قاعِدَةٌ فِي الرَدِّ عَلَى الجُهّالِ الذِينَ يَقُولُونَ : إِرْكَبُوا الإِبِلَ لأَنهُ لَمْ يكن في زمن النبي عليه الصلاة و السلام طائرات و سيارات.

[أبو أيوب صهيب زين]

الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين . أما بعد :

فهذه قاعدةٌ فِي الرَدِّ عَلَى الجُهّال الذِينَ يَقولونَ للسّلفيّين -استهزاءً- : لا تَرْكَبُوا الطائرات و السيّارات لأنّها لَمْ تكن زَمَنَ النّبِيِّ عَلَيهِ الصّلاة و السلام .(1) :


كُلُّ مَا لَا يَتِمُّ المَعَاشُ إِلَّا بِهِ فَتَحْرِيمُهُ حَرَجٌ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعاً (2)

ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- هذه القاعدة في كلامه على مسألة استئجار الأرض التي بها غراس . و ذكر فيها ثلاث أقوال : الأول يقضي بالجواز و الثاني اذا كان الشجر قليلا و الثالث عدم الجواز . و في الصنف الثالث قال -رحمه الله- : " والذين لا يحتالون أو يحتالون وقد ظهر لهم فساد هذه الحيلة هم بين أمرين :

إما أن يفعلوا ذلك للحاجة ويعتقدوا أنهم فاعلون للمحرم كما رأينا عليه أكثر الناس .(3)

وإما أن يتركوا ذلك ويتركوا تناول الثمار الداخلة في هذه المعاملة فيدخل عليهم من الضرر والاضطرار ما لا يعلمه إلا الله . وإن أمكن أن يلتزم ذلك واحد أو اثنان فما يمكن المسلمين التزام ذلك إلا بفساد الأموال التي لا تأتي به شريعة قط فضلا عن شريعة قال الله فيها : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم } وفي الصحيحين " { إنما بعثتم ميسرين } " { يسروا ولا تعسروا } " { ليعلم اليهود أن في ديننا سعة }(4) فكل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج ، وهو منتف شرعا .
والغرض من هذا : أن تحريم مثل هذا مما لا يمكن الأمة التزامه قط ; لما فيه من الفساد الذي لا يطاق . فعلم أنه ليس بحرام ; بل هو أشد من الأغلال والآصار التي كانت على بني إسرائيل ووضعها الله عنا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . ومن استقرأ الشريعة في مواردها ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وقوله : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية - هي ترك واجب أو فعل محرم - لم يحرم عليهم ; لأنهم في معنى المضطر الذي ليس بباغ ولا عاد وإن كان سببه معصية كالمسافر سفر معصية اضطر فيه إلى الميتة والمنفق للمال في المعاصي حتى لزمته الديون ، فإنه يؤمر بالتوبة ويباح له ما يزيل ضرورته ، فتباح له الميتة ويقضى عنه دينه من الزكاة ، وإن لم يتب فهو الظالم لنفسه المحتال وحاله كحال الذين قال الله فيهم : { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } وقوله { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم } الآية . وهذه قاعدة عظيمة ربما ننبه إن شاء الله عليها .(5)


انظر : "مجموع الفتاوى" له (64,65 / 29) و "القواعد النورانيّة الفقهية" له (145).
__________________________________________________ ____________________________________
(1) أكثر من يتكلّم بهذا الهراء هم من ثقلت عليهم السنّة و الرّجوع عن الخطأ . فلم يجدوا ما يتحجّجون به ! إلا رمي السلفيّن بهذه التفاهات التي لا يقبلها عقل فضلا أن تكون حجّة شرعية..!
(2) و قد يعبّر عنها بعضهم بقاعدة "الوسائل لها حكم المقاصد" أو ما قد يتفرع منها كقولهم "ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب" .و المقصود من النّقل إنما هو شرح شيخ الاسلام لهذه القاعدة و تلك الصيغة التي صاغ بها القاعدة.
(3) سؤال : هل يستطيع هؤلاء السّير في الصحراء مسافة كيلومتر واحد على الأبل و المراكب متوفّرة !؟ ..هذا ان استطاعوا السّيْر فيها عشرة أمتار ..مع ما نراهم عليه من الشكوى حتى وهم على الطّائرات..
(4) العجيب أنهم يرمون السلفيّين بالتشدّد و التعسير على الناس ..!! و هم يمنعون ما أباح الله .فمتى يعلم هؤلاء أن أقوالهم حججٌ عليهم !!؟
(5) و القاعدة و إن كان محل ذكرها ما أشرنا إليه في البداية إلّا أنها تشمل -باذن الله- ما عنونّا له .



و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمّد و على آله و صحبه و أجمعين .