هل اِجتِنابُ الخوضِ في الخلافات بين أهلِ السُّنَّة سببٌ لحفظِ الوَقت والازديادِ من العلمِ...يجيبك العلامة عبيد الجابري حفظه الله
السؤال :
يقولُ البعضُ –حفظكم الله-: اِجتِنابُ الخوضِ في الخلافات بين أهلِ السُّنَّة سببٌ لحفظِ الوَقت والازديادِ من العلمِ النَّافعِ والعَمَلِ الصَّالح والاجتهادِ في الدَّعوةِ إلى الله وسلامَةِ الصَّدر، والانشغالُ بها سببٌ لضِدِّ ذلك، نشرُ هذه الخلافات على الشبكة العنكبوتية سببٌ للصَّدِّ عن منهج السلف الصالح وعن دينِ الإسلام وتشويهٌ للدَّعوة السلفيةِ الصافيةِ النقِيَّة، وإظهارٌ لها في صورةٍ قبيحةٍ يفِرُّ منها كُلُّ عاقل، فنشرُ هذه الخلافاتِ لا يزيدُ المسلِمَ المريدَ للخير إلا حَيرةً ونُفورًا، ولا المخالِفَ إلا شماتَةً بأهلِ السُّنَّة، فعَجَبًا لقومٍ يُشمِتون بهم كُلَّ عدُوٍّ لهم، فما تعليقُكُم –حفظكم الله- على هذا الكلام، وهل إطلاقُه صحيح؟
الجواب: هذا الكلام، التعليق عليه مِن أوجُه:
- الوجهُ الأول: ليس هذا الأمرُ ديدَنًا لأهلِ السُّنَّة، فلا وُجودَ له في عُلمائها ولا في طُلَّابِهم، لا يوجدُ في البُدائيين من طُلاب العلم ولا المتوسِّطين فضلا عن من عَلَتْ مرتَبَتُهم في التَّلقِّي عن المشايخ، وإنَّما هو أُكذوبةٌ عليهم، فرية.
- ثانيًا: هذا تهوينٌ مِن ردِّ المخالفات التي ليس فيها مجالٌ للاجتِهاد، وحَرفٌ للناسِ الذين ينتظِرون قولَ أهلِ العِلم في هذه المخالفات، فهو إذًا من التَّخذيل والتثبيطِ وتهوينِ الأمر، وأخشى- بل أنا أتيقَّنُ أنَّ هذا مِن إفرازِ قاعِدةِ المعذِرةِ والتَّعاون، وهي قاعِدَةُ الـمَنارِ أوَّلا ثُمَّ هي قاعدةُ الإخوانِ المسلمين ثانيًا، وقد فصَّلتُ القولَ في هذه المسألةِ وكيفَ نَشَأتْ بعدَ أن تَخَلَّتْ عنها المنارُ وتَأسَّسَت عليها جماعةُ الإخوانِ المسلمين، وهي إحدى كُبرى جماعتَين في الجماعات الدَّعَوية الحديثة التي كُلُّها ضالَّةٌ مُضِلَّة.
- الوجهُ الثَّالث: الذي سارَ عليه الأئمَّة وأبناؤهم مع العُلماء، فإنَّه إذا فشى وذاع قولٌ مُخالِفٌ مُستَنْكَر، فإنَّ تلامِذَةَ العُلَماء ينقُلونَهُ لعلمائهم لينظُروا في أمرِه أهو مُوافِقٌ للسُّنَّة أم مُخالِفٌ لها، وهذا له شواهِدُ كثيرةٌ أذكُرُ اثنين أو ثلاثة.
- أحدَها: ما أخرَجَهُ الطَّيالِسي والسجستاني والبغوي في شَرحِ السُّنَّة وغيرُهم عن عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي اللهُ عنه، قيل له: يقولُ أبو مُحَمَّد: الوِترُ واجِب، قال: كذَبَ أبو مُحَمَّد، سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((خمسُ صلواتٍ كتَبَهُنَّ اللهُ على عِبادِه في اليومِ والَّليلة))، وهذا الحديثُ بمجموعِ طُرُقِهِ صحيح.
- وأخرجَ ابنُ بطَّةَ وغيرُه عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: (واللهِ ما أظُنُّ أنَّ أَحدً أحبَّ إلى الشَّيطان هلاكًا منِّي اليوم)، قيل: وكيف؟ قال: (تحدُثُ البِدعةُ في المشرِقِ أو المغرِب فيحمِلُها الرَّجُلُ إلَيَّ، فإذا انتهتْ إلَـيَّ قمَعْتُها بالسُّنَّة فتُرَدُّ عليه).
- وأخرجَ الذَّهبي في السِّيَرِ وبعضِ كُتُبِه عن عاصِمٍ الأحول رحمه الله قال: كُنتُ في مجلِسِ قتادة فذُكِرَ عمرُو بنُ عُبَيد فوَقَعَ فيه، قُلتُ – القائل هو عاصم -: ما أرى أهلَ العِلمِ يرُدُّ بعضُهم على بعضٍ، فالتَفَتَ إليّ – الـمُلتفِت هو قتادة رحمه الله – فقال: (أما تدري يا أحول أنَّ الرجُلَ إذا ابتدَعَ بِدعةً يجِبُ أن يُذكَرَ لِيُحْذَر)، فقولُه: الرَّجُل، ليست هي (أل) العهدية، بل هي (أل) الاستغراقية وهي مِن صِيَغِ العُموم، فهذا الأمرُ عامٌّ، من أتى ببدعةٍ فإنَّ أهل السُّنة يرُدُّون عليه كائنًا من كان، فتَفَطَّنوا يا معشَرَ السَّامِعين من المسلمين والـمُسلِمات، واحذَروا مثلَ هذه العِبارات، فكما قال القائل: النَّارُ تحتَ الرَّماد .
من شريط : الأجوبة العلمية على الأسئلة القطرية " للعلامة عبيد الجابري حفظه الله 25 محرم 1433 هـ .
هل اِجتِنابُ الخوضِ في الخلافات بين أهلِ السُّنَّة سببٌ لحفظِ الوَقت والازديادِ من العلمِ...يجيبك العلامة عبيد الجابري حفظه الله
العرض العادي
