منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #31  
قديم 24 Dec 2007, 05:39 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

في طرق تحصيل العلم وأخطاء يجب الحذر منها

الفصل الأول :

طرق تحصيل العلم

من المعلوم أن الإنسان إذا أراد مكاناً فلا بد أن يعرف الطريق الموصل إليه ؛ وإذا تعددت الطرق فإنه يبحث عن أقربها وأيسرها؛ لذلك كان من المهم لطالب العلم أن يبني طلبه للعلم على أصول، ولا يتخبط خبط عشواء ؛ فمن لم يتقن الأصول حرم الوصول ؛ قال الناظم :
وبعـد فالعلم بحـور زاخـرة . . . . . . لن يبلـغ الكـادح فيـه آخـره
لكـن في أصـوله تســهيلاً . . . . . . لنيلـه فاحـرص تجـد سـبيلاً

اغتنم القـواعد الأصـــولا . . . . . . فمـن تفتـه يحرم الوصــولا

فالأصول هي:
العلم والمسائل فروع ، كأصل الشجرة وأغصانها ؛ إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد ، فإنها تذبل وتهلك

لكن ما هي الأصول؟

هل هي الأدلة الصحيحة ؟

أو هي القواعد والضوابط ؟

أو كلاهما ؟

الجواب : الأصول هي أدلة الكتاب والسنة، والقواعد والضوابط المأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة ؛ وهذه من أهم ما يكون لطالب العلم ؛ مثلاً : " المشقة تجلب التيسير" هذا من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة ؛ من الكتاب من قوله تعالى: (( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) (الحج: الآية 78) ومن السنة: قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعمران بن حصين: (( صلَ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع على جنب )) (1) وقوله -صلى الله عليه وسلم- : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) (2) ؛ هذا أصل ، لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل ؛ لكن لو لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان أشكل عليك الأمر.

ولنيل العلم طريقان: أحدهما: أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها، والتي ألفها علماء معروفون بعلمهم، وأمانتهم، وسلامة عقيدتهم من البدع والخرافات.
وأخذ العلم من بطون الكتب لا بد أن الإنسان يصل فيه إلى غاية ما؛ لكن هناك عقبتان:

العقبة الأولى:
الطول ؛ فإن الإنسان يحتاج إلى وقت طويل، ومعاناة شديدة، وجهد جهيد حتى يصل إلى ما يرومه من العلم ؛ وهذه عقبة قد لا يقوى عليها كثير من الناس، لاسيما وهو يرى من حوله قد أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة ؛ فيأخذه الكسل ويكل ويمل ثم لا يدرك ما يريد.

العقبة الثانية:
أن الذي يأخذ العلم من بطون الكتب علمه ضعيف غالباً ؛ لا ينبني عليه قواعد أو أصول ؛ ولذلك نجد الخطأ الكثير من الذي يأخذ العلم من بطون الكتب ؛ لأنه ليس له قواعد وأصول يقعد عليها ويبني عليها الجزئيات التي في الكتاب والسنة ؛ نجد بعض الناس يمر بحديث ليس مذكوراً في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح والمسانيد -وهذا الطريق يخالف ما في هذه الأصول المعتمدة عند أهل العلم، بل عند الأمة - ثم يأخذ بهذا الحديث ويبني عقيدته عليه ؛ وهذا لاشك أنه خطأ ؛ لأن الكتاب والسنة لهما أصول تدور عليها الجزئيات ؛ فلابد أن ترد هذه الجزئيات إلى أصول، بحيث إذا وجدنا في هذه الجزئيات شيئاً مخالفاً لهذه الأصول مخالفة لا يمكن الجمع فيها، فإننا ندع هذه الجزئيات.

الثاني: من طرق تحصيل العلم : أن تتلقى ذلك من معلم موثوق في علمه ودينه ؛ وهذا الطريق أسرع وأتقن للعلم ؛ لأن الطريق الأول قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري ، إما لسوء فهمه، أو قصور علمه، أو لغير ذلك من الأسباب ؛ أما الطريق الثاني فيكون فيه المناقشة والأخذ والرد مع المعلم فينفتح بذلك للطالب أبواب كثيرة في الفهم ، والتحقيق، وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة، ورد الأقوال الضعيفة ؛ وإذا جمع الطالب بين الطريقين كان ذلك أكمل وأتم ؛ وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم، وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها ، حتى يكون مترقياً من درجة إلى درجة أخرى ؛ فلا يصعد إلى درجة حتى يتمكن من التي قبلها ليكون صعوده سليماً.


----------------------------

(1) أخرجه البخاري، كتاب تقصير الصلاة، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائماً أو قاعداً .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسم كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر.





التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 24 Dec 2007 الساعة 05:51 PM
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 26 Dec 2007, 12:23 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الفصل الثاني
أخطاء يجب الحذر منها
وهناك أخطاء يرتكبها بعض طلبة العلم:

منها الحسد:

وهو: كراهة ما أنعم الله به على غيره ؛ وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير؛ بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره ؛ فهذا هو الحسد سواء تمنى زواله أو أن يبقى ولكنه كاره له. كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- فقال: " الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره ". والحسد قد لا تخلو منه النفوس - يعني قد يكون اضطرارياً للنفس- ولكن جاء في الحديث: (( إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق )) (1) ؛ يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى من قلبه حسداً للغير ألا يبغي عليه بقول أو فعل ؛ فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (النساء الآية:54) ثم إن الحاسد يقع في محاذير:

أولاً:
كراهته ماقدره الله ؛ فإن كراهته ما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما قدره كوناً ، ومعارضة لقضاء الله – عز وجل – .

ثانيا: أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل الناس الحطب ؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه ، والحط من قدره وما أشبه ذلك ؛ وهذا من كبائر الذنوب التي قد تحيط بالحسنات.

ثالثا:
مايقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلاً ؛ فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره ، وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت عليه الدنيا.


رابعا:
أن في الحسد تشبهاً باليهود ؛ معلوم أن من أتى خصلة من خصال الكفار صار منهم في هذه الخصلة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) (2)


خامساً:
أنه مهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبداً أن يرفع نعمة الله عن الغير، إذا كان هذا غير ممكن فكيف يقع في قلبه الحسد.

سادساً: أن الحسد ينافي كمال الإيمان لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) (3) ؛ ولازم هذا أن تكره أن تزول نعمة الله عن أخيك ؛ فإذا لم تكن تكره أن تزول نعمة الله عليك فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك ؛ وهذا ينافي كمال الإيمان.

سابعاً:
أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله ؛ فتجده دائما مهتماً بهذه النعمة التي أنعـم الله بها على غيره ولا يسأل الله من فضله ؛ وقـد قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه (النساء الآية: 32) .


ثامناً: أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليه ؛ أي أن الحاسد يرى أنه ليس في نعمة ، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه ؛ وحينئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها بل يتقاعس.

تاسعا:
الحسد خلق ذميم ؛ لأن الحاسد يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه ، ويحاول بقدر ما يمكنه أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود بالحط من قدره أحياناً، وبازدراء ما يقوم به من الخير أحياناً إلى غير ذلك.


عاشراً:
إن الحاسد إذا حسد ، فالغالب أن يعتدي على المحسود وحينئذ يأخذ المحسود من حسناته ، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطٌرح عليه ثم طٌرح في النار.


والخلاصة:
أن الحسد خلق ذميم ؛ ومع الأسف أنه أكثر ما يوجد بين العلماء وطلبة العلم ؛ ويوجد بين التجار ؛ فيحسد بعضهم البعض ؛ وكل ذي مهنة يحسد من شاركه فيها؛ لكن مع الأسف أنه بين العلماء أشد وبين طلبة العلم أشد ، مع أنه كان الأولى والأجدر أن يكون أهل العلم أبعد الناس عن الحسد وأقرب الناس إلى كمال الأخلاق.
وأنت يا أخي إذا رأيت الله قد أنعم على عبده نعمة ما ، فاسع أن تكون مثله ولا تكره من أنعم الله عليه فقل: "اللهم زده من فضلك وأعطني أفضل منه " ؛ والحسد لا يغير شيئا من الحال ، لكنه -كما ذكرنا آنفاً- فيه هذه المفاسد وهذه المحاذير العشرة ؛ ولعل من تأمل وجد أكثر والله المستعان.

-------------------

(1)- نص الحديث: (( ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة ، والظن، والحسد ، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق )) ذكره الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري)) ( 10 / 213) وقال عنه:" هذا مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب" اهـ ؛ وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد بلفظ: (( إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحققوا، وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا)) وبلفظ آخر: (( ثلاث لم يسلم منهم أحد: الطيرة، والظن ، والحسد ، قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدتم فلا تبغوا )) ( 6 / 125) ؛ أخرجه الطبراني في (( الكبير )) بلفظ :(( ثلاثة لازمات لأمتي:الطيرة، والحسد ، وسوء الظن )) فقال رجل : وما يذهبهن يارسول الله ممن هن فيه ؟ قال -صلى الله عليه وسلم -: (( إذا حسدت فاستغفر الله ، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا طيرت فامض )) جـ 3 ص 228. وانظر: كشف الخفاء للعجلوني ( 1 / 104) ، وتفسير ابن كثير ( 4 / 191) ((سورة الحجرات)).

(2)- أخرجـه الإمام أحمد ( 5 / 5) ، وأبو داود، كتاب اللباس، باب : في لبس شـهرة، وابن أبي شيبة في (( المصنف )) ( 5 / 313)، والهيثمي في (( مجمع الزوائد )) ( 10 / 271) ، وابن عبد البر في (( التمهيد)) ( 6 / 80 )ـ قلل الهيثمي: " رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن غراب وقد وثقه غير واحد وضعفه بعضهم وبقية رجاله ثقات " . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي: (( إسناده جيد)) الفتاوى ( 5 / 331)، وقال ابن حجر – بعد ذكر الحديث : - " حسن من هذا الوجه وأبو منيب لا يعرف اسمه، وفي الإسناد عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة " فتح الباري (6/97)، وقد ذكره السيوطي في (( الجامع الصغير )) (1/590)وأشار إلى أنه حسن. وصححه أحمد شاكر (( المسند)) رقم 5114.

(3)- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 26 Dec 2007 الساعة 12:29 PM
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 29 Dec 2007, 11:55 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ومنها الإفتاء بغير علم:

الإفتاء منصب عظيم؛ به يتصدى صاحبه لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم ، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم ؛ لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا من كان أهلاً له لذلك .
يجب على العباد أن يتقوا الله –تعالى- ، وأن لا يتكلموا إلا عن علم وبصيرة ، وأن يعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر ؛ فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله ؛ ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله ؛ فهو الذي يوجب الشيء ، وهو يحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله ؛ ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم ، فقال –تعالى- : (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ () وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَة )) (يونس الآيتان: 59، 60) ؛ وقال –تعالى-: (( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ () مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (النحل الآيتان: 116 ، 117)

وإن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء إنه حلال وهو لا يدري ما حكم الله فيه ؛ أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه ؛ أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه ؛ ويقول عن الشيء إنه غير واجب هو لا يدري أن الله لم يوجبه ؛ إن هذه جناية وسوء أدب مع الله – عز وجل -.

كيف تعلم -أيها العبد- أن الحكم لله ، ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم ؟ لقد قرن الله القول عليه بلا علم بالشرك به ، فقال –سبحانه-: (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )) (الأعراف ،الآية:33) .

وإن كثيراً من العامة يفتي بعضهم بعضاً بما لا يعلمون ؛ فتجدهم يقولون هذا حلال،أو حرام،أو واجب،أو غير واجب ؛ وهم لا يدرون عن ذلك شيئاً ؛ أفلا يعلم هؤلاء أن الله –تعالى- سائلهم عما قالوا يوم القيامة .

أفلا يعلم هؤلاء أنهم إذا أضلوا شخصاً ، فأحلوا له ما حرم الله ، أو حرَّموا ما أحل الله له ؛ فقد باءوا بإثمه ؛ وكان عليهم مثل وزر ما عمل وذلك بسبب ما أفتوه به.

وإن بعض العامة يجني جناية أخرى ؛ فإذا رأى شخصاً يريد أن يستفتي عالماً يقول له هذا العامي :

لا حاجة أن تستفتي ؛ هذا أمر واضح ؛ هذا حرام ؛ مع أنه في الواقع حلال ؛ فيحرمه ما أحل الله له ؛ أو يقول له: هذا واجب ؛ فيلزمه بما لم يلزمه الله به ؛ أو يقول هذا غير واجب في شريعة الله فيسقط عنه ما أوجب الله عليه ؛ أو يقول هذا حلال وهو في الواقع حرام ؛ وهذه جناية منه على شريعة الله، وخيانة لأخيه المسلم ؛ حيث أفتاه بدون علم ؛ أرأيتم لو أن شخصاً سأل عن طريق بلد من البلدان ، فقلت: الطريق من هنا ؛ وأنت لا تعلم ؛ أفلا يعد الناس ذلك خيانة منك؟ فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئاً؟!

و إن بعض المتعلمين أنصاف العلماء يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب ؛ فيتكلمون فيما لا يعلمون ؛ ويجملون في الشريعة ويفصلون ؛ وهم من أجهل الناس في أحكام الله ؛ إذا سمعت الواحد منهم يتكلم ، فكأنما ينزل عليه الوحي فيما يقول من جزمه وعدم تورعه، لا يمكن أن ينطق ويقول: لا أدري ؛ مع أن عدم العلم هو وصفة الحق الثابت ؛ ومع ذلك يصر -بناءً على جهله- على أنه عالم فيضر العامة؛ لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به ؛ وليت هؤلاء القوم يقتصرون على نسبة الأمر إليهم ؛ لا بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقولون: الإسلام يقول كذا ، الإسلام يرى كذا، وهذا لا يجوز ؛ إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام ؛ ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم -، أو إجماع المسلمين عليه .

إن بعض الناس -لجرأته وعدم ورعه وعدم حيائه من الله وعدم خوفه منه- يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه: ما أظن هذا حراماً ؛ أو عن الشيء الواجب والواضح وجوبه يقول ما أظن هذا واجباً ؛ إما جهلاً منه، أو عناداً ومكابرة، أو تشكيكاً لعباد الله في دين الله .

أيها الإخوة: إن من العقل والإيمان ومن تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري ؛ فإن ذلك من تمام العقل ؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به ؛ ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها ؛ وإن ذلك أيضاً من تمامالإيمان بالله وتقوى الله ؛ حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه في دينه مالا يعلم ؛ ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أعلم الخلق بدين الله- كأن يسأل عما لم ينزل عليه فيه الوحي، فينتظر حتى ينزل عليه الوحي ؛ فيجيب الله –سبحانه- عما سئل عنه نبيه (( يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )) (المائدة الآية: 4) وقوله : (( وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرا )) (الكهف الآية:83) وقوله : (( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ )) (لأعراف الآية: 187) ؛ ولقد كان الأجلاء من الصحابة تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها.

فها هو أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – يقول: " أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم ".

وهاهو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها؛ قال ابن سيرين:" لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر" ؛ وقال ابن مسعود – رضي الله عنه :- " أيها الناس ؛ من سئل عن علم يعلمه فليقل به ؛ ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم ؛ فإن مع العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم ".
وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها ؛ فقال له أصحابه: قد استحيينا لك ؛ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: (( لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا )) (البقرة الآية:32) .

وهناك أمثلة كثيرة على الإفتاء بغير علم : أن المريض إذا تنجست ثيابه ولم يمكن أن يطهرها يفتى بأنه لا يصلي حتى يطهر ثيابه ؛ وهذه فتوى كاذبة خاطئة باطلة ؛ فالمريض يصلي ولو كان عليه ثياب نجسة ؛ ولو كان بدنه نجساً - إذا كان لا يستطيع أن يطهر ذلك - لأن الله يقول: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم )) (التغابن الآية: 16) ؛ فيصلي المريض على حسب حاله وعلى حسب ما يقدر عليه ؛ يصلى قائماً ، فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ، يومئ برأسه إذا استطاع، فإن لم يستطع أومأ بعينه -عند بعض أهل العلم- فإن لم يستطع الإيماء بعينه وكان معه عقله- فلْيَنْوِ الفعل بقلبه وليقل القول بلسانه مثلا: يقول: الله أكبر ؛ ثم يقرأ الفاتحة وسورة ؛ ثم يقول: الله أكبر ؛ وينوى أنه راكع ؛ ثم يقول: سمع الله لمن حمده ؛ وينوي أنه رفع من الركوع ؛ ثم يقول هكذا في السجود وبقية أفعال الصلاة، ينوي الفعل الذي لا يقدر عليه، ينويه بقلبه ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.

وبسبب هذه الفتوى الكاذبة الخاطئة يموت بعض المسلمين وهم لا يصلون من أجل هذه الفتوى الكاذبة ؛ ولو أنهم علموا أن الإنسان المريض يصلي على أي حال لماتوا وهم يصلون .

ومثل هذه المسألة وأشباهها كثير ؛ فيجب على العامة أن يتلقوا أحكامها من أهل العلم حتى يعرفوا بذلك حكم الله – عز وجل – وحتى لا يقولوا في دين الله ما يعلمون.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 30 Dec 2007 الساعة 12:09 AM
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 30 Dec 2007, 09:52 AM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 21
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الله الأثري
افتراضي

بارك الله فيك أخي الفاضل وجزيت خيرا
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 31 Dec 2007, 12:12 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

و فيك بارك الله
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 31 Dec 2007, 11:57 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ومنها: الكبر



وقد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال :(( الكبرُ بَطرُ الحق وغَمْطُ الناس )) (1)

وبطر الحق هو : رد الحق
وغمط الناس يعني: احتقارهمومن الكبرياء ردك على معلمك ، والتطاول عليه وسوء الأدب معه ؛ وأيضا استنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء ؛ وهذا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم استنكف ولم يقبل ؛ وتقصيرك عن العمل بالعلم عنوان حرمان – نسأل الله العافية - وفي هذا يقول القائل:

العلــم حــربٌ للفتى المتعالي. . . . . . . . . .. كالسيل حربٌ للمكــان العــالي

ومعنى البيت:

أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يدرك العلم؛ لأن العلم حرب له كالسيل حرب للمكان العالي ؛ لأن المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا يستقر عليه ؛ كذلك العلم لا يستقر مع الكبر والعلو ؛ وربما يُسلب العلمَ بسبب ذلك.




و منها : التعصب للمذاهب والآراء

فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن:

الطائفية والحزبية ، بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين ؛ فهذا لا شك خلاف منهج السلف ؛ فالسلف الصالح ليسوا أحزاباً بل هم حزب واحد ، ينضوون تحت قول الله – عز وجل -: (( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)) (الحج: الآية78) .



فلا حزبية ولا تعدد، ولا موالاة ، ولا معاداة ، إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة ؛ فمن الناس –مثلاً- من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليلاً عليه ؛ ويحامي دونها ؛ ويضلل من سواه حتى وإن كانوا أقرب إلى الحق منها ؛ ويأخذ مبدأ: "من ليس معي فهو علي" وهذا مبدأ خبيث؛ لأن هناك وسطاً بين أن يكون لك أو عليك ؛ وإذا كان عليك بالحق، فليكن عليك وهو في الحقيقة معك ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) (2) ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم ؛ فلا حزبية في الإسلام ؛ ولهذا لما ظهرت الأحزاب في المسلمين، وتنوعت الطرق، وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضاً، ويأكل لحم أخيه ميتاً، لحقهم الفشل كما قال الله –تعالى-: (( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) (الأنفال: الآية46) ؛ لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه ؛ ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد ؛ وهذا غلط كبير؛ بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة وقول أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .



ومنها: التصدر قبل التأهل



مما يجب الحذر منه: أن يتصدر طالب العلم قبل أن يكون أهلاً للتصدر ؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلاً على أمور:


الأمر الأول : إعجابه بنفسه ؛ حيث تصدر ، فهو يرى نفسه عَلَم الأعلام.

الأمر الثاني : أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته للأمور؛ لأنه إذا تصدر، ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه؛ إذ أن الناس إذا رأوه متصدراً أَوْرَدوا عليه من المسائل ما يبين عواره.

الأمر الثالث: أنه إذا تصدر قبل أن يتأهل ، لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم؛ لأن الغالب أن من كان هذا قصده، أنه لا يبالي ويجيب على كل ما سُئِلَ ؛ و يُخاطر بدينه وبقوله على الله – عز وجل – بلا علم.

الأمر الرابع: أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق ؛ لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره -ولو كان معه الحق- كان هذا دليلاً على أنه ليس بعالم.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 01 Jan 2008 الساعة 12:01 AM
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 02 Jan 2008, 12:29 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

في كتب طالب العلم وفتاوى حول العلم وفوائد
الفصل الأول
كتب طالب العلم



قبل البدء في هذا الفصل لابد أن نبين بعض الأمور المهمة لطالب العلم وهي:

الأمر الأول: كيف تتعامل مع الكتاب ؟
التعامل مع الكتاب يكون بأمور:

الأول: معرفة موضوعه
حتى يستفيد الإنسان منه؛ لأنه يحتاج إلى التخصص ؛ ربما يكون كتاب سحر أو شعوذة أو باطل ؛ فلا بد من معرفة موضوع الكتاب حتى تحصل الفائدة منه.

الثاني: معرفة مصطلحاته
لأن معرفة المصطلحات يحصل بها أنك تحفظ أوقاتاً كثيرة ؛ وهذا يفعله العلماء في مقدمات الكتب ؛ فمثلاً ، نعرف أن صاحب " بلوغ المرام " إذا قال: متفق عليه ؛ يعني رواه البخاري ومسلم ؛ لكن صاحب " المنتقى " على خلاف ذلك فإذا قال صاحب المنتقى : متفق عليه ؛ فإنه يعني رواه الإمام أحمد والبخاري، ومسلم ؛ وكذلك في كتب الفقه يفرق كثير من العلماء بين القولين، والوجهين، والروايتين، والاحتمالين ؛ فالروايتان عن الإمام، والوجهان عن الأصحاب، وهم أصحاب المذهب الكبار أهل التوجيه ؛ والاحتمالان للتردد بين قولين، والقولان أعم من ذلك كله .

كذلك يحتاج أن تعرف –مثلاً- إذا قال المؤلف إجماعاً أو وفاقاً ؛ إذا قال إجماعاً يعني بين الأمة ؛ وإذا قال وفاقاً يعني مع الأئمة الثلاثة كما هو اصطلاح صاحب " الفروع" في فقه الحنابلة ؛ وكذلك بقية أصحاب المذاهب كل له اصطلاح ؛ فلا بد أن تعرف اصطلاح المؤلف.


الثالث: معرفة أسلوبه وعباراته
ولهذا تجد أنك إذا قرأت الكتاب ، أول ما تقرأ -لاسيما في الكتب العلمية المملوءة علماً- تجد أنه تمر بك العبارة تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها ؛ لأنك لم تألفه ؛ فإذا كررت هذا الكتاب ألفته.

وهناك أيضا أمر خارج عن التعامل مع الكتاب وهو : التعليق بالهوامش أو الحواشي. فهذا أيضاً مما يجب لطالب العلم أن يغتنمه ؛ وإذا مرت به مسألة تحتاج إلى شرح، أو إلى دليل، أو إلى تعليل ويخشى أن ينساه ، فإنه يُعلق إما بالهامش - وهو الذي على اليمين أو اليسار – أو بالحاشية – وهي التي في الأسفل – وكثيراً ما يفوت الإنسان مثل هذه الفوائد التي لو علقها لم تستغرق عليه إلا دقيقة أو دقيقتين ؛ ثم إذا عاد ليتذكرها بقي مدة يتذكرها وقد لا يذكرها.

فينبغي على طالب العلم أن يعتني بذلك لاسيما في كتب الفقه ؛ يمر بك في بعض الكتب مسألة وحكمها ويحصل عندك توقف وإشكال ؛ فإذا رجعت للكتب – التي أوسع من الكتاب الذي بين يديك- و وجدت قولاً يوضح المسألة ، فإنك تعلق القول من أجل أن ترجع إليه مرة أخرى إذا احتجت إليه دون الرجوع إلى أصل الكتاب الذي نقلت منه ؛ فهذا مما يوفر عليك الوقت.

الأمر الثاني: مطالعة الكتب على نوعين

أولاً: مطالعة تدبر وتفهم ؛ فهذه لابد أن يتأمل الإنسان ويتأنى.

ثانيا: مطالعة استطلاع فقط ؛ ينظر من خلالها على موضوع الكتاب، وما فيه من مباحث، ويتعرف على مضمون الكتاب ؛ وذلك من خلال تصفح وقراءة سريعة للكتاب ؛ فهذه لا يحصل فيها من التأمل والتدبر ما يحصل في النوع الأول .

والطريقة المثلى في قراءة الكتب، التدبر والتفكر في المعاني والاستعانة بذوي الفهم من أهل العلم الصحيح ؛ ولا يخفى أن أولى الكتب بذلك : كتاب الله -عز وجل- .
وعليك بالصبر والمثابرة ؛ فما أعطى الإنسان عطاء خيراً وأوسع من الصبر.

الأمر الثالث: جمع الكتب

ينبغي لطالب العلم أن يحرص على جمع الكتب ؛ ولكن يبدأ بالأهم فالأهم ؛ فإذا كان الإنسان قليل ذات اليد ، فليس من الخير وليس من الحكمة أن يشتري كتباً كثيرة يُلزم نفسه بغرامة قيمتها ؛ فإن هذا من سوء التصرف ؛ وإذا لم يمكنك أن تشتري من مالك فيمكنك أن تستعير من أي مكتبة .

الأمر الرابع : الحرص على الكتب المهمة

يجب على طالب العلم أن يحرص على الكتب الأمهات الأصول دون المؤلفات حديثاً ؛ لأن بعض المؤلفين حديثاً ليس عنده العلم الراسخ ؛ ولهذا إذا قرأت ما كتبوا تجد أنه سطحي ، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة لكنها غثاء ؛ فعليك بالأمهات كتب السلف فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف.
لأن غالب كتب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني ؛ تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها بسطر أو سطرين، لكن كتب السلف تجدها هينة، لينة، سهلة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى.

ومن أَجَلِّ الكتب -التي يجب على طالب العلم أن يحرص عليها- كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله – ؛ ومن المعلوم أن كتب ابن القيم أسهل وأسلس ؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية كانت عباراته قوية لغزارة علمه، وتوقد ذهنه ؛ وابن القيم رأى بيتاً معموراً فكان من التحسين والترتيب ؛ ولسنا نريد بذلك أن نقول إن ابن القيم نسخة من ابن تيمية ؛ بل ابن القيم حر ؛ إذا رأى أن شيخه خالف ما يراه صواباً تكلم ؛ لما رأى وجوب فسخ الحج إلى العمرة ، وأن ابن عباس – رضي الله عنهما – يرى أنه يجب على من لم يسق الهدي إذا أحرم بحج أو قِران أن يفسخه إلى عمرة ؛ وكان شيخ الإسلام يرى أن الوجوب خاص بالصحابة ؛ قال: وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا؛ فصرح بمخالفته ؛ فهو رحمه الله مستقل ، حر الفكر ؛ لكن لا غرو أن يتابع شيخه -رحمه الله- فيما يراه حقاً وصواباً ؛ ولا شك أنك إذا تأملت غالب اختيارات شيخ الإسلام وجدت أنها هي الصواب وهذا أمر يعرفه من تدبر كتبهما.


الأمر الخامس: تقويم الكتب

الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام.

القسم الأول : كتب خير.
القسم الثاني: كتب شر.
القسم الثالث: كتب لا خير ولا شر.

فاحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير أو التي فيها شر ؛ وهناك كتب يقال إنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة ؛ وهناك كتب ضارة ذات أفكار معينة وذات منهج معين ؛ فهذه أيضاً لا تدخل المكتبة -سواء كان ذلك في المنهج أو كان ذلك في العقيدة- مثل كتب المبتدعة التي تضر في العقيدة، والكتب الثورية التي تضر في المنهج.

وعموماً كل كتب تضر فلا تدخل مكتبتك ؛ لأن الكتب غذاء للروح كالطعام والشراب للبدن ؛ فإذا تغذيت بمثل هذه الكتب صار عليك ضرر عظيم واتجهت اتجاهاً مخالفاً لمنهج طالب العلم الصحيح.
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 03 Jan 2008, 09:05 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

كتب مختارة لطالب العلم


أولاً: العقيدة


1- كتاب " ثلاثة الأصول ".

2- كتاب " القواعد الأربع"

3- كتاب " كشف الشبهات "

4- كتاب " التوحيد "

وهذه الكتب الأربعة لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى-

5- كتاب " العقيدة الواسطية " وتتضمن توحيد الأسماء والصفات ؛ وهي من أحسن ما أُلف في هذا الباب ؛ وهي جديرة بالقراءة والمراجعة.

6- كتاب " الحموية".

7- كتاب " التدمرية" وهما رسالتان أوسع من " الواسطية" ؛ وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -.

8- كتاب " العقيدة الطحاوية " للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي.

9- كتاب " شرح العقيدة الطحاوية " لأبي الحسن علي بن أبي العز.

10- كتاب " الدرر السنية في الأجوبة النجدية" جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله تعالى-

11- كتاب " الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية " لمحمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ؛ وفيها بعض الإطلاقات التي تخالف مذهب السلف، كقوله:

وليس ربنا بجوهر ولا عرض ولا جســـم تعالى في العلى

لذلك لابد لطالب العلم أن يدرسها على شيخ ملم بالعقيدة السلفية لكي يبين ما فيها من الإطلاقات المخالفة لعقيدة السلف الصالح.


ثانيا: الحديث

1- كتاب " فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى -

2- كتاب " سبل السلام شرح بلوغ المرام" للصنعاني ؛ وكتابه جامع بين الحديث والفقه.

3- كتاب " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " للشوكاني .

4- كتاب " عمدة الأحكام " للمقدسي ؛ وهو كتاب مختصر ؛ وعامة أحاديثه في الصحيحين فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها.

5- كتاب " الأربعين النووية" لأبي زكريا النووي – رحمه الله تعالى- ؛ وهذا كتاب طيب ،لأن فيه آداباً، ومنهجاً جيداً ، وقواعد مفيدة جداً مثل حديث (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) (1) ؛ فهذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه لكانت كافية ؛ وكذلك قاعدة في النصح حديث : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) (2).

6- كتاب " بلوغ المرام " للحافظ ابن حجر العسقلاني ؛ وهو كتاب نافع مفيد؛ لا سيما وأنه يذكر الرواة ، ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه ، ويعلق على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً .

7- كتاب " نخبة الفكر " للحافظ ابن حجر العسقلاني ؛ وتعتبر جامعة ؛ وطالب العلم إذا فهمها تماماً وأتقنها فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح ؛ ولابن حجر – رحمه الله تعالى – طريقة مفيدة في تأليفها وهي السبر والتقسيم ؛ فطالب العلم إذا قرأها ، يجد نشاطاً ؛ لأنها مبنية على إثارة العقل ؛ وأقول : يحسن بطالب العلم أن يحفظها لأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح .

8- الكتب الستة " صحيح البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وأبو داوود ، وابن ماجه ، والترمذي " وأنصح طالب العلم أن يكثر من القراءة فيها ، لأن في ذلك فائدتين :

الأولى : الرجوع إلى الأصول ..
الثانية: تكرار أسماء الرجال على ذهنه ؛ فإذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل –مثلاً- من رجال البخاري -في أي سند كان- إلا عرف أنه من رجال البخاري ؛ فيستفيد هذه الفائدة الحديثية ...


ثالثاً: الفقه

1- كتاب " آداب المشي إلى الصلاة " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى - .

2- كتاب " زاد المستقنع في اختصار المقنع " للحجاوي ؛ وهذا من أحسن المتون في الفقه ؛ وهو كتاب مبارك مختصر جامع ؛ وقد أشار علينا شيخنا العلامة عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ بحفظه ؛ مع أنه قد حفظ متن " دليل الطالب" .

3- كتاب " الروض المربع شرح زاد المستقنع " للشيخ منصور البهوتي .

4- كتاب " عمدة الفقه " لابن قدامه ـ رحمه الله تعالى ـ .

5- كتاب " الأصول من علم الأصول " وهو كتاب مختصر يفتح الباب للطالب .


رابعاً : الفرائض

1- كتاب " متن الرحبية " للرحبي .

2- كتاب " متن البرهانية " لمحمد البرهاني ؛ وهو كتاب مختصر مفيد جامع لكل الفرائض ؛ وأرى أن " البرهانية " أحسن من " الرحيبية " لأن " البرهانية " أجمع من الرحيبية من وجه ، وأوسع معلومات من وجه آخر .


خامساً : التفسير

1- كتاب " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ ؛ وهو جيد بالنسبة للتفسير بالأثر ومفيد ومأمون ؛ ولكنه قليل العرض لأوجه الإعراب والبلاغة .

2- كتاب " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ ؛ وهو كتاب جيد وسهل ومأمون وأنصح بالقراءة فيه .

3- كتاب " مقدمة شيخ الإسلام في التفسير " وهي مقدمة مهمة وجيدة .

4- كتاب " أضواء البيان " للعلامة محمد الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ وهو كتاب جامع بين الحديث والفقه والتفسير وأصول الفقه .


سادساً : كتب عامة في بعض الفنون

1- في النحو " متن الأجرومية " وهو كتاب مختصر مبسط .

2- في النحو " ألفية بن مالك" وهي خلاصة علم النحو .

3- في السيرة وأحسن ما رأيت كتاب " زاد المعاد " لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ ؛ وهو كتاب مفيد جداً يذكر سيرة النبي – صلى الله عليه و سلم- في جميع أحواله ثم يستنبط الأحكام الكثيرة .

4- كتاب " روضة العقلاء " لابن حبان البستي ـ رحمه الله تعالى ـ ؛ وهو كتاب مفيد على اختصاره ؛ وجمع عدداً كبيراً من الفوائد ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم .

5- كتاب " سير أعلام النبلاء " للذهبي ؛ وهذا الكتاب مفيد فائدة كبيرة ينبغي لطالب العلم أن يقرأ فيه ويراجع


---------------------------------

(1) أخرجه الإمام أحمد (1-201) ، والترمذي (2318)، وحسنه النووي في ( رياض الصالحين) ص 73، وصححه أحمد شاكر ( المسند) 1737).

(2) أخرجه البخاري كتاب الأدب ، ومسلم كتاب اللقطة ، باب الضيافة



رد مع اقتباس
  #39  
قديم 04 Jan 2008, 09:30 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الفصل الثاني
فتاوى حول العلم
1- سئل فضيلته – رحمه الله -: هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح محتجبين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟



فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق؛ لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان، وأن يبحث عنه حتى يتبين له.
والحق – ولله الحمد – ناصع، بيِّن لمن صلحت نيته، وحسن منهاجه ؛ فإن الله – عز وجل- يقول في كتابه: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ﴾ [ (القمر الآية:17) ؛ ولكن بعض الناس – كما ذكر الأخ السائل- يكون لهم متبوعون معظمون لا يتزحزحون عن آرائهم ؛ مع أنه قد ينقدح في أذهانهم أن آراءهم ضعيفة أو باطلة ؛ لكن التعصب والهوى يحملهم على موافقة متبوعيهم، وإن كان قد تبين لهم الهدى.



2- وسئل فضيلة الشيخ: عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟

فأجاب بقوله: هذه المسألة -كغيرها من المسائل المهمة التي لابد للإنسان منها في دينه ودنياه- لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله – تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة. أما المسائل التي لا تخل بدينه ، لو أجَّلها ولا يخشى أن تكون سببا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها ؛ ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماما حتى يصل فيها إلى اليقين.

وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال – ولله الحمد – ؛ والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم -مع الأسف الشديد- يرجحون جانب "كيف" على جانب "لِمَ" ؛ والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام "لِمَ" و "كيف" ؛ فلِمَ عملت كذا ؟ هذا الإخلاص ؛ كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ؛ وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب "كيف" غافلون عن تحقيق جواب "لِمَ" ؛ ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً ؛ وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور. فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم ، وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد .

لهذا تجد بعض الناس -في مسائل الدين- يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً ، وقلبه منكب على الدنيا ، غافل عن الله ، مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه ؛ فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر ؛ وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر ؛ لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيـدة ؛ وهذا ليس من العامة فقط ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته.

كما أن التركيز على العقيدة –فقط- بدون العمل -الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها- خطأ –أيضاً- لأننا نسمع في الإذاعات ، ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء ، وما أشبه ذلك من العبارات ؛ وفي الحقيقة أن هذا يُخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة ؛ ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على "لِمَ" وعلى "كيف".

وخلاصة الجواب : أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة ؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده – جل وعلا – ؛ على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله ؛ على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية ؛على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه ؛ حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره.

وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم " الفقه الأكبر" ؛ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )) ؛ وأول ما يدخل في ذلك –وأولاه- علم التوحيد والعقيدة ؛ لكن يجب على المرء –أيضاً- أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه ؛ فليأخذ من هذا العلم –أولاً- ما صفا منه وسلم من الشبهات ؛ ثم ينتقل –ثانيا- إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات ، ليقوم برَدِّها وبيانها مما أخذ من قبل العقيدة الصافية ؛ وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم كلام الصحابة - رضي الله عنهم - ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم ، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ، خصوصا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 05 Jan 2008, 11:17 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي



3- سئل فضيلة الشيخ :
يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف
يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟

فأجاب -رحمه الله - بقوله : يجاب على ذلك بأمور:

أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها ؛ بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق ؛ لأن الأعمال -في الوقت الحاضر- مبنية على الشهادات ؛ والناس غالباً لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة ؛ وبذلك تكون النية سليمة.

الثاني: أن من أراد العلم ، قد لا يجده إلا في هذه الكليات ؛ فيدخل فيها بنية طلب العلم ؛ ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد.

الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين -حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة - فلا شيء عليه في ذلك ؛ لأن الله يقول﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ (الطلاق: 2 ، 3 ) وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي.

فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص ؟

فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يُرِد بها الخلق إطلاقا؛ فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته ؛ بل قصد أمراً مادياً من ثمرات العبادة ؛ فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به ؛ لكنه -بإرادة هذا الأمر المادي- نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك ؛ وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة.

وبهذه المناسبة ، أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية ؛ فمثلاً يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب ؛ وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات ؛ والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة ؛ ولذلك بين الله –تعالى- في كتابه حكمة الصوم – مثلاً- أنه سبب للتقوى ؛ فالفوائد الدينية هي الأصل، والدنيوية ثانوية ؛ وعندما نتكلم عند عامة الناس ، فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية ؛ وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال.


رد مع اقتباس
  #41  
قديم 12 Jan 2008, 02:46 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

السلام عليكم

لا يتدخل أحد برفع مضمون الكتاب ؛ فقد أشرنا إلى هذا الأمر في غير ما موضع

و بارك الله فيكم

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 14 Jan 2008, 05:56 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

4- وسئل فضيلته: هناك بعض طلبة العلم يحرص على حضور دروس طلبة العلم دون أن يلقي اهتماماً بدروس العلماء الذين جمعوا ما لم يجمعه طلبة العلم. فما توجيه فضيلتكم – حفظكم الله تعالى -؟

فأجاب فضيلته بقوله : الذي أراه أن الإنسان ينبغي أن يطلب العلم على عالم ناضج ؛ لأن بعض طلبة العلم يتصدر للتدريس فيحقق المسألة من المسائل -سواء حديثية أو فقهية أو عقائدية- يحققها تماماً ،ويراجع عليها ؛ فإذا سمعه الناشئ من طلبة العلم ظن أنه من أكابر العلماء ؛ لكن لو خرج قيد أنملة عن هذا الموضوع الذي حققه ونقحه وراجع عليه ، وجدت أنه ليس عنده علم ؛ لذلك يجب على طالب العلم المبتدئ أن يتلقى العلم على يد العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ودينهم.

5- فضيلة الشيخ: يلاحظ ضعف الهمة والفتور في طلب العلم ؛ فما الوسائل والطرق التي تدفع إلى علو الهمة والحرص على العلم؟

فأجاب – رحمه الله– بقوله: ضعف الهمم في طلب العلم الشرعي من المصائب الكبيرة وهناك أمور لابد منها:

الأمر الأول: الإخلاص لله – عز وجل – في الطلب ؛ والإنسان إذا أخلص لله في الطلب وعرف أنه يُثاب على طلبه وسيكون في الدرجة الثالثة من درجات الأمة ، فإن همته تنشط ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا ﴾ (النساء الآية:69).
ثانيا:
أن يُلازم زملاء يحثونه على العلم ويساعدونه على المناقشة والبحث ، ولا يمل من صحبتهم ماداموا يعينونه على العلم .
ثالثا:
أن يصبر نفسه - بمعنى يحبسها- لو أرادت أن تتفلت ؛ قال الله -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (الكهف الآية: 28) فليصبر؛ وإذا صبر وتَعَوَّدَ الطلب ، صار الطلب سجية له وصار اليوم الذي يفقد فيه الطلب يوماً طويلاً عليه ؛ أما إذا أعطى نفسه العنان فلا ؛ فالنفس أمارة بالسوء والشيطان يحثه على الكسل وعدم التعلم.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 14 Jan 2008 الساعة 07:03 PM
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 15 Jan 2008, 09:00 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

6- سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى -: ما نصيحة فضيلتكم لمن يجعل الولاء والبراء لإخوانه في موافقتهم له في مسألة أو عدم موافقتهم له ؛ وكذلك ما يحصل من الحسد والبغض من طلاب العلم ؟

فأجاب فضيلته بقوله: هذا صحيح ؛ فإن بعض الناس يجعلون الولاء والبراء مقيد بالموافقة له أو عدم الموافقة ؛ فتجد الشخص يتولى الشخص لأنه وافقه فيها ؛ يتبرأ منه لأنه خالفه فيها ؛ وأذكر لكم قصة مرت علينا في منى بين طائفتين من الإفريقيين ، كل واحد يلعن الثاني ويكفره ؛ فجيء بهم إلينا، وهم يتنازعون قلنا: ما الذي حدث؟ قال الأول: هذا الرجل إذا قام إلى الصلاة يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر وهذا كفر بالسنة ؛ وقال الثاني: هذا إذا قام للصلاة يرسل يديه على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى وهذا كفر ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( من رغب عن سنتي فليس مني )) (1) ؛ وعلى هذا يكفر بعضهم بعضاً !! مع العلم أن هذه المسألة مسألة سنة، وليست واجبة ولا ركن ولا شرط للصحة ؛ وبعد جهد وعناء كبير ، اقتنعوا أمامنا ، والله أعلم بما وراءنا ؛ والآن تجد بعض الإخوان -مع الأسف- يرد على إخوانه أكثر مما يرد على الملحدين الذين كفرهم صريح ؛ يعاديهم أكثر مما يعادي هؤلاء ؛ ويشهر بهم في كلام لا أصل له، ولا حقيقة له ؛ لكن حسد وبغي ؛ ولا شك أن الحسد من أخلاق اليهود أخبث عباد الله.

ثم إن الحسد لا يستفيد منه الحاسد إطلاقا ؛ بل لايزيده إلا غماً وحسرة ؛ ابغ الخير للغير يحصل لك الخير ؛ و اعلم أن فضل الله يؤتيه من يشاء ؛ لو حسدت فإنك لن تمنع فضل الله ؛ ربما تمنع فضل الله عليك بمحبتك زوال فضل الله على غيرك ، وكراهتك نعمة الله على غيرك ؛ لذلك الحاسد في ظروف طالب العلم مشكوك في نيته وإخلاصه في طلب العلم ؛ لأنه إنما حسد لكون الثاني صار له جاه عند الناس ، وله كلمة والتف الناس حوله فحسده ، لكونه يريد الدنيا ؛ أما لو كان يريد الآخرة –حقاً- ويريد العلم –حقاً- لسأل عن هذا الرجل الذي التف الناس حوله وأخذوا بقوله ؛ تسأل عن علمه لتكون مثله أيضاً ؛ تجيء أنت لتستفيد منه ؛ أما أن تحسده وتشوه سمعته، وتذكر فيه من العيوب ما ليس فيه ، فهذا لا شك أنه بغي وعدوان وخصلة ذميمة.

------------
(1) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب : الترغيب في النكاح، ومسلم، كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 15 Jan 2008 الساعة 09:32 PM
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 16 Jan 2008, 11:21 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي


7- سئل فضيلة الشيخ : ذكر الخطيب البغدادي جانباً من جوانب تعلم العلم وهو لزوم أحد
العلماء أو أحد المشائخ فما رأي فضيلتكم؟

فأجاب فضيلته بقوله: هذا جيد ؛ كون الإنسان يركز على شيخ من المشائخ يجعله هو الأصل ، لاسيما المبتدئ الصغير. المبتدئ الصغير إذا طلب العلم على عدة أناس تذبذب ؛ لأن الناس ليسوا على رأي واحد -خصوصاً في عصرنا الآن- ؛ كان فيما سبق -أي قبل مدة- كان الناس -هنا في المملكة- لا يخرجون أبداً عن الإقناع والمنتهى ؛ فتجد فتاواهم واحدة ، وشروحهم واجدة ؛ لا يختلف واحد عن الآخر إلا في الإلقاء وحسن الأسلوب ؛ لكن الآن لما كان كل واحد حافظاً حديثاً أو حديثين قال: أنا الإمام المقتدى به ؛ والإمام أحمد رجل ونحن رجال ؛ فصارت المسألة فوضى ؛ صار كل إنسان يفتي ؛ أحياناً تأتي الفتاوى تبكي وتُضحك ؛ وكنت أَهُمُّ أن أُدَوِّن مثل هذه الفتاوى ؛ لكن كنت أخشى أن أكون ممن تبع عورات إخوانه ، فتركته تحاشياً مني ؛ وإلا نقلنا أشياء بعيدة عن الصواب بعد الثريا عن الثرى.
فأقول: ملازمة عالم واحد مهمة جداً ، مادام الطالب في أول الطريق لكي لا يتذبذب ؛ ولهذا كان مشائخنا ينهوننا عن مطالعة المغني وشرح المهذب والكتب التي فيها أقوال متعددة ،عندما كنا في زمن الطلبة ؛ وذكر لنا بعض مشائخنا أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بابطين -رحمه الله – وهو من أكبر مشائخ نجد مفتي الديار النجدية ، ذكروا أنه كان مكبًا على الروض المربع لا يطالع إلا إياه ويكرره ؛ كلما خلص منه كرره ؛ لكن يأخذه بالمفهوم و المنطوق والإشارة والعبارة فحصل خير كثير.

أما إذا توسعت مدارك الإنسان ، فهذا ينبغي له أن ينظر أقوال العلماء يستفيد منها فائدة علمية وفائدة تطبيقية ؛ لكن في أول الطلب أنا أنصح الطالب أن يركز على شيخ معين لا يتعداه.

8- وسئل فضيلة الشيخ : إذا أراد طالب العلم أن ينقل الأحاديث التي زادت من بلوغ المرام على المحرر لابن عبد الهادي فهل هذه الطريقة مفيدة؟

فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء في ذلك ؛ هذه طريقة خاصة ؛ لكنه على سبيل العموم كونه يًُدرس الكتب المشهورة المتداولة بين الناس أحسن.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 18 Jan 2008, 07:19 PM
أبو أيوب نبيل شيبان أبو أيوب نبيل شيبان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: البويرة -الجزائر
المشاركات: 240
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أيوب نبيل شيبان إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أيوب نبيل شيبان
افتراضي

بارك الله فيك على هذا الجهد . وفقك الله للمزيد و جعل ذلك في ميزان حسناتك.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, آداب, طلب علم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التصفية و التربية أو العلم و العمل أبو البراء إلياس الباتني الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام 1 11 Dec 2007 04:38 PM


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013