وإنَّ منَ الاعترافِ المحمودِ أن يُقَرَّ بالفَضل لحَمَلة الدَّعوة السَّلفية النَّقيَّة في محاربة التَّطرُّف والغلوِّ ومُنابَذَة فِكر التَّكفير والتَّفجير، وتصدِّيهم لهذا الفِكر الأعوَج بالحجَّة والبَيان، ونقضِ شُبَه أصحابه بالقَلم واللِّسان، في فتاويهم وكتُبهم ودُروسهم ومُحاضراتهم وفي خُطَبهم على المنابر، فهُدي بهم خلقٌ كثيرٌ، وعُصِم بهم جمعٌ غفيرٌ، فأصلحُوا وبيَّنوا ونصحوا وأفصحوا في عزِّ أيَّام الفتنة، ويوم كانت الصَّولة للُغَة النَّار والرَّصاص، ولم يفعلوا ذلك مسايرةًَ لجهةٍ سياسيَّةٍ، ولا ركوبًا لحملة انتخابيَّة، ولا طمعًا في مناصب دنيويّة، بل انطلاقًا من مبدأ النَّصيحة والدَّعوة إلى الله تعالى.
وإنَّ ممَّا يحزُّ في النُّفوس أن يخرج علينا اليومَ ـ وهم كُثُر ـ مَن يجحدُ فضلَ السَّلفيِّين كلَّه وينكر أثَرهم الجميل في التَّصدِّي لتيَّار التَّكفير، بل يُوغِل في جحدِه ويدَّعي أسمَجَ الكذبِ بأنَّ هؤلاء السَّلفيِّين كانوا سببًا في الأزمة، وطرفًا في الفِتنة، والله يشهد إنَّهم لكاذبون!!
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ حتَّى رموهم بأنواع من التُّهم الواهية من أنَّهم أتباعُ فكر وافِد، وأصحابُ عقلٍ جامِد، وأهلُ تعصُّب وتشدُّد، وأنَّهم لا يَصْلُحون لتَعليم النَّاس وإمامتِهم، وتجرَّأ بعضُهم وأخذ يطعَن في ولائِهم لوطنِهم وأمَّتِهم.
وقد يتذرَّع بعضُهم بحُجَج واهية من مثل تسمية بعض المارقين أنفسهم باسم السَّلفيَّة، لكن لا يخفى على المبصر أنَّ التَّسمِّي لا يغيِّر من الحقيقة شيئًا، وأنَّ العبرة بالمنهج، لا بالاسم والشِّعار المُبَهْرَج، فـالسَّلفية دعوةٌ قائمةٌ على العِلم النَّافع والعَمل الصَّالح، والبُعد الشَّديد عن إهدار دم المسلم وقتل الأنفس البريئة، وإعطاء وليِّ الأمر حقَّه من الطَّاعة والولاء وعدم الخروج عليه تحقيقًا للأمن والإيمان، ولم يكن السَّلفيُّون يومًا ما مناوئين لأوطانِهم أو ثائرينَ على أمَّتهم، بل هم حريصون كلَّ الحرص على أن تحيا أمَّتهم الحياة الطَّيِّبة، وأن تنعَمَ أوطانُهم بالعزَّة والرِّفعة.
إنَّ أصحابَ السَّابقة والفَضل يجب أن تُحفظ كرامتُهم، وتُصان أعراضُهم، وتُقال عثراتُهم، إذ ليسَ من أصلَحَ كمَن أفسَد.
وليتَّقِّ الله تعالى المتنكِّرون لفَضل حَمَلة الدَّعوة السَّلفيَّة، والجاحدون لجهودِهم الرَّامية إلى ردِّ النَّاس إلى الإسلام الصَّحيح، فالله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾[الحج:38]، وَحَسْبُنَا اللهُ ونِعمَ الوكيل، وهو بِكُلِّ جميلٍ كفيل.