منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 30 Dec 2014, 12:30 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي سبعة أبواب للخير لا يغفل عنها المسلم

بسم الله الرحمان الرحيم


سبعة أبواب للخير لا يغفل عنها المسلم .


الحمد الذي جعل للخير سبلا كثيرة وطرقا متنوعة؛ رحمة بعباده ولطفا بهم، وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم مبيّنا وشارحا لها فما ترك بابا للخير إلا وفتحه ودل الأمة عليه وما ترك بابا للشر إلا وأغلقه وحذر الأمة منه، صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته ومن سار على هديه إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم حديث في فضائل الأعمال اعتبره أهل العلم من أعظم الأحاديث التي وردت في هذا الباب وأكثرها ترغيبا للمسلم في البذل والعطاء والاجتهاد من أجل الوصول إلى ثواب الله وما أعده لمن عمل بهذه التوجيهات والإرشادات، قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد: "هذا أحسن حديث يُروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها إن شاء الله"(أحكام حضور المسجد للفوزان ،1/28).

وهو حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، روى أبو هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: أَنَا أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَخْفَاهَا، لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "
( متفق عليه ) .

وهذا الحديث له من الفوائد الكثيرة التي يحسن أن نقف عندها ونفهم ما جاء به من فضائل حتى نعمل بها في حياتنا اليومية ولا نكتفي بالحفظ والفهم، فلا فائدة إن لم نلتزم بما جاء من الخير والبر، قال الشيخ ربيع حفظه الله :" فهذه أبواب سبعة ينبغي للشاب أن يطرقها ويسلكها ليحظى بهذه المنزلة عند الله أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه" (من لقاء الشيخين ربيع المدخلي ومحمد بن هادي حفظهم الله.)

وقد نظمه أبو شامة رحمه الله في قوله :
وقال النبي المصطفى إن سبعة ... يظلهم الله الكريم بظله
محب، عفيف، ناشىء، متصدق، ... وباك، مصل، والإمام بعدله.


أولا : المعنى الإجمالي للحديث :

قال ابن رحب قال رحمه الله في فتح الباري(46/6).: "هذه السبعة اختلفت أعمالهم فِي الصورة، وجمعها معنى واحد، وَهُوَ مجاهدتهم لأنفسهم، ومخالفتهم لأهوائها، وذلك يحتاج أولاً إلى رياضة شديدة وصبر عَلَى الامتناع مِمَّا يدعو إليه داعي الشهوة أو الغضب أو الطمع" .
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "ومعنى الحديث: أنه في يوم القيامة ليس هناك شجر و لا مغارات و لا جبال ولا بناء يستظل به الناس إلا الظل الذي يخلقه الله عزّ وجل فيظل به عباده " شرح الأربعين النووية، (300)، دار الثريا.

ثانيا : معنى الظل الوارد في الحديث :
[/color]قال الصنعاني رحمه الله: "قِيلَ: الْمُرَادُ بِالظِّلِّ الْحِمَايَةُ وَالْكَنَفُ، كَمَا يُقَالُ: أَنَا فِي ظِلِّ فُلَانٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ" وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ" (سبل السلام،1/541).
وقد ترجم ابن حبان في صحيحه بقوله: "ذكر الخصال التي يرجى لمن فعلها أو أخذ بها أن يظله الله يوم القيامة في ظل عرشه".( القول الواضح في المراد بظل الله، 26).
قال الألباني رحمه الله: "وبالجملة فهذه الزيادات التي أوردناها في صلب الحديث - ( وفي حديث آخر : ظل عرشه )- ثابتة في مجموع طرق الحديث وهي تكشف المعنى أو نحوه وتدفع الاختلاف الذي قد يدور حوله كما يتبين لك ذلك بمراجعة الشروح "( الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، الألباني،1/632).
قال الشيخ العباد حفظه الله: "ليس فيه إثبات أن الظل من صفات الله، ولكنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وليس معنى ذلك أن الظل مضاف إلى الله عز وجل إضافة الصفة إلى الموصوف، ولكنه مخلوق لله، وهو من إضافة المخلوق إلى الخالق، والله تعالى أعلم".(شرح سنن أبي داود.)
قال الشيخ ربيع حفظه الله :"والظل هذا هو ظل عرش الله تباك وتعالى بعض الناس يقول هو ظل الله تعالى الله علوا كبيرا هذا من إضافة المخلوق إلى الخالق مثل ناقة الله ورسول الله ..." (من لقاء الشيخين ربيع المدخلي ومحمد بن هادي حفظهم الله)
وقال أيضا :"فإن المتأمل في النصوص النبوية والقواعد الشرعية لا يخالجه شك في أن المراد من الظل الوارد في النصوص النبوية التي مر ذكرها في البحث إنما هو ظل عرش الله عز وجل " (القول الواضح في المراد لظل الله، 37).


ثالثا: مفهوم العدد في الحديث:
قال ابن رجب رحمه الله: "وهذا الحَدِيْث يدل عَلَى أن هؤلاء السبعة يظلهم الله فِي ظله، ولا يدل عَلَى الحصر، ولا عَلَى أن غيرهم لا يحصل لَهُ ذَلِكَ؛ فإنه صح عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أن من أنظر معسراً أو وضع عَنْهُ أظله الله فِي ظله يوم لا ظل إلا ظله)، خرجه مُسْلِم من حَدِيْث أَبِي اليسر الأنصاري، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه - من حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ:(من نفس عَن غريمه، أو محا عَنْهُ كَانَ فِي ظل العرش يوم القيامة)". (فتح الباري لابن رجب، 6/51)
وقال السيوطي رحمه الله: "وهذا العدد لا مفهوم له فقد وردت أحاديث بزيادة على ذلك وتتبعتها فبلغت سبعين وأفردتها في المؤلف بالأسانيد ثم اختصرته". (شرح سنن النسائي للسيوطي، 8 /114)
وقال الأمير الصنعاني :"مفهوم العدد لا اعتبار به فقد ورد إظلال العرش لجماعة آخرين جمعها الحافظ ابن حجر في كتبا سماه"معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال" وتبعه في ذلك السخاوي والمصنف ـ السيوطي ـ فألف فيها وجمعها نحو سبعين خصلة" (التنوير، 6/368)
وقال الشيخ ابن عثيمين :"فنجده أحياناً يقول: "ثلاثة لا يكلمهم الله" ، "سبعة يظلهم الله في ظله"، مع أنهم لا ينحصرون في سبعة، ولا ينحصرون في ثلاثة، ولكن هذا من باب تقريب العلم للإفهام" (الشرح الممتع على زاد المستقنع ، 7 /103)


رابعا :ذكر الرجال فهل للنساء نصيب من هذا الفضل؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"فالأصل إذاً أن ما علق بالنساء من أحكام أو أخبار يشمل الرجال وما علق بالرجال يشمل النساء إلا ما دل الدليل على تخصيصه فيعمل بمقتضى الدليل وبناء على هذه القاعدة العامة المتفق عليها يكون الحديث المشار إليه سبعة يظلهم الله في ظله يكون شاملاً للنساء بلا شك شاب نشأ في طاعة الله يمكن أن يكون للرجال والنساء الرجل قلبه معلق بالمساجد يكون للرجال فقط لأن المرأة صلاتها في بيتها أفضل لها اللهم إلا أن يتوسع في المعنى ويراد بالمساجد أماكن السجود فيعم أماكن الصلاة كلها سواء في البيت أو في المسجد فحينئذ تدخل المرأة في ذلك رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله يمكن أن يوجد ذلك في النساء بأن يدعوها شاب ذا جمال وحسب فتقول إني أخاف الله فتكون المرأة كالرجل في ذلك المهم أن كل جملة من هذا الحديث تصح للنساء وتقوم بها النساء فإن الحكم يشمل النساء بلا شك".(فتاوى نور على الدرب للعثيمين /171)


خامسا : أبواب الخير السبعة المذكورة في الحديث:


الباب الأول : العدل في الإمامة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ "
هذا هو الباب الأول من أبواب الخير وقد "بدأ النبي صلى الله عليه وسلم به لكثرة منافع وعموم نفعه". (شرح سنن النسائي للسيوطي).

قال القاضي عياض رحمه الله: "هو كل من إليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة منافعه وعموم نفعه". (شرح سنن النسائي للسيوطي، 8 /115).
قال ابن القيم رحمه الله :"وهم أحد السبعة الأصناف الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وكما كان الناس في ظل عدلهم في الدنيا كانوا في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ظلاً بظل جزاءً وفاقاً". (طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن الجوزي، 2 / 8).
قال ابن رجب رحمه الله :"فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقالَ: إني أخاف الله رب العالمين. وهذا أنفع الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها. وقد روي أَنَّهُ ظل الله فِي الأرض؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظله، فإذا عدل فيهم أظله الله فِي ظله." (فتح الباري، 6/47)

معنى العدل في الإمامة : قال ابن عثيمين رحمه الله: "هو الذي عدل في رعيته، ولا عدل أقوم ولا أوجب من أن يحكم فيهم شريعة الله، هذا رأس العدل، لأن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ )" (شرح رياض الصالحين).
وقال أيضا : "وليس المقصود بالإمام العادل أنه يحكم لأقاربه وغيرهم على حد سواء، فهذا من معنى العدل، لكن الإمام العادل الذي يطبق شريعة الله في كل شيء، في الحكم في الناس وفي الحكم بين الناس، هذا هو الإمام العادل .ولو فرضنا إمام عادل يعدل بين الناس في الحكم لكن لا يطبق فيهم شرع الله فليس بعادل، العادل الذي يحكم بين الناس وفي الناس بحكم الله عز وجل ". (شرح رياض الصالحين).

الباب الثاني : الانشغال بالعبادة في مرحلة الشباب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ"
قال ابن رجب رحمه الله :" فإن الشباب شعبة من الجنون، وَهُوَ داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذاتها المحظورة، فمن سلم مِنْهُ فَقَدْ سلم، وفي الحَدِيْث: (عجب ربك من شاب ليست لَهُ صبوة)". (فتح الباري لابن رجب، 6/ 47)
وقال ابن باز رحمه الله في فتاويه: " فالشاب الناشئ في العبادة له شأن عظيم في فقهه وعلمه ونصحه لكونه قد تربى على العلم والفضل والعمل والعبادة والخير فيكون بذلك نافعا لنفسه نافعا لعباد الله من أساس شبابه حتى يلقى ربه ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"الشاب ما بين الخامس عشرة سنة إلى الثلاثين. ولا شك أن يكون للشباب اتجاهات وأفكار، ولا يستقر علي شيء، لأنه شاب غض، كل شيء يجذبه، وكل شيء يختطفه، ... فالشاب لما كان في سن الشباب يكون له أفكار وأهواء واتجاهات فكرية وخلقية وسلوكية، صار الذي يمن الله عليه وينشأ في طاعته من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وطاعة الله هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه، ولا امتثال للأمر واجتناب للنهي إلا بمعرفة أن هذا أمر وهذا نهي، إذن لا بد من سبق العلم، فيكون هذا الشاب طالبا للعلم، ممتثلا للأمر، مجتنبا للنهي". (شرح رياض الصالحين)

لم خص الشاب دون غيره ؟ :
قال العيني :"فإن قلت لم خص الثاني من السبعة بالشباب ولم يقل رجل نشأ قلت لأن العبادة في الشباب أشد وأشق لكثرة الدواعي وغلبة الشهوات وقوة البواعث على اتباع الهوى". (عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،10/180).

الباب الثالث: عمارة المساجد وتعلق القلب بها :
" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَاجِدِ"
جاءت النصوص في مدح عمار المساجد وأنهم أهل الإيمان والتقوى قال الله عز وجل :" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ". قال ابن كثير رحمه الله في شرح هذه الآية :"فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عمّاراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ". (تفسير ابن كثير 3/51)
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" صحيح الترغيب والترهيب.).
قال ابن تيمية رحمه الله :"والحديث فيه إثبات البشبشة، وهي بمعنى الفرح " (النبوات لابن تيمية ،12 /17).
قال ابن رجب رحمه الله :"وفي رِوَايَة: (إذا خرج مِنْهُ حَتَّى يعود إِلَيْهِ) ، فهو يحب المسجد ويألفه لعبادة الله فِيهِ، فإذا خرج مِنْهُ تعلق قلبه بِهِ حَتَّى يرجع إِلَيْهِ، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله فانقادت لَهُ؛ فإن الهوى إنما يدعو إلى محبة مواضع الهوى واللعب، إما المباح أو المحظور، ومواضع التجارة واكتساب الأموال، فلا يقصر نفسه عَلَى محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عَلِيهِ محبة مولاه." (فتح الباري لابن رجب، 6/ 48)
ومن العبادات التي هجرها أهل زماننا المكث في المساجد، فلا يلتحق الناس بالمساجد إلا بعد النداء للصلاة، وكان السلف يعتبرون التبكير إلى المسجد من توقير الصلاة، وبعد تسليم الإمام بدقائق تجد المسجد فارغا لا أحد يجلس، فاللهم وفقنا لإحياء مثل هذه العبادات في أنفسنا وبين أهلينا.

الباب الرابع : المحبة في الله :
قال صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:... وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ".
وهذا الباب باب عظيم، فالأخوة في الله من نعم الله علينا، وقد كثر فيه الفهم السقيم، فالناس فيه بين الإفراط التفريط، و سلوك الجادة فيه عزيز إلا ما رحم ربي، فكم من شخص يقول لأخيه أحبك في الله، وهو لم يؤد اتجاهه أدنى الحقوق المتعلقة بالأخوة، فكيف يحب في الله من لا يعرف حقيقية الحب في الله، فلربما يراه لأول مرة فيعجب بلونه وشكله وجماله فيقول أحبك في الله، وهو بعيد أشد البعد عن الله ورسوله، فيخلط بين الميل النفسي وبين الحب في الله الذي له أسس بها يعرف صدق كلامه من كذبه، فليس الشأن أن تحب أخاك إنما الشأن أن تحبه في الله ولله، ونحن الآن نعيشه في واقع مؤلم يجعلك تشعر بالأسف والحسرة والله المستعان، في مقابل هذا كان السلف رحمهم الله يجعلون المحبة في الله من أرجى الأعمال لدخول الجنة وبلوغ مرضات الله فكانوا يحرصون عليها وعلى دوامها.

قال ابن رجب رحمه الله :" فإن الهوى داع إلى التحاب فِي غير الله؛ لما فِي ذَلِكَ من طوع النفس أغراضها من الدنيا، فالمتحابان فِي الله جاهدا أنفسهما فِي مخالفة الهوى حَتَّى صار تحابهما وتوادهما فِي الله من غير غرض دنيوي يشوبه، وهذا عزيز جداً.ولن يتحابا فِي الله حَتَّى يجتمعا فِي الدنيا فِي ظل الله المعنوي، وَهُوَ تأليف قلوبهما عَلَى طاعة الله، وإيثار مرضاته وطلب مَا عنده، فلهذا اجتمعا يوم القيامة فِي ظل الله الحسي." (فتح الباري لابن رجب ،6/ 49)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "تكون المحبة في الله بأن تحب الرجل لكونه عابداً صالحاً لا لأنه قريبك ولا لأن عنده مالاً ولا لأنه يعجبك فيه خلقه ومنظره وما أشبه ذلك لا تحبه إلا لدينه وتقواه هذه المحبة في الله وفي هذا الحال تجد أن كل واحدٍ منكما يعين الآخر على طاعة الله". (فتاوى نور على الدرب )
وقال ابن رجب رحمه الله :"وقوله: ((اجتمعا عَلَى ذَلِكَ وتفرقا عَلِيهِ)) يحتمل أَنَّهُ يريد: أنهما اجتمعا عَلَى التحاب فِي الله حَتَّى فرق بَيْنَهُمَا الموت فِي الدنيا أو غيبة أحدههما عَن الآخر، ويحتمل أَنَّهُ أراد أنهما اجتمعا عَلَى التحاب فِي الله، فإن تغير أحدهما عما كَانَ عَلِيهِ مِمَّا توجب محبته فِي الله فارقه الآخر بسبب ذَلِكَ، فيدور تحاببهما عَلَى طاعة الله وجوداً وعدماً.قَالَ بعض السلف: إذا كَانَ لَكَ أخ تحبه فِي الله، فأحدث حدثاً فَلَمْ تبغضه فِي الله لَمْ تكن محبتك لله - أو هَذَا المعنى." (فتح الباري لابن رجب، 6/ 49)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله اجتمعا عليه وتفرقا عليه يعني اجتمعا عليه في الدنيا وبقيت المحبة بينهما حتى فرق بينهما الموت تفرقا وهما على ذلك وفي هذا إشارة إلى أن المتحابين في الله لا يقطع محبتهم في الله شيء من أمور الدنيا وإنما هم متحابون في الله لا يفرقهم إلا الموت حتى لو أن بعضهم أخطأ على بعض أو قصر في حق بعض فإن هذا لا يهمهم لأنه إنما أحبه لله عز وجل ولكنه يصحح خطأه ويبين تقصيره لأن هذا من تمام النصيحة" (شرح رياض الصالحين).

ومن تدبر نصوص هذا الباب وما أعده الله للمتحابين في الله رغبت نفسه وسعى من أجل الحصول على الفضل والأجر، لكن الكثير يغفل عن حقيقة الحب في الله، وأنه لن تُدرك تلك المناول حتى يكون الحب في الله وحتى يؤدي الواحد حق إخوانه وأحبابه.

الباب الخامس : فضل الصدقة والإخلاص فيها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَخْفَاهَا، لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".
قال ابن رجب رحمه الله :"هذا دليل عَلَى قوة الإيمان والاكتفاء باطلاع الله عَلَى العبد وعلمه بِهِ، وفيه مخالفة للهوى ومجاهدة للنفس؛ فإنها تحب إظهار الصدقة، والتمدح بِهَا عِنْدَ الخلق، فيحتاج فِي إخفاء الصدقة إلى قوة شديدةٍ تخالف هوى النفس." (فتح الباري لابن رجب (6/ 50)
قال الصنعاني : "وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ إخْفَاءِ الصَّدَقَةِ عَلَى إبْدَائِهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي إظْهَارِهَا تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ وَأَنَّهُ يَحْرُسُ سِرَّهُ عَنْ دَاعِيَةِ الرِّيَاءِ" سبل السلام ، 3 / 254)
وقد جاء في حديث آخر صححه الألباني في الصحيحة :"صدقة السر تطفئ غضب الرب، عز وجل".

الباب السادس : العفة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ...وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: أَنَا أَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ".
قال ابن رجب :"ويعني بالمنصب: النسب والشرف والرفعة فِي الدنيا، فإذا اجتمع ذَلِكَ مَعَ الجمال فَقَدْ كمل الأمر وقويت الرغبة، فإن كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ هِيَ الطالبة الداعية إلي نفسها، كَانَ أعظم وأعظم، فإن الامتناع بعد ذَلِكَ كله دليل عَلَى تقديم خوف الله عَلَى هوى النفس، وصاحبه داخل فِي قوله تعالى: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى"، وهذا كما جرى ليوسف عَلِيهِ السلام.ومثل هَذَا؛ إذا قَالَ: ((إني أخاف الله)) فهو صادق فِي قوله؛ لأن علمه مصدق لقوله، وقوله لها: ((إني أخاف الله)) موعظة لها، فربما تنْزجر عَن طلبها، وترجع عَن غيها." (فتح الباري لابن رجب، 6/ 50)

الباب السابع : الخشية من الله في السر.
"قال النبي صلى الله عليه وسلم: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ... وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"
قال القاضي عياض في الإكمال (564/3): فيه فضل البكاء وفضل أعمال السر كلها، لأنها ابعد عن الرياء والتصنع "
قال ابن رجب رحمه الله :"فهذا رَجُل يخشى الله فِي سره، ويراقبه فِي خلوته، وأفضلُ الأعمال خشية الله فِي السر والعلانية، وخشية الله فِي السر إنما تصدر عَن قوة إيمان ومجاهدةٍ للنفس والهوى، فإن الهوى يدعو فِي الخلوة إلى المعاصي، ولهذا قيل: إن من أعز الأشياء الورع فِي الخلوة." (فتح الباري لابن رجب، 6/ 51).

فهذه سبعة أبواب للخير إذا عجزت عن باب فلا تعجز عن الست الباقية، واجعل من هذه السبل طريقا به ترجو ثواب الله، وإذا فتح لك باب منها فاشتغل به واجتهد في تعاهده حتى تلقى الله فيظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وادع الناس إلى هذه الفضائل وحفظها غيرك واحرص أن يعمل بها أحبابك.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ثم أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا موضع قدميك، ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة، الناس فيه قيام لرب العالمين، ولا ظل إلا ظل عرش رب العالمين، وأدنيت الشمس؟ فإن كنت من أهل الظل فقد والله نجوت وهديت وإن كنت من أهل الشمس فقد والله رديت وهويت" (القول الواضح في المراد بظل الله، 17)

هذا وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو مالك أبو بكر حشمان ; 30 Dec 2014 الساعة 02:42 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31 Dec 2014, 11:51 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

مرحبًا بعودةِ مقالاتك ـ أبا مالكٍ ـ بعد غيابٍ.
أسأل الله أن يغلق عنك بكلِّ واحدةٍ من السبع التي حبَّرت بابًا من النَّار، وأن يظلَّك وإيَّانا في ظلِّ عرشه الكريم يوم لا ظلَّ إلَّا ظله ـ سبحانه من ربِّ رحيم ـ
.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31 Dec 2014, 08:09 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي

آمين وإياك.
على عهدك شيخ خالد، ناصحا موجها مشجعا، جزاك الله خيرا وبارك في وقتك، ونفعنا بعلمك وأدبك .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31 Dec 2014, 09:02 PM
أبو عبد الرحمن العكرمي أبو عبد الرحمن العكرمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: ولاية غليزان / الجزائر
المشاركات: 1,352
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن العكرمي
افتراضي

بارك الله فيكم أبا بكر
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 31 Dec 2014, 09:11 PM
سليم حموني سليم حموني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 67
افتراضي

نِعْمَ التَّذكير أيُّها الكريم، بارك اللهُ في جهدِك ووفَّقكَ لكلِّ خير.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01 Jan 2015, 01:56 PM
أبو مالك أبو بكر حشمان أبو مالك أبو بكر حشمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 225
إرسال رسالة عبر ICQ إلى أبو مالك أبو بكر حشمان
افتراضي

بورك فيكما وجزاكم الله خيرا .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02 Jan 2015, 10:14 PM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أبا ملك

وكما دعا لك الأخ خالد أدعو لك: أسأل الله أن يغلق عنك بكلِّ واحدةٍ من السبع التي حبَّرت بابًا من النَّار، وأن يظلَّك وإيَّانا في ظلِّ عرشه الكريم يوم لا ظلَّ إلَّا ظله ـ سبحانه من ربِّ رحيم ـ.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04 Jan 2015, 05:28 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي الفاضل أبو بكر على مجهودك الطَّيِّب، وجمعك المرتَّب، نسأل الله تعالى أن يظلنا تحت ظل عرشه المجيد.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04 Jan 2015, 08:26 PM
أبو عبد الباري أحمد صغير أبو عبد الباري أحمد صغير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 191
افتراضي

والله إنا لشديدو اللهبة لمثل هذه المقالات النافعة الماتعة
فجزاك ربي خيراً أبا مالك وأحاطنا وإياك بظله يوم لا ظل إلا ظله
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, تزكية, فضائل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013