منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 26 Aug 2012, 07:21 PM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي عدالةُ الصَّحابةِ ومنزلتُهم بين العالمِين

[عدالةُ الصَّحابةِ ومنزلتُهم بين العالمِين]

بسم الله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله
أما بعد:
فإنَّ عدالة الصَّحابة الأكْرمِين، ظاهرةٌ لكلِّ النَّاس أجمعِين، إلَّا من أعمى الله بصيرَته من العالمِين، وقد دلَّ على ذلك الكتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ المسلمين، وحسبُنا في هذه الكلمات اليسيرات أن نذكرَ شيئا من ذلك، لعلَّنا ننالُ به أجرَ المشاركة في الذبِّ عن أطهرِ الأمّة وأشرفِها، ونكونُ ممِّن سخَّرهم الله وكرَّمهم بالدِّفاع عن أهلِ الإيمان، وهو القائِل سبحانَه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[الحج: 38]، فنقول مستعينين بالله العظيم:
أمَّا ما يدلُّ على عدالتِهم ومنزلتِهم من كلامِ الله فكثير:
فقد عدّلهم ربُّ العالمين، وأثنى عليهم في عدَّة آيات من كتابه العزيز منها:
1.
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة: 143].
وقوله: (وسطاً) بمعنى (عدولاً خياراً)، والصّحابة هم المخاطبون بهذه الآية مباشرة.
قال ابنُ القيّم-رحمه الله-: (أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، هَذَا حَقِيقَةُ الْوَسَطِ، فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ، وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[1].
2.
وقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران: 110].
وهذه الآية أثبتت الخيريّة المطلقة لهذه الأمّة على سائر الأمم قبلَها، وأوَّلُ من ينال هذه الخيريَّة همُ الصَّحابة الكرام -رضي الله عنهم-.
قال أبو محمّد ابنُ حزم-رحمه الله-: (وَلَا خلاف بَين أحد من الْمُسلمين فِي أَنَّ أمَّةَ مُحَمَّد -صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّم- أفضلُ الْأُمَم لقَوْل الله -عزَّ وَجلَّ-: ﴿كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس﴾، وَأَنَّ هَذِه قاضية على قَوْله تَعَالَى لبني إِسْرَائِيل: ﴿وَإِنِّي فضلتكم على الْعَالمين﴾، وَأَنَّهَا مبيِّنَة، لِأَنّ مُرَاد الله تَعَالَى من ذَلِك عَالَم الْأُمَم حاشا هَذِه الْأمّة)[2].
3.
وقوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الحشر: 8-9].
فـ(الصَّادقون) هم: المهاجرون، و(المفلحون) هم: الأنصار[3].
4.
وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التّوبة: 100].
وقد اشتملت هذه الآيةُ الكريمةُ على أبلغ الثَّناء من الله ربِّ العالمين على السَّابقين الأوَّلين من الأنصارِ والمهاجِرين وعلى التّابعِين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
5.
وقال تعالى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾[النّمل: 59].
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله-: (قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْمُصْطَفِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ - وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ - الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [سُورَةُ فَاطِرٍ: 32 - 35]، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ بَعْدَ الْأُمَّتَيْنِ قَبْلَهُمْ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اصْطَفَى...)[4].
وأمَّا من السُّنَّة:

فقد أثنى النَّبي الصَّادِق-صلَّى الله عليه وسلَّم-على صحابتِه في عدَّة أحاديث:
1.
فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: قال: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»[5].
2.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،...))[6].
قال النَّووي-رحمه الله-: (اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهُ)[7].
3.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ))[8].
4.
وعن معاويةَ بنِ حيدة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:((أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ))[9].
والأحاديثُ الدَّالة على فضل الصَّحابة-رضوان الله عليهم- جماعةً أو أفرادًا متعدِّدةٌ ومتنوِّعةٌ، وحسْبُ المنصِف ما ذُكر، وأمَّا الشَّانئ المبغِض الحقود فلن يكفيَه شيء ولو جمعت له أدلَّة الكتاب والسّنّة أجمع.
وقد نقل غيرُ واحدٍ إجماعَ الأمَّةِ على عدالتِهم وفضلِهم وسبقِهم:
قال الخطيب البغدادي-رحمه الله-: (وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَتَّسِعُ وَكُلُّهَا مُطَابِقَةٌ لِمَا وَرَدَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الصَّحَابَةِ وَالْقَطْعَ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ، فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمُ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَى تَعْدِيلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لَهُمْ، فَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَحَدِهِمْ ارْتِكَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا قَصْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ، وَقَدْ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ عَنْهُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَأَوْجَبَتِ الْحَالُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَالنُّصْرَةِ وَبَذْلِ الْمُهَجِ وَالْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ- الْقَطْعَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، وَالِاعْتِقَادَ لِنَزَاهَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَدَّلِينَ وَالْمُزَكَّيْنَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ.
هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ)[10].
وقال ابنُ عبدِ البرّ-رحمه الله-: (ونحنُ -وإن كان الصَّحابة -رضي الله عنهم- قد كُفِينا البحثَ عن أحوالِهم لإجماعِ أهل الحقِّ من المسلمين -وهم أهل السُّنَّة والجماعة- على أنَّهم كلُّهم عدُول- فواجبٌ الوقوفُ على أسمائِهم والبحثُ عن سيَرهم وأحوالِهم ليهتدى بهُداهم فهم خيرُ من سُلِك سبيلُه واقتُدِي به)[11].
وقال ابنُ الصلاح-رحمه الله-: (إِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمُ فَكَذَلِكَ، بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ، وَنَظَرًا إِلَى مَا تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَآثِرِ، وَكَأَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَتَاحَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيعَةِ)[12].
وقال ابنُ كثير-رحمه الله-: (والصَّحابةُ كلُّهم عدولٌ عند أهل السُّنَّة والجماعة ، لِمَا أثنى اللَّه عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السُّنَّة النَّبويَّة في المدح لهم في جميع أخلاقِهم وأفعالِهم، وما بذلُوه من الأموالِ والأرواحِ بين يدَي رسولِ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رغبةً فيما عندَ اللَّه من الثَّوابِ الجزيل الجميل)[13].
وقال ابنُ حجر-رحمه الله-: (اتَّفق أهل السُّنَّة على أنّ الجميعَ عدُولٌ، ولم يخالفْ في ذلك إلا شذُوذٌ من المبتدعة)[14].
وأفضليَّة الصَّحابة ليست مقصورةً على هذه الأمَّة فقط، بل هي عامَّة لجميع النَّاس ما عدا الأنبياءَ والمرسلِين، فهم أفضلُ النَّاس مطلقًا بعد الرُّسل، وقد سبق معنا كلامُ ابنِ حزم-رحمه الله- في كونِ أمّته-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضلُ الأمم على الإطلاق، ولا خلافَ بأنّ الصّحابة أفضلُ الأمَّة.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ)[15].
وقال الحافظُ ابنُ كثير -رحمه الله- وهو يتكلَّم عن كفرِ بني إسرائيل لنعمِ ربِّهم بعد طلبهم الآيات: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ:57]، أَيْ: أَمَرْنَاهُمْ بِالْأَكْلِ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ وَأَنْ يَعْبُدُوا، كَمَا قَالَ: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [سَبَأٍ:15]، فَخَالَفُوا وَكَفَرُوا فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، هَذَا مَعَ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْقَاطِعَاتِ، وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَمِنْ هَاهُنَا تَتَبَيَّنُ فَضِيلَةُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ-، عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَبْرِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ وَعَدَمِ تَعَنُّتِهِمْ، كَمَا كَانُوا مَعَهُ فِي أَسْفَارِهِ وَغَزَوَاتِهِ، مِنْهَا عَامُ تَبُوكَ، فِي ذَلِكَ الْقَيْظِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْجَهْدِ، لَمْ يَسْأَلُوا خَرْقَ عَادَةٍ، وَلَا إِيجَادَ أَمْرٍ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَهْلًا عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنْ لَمَّا أَجْهَدَهُمُ الْجُوعُ سَأَلُوهُ فِي تَكْثِيرِ طَعَامِهِمْ فَجَمَعُوا مَا مَعَهُمْ، فَجَاءَ قَدْرَ مَبْرك الشّاة، فدعا الله فيه، وأمرهم فملؤوا كُلَّ وِعَاءٍ مَعَهُمْ، وَكَذَا لَمَّا احْتَاجُوا إِلَى الْمَاءِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَأَمْطَرَتْهُمْ، فشربوا وسقوا الإبل وملؤوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ نَظَرُوا فَإِذَا هِيَ لَمْ تُجَاوِزِ الْعَسْكَرَ؛ فَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي الِاتِّبَاعِ: الْمَشْيُ مَعَ قَدَرِ اللَّهِ، مَعَ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى الله عليه وسلم-).[16]
(فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ حِقْدٌ عَلَى خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ النَّبِيِّينَ؟ بَلْ قَدْ فَضَلَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِخَصْلَةٍ، قِيلَ لِلْيَهُودِ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَقِيلَ لِلنَّصَارَى: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ عِيسَى، وَقِيلَ لِلرَّافِضَةِ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!! لَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ، وَفِيمَنْ سَبُّوهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّنِ اسْتَثْنَوْهُمْ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ)[17].
والحمدُ لله ربِّ العالمين
7 شوَّال 1433هـ


[1]
أعلام الموقّعين (4/101).

[2]
الفصلفي الملل والأهواء والنِّحل (4/91).

[3]
تفسير الطّبري (23/281) وما بعدها، وتفسير ابن كثير (8/68).

[4]
منهاج السنة النبوية(2/34-35).

[5]
أخرجه مسلم برقم (2531).

[6]
أخرجه البخاري برقم (3651)، ومسلم برقم (2533).

[7]
شرح مسلم (16/85).

[8]
أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2541).

[9]
أخرجه أحمد في المسند برقم (20015)، والدّارمي في المسند برقم (2802)، وابن ماجه في السّنن برقم (4287)، والتّرمذي في الجامع برقم (3001)، والنّسائي في الكبرى برقم (11367). والحديث حسن. انظر مشكاة المصابيح (3/1771)(6294).

[10]
الكفاية في علم الرواية (ص 48).

[11]
الاستيعاب (1/19).

[12]
معرفة أنواع علوم الحديث (ص 295).

[13]
اختصار علوم الحديث مع الباعث (ص 181).

[14]
الإصابة في تمييز الصّحابة (1/162).

[15]
أخرجه أحمد في المسند برقم (3600)، والآجري في الشّريعة برقم (1144)، وإسناده حسن. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/17).

[16]
تفسير ابن كثير (1/273).

[17]
شرح الطّحاوية لابن أبي العزّ (ص 470).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 Aug 2012, 07:51 PM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 Aug 2012, 01:04 PM
محمد رحيل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك أخانا مصطفى على التذكير بشأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 Aug 2012, 12:55 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

رضي الله عنهم أجمعين

أسأل الله أن يرضى عنك كما رضي عنهم، و أن يجعلنا ممن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 Aug 2012, 04:10 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي

جمع مبارك, وترتيب حسن, وفقك الله لكل خير, وأجزل لك المثوبة والأجر, إنه جواد كريم.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 Aug 2012, 04:18 PM
معبدندير معبدندير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر العاصمة الولاية
المشاركات: 2,034
إرسال رسالة عبر MSN إلى معبدندير إرسال رسالة عبر Skype إلى معبدندير
افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 Aug 2012, 05:51 PM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيكم إخوتي الكرام على مروركم وعلى كلماتكم الطيبة، وجزاكم الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 Aug 2012, 11:01 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

رضي الله عنهم أجمعين
و جوزيت خيرا أخي الشيخ مصطفى
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01 Sep 2012, 11:08 AM
ياسين مزيود ياسين مزيود غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 122
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أبا عبد الرحمن ونفع الله بك العباد والبلاد
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02 Sep 2012, 02:29 AM
أبو عبد الودود عيسى البيضاوي أبو عبد الودود عيسى البيضاوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: المغرب
المشاركات: 83
افتراضي

بارك الله فيكم و في جهودكم
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 02 Sep 2012, 06:50 PM
مصطفى قالية
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

إخوتي الكرام: أبا تميم وياسين وأبا عبد الودود جزاكم الله خيرا ووفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه.
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02 Sep 2012, 08:20 PM
أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل أبوعبد الرحمن صدام حسين شبل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: ولاية سطيف/الجزائر
المشاركات: 291
افتراضي

جزاك الله شيخنا مصطفى قالية على هذا المقال النافع
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 05 Sep 2012, 02:10 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي الشيخ مصطفى على جودة اختيارك

نسأل الله أن يوفق سائر الطلبة للقيام بواجب الجهاد الشرعي في وقت يبثّ الزنديق ياسر الحبيب في الأمّة الإسلامية (30) محاضرة تحت عنوان
(أكذوبة عدالة الصحابة)
فاللّهم رحماك
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 05 Sep 2012, 03:19 PM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

هذه أبيات أهجو بها عدو الله المجوسي الخاسر خاسر الخبيث
أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتي


أنبئت أن أحمقا خسيسا
معمما يمالىء المجوسا
وسط الرعاع ينشر التفريسا
مخمسا لمالهم تخميسا
مجوزا لمتعة منجوسا(1)
حاول في لندنه مسيسا
بمن نبينا اجتبى عروسا
كلا فذيل الكلب لن يخيسا
عن عوج مقوسا تقويسا
ألا فأعلنوها له ضروسا
تحطم الهامات والرؤوسا
يوما عليه حالكا بئيسا
يردي فلا تصغي له حسيسا

بتاريخ
20-09-2010

-------
1-من باب التجدد على خلاف الأصل كونه صفة مشبهة

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الصمد بن أحمد السلمي ; 05 Sep 2012 الساعة 05:05 PM
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08 Sep 2012, 03:49 PM
مهدي بن الحسين
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك يا شيخ مصطفى
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
إيمان, صحابة, عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013