبب للنجاة في الدنيا والآخرة ، فلنكن من الصادقين، ولنكن مع الصادقين، ولنروّض أنفسنا أن نصدق الله في أقوالنا وأعملنا وأماناتنا ومسئولياتنا ، فإنّ الله سأل عن كل مَن استرعاه، فصدق المسئول الذي يصدق في مهمّته وفي رعيّته والنظر إلى مصالحهم في الحاضر والمستقبل، وكل مسئول فيما تولاّه مسئوليه ذلك سبيل النجاة، إنما نجاة الأمّة من الكذب والافتراء والدجل والإخبار بخلاف الواقع والتحدث عن غير سبيل،



إن الأمّة بحاجة إلى صدق، الصدق الذي ينفع الأمّة في حاضرها ومستقبلها. فالكل مسئول والكل مؤتمن على أمر الأمّة. فإنّ الصدق لازمه صدق في تخطيطه واعتاده صدق في إخباره لا يخبر بخلاف الواقع ولا يدّعي ما لم يعمل فالمتشبّع بما لم يُعطَ زور.


لابد من الصدق في التعامل مع الأمّة بمشاريعها ومسئولياتها وما يعد لها وما يهيّأ لها، فالصادق في تنفيذ مشاريع الأمّة صادق في حقيقته ينظر واقع ويحاسب المقصر ويعاتب المقصر ولا يرضى بالتقصير والإهانة بل يرى من تحته صدقه وإخلاصه ويقتدون به ويتأسّون به لا يرون طماعاً في مال يأخذه وإنما هو صادق فيما يخص الأمّة وما يخطط لها وما يرسم لها لأنّه صادق مؤمن بأمانة مسئوليته، وأن الأمانة في عنق كل مسئول وسيسأل الله الجميع عن ذلك،



فلنتقّي الله في أنفسنا ولنتعامل مع أنفسنا ومع واقعنا ومع أمّتنا بالصّدق والأمانة والإخلاص، ولننظر لمصالح الأمّة العليا التي هي أهم كل شيء، أن نخطط لها ما يحفظ كيانها ويقيلها الخير ولنحذر من مكايد الأعداء، فإذا كان الصدق موجوداً تنبّه كل عن أدائها وما يكيد المكايد وما ...، فإنّ الأمّة لابد أن تنتبه، إن أعداءنا يخططون ليل ونهار في تشتيت الأمّة وتدمير اقتصادها تدمير كيانها ووحدتها ، فإذا كان هناك رجال صادقون ينظرون للواقع ويدرسون المشاكل ويقيمون التقييم الصحيح ، فالأمّة إن شاء الله بخير وصلاح،


أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لأن نكون من الصادقين في أقوالنا وأعمالنا إنه على كل شيء قدير.


واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.


وصَلُّوا رحمكم الله على محمد صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر ربّكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتََهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)


اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.


اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحّدين، واجعل اللهم هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمنّا في أوطاننا وأصلح ولاة أمرنا، ووفّقهم لما فيه خير صلاح الإسلام والمسلمين،


اللَّهمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين واجمع كلمتهم على طاعتك وكف شر أعدائهم عنهم إنّك على كل شيء قدير،

***********


(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)،(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ



اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنْزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثتنا، اللَّهمَّ سقي رحمة لا سقي بلاء ولا هدم ولا غرق،


(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).


عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


30-04-1433هـ


الموقع الرّسمي للشّيخ المفتي العام للمملكة العربية السّعوديّة .


https://mufti.af.org.sa/sites/defaul...s/14330430.mp3







رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013