منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21 Apr 2016, 07:55 AM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي سفر وخواطر من مغنية إلى بسكرة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واتبعه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
سافرنا هذا اليوم الأحد 7 رجب 1437هـ من مدينة مغنية باتجاه مدينة بسكرة ودامت الرحلة اليوم بأكمله، والنهار برمته؛ وما ذلك إلا لسعة بلادنا وشساعتها، وكبير مساحتها وترامي أطرافها، فطرقنا وديانا وجبالا، وقطعنا سهولا وتلالا، ورأينا جملة غابات، ومررنا بمدن متعددات، وقرى ذات أسماء وألوان مختلفات، وشاهدنا الحقول الخضراء، والسهول القاحلة الصفراء، وأبصرنا من بلاد الله الأسود والأبيض، والأحمر والأصفر، وما بين ذلك، حتى شَدَّ انتباهنا اختلاط رمال الصحراء الصفراء بجبالها السوداء فأعطى صورة بهية تأسر قلوب الناظرين، وتشرح نفوس المشاهدين، ومن ضمن ما تراه فيها: الجبال الصخرية ذات الصخور الكبيرة العريضة، والمتراصة المنضّدة، لا تراب يخالطها، ولا يكاد يرى الغبار عليها.
فجال في خاطري وأنا أنظر هذا الذي ذكرت، وأبصر هذا الذي صورت؛ أمور هي:
الأول: إذا كانت الأرض التي نحيا عليها ونَوَّعَ الله سبحانه بلادها، وجمّلها وزيّنها بما أودعه من مخلوقات فيها؛ من أشجار وأنهار، وجبال وتلال، ونباتات مختلفات، وزهور متنوعات، وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، ونسيم ينعش الأرواح، وجمال يدخل على النفوس الأفراح، وبسيطة مترامية يسعد الإنسان بتجواله فيها ورحلته بين ثناياها فما بالكم بما أعده الله لعباده المؤمنين من النعيم المقيم جعلنا الله منهم بمنه وكرمه آمين.
الثاني: إن قطع مثل هذه المسافة التي قطعناها، والتي أخذت منا زمنا مديدا لتجاوزها؛ ليجعل العبد يتصور تقريبا مدى شساعة بلادنا التي نحيا فيها، وأعظم من ذلك أن يدرك عظم الأرض التي خلقنا الله منها، وأكبر من ذلك كله أن يستشعر عظيم منة الله على المؤمن الذي يكون ملكه في الجنة أضعاف أضعافها، مع كبير الفرق الذي بين الدنيا وضرتها، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"... فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ فَإِذَا ضَحِكَ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَمَنَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ ومثلُه معَه " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ:" قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذلكَ وعشرةُ أمثالِه " مُتَّفق عَلَيْهِ. وفي رواية لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"... فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قَالَ يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ". فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَلاَ تَسْأَلُونِّي مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ قَالَ هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:" مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ".
فكيف يضيِّعُ المؤمن العاقل ملكا كبيرا ونعيما جليلا بجزء يسير حقير من هذه الدنيا التي سيفارقها ولا بقاء له فيها؟.
الثالث: أن الدنيا واسعة ومع شساعتها تضيق على العصاة فيها فتجدهم يتبرمون، ويظهرون اليأس والقنوط من حياتهم التي يحيون؛ وما ذلك إلا بسبب عصيانهم لربهم، وبعدهم عن أسباب السعادة التي أمرهم بها خالقهم؛ فيُضَيِّقُ الله الواسع عليك بسبب عصيانك وذنوبك، ويُوسِّعُ الضيق عليك بسبب طاعتك وخضوعك.
يُضَيِّقُ الواسع عليك ودليله هذه الدنيا التي تضيق على العصاة فيها مع شساعتها، ويُوسِّعُ الضيق عليك وأدلته كثيرة ومنها قصة الرهط الثلاثة الذين آووا إلى الغار وانسدت عليهم فوهته، ونزل بهم من الكرب ما الله عليم به، فسألوا الله بصالح أعمالهم ففرج الله جل وعلا عنهم.
فوَسِّعْ حياتك أو ضَيِّقْهَا فأمرها موكول إليك وشأنها بين يديك، والله الموفق لا رب سواه.
الرابع: أن السفر في بلاد الله ينبهك إلى عظيم قدرته سبحانه، وبديع خلقه، وجميل صنعه، وعظيم رأفته ورحمته بخلقه، لأن التنوع دليل القدرة، وكثرة المخلوقات تنبأ عن علم وخبرة ولطف رب البريات، وسوق الأرزاق يدل على رحمة الملك الخلاق؛ فبينما أنت في الشمال ترى الجبال التي تكسوها مختلف النباتات والأشجار، إذا بك تطالع الصحراء أو مباديها وترى قلة أشجارها ونباتاتها، وعُريّ جبالها وأراضيها، فمن خضرة ذات نضرة إلى جدب أرض تكتنفه الحمرة والصفرة، وفي كل هذه البلاد قَدَّرَ الله لأهلها وللأحياء التي فيها أقواتها وأرزاقها، فتعلم أن الذي يرزق في الرخاء يرزق في الشدة فيورثك هذا طمأنينة وسعادة.
الخامس: ومما رأيته في سفرنا قرى محدودة ببيوت قليلة معدودة، في أماكن نائية ومناطق خالية، فتعجبت كيف يبقى أهلها فيها ويصبرون على سكناها وضيق عيشها، وتساءلت ما هو الدافع الذي يبقيهم مع انعدام أسباب الرفاهية عندهم؟ أهو الفقر أم الغنى؟ وهل هو الخوف أم الشجاعة؟ أم هو مجرد الإلف والعادة؟
- فالفقر يمكن أن يكون مانعا من انتقال بعض أهلها منها لأنهم لا يجدون ما يعينهم على الرحيل منها إلى غيرها، فالارتحال يحتاج مريده إلى المال، فهم مرغمون على البقاء صابرون عليه صبر المريض على الداء المستعصي على الشفاء.
- والغنى أيضا يمكن أن يكون مانعا من انتقال بعض أهلها منها لأنهم إذا وجدوا رزقا فيها لم يتشجعوا لاستبدالها بغيرها، على قاعدة من لا يريد ترك المعلوم للموهوم والحاصل لما يأمله الآمل.
- والخوف يمكن أن يكون مانعا من انتقال بعض أهلها منها لأنهم ولو كانوا في ضيق وشدة إلا أنهم يخافون مما هو أعظم من ذلك في البلاد الغريبة المقصودة، فالقاعدة عندهم شدة مألوفة خير من شدة مخوفة.
- والشجاعة يمكن أن تكون مانعا من انتقال بعض أهلها منها لأنهم لا يُحسُّون برجولتهم وبسالتهم وشجاعة قلوبهم إلا في هذه الأماكن الصعبة وضمن هذه الحياة العصيبة؛ التي تمثل تحديا لهم يُبرزُ خصائصهم فيفضلون بسبب ذلك البقاء فيها على مفارقتها، على طريقة من كان يحس بالفرح الذي ينشرح له صدره إذا دعاه أحد أعدائه لقتاله وهو عنترة العبسي حيث قال:
وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا ... قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
- وقد يكون الإلف والعادة مانعا من انتقال بعض أهلها منها فإن الطبع يغلب التطبع، ومألوف النفوس لا يمكن تركه إلا بشق الأنفس، والعادة متحكمة قلَّ من يستطيع التخلص منها ويقوى على تغييرها.
- والذي أظنه أن الله سبحانه وتعالى يعطي الناس الرضا بما قضاه عليهم بأنواع من الأسباب التي يُقَدِّرُها سبحانه لهم، وينزلها بهم؛ فيقودهم بها إلى ما يريده كونا منهم، فإذا أراد جل وعلا أن يغير حياة بعضهم غير أحوالهم، وقدر من الأسباب ما يكون دافعا لهم ليقع منهم ما أراده سبحانه وتعالى، وإذا قدر الله أمرا هيأ له أسبابه.
السادس: إن من أعظم ما يشد انتباهك ويثير تعجبك ما تلاحظه في الصحراء من سعة سمائها وبعد أفقها؛ فكأن سماءها غير سمائنا، وأفق أرضها خلاف أفق أرضنا، وسبب ذلك اختلاف تضاريس الأرضين وتباين أحوال المنطقتين؛ فبلاد الشمال تكثر الجبال فيها وتتقارب فيختفي أفقها، ويتضايق مجال رؤية سمائها؛ فجال بخاطري أن هذا من أعظم أسباب سعة صدور أهل الجنوب ورزانة أحلامهم، والتؤدة التي صارت من مميزاتهم، وخلافه هو من أعظم أسباب ضيق صدور أهل الشمال وتسرعهم، وقلة صبرهم؛ وبخاصة وهم ماكثون في مدنهم التي زادت بكثرة بناءاتها وتداخلها من قرب أفقهم وضيق سمائهم.
هذا بعض ما جال بخاطري واقتنصته راقما له بقلمي مقتديا بسنن علمائنا المتقدمين وفقهائنا المبرزين كفعل الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد وكذا في كتابه بدائع الفوائد.
ثم إن مما جال بخاطري أيضا وكتبته ودونته ما يحصل في الأسفار من الفوائد الغزار، وسيأتي ذكرها في المقالة القادمة بإذن الله فترقبوها.
والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله الملك الوهاب.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
مغنية: 12 رجب 1437هـ
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013