منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Jan 2017, 11:52 AM
أبو عائشة محمد عواد أبو عائشة محمد عواد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
الدولة: الجزائر ، مستغانم
المشاركات: 92
افتراضي أحداث حلب تمحيصٌ وأدبٌ وكشفٌ لمن غرَّر بالمسلمين ولعب للشيخ خالد عثمان المصري

أحداث حلب تمحيصٌ وأدبٌ

وكشفٌ لمن غرَّر بالمسلمين ولعب



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتّبع هداه،

أما بعد، فإن قيام هؤلاء الزنادقة الباطنية من النصيريين والروافض بهذه الهجمات البربرية التتارية على مدينة حلب بسوريا؛ لهو إحياء لسنن أسلافهم من القرامطة، وبئس السلف، بل هو تشبه بالحيوانات الأعاجم في الغابات والبراري التي تقوم على قاعدة افتراس الأقوى للضعيف.

وأقول: إن تدمير حلب لهو تمحيص وأدب، تمحيص للمؤمنين الصادقين {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.

وأدبٌ لكل من غوته الشياطين فانحرف بهوًى أو بدعة عن صراط ربّ العالمين وسبيل رسوله الأمين إلى سبل الشياطين.

أدبٌ لمن غرته الأماني ممّن غزا النّفاق قلبه فمحا الإيمان أو كاد أن يمحوه، لعلّه يئوب في هذه الدنيا ويتوب قبل أن يمر على الصراط مع إخوانه المنافقين، ويقولون للمؤمنين: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ}، فيقول لهم المؤمنون الصادقون: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ}.

وفصائل الخوارج في عصرنا تفشت فيهم خصال النفاق، وقد اجتمعوا على إعمال السيف في أمة الإسلام.

قال الدارمي (101) أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: ” إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ أَهْلُ الضَّلَالَةِ، وَلَا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَى النَّارَ، فَجَرِّبْهُمْ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَنْتَحِلُ قَوْلا أَوْ قَالَ: حَدِيثًا فَيَتَنَاهَى بِهِ الْأَمْرُ دُونَ السَّيْفِ، وَإِنَّ النِّفَاقَ كَانَ ضُرُوبًا، ثُمَّ تَلاَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75]، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58]، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61] فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا، فِي الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ، وإنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ وَاجْتَمَعُوا فِي السَّيْفِ، وَلا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَى النَّارِ”.

وهذه فصائل الخوارج في سوريا: تنظيم داعش، وجبهة النصرة ونحوها من الفصائل التي أفرزها حزب الإخوان المسلمين، هم الذين جرّوا الويلات على سوريا، وأعطوا الفرصة للنصيرية والرافضة أن ينكّلوا بالمسلمين في سوريا تحت دعوى قتال الإرهابيين، رغم أنهم هم رءوس الإرهاب والفجور واستحلال الدماء على مستوى العالم.

ومن أخطر سمات النفاق لهذه الفصائل الخارجية تواطؤها مع هؤلاء الباطنية في تحقيق مآربهم الخبيثة في الاستيلاء على بلاد الإسلام، فهم الذين يفتحون لهم الطريق ويمهدونه.

ولذلك كنت أقول: كما أن الروافض هم حمير اليهود، كذلك حزب الإخوان المسلمين –والذي منه خرجت هذه الفصائل الخارجية- هم حمير الروافض بل حمير الدعوات الباطنية بشتى مسمّياتها.

وهذه الفصائل الباطنية والخارجية هم أفضل معاون لليهود والنصارى ضد المسلمين، ولذلك رغم اختلاف أهوائهم وعداوة بعضهم بعضًا على الدنيا وحطامها إلا أنهم يجتمعون على أهل الإسلام.

قال ابن جرير في تفسيره (22/537) في بيان أحوال أهل الكفر والضلال: “وَقَوْلُهُ: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحشر: 14] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: عَدَاوَةُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ بَعْضًا شَدِيدَةٌ. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا} [الحشر: 14] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، يَقُولُ: تَظُنُّهُمْ مُؤْتَلِفِينَ مُجْتَمِعَةً كَلِمَتُهُمْ {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] يَقُولُ: وَقُلُوبُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لِمُعَادَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ تَشْتِيتُ أَهْوَائِهِمْ، وَمُعَادَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ مَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُمْ مِمَّا فِيهِ عَلَيْهِمُ الْبَخْسُ وَالنَّقْصُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ”.

ثم قال: “ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14] قَالَ: “تَجِدُ أَهْلَ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفَةً شَهَادَتُهُمْ، مُخْتَلِفَةً أَهْوَاؤُهُمْ، مُخْتَلِفَةً أَعْمَالُهُمْ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي عَدَاوَةِ أَهْلِ الْحَقِّ”.

قلت: فلا نعجب من تواطؤ الشيوعيين الروس الملاحدة مع الباطنية النصيرية والرافضة، فهذا ليس بجديد، وأغلب الويلات التي مرت ببلاد الإسلام قديمًا إنما كانت من جرّاء هذه التحالفات بين أهل الباطل ضد أهل الحق.

لكن اعلم –رحمك الله- أن هؤلاء القتلى من المسلمين الموحدين في حلب –والذين هم ضحية هذه الفصائل الباطنية، والفصائل الخارجية- لن تضيع دماءهم هدرًا عند ربّ العالمين، فإنه سبحانه ينتقم لعباده المؤمنين ولو بعد حين.

ونرجو أن يتقبلهم الله في الشهداء وأن يرفع درجاتهم بما أصابهم من المصاب العظيم: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}.

{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله – في “جامع المسائل لابن تيمية” ط.عزير شمس (5/ 298) في رسالته إلى السلطان الملك الناصر في شأن التتار: “فإن هذه الفتنة التي جرت، وإن كانت مؤلمة للقلوب، فما هي -إن شاء الله – إلا كالدواء الذي يسقاه المريض ليحصل له الشفاء والقوة، وقد كان في النفوس من الكبر والجهل والظلم ما لو حصل معه ما تشتهيه من العز لأعقبها ذلك بلاء عظيمًا، فرحم الله عباده برحمته التي هو أرحم بها من الوالدة بولدها، وانكشف لعامة المسلمين شرقًا وغربًا حقيقة حال هؤلاء المفسدين الخارجين عن شريعة الإسلام وإن تكلموا بالشهادتين، وعلم من لم يكن يعلم ما هم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبعد عن شرائع الإسلام ومناهجه، وحنَّت إلى العساكر الإسلامية نفوس كانت معرضة عنهم، ولانت لهم قلوب كانت قاسية عليهم، وأنزل الله عليهم من ملائكته وسكينته مالم يكن في تلك الفتنة معهم، وطابت نفوس أهل الإيمان ببذل النفوس والأموال للجهاد في سبيل الله، وأعدوا العدة لجهاد عدو الله وعدوهم، وانتبهوا من سَنَتِهم، واستيقظوا من رقدتهم، وحمدوا الله على ما أنعم به من استعداد السلطان والعسكر للجهاد، وما جمعه من الأموال للإنفاق في سبيل الله”.اهـ

قلت: وإن أحداث حلب كشفٌ لمن غرَّر بالمسلمين ولعب من دعاة الفتنة المجرمين والخوارج القعدية المارقين، الذين يتسترون برداء السلفيين، ولا يتقون ربّ العالمين!

وقد كتبت منذ سنوات عدة “الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات الحزبية البدعية”، كشفًا لحال هؤلاء المجرمين من أدعياء السلفية، فما كان منهم ومن المتعصّبين لهم إلا أن {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.

فأردفت هذا بـ: “التعصُّب للشيوخ.. عواطف مشوبة بالأهواء”؟

فما ازدادوا إلا تعصُّبًا وحمية لشيوخهم، حتى سمعت أحدهم يقول في معرض القاهرة للكتاب: “هؤلاء شيوخنا لن نتركهم أبدًا ما حيينا إلى أن نموت، وإن قالوا ما قالوا، وفعلوا ما فعلوا” !!

فماذا يقول دعاة الفتنة وهم موقوفون بين يدي ربّ العالمين؟!

ماذا يقول يوسف القرضاوي، وعدنان عرعور، وعبدالرحمن عبدالخالق، ومحمد بن حسّان، وأبو إسحاق الحويني، وسفر الحوالي، وسلمان العودة، وعائض القرني … إلخ رءوس الفتنة؟!!

ووالله لقد وعظتهم موعظة بليغة وذكّرت، ووضحت لهم القول وفصَّلت في: “التفجيرات من منهج الخوارج والبغاة”، و”الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات الحزبية البدعية”، و” الحدود الفاصصلة بين أصول منهج السلف الصالح وأصول القطبية السرورية ”، و”دفع بغي الجائر الصائل عن إمام الجرح والتعديل –العلامة ربيع بن هادي- والمنهج السلفي وأئمته بالباطل”.

وأخصُّ بالذكر: الحويني وابن حسّان؛ لأنهما بلديَّا، ولأني جعلت الحويني نموذجًا حيًّا لمنهج القطبية السرورية في كتابي: “الحدود الة بين أصول منهج السلف الصالح وأصول القطبية السرورية.. ويتضمن المسائل التي خالف فيها الحويني أصول منهج السلف ووافق فيها القطبية السرورية”.

ومرت السنوات، ونفخ الشيطان في بوق الثورات، فإذ به لا يجد أبواقًا له أفضل من هؤلاء الخوارج القعدية.

وبدلاً من أن يكونوا صمام أمن للمجتمعات الإسلامية، كانوا فتيل اشتعال وتفجير.

فماذا صنعوا؟ لقد مكروا مكرًا كُبَّارًا، وظنُّوا {أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ}، وما زالوا سادرَين في غيِّهم؟!

فماذا كان؟!

تحقَّقت فيهم وفي أشكالهم من حزب الإخوان “الخونة المفلسين المفسدين” سنة الاستدراج: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}، فاستدُرجوا جميعًا من قِبَل الله عز وجل في “ثورات الخريف العربي”؛ ليزدادوا آثامًا على آثامهم {وَمَن يُّضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}.

وقد أعرض الحويني عن الحق المفصَّل في كتاب “ الحدود اللة ” ، والذي جهدت فيه أن أنصحه نصيحة صادقة، وكنت أتلطف معه أحيانًا، وأشتد أخرى، لعله يستوعب عظم الجناية التي جناها على الدعوة السلفية، بل على بلاد الإسلام عامة، لكن للأسف أعرض واستكبر، وأخذته حمية الشهرة وأنفة البدعة، فعمي بصره عن رؤية الحق الواضح البيِّن {مَن يُّضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

ومن استمراره في غيِّه إقراره لهذه الثورات ودعوته إلى مظاهرة سماها بـ: “مليونية الشريعة”.

ولمّا انكشف أمره لكثير من المغرّر بهم، أراد المتعصّبون له تلميعه بأساليب التدليس والتغرير المعتادة منهم، فأتوا به إلى سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ –حفظه الله-، يتمسحون به.

وتناسوا أن المفتي يخالف شيخهم في شأن الثورات والمظاهرات!

لكنهم لم يظهروا للمفتي حقيقة منهج الحويني الثوري الخارجي القطبي السروري الإخواني!!

وأقول لمحمد حسّان والحويني وعبدالرحمن عبدالخالق وعدنان عرعور والقرضاوي ومحمد عبدالمقصود، وأشكالهم من دعاة الفتنة: لقد خنتم الأمانة وضيّعتم فئامًا من شباب الأمّة، وخالفتم أمر الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} ]النساء:58[

ولستم من أهل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.

وبوَّب البخاري في صحيحه: كتاب الرِّقاق: بَابُ رَفْعِ الأَمَانَةِ، وأخرج تحته برقم (6496) حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

وبعده برقم (6497) حديث زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قال: حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: “يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ”([1]).

قلت: لعلّ أن يكون أحدكم ممن نام النَّومة فقبضت الأمانة من قلبه!

وهنيئًا لكم أوزار تضييع هذه الأمانة الثقيلة تحملونها على ظهوركم يوم القيامة!!

ووالله إن دماء المستضعفين في حلب، ومن قبل الدماء التي سُفكت في غزا ومصر وليبيا والجزائر وغيرها من بلاد الإسلام في رقابكم، فهنيئًا لكم حمل كفل هذه الدماء يوم القيامة!!

ووالله لن ينفعكم اللعب بالكلام ولا تزيينه، ولن ينفعكم الهروب والاحتماء بالدول التي تخدم مخططات اليهود والروافض، وتصِّدر فتاوى الثورات وسفك الدماء المحرمة، وهي تنعم بالأمان والرفاهية.

أين تفرون يوم القيامة؟! هل تفرون من ربّ العالمين؟!

هذه الجموع التي غرّرتم بها وسُفكت بسبب خيانتكم الأمانة في الفتوى دماؤهم هم سلاسل تطوق بها رقابكم يوم القيامة.

وأقول كما قال أبو العالية فيما رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ (10/153)، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ عَلَيَّ لَنِعْمَتَيْنِ مَا أَدْرِي أَيُّتُهُمَا أَعْظَمُ أَنْ هَدَانِيَ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَجْعَلَنِي حَرُورِيًّا».

وفي أحداث حلب عبرة وأدب لمن غلب على قلوبهم داء التحاسد والعجب بالنفس والكبر؛ مِمّن قد ينتمي إلى دعوة أهل الحق –في الظاهر-، ثم إذ به لا همَّ له إلا إضعاف دعوة أهل الحق ببثِّ الفتن وإثارة الشبهات والقلاقل على بعض القائمين بهذه الدعوة المباركة في بعض البلاد حسدًا منه وبغيًا: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}.

وبعضهم يريد أن يحزّب السلفيين لفلان ضد فلان حميةً وعدوانًا؛ مما يزيد الوحشة والفرقة والشقاق.

ولهم العبرة في هذه الأحداث الدامية المؤلمة التي تليّن القلوب القاسية التي ما زالت فيها حياة، وأما القلوب الميِّتة فلا حراك فيها، ولا أمل {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُور}.

ولكن الأمر كما أخرج البخاري (6498) من حديث سَالِم بْن عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً».

والله الموعد.

وأخيرًا نحاول أن نتلمس العبر من أحداث “واقعة عين جالوت”، سابقها ولاحقها، وقد سردها سردًا جيدًا الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (17/399-402)، فقال: “فَمَا مَضَتْ سِوَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى جَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِنُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّتَارِ بِعَيْنِ جَالُوتَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ قُطُزَ صَاحِبَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ التَّتَارَ قَدْ فَعَلُوا بِالشَّامِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ نَهَبُوا الْبِلَادَ كُلَّهَا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى غَزَّةَ، وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ عَزَمَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَاحِبُ دِمَشْقَ عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى مِصْرَ، وَلَيْتَهُ فَعَلَ، وَكَانَ فِي صُحْبَتِهِ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ، وَخَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، وَقَدْ وَصَلَ إِلَى قَطْيَةَ، وَتَهَيَّأَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ لِلِقَائِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْمَنْصُورِ مُسْتَحَثِّينَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ: تَقَدِّمْ حَتَّى نَكُونَ كَتِفًا وَاحِدًا عَلَى التَّتَارِ.

فَتَخَيَّلَ مِنْ ذَلِكَ وَخَافَ أَنْ يَنْتَصِرَ عَلَيْهِ، فَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى نَاحِيَةِ تِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدَخَلَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأَكْرَمَ الْمُظَفَّرُ الْمَلِكَ صَاحِبَ حَمَاةَ، وَوَعَدَهُ بِبَلَدِهِ، وَوَفَّى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَدْخُلِ النَّاصِرُ وَلَيْتَهُ فَعَلَ، فَإِنَّهُ كَانَ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِمَّا صَارَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ خَافَ مِنْهُمْ لِعَدَاوَةٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَعَدَلَ إِلَى نَاحِيَةِ الْكَرَكِ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَلَيْتَهُ اسْتَمَرَّ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ قَلِقَ، فَرَكِبَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ – وَلَيْتَهُ ذَهَبَ فِيهَا – وَاسْتَجَارَ بِبَعْضِ أُمَرَاءِ الْأَعْرَابِ، فَقَصَدَتْهُ التَّتَارُ، وَأَتْلَفُوا تِلْكَ الدِّيَارَ وَنَهَبُوا مَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَقَتَلُوا الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ، وَهَجَمُوا عَلَى الْأَعْرَابِ الَّتِي بِتِلْكَ النَّوَاحِي، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَسَبَوْا مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَقَدِ اقْتَصَّ مِنْهُمُ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَغَارُوا عَلَى خَيْلِ جِشَارِهِمْ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ، فَسَاقُوهَا بِأَسْرِهَا، فَسَاقَتْ وَرَاءَهُمُ التَّتَارُ، فَلَمْ يُدْرِكُوا مِنْهُمُ الْغُبَارَ، وَلَا اسْتَرَدُّوا مِنْهُمْ فَرَسًا وَلَا حِمَارًا، وَمَا زَالَ التَّتَارُ وَرَاءَ النَّاصِرِ حَتَّى أَخَذُوهُ وَأَسَرُوهُ عِنْدَ بِرْكَةِ زَيْزَاءَ، وَأَرْسَلُوهُ مَعَ وَلَدِهِ الْعَزِيزِ وَهُوَ صَغِيٌرٌ، وَأَخِيهِ إِلَى مَلِكِهِمْ هُولَاكُو وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى حَلَبَ، فَكَانُوا فِي أَسْرِهِ حَتَّى قَتَلَهُمْ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ…

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمُظَفَّرَ لَمَّا بَلَغَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ التَّتَارِ بِالشَّامِ الْمَحْرُوسَةِ وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَعْدَ تَمْهِيدِ مَمْلَكَتِهِمْ بِالشَّامِ بَادَرَهُمْ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُبَادِرُوهُ، وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ، أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَقْدَمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ بِالْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَيْهِ، حَتَّى انْتَهَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى الشَّامِ وَاسْتَيْقَظَ لَهُ عَسْكَرُ الْمَغُولِ، وَعَلَيْهِمْ كَتُبْغَا نُوِينَ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ فِي الْبِقَاعِ، فَاسْتَشَارَ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حِمْصَ وَالْقَاضِي مُجِيرُ الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ فِي لِقَاءِ الْمُظَفَّرِ، فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا قِبَلَ لَهُ بِالْمُظَفَّرِ حَتَّى يَسْتَمِدَّ هُولَاكُو، فَأَبَى إِلَّا أَنْ يُنَاجِزَهُ سَرِيعًا، فَصَمَدُوا إِلَيْهِ، فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عَيْنِ جَالُوتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْخَامِسَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا شَدِيدًا، فَكَانَتِ النُّصْرَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ هَزِيمَةً هَائِلَةً، وَقُتِلَ كَتْبُغَا نُوِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِيهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ كَتْبُغَا نُوِينَ الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ الشَّمْسِيُّ، وَاتَّبَعَهُمُ الْجَيْشُ الْإِسْلَامِيُّ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَفِي كُلِّ مَأْزِقٍ، وَقَدْ قَاتَلَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ مَعَ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ قِتَالًا عَظِيمًا، وَكَذَلِكَ الْأَمِيرُ فَارِسُ الدِّينِ أَقَطَايَ الْمُسْتَعْرِبُ، وَكَانَ أَتَابِكَ الْعَسْكَرِ، وَقَدْ أُسِرَ مِنْ جَمَاعَةِ كَتْبُغَا نُوِينَ الْمَلِكُ السَّعِيدُ بْنُ الْعَزِيزِ بْنِ الْعَادِلِ، فَأَمَرَ الْمُظَفَّرُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَاسْتَأْمَنَ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حِمْصَ وَكَانَ مَعَ التَّتَارِ، وَقَدْ جَعَلَهُ هُولَاكُو نَائِبًا عَلَى الشَّامِ كُلِّهِ، فَأَمَّنَهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، وَرَدَّ إِلَيْهِ حِمْصَ، وَكَذَلِكَ رَدَّ حَمَاةَ إِلَى الْمَنْصُورِ، وَزَادَهُ الْمَعَرَّةَ وَغَيْرَهَا، وَأَطْلَقَ سَلَمْيَةَ لِلْأَمِيرِ شَرَفِ الدِّينِ عِيسَى بْنِ مُهَنَّا بْنِ مَانِعٍ أَمِيرِ الْعَرَبِ، وَاتَّبَعَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّجْعَانِ التَّتَارَ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِلَى أَنْ وَصَلُوا خَلْفَهُمْ إِلَى حَلْبَ، وَهَرَبَ مَنْ بِدِمَشْقَ مِنْهُمْ، وَكَانَ هَرَبُهُمْ مِنْهَا يَوْمَ الْأَحَدِ السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَبِيحَةَ النَّصْرِ الَّذِي جَاءَتْ فِيهِ الْبِشَارَةُ بِالنُّصْرَةِ عَلَى عَيْنِ جَالُوتَ، فَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دِمَشْقَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَنْهَبُونَ الْأَمْوَالَ فِيهِمْ، وَيَسْتَفِكُّونَ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ قَهْرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَنُ عَلَى جَبْرِهِ الْإِسْلَامَ، وَمُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ بِلُطْفِهِ الْحَسَنِ.

وَجَاءَتْ بِذَلِكَ الْبِشَارَةُ السَّارَّةُ، فَجَاوَبَتْهَا الْبَشَائِرُ مِنَ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ بِنَصْرِ اللَّهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَأَيْدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ تَأْيِيدًا، وَكُبِتَ أَعْدَاءُ اللَّهِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ، وَظَهَرَ دِينُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.اهـ

قلت: نستفيد من هذه الملحمة ما يلي:

غلبة أعداء الله من التتار على الشام واستيلاؤهم عليها بأكملها لا يعني القضاء على الإسلام وأهله، لكن الحرب سجال، والأيام دول.
وكذلك غلبة تتار هذا الزمان –الروافض والشيوعيون- على بعض بلاد الشام –أو عليها كلها- لا يعني القضاء على الإسلام وأهله، لكن الحرب سجال، والأيام دول.

شدة وبأس جند الإسلام في الديار المصرية، وأنهم أفضل مَن يُستعان بهم في وقت الشدائد، خاصة إذا صال أعداء الله على بلاد الإسلام ساعين لمحو الإسلام، وهذا فيه تحقيق لما أوصَى به رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهِ حيث قَالَ: «اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ»، أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أُمِّ سَلَمَةَ – رضي الله عنها، وصحّحه العلامة الألباني في الصحيحة (3113).
وفي رواية: «إِنَّكُمْ سَتَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ، جُعْدٌ رُءُوسُهُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ، وَبَلَاغٌ إِلَى عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ» – يَعْنِي قِبْطَ مِصْر، والقبط هنا هم جنس المصريين، ليس النصارى كما يظنّ البعض.

تخاذل أمير من أمراء المسلمين عن الاتحاد والتعاون مع أصحاب الشوكة من الأمراء الآخرين، وانحيازه وحده، يجعله غنيمة سهلة في أيدي أعداء، مع تمكينهم من إيقاع القتل والسلب في المكان الذي ينحاز فيه وحده، كما حدث للناصر.
التحام ولاة أمر المسلمين في مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام يجعلهم قوة ضاربة ترهب أعداء الله، وتكون سببًا في النصر وإعلاء كلمة الله.
لا يأس من روح الله، فهما تغلَّب أعداء الله على بقاع من بلاد الإسلام، فإن تطهير هذه البقاع منهم ممكن ليس مستحيلاً، لكن الأمر يحتاج إلى اجتماع المسلمين على كلمة سواء مع التمسك بدينهم والاعتزاز به، وكبت رءوس النفاق والخيانة من أصحاب المذاهب المنحرفة الذين هم أعوان لأعداء الله؛ كي ينصر الله جند الإسلام، وتكون العاقبة لهم، وكما هَرَبَ مَنْ بِدِمَشْقَ مِن التتار، وجَاءَتْ الْبِشَارَةُ بِالنُّصْرَةِ في عَيْنِ جَالُوتَ، فَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دِمَشْقَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَنْهَبُونَ الْأَمْوَالَ فِيهِمْ، وَيَسْتَفِكُّونَ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ قَهْرًا، كذلك سوف يهرب –إن شاء الله- الروافض في إيران وبغداد وحلب، وأعوانهم من اليهود والنصارى، ومن خونة الصوفية وحزب الإخوان المفسدين، وتأتي البشارة بالنصرة في واقعة -لا نعلم اسمها الآن، لكن الله يعلمها-، ويتّبعهم المسلمون يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَنْهَبُونَ الْأَمْوَالَ فِيهِمْ، وَيَسْتَفِكُّونَ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ قَهْرًا.
ويومئذ يفرحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، ويُؤيد اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ تَأْيِيدًا، ويُكبت أَعْدَاءُ اللَّهِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ والروافض والنصيريين، وَيظَهَرَ دِينُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَينصر اللَّهُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

أخرج البخاري (2926) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاع، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ”، وأخرجه مسلم (2922) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحوه، وزاد فيه: “إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ”.

وأخرجه مسلم (2921) من حديث ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ، فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ”.

قال ابن الملقن في “التوضيح شرح الجامع الصحيح” (17/663): “المراد بقوله: “تقاتلون اليهود”: إذا نزل عيسى، فإن المسلمين معه واليهود مع الدجال، وفيه ظهور الآيات بحكم الجهاد وما شاكله عند نزول عيسى الذي يستأصل الدجال واليهود معه.

وفيه: دليل على بقاء دين محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته بعد نزول عيسى ابن مريم، لقوله: “تقاتلون” ولا يكونون مخاطبين بالقتال إلا وهم على دينهم”.

قلت: والذي يظهر أن هؤلاء الرافضة والنصيرية –حمير اليهود- إنما هم دجاجلة صغار يمهدن لخروج الدجال الأكبر.

وأخيرًا أذكِّر بكلام العلامة المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- في أول المجلد الأول من “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1/31) في بيانه أن المستقبل للإسلام، حيث قال:

“قال الله عز وجل: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.

تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقَّق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى , فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * أن ذلك تامًا، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله “. الحديث، رواه مسلم وغيره”.

ثم ذكر حديث: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاًّ يذل به الكفر”… ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث:

عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابًا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية”…

و(رومية) هي روما كما في “معجم البلدان” وهي عاصمة إيطاليا اليوم.

وقد تحقَّق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقَّق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولا بد، ولتعلمن نبأه بعد حين.

ولا شك أيضًا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث:

تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًّا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت”.اهـ

قلت: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} { كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.

وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

وكتب

أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري

ابتداء بعد فجر الجمعة 17 من ربيع الأول 1438 بمكة –حفظها الله-

وانتهاء ليلة الثلاثاء 21 ربيع الأول 1438 بالقاهرة –
أصلحها الله-

([1]) وأخرجه أيضًا في كتاب الفتن: بَابُ إِذَا بَقِيَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ.

المصدر : موقع الشيخ أبي عبد الأعلى خالد بن محمد عثمان المصري -حفظه الله -


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عائشة محمد عواد ; 06 Jan 2017 الساعة 12:17 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, أحداث حلب, مسائل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013