إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورَسولُهُ.
أما بعد:
هذه سلسلة كتبتها على شبكة التواصل الإجتماعي فايس بوك بعنوان : صائم ولكن ... ، وأحببت أن ينتفع بها أصحابي بمنتدى التصفية والتربية السلفية ، و إذا كان هناك زيادة على ماذكر فأرجو منكم التفضل بها ولا تبخلوا علينا بها ومنكم نستفيد :
صائم ولكن:لا يصلي .
أعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد صلاته فإن صلحت صلح جميع عمله وإن فسدت فسد جميع عمله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى : بسم الله والحمد لله: الصحيح أن تارك الصلاة عمداً يكفر بذلك كفراً أكبر، وبذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث.
وذهب جمع من أهل العلم أنه لا يكفر بذلك كفراً أكبر، ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقراً بالوجوب ولكنه ترك الصلاة تساهلاً وكسلاً، والصحيح القول الأول، وهو أنه يكفر بتركها كفراً أكبر إذا كان عامداً ولو أقر بالوجوب؛ لأدلة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)خرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في رسالة مستقلة في أحكام الصلاة وتركها، وهي رسالة مفيدة تحسن مراجعتها والاستفادة منها.[ موقع الشيخ بن باز ، فتوى حكم صيام وعبادة من لا يصلي]
صائم ولكن : مفرط في الصلوات الخمس في المسجد.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء). [ رواه البخاري ].
و هذا توبيخ منه صلى الله عليه وسلم لمن لا يصلي في المسجد ، ولو دعي إلى الدنيا لأجاب كأن يدعى إلى طعام أو لعب لا يتخلف عن ذلك.
والصلاة أعظم من الصيام لأن الأعمال كلها لا تقبل إلا بالصلاة.كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم : «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله»وفي رواية أخرى: (فإن قبلت صلاته قبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله).
صائم ولكن : يؤذي جرانه و إخوانه بلسانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: (يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة). والحديث صححه الألباني.
فاحذر من حصاد لسانك واحفظه قبل أن تكب على وجهك في النار ولا ينفعك الصيام والقيام .
صائم ولكن : يغتاب الناس ويمشي بالنميمة بينهم ويقول الزور ويسبهم ويجهل عليهم .
هذه الأمور تجرح الصوم وتنقص الأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )رواه الإمام البخاري في صحيحه،
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ) متفق عليه.
صائم ولكن : لا يقرأ القرآن.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن في رمضان : ففي الصحيحين عن فاطمة رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها قالت: ( أسرَّ إلي -تعني أن أباها حدثها سراً فقال لها- إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب).
وكان السلف يختمون القرآن في هذا الشهر : منهم مرة ومنهم مرتين وثلاث ومنهم كل يوم ، وثبت عن الشافعي أنه يختمه كل يوم مرتين.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان)[ صحيح الترغيب والترهيب للألباني: 1-483 ].
صائم ولكن : لا يغض بصره ولا يحفظ فرجه.
يشاهد المسلسلات والأفلام في شهر الصيام ، ويعاكس بنات الناس ولا يغض بصره ، بل ربما يشاهد الحرام من مواقع إباحية جنسية ، ولا يخاف الرقيب الحسيب وبهذا الأعمال ينقص أجر الصيام وتكتب عليك الأوزار والأثام.
قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } [النور 30].
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه )[أخرجه البخاري و مسلم]
قال صلى الله عليه وسلم لعلي : ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ). حسنه الألباني سنن أبي داود رقم ( 2149 )
وصدق من قال:
كل الحوادث مبدأها من النظر**** ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها **** في أعين العين موقوف على الخطر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها **** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
يسر ناظره ما ضر خاطره **** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
صائم ولكن : مفرط في الدعاء
تجد كثير من الصائمين لا ينشغلون بالدعاء أثناء صيامهم ، بل ينشغلون بأمور دنيوية أو يسكتون في أوقات فراغهم ، ومعلوم أن دعوة الصائم مستجابة كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات لا ترد: (دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر). السلسلة الصحيحة: (1797)
والدعاء هو العبادة {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }[غافر60] وقال سبحانه { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة186]
قال صلى الله عليه وسلم : (أفضل العبادة الدعاء ). [السلسلة الصحيحة " 4 / 106]
وقال صلى الله عليه وسلم : (الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ) . [صحيح الترغيب والترهيب 1627]
قوله : ( الدعاء هو العبادة ) قال ميرك : أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " . أي معظم أركان الحج الوقوف بعرفة ، أو المعنى أن الدعاء هو العبادة سواء استجيب أو لم يستجب [تحفة الأحوذي ].
لا تسـألن بـني آدم حـاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجب
فالله يغضب إن تركت سـؤاله*** وبني آدم حين يسأل يغضب.
أسأل الله لي ولكم صياما وقياما متقبلا
كتبه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الأربعاء 05 رمضان 1438 هجري