أيُّ فَتىً قَتَلَهُ الدُّخَانُ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على آله و صحبه و من تبعه
أما بعد :
فقد ذكر أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري في كتابه الفريد مجمع الأمثال هذا المثل اللّطيف الطّريف قال :
2641 : " أعْجَزُ مِمَّنْ قَتَلَ الدُّخَانُ "
هو الذي ضرب به المثل فَقيل: أيُّ فتَىً قتل الدخان، وقد مر ذكره في الباب الأول من الكتاب.
قَال ابن الأعرابي: هو رجل كان يطبخ قِدْراً، فغشيه الدخان، فلم يتحول حتى قتله فجعلت ابنته تبكيه وتقول: يا أبَتاه، وأي فتىً قتل الدخان، فلما أكثرت قَال لها قائل: "لو كان ذا حيلة تَحَوَّل" وهذا أيضاً مثل، ولقوله "تحول" وجهان: أحدهما التنقل، والآخَر طَلَبُ الحيلَة. اهـ ( مجمع الأمثال ص:436 / ط بولاق سنة 1284 )
و كان قد ذكره في الباب الأول و هو : الباب الأول فيما أوله همزة . فقال :
134 : " أيُّ فَتىً قَتَلَهُ الدُّخَانُ "
أصله أن امرأة كانت تبكي رجلا قَتَله الدخان، وتقول: أيُّ فتى قتله الدخان؟ فأجابها مجيبٌ فقال: لو كان ذا حيلة لتَحَوّل . يضرب للقليل الحيلة. اهـ ( مجمع الأمثال ص:29 / ط بولاق سنة 1284 )
و معناه أنه لو كان ذا عقل و حيلة ، لانتقل من الجهة التي يصرف الرّيحُ الدّخانَ إليها ، إلى ناحية لا دخان فيها ، فيسلمُ ، و هذا من التحيُّل للخلاص .
فقلتُ يا سبحان الله ، و رأيتُ أنه مثلٌ يصدق حالا و مقالا و مآلا ، على الذين يتعاطون الدخان المشؤوم
فالمثل يدل على ضعف عقول شاربيه و قلة حيلتهم على الوجه الثاني ، و على عجزهم و خيبتهم و ركونهم إلى شهواتهم ، لعدم تنقّلهم عن واقعهم . على ما يقتضيه الوجه الأول
و كلا الوجهين ، يدلان على السّفاهة و الحمق و العجز و الضعف
و قولهم أعجز أي بلغ الغاية في العجز
فهذا الذي يتعاطى الدخان و إخوانه ، حتى يكون قاتله يوما ، ألا يُستساغ أن يُقال لباكيه : لو كان ذا حيلة تحوّل . لكنّ إقامته على قاتله دليلٌ على بلوغه الغاية في العجز و الحمق و قلة الحيلة .
فقد يصحُّ بعد ذلك أن يقال ( و الله أعلم ) دلّ على حرمة الدخان و الشمة و القات و سائر عشيرتهم ، الكتاب و السنة و كلام السلف و الأئمة ، و كلام العرب و أمثالها .
فيكون مما يُستأنس به للتّدليل على حرمة الدخان و سفاهة متعاطيه و قلة حيلته حينئذ حتى من الأمثال .
فإن كنتَ يا مبتلى بهذه التنباكة النّتنة ، عاقلا قويا ، ذا رأي و عزيمة و حيلة ، فتحوّل ...
و لقد صدق القائل :
إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ***** فإن فساد الرأي أن تتردّدا و لئن كان المثل ضُرب لرجل يَطبُخ قدره ، و يُنضِج طعامه ، و هذه قرائن دالة على عقل الرجل و همته و عدم عجزه ، فهو كان يسعى في طلب أمر مرغوب مُحبّب ، و مع ذلك حُمِّق و عُجِّز . لعدم تحوله .
فإن دخان اليوم لا طعاما أنضج و لا قدرا طبخ ، بل ريحا أنتن و جسما أمرض و معصية أولج و قبرا أدنى . فالتحول عن هذا أيسر و أولى ، و الغبن فيه أسفه و أنوَك و أعجز .
فقل لي بربّك ، لو عاين الأوائل حاله ، بماذا كانوا سيرمونه و بماذا يُشبِّهونه .
فالحمد لله على نعمه الظاهرة و الباطنة
و نسأله تعالى العفو و العافية
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 02 Nov 2016 الساعة 01:23 PM
|