منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 Oct 2007, 10:22 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي " السبيل إلى العز و التمكين " للشيخ عبد المالك رمضاني ( مفرغ و على شكل برنامج )

الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين , و على آله و صحبه الطيبين , و على من اقتفى أثرهم إلى يوم الدين , أما بعد :


فنظرا لما يلقيه سفهاء الأحلام , من شبه , و تحريض لجهاد غير شرعي معتمدين على العواطف لا على النصوص و القواعد الشرعية ؛ فتراهم يحركون مشاعر الناس قائلين -مثلا- : "كيف لا نجاهد و العراقيات تنتهك حرماتهن في السجون "

فمن لم تكن له أدنى دراية بالمنهج النبوي , فإنه يصبح ضحية تلك الهتافات , و الكلمات المؤثرة

و لكن - و لله الحمد و المنة - فبما أن الجهاد عبادة كسائر العبادات , لها شروطها ؛ فكما اننا ملزمون بالتفقه للصلاة و الوضوء قبل إيقاعهما ؛ فإننا كذلك ملزمون بالتفقه في أحكام الجهاد ؛ لأمر الله - تعالى - : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله و استغفر لذنبك )) فلابد من العلم فبل القول و العمل ؛ و الحمد لله هذه وصية أئمة الإسلام من قبل و من بعد.

و بالتالي أحببت أن أضع بين أيدي الراغبين في الحق هذا الكتاب القيم , الذي اصله خطبة جمعة ؛ للشيخ الفاضل عبد المالك رمضاني - حفظه الله تعالى - , و التي ذكر فيها أسباب العز و التمكين للأمة الإسلامية ؛ مفرغة , و لتحميلها على شكل برنامج من هنــــا


و السلام عليكم





المقدّمـــة

الحمد لله، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيِّه محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمَّا بعد، فهذه كلماتٌ ألقيتُها على منبر مسجد إبراهيم الخليل بدبي التابع لجمعية دار البر وذلك يوم الجمعة 21 شعبان 1421هـ.

وقد قام الإخوة القائمون على مشروع نشر العلم بالمسجد بنسخ الخطبة وطبع عشرين ألف نسخة منها، ثمَّ توزيعها توزيعاً خيرياً، فجزاهم الله خيراً.

ثمَّ رأيتُ أن أُضيف إليها كلماتٍ أخرى تناسبها، واللهَ أسأل أن يسدِّدني ويرزقني الإخلاص، وأن ينفع بها الخلقَ إنَّ ربِّي قريبٌ مجيبٌ.



وكتب عبد المـالك رمضـاني
المدينة في 8 شوال 1421هـ





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70 - 71].

أمّا بعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأحسنَ الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النّار.

معشرَ المسلمين، لا يخفى عليكم ما يعيشه المسلمونَ اليومَ من مِحَنٍ، وما تعترِضُهم من عَقباتٍ، وما يصيبُهم من نَكَباتٍ.

إنَّ لهم أعداءً لا يرحمونهم، ولا يغفلون عنهم، وتلك سنَّةُ اللهِ في خلقه، أن يمتحنَ الطيِّبَ بالخبيث، ليستخلصَ من صفِّ المسلمين صفوَتَه، وليجتبيَ منه خيرَتَه؛ ذلك لأنهَّ بالامتحان يعرف من يستحقُّ الإكرامَ ممّن يستحقُّ الامتهانَ، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

ومِمّا يعقدُ المؤمنُ قلبه عليه أنَّ النَّصر حليفُ أهل الإيمان؛ لأنَّ الله يقول: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].

ومِمّا يعقدُ المؤمنُ قلبَه عليه أيضاً أنَّ اللهَ تعالى يعِدُ ولا يُخلفُ؛ لأنَّ الله يقول: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ} [التوبة: 111].

ولا ريبَ أنَّ مدَّةَ الامتحان قد طالت، والمسلمونَ همُ المسلمونَ، وضعفُهم هو ضعفُهم، وذلُّهم هو ذلُّهم، إلَّا ما شاء اللهُ.

ولا يَحسُنُ بي أن أقفَ بكم طويلاً للبكاء على الأطلالِ، لأن ذلك لا يرمِّمُها، ولا لَتعدادِ مآسي المسلمينَ؛ لأنَّ ذلك لا يعالجُها، والبكاء على الأطلال هو منهجُ الحركِّيين الذي يُزمْجرون على المنابر لتهييج عواطف المسلمين وتوعيتهم بما لدى عدوِّهم توعيةً صوريَّةً، مِمَّا يبعثُ اليأسَ في نفوسهم؛ لأنَّهم لا يسمعون إلَّا الحديثَ عن قوَّةِ العدوِّ وكيدِه وتفوُّقه الحضاريِّ، والحديثَ عن ضعف المسلمين ونكباتِهم، وتُقابل هذه من أصحاب الوّعْيِ الفارغ بالنَّفخ الكاذب الذي سرعان ما يتلاشى، وبدلاً من أن يُقدِّموا لهم العلاجَ الذي يُصحِّحُ لهم دينَهم حتى يوصلهم بالله ليتولَّاهم، فإنَّهم لا يزيدون على حكايةِ الواقع المُرِّ الذي يعيشونه، والذي لا يستفيدون من اجتِزار حكاياته التي لا تخفى.




الإعداد الإيماني والإعداد المادّي


إن الذي يجب على كلِّ مسلمٍ أن يُدركَه هو معرفتُه لما يجبُ عليه أن يقومَ به حتى يتخذَ الأسبابَ التي يُرتِّبُ اللهُ عليها النَّصرَ.

فإنَّ من سُنن اللهِ أيضاً أنَّ لكلِّ مُسبَّبٍ سبباً، وإنَّ اللهَ تبارك وتعالى اشتَرط على المسلمينَ الذين ينشُدون النَّصرَ أن يحقِّقوا شرطين عظيمين، تحتهما شروط، ولكننا نكتفي بهذين.

الأول: هو الإعداد الإيماني؛ وذلك لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد رهنَ النَّصرَ بأهله، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

الثاني: هو الإعدادُ المادي، قال سبحانه: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].



العدّة الإيمانيّة هي تقوى الله

لقد جعل اللهُ العاقبةَ الحسنى لأهل التقوى، فليس مَن عصى اللهَ وخالفه وأشرك به وابتدَعَ في دينِه مِمَّن يُنتَخَب لأنْ يَنصرَه الله عزَّ وجلَّ، كيف ذلك والله تعالى يقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، ويقول: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ويقول: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128]، ويقول: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]، وقوله: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 125-126].

ويُفصِّل شيئاً من ذلك في بعض آي القرآن الكريم، فيقول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً} [المائدة: 12].

فَبانَ لِِذي عَيْنَين أنَّ الله عزَّ وجلَ ناصرٌ هذه الأمَّةَ، لكن النصرَ تابعٌ لأهله، ليس بالأماني والتخيُّلات التي يُلهبُ بها الحركيُّون مشاعر النَّاس، قال الله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء: 123].

فدلَّ هذا الخبر الكريم على أنَّ ولايةَ الله ونصرَه يُرفعان عن عن أهل السوء؛ وذلك لأنَّ عدوَّ المسلمين لا ينتصرُ عليهم لقوَّتِه، وإنَّما ينتصرُ عليهم حين يتْركُهم ربُّهم، ويَكِلُهم إلى أنفسِهم، فهنالك تكون الغلبة لِمَن غلب، والله المستعان.

والله عزَّ وجلَّ لا يظلمُ عباده مثقالَ ذرَّة، فما بالنا نغفل عن واجباتنا، ونتتبع حقوقنا، وإنَّما العبرةُ بأَنْ نتلبَّس بما أمرنا الله عزَّ وجلَّ به، هذا خيرُ ما يتدارسُه المسلمون بينهم، أمَّا أن يُعدِّدوا قوَّةَ عدوِّهم، فيُقال لهم: هل يَغلبُ الله قوَّةٌ ما؟


وتقوى الله قسمان:

الأول: هو توحيد الله.

والثاني: هو تجريدُ المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.




تقوى الله قسمان

تقوى الله قسمان:

الأول: هو توحيد الله

الثاني: هو تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم




القسم الأوّل: التوحيد


أعظمُ شيءٍ يُعِدُّه المؤمنون ليتَقَوَّوْا على عدُوِّهم هو أن يتَّصلوا بالله، توحيداً، ومحبَّةً، ورجاءً، وخوفاً، وإنابةً، وخشوعاً، وتوكُّلاً، ووُقوفاً بين يديه، واستغناءً عمّا سِواهُ، فقد بيَّن اللهُ تعالى في كتابه أنَّ المستحقِّين للاستخلاف في أرضه هم الذين استقرَّ في قلوبهم الخوفُ من مقامه والخوفُ من وعيده، فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13-14].

وهؤلاء هم أهل التوحيد الخالص الذين وعدهم الله بالنَّصر والتمكين والأمن والاستخلاف، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور: 55].

فهل انتبهَ المسلمونَ لهذا الشَّرْط العظيم {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يعلِّقُ أمَلَه بحَجَر؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يستغيثُ بميِّتٍ من البشر؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يسجدُ عند قبرٍ؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يطوفُ بمشهَد رجلٍ صالحٍ؟

وهلْ يُرشَّحُ للنَّصرِ مَن يجعلُ سرَّه وعلانيتَه بيد وليٍّ، أو يُقْسِم بنبي؟

كلُّ هؤلاء لا يُرشَّحون للنَّصرِ، وكلُّ هؤلاء فينا منهم الكثيرُ، بل هم أكثرُ الكثيرِ.

لقد روى الإمامُ أحمد بسندٍ صحيحٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسَّناء والدِّين والرِّفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لَم يكن له في الآخرة من نصيب".

فالتبشير حاصلٌ، والوعدُ محقَّقٌ لا ريب فيه، لكن تأمَّلوا شرطَ الإخلاصِ في قوله: "فمَن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا"، أي: هو في صفةِ عمله عملٌ حسنٌ، لكنَّه أراد به هذه الدنيا ومتاعَها الرَّخيص، فلذلك لا يُنصَر، فكيف بمَن عملُه بغير عمل الآخرة، أي: بغير طاعة الله عزَّ وجلَّ؟!



رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن التوحيد


لقد خرجت عُصبةُ المؤمنين أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حُنين، وكان منهم رجالٌ حديثو عهد بالإسلام، فرأوا أنَّ المشركين يُعلَّقون أسلحتهم بشجرةٍ يقالُ لها ذات أنْوَاط، يطلبون منها البرَكَةَ ـ كما يفعل كثيرٌ من جهَّال المسلمين اليوم، الذين فقدوا الله وضيَّعوه، فلجأوا إلى خلقه ـ فقال هؤلاء الضعَفَةُ ـ وكانوا حديثي عهدٍ بالجاهليَّة والشِّرْك ـ قالوا: يا رسول الله، اجْعَل لنا ذات أنْوَاطٍ كما لهم ذات أنواط.

فقال عليه الصلاة والسّلام: "اللهُ أكبر ـ وفي روايةٍ: سبحان الله ـ إنَّها السّنن، لقد قلتم والذي نفسي بيده كما قال قومُ موسى لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]". رواه أحمدُ، وهو صحيحٌ.

فتأمَّلوا هذا الحديث، ما أعظَمَه! لَم يَمنع النبيَّ صلى الله عليه وسلم جِدةُ إسلامِهم مِن أن يُنكرَ عليهم كلمةً مفضيةً إلى شركٍ، ولم يمنع النبيَّ صلى الله عليه وسلم كونُه خارجاً بهذه العُصبة الطيِّبة لمجاهدة الكفَّار الخُلَّص أن يسكُتَ عن خطأٍ منهم عقديّ؛ لأنَّه لو سكت عنه لتعثَّر الجهادُ، وأصابه ما الله به عليمٌ.

فلا يجوز أبدأ أن يُسكتَ عن حقِّ الله في أن يُعبد وحده، هذا شرطٌ عظيمٌ.

وما دامت الأمّةُ لم تتحقَّق بالتوحيد، وما دام يُسكَتُ عن العجائز وكبار السِّنِّ، بل وعن كثير من المثَقَّفين، الذين يتعلَّقون بكذب ساحر أو خبرِ كاهنٍ، أو يتعلَّقون بآمال ضائعةٍ عند مشهد قبر صالحٍ، أو غير ذلك من الشِّركيات المعلومة اليوم، فلا يمكن لهذه الأمة أن تنشُدَ نصراً، أو أن تطلبَ مجداً.

وإذا كانت هذه هي شدَّةُ الرسول صلى الله عليه وسلم وغضبُه في الله على مَن طلب مجرَّدَ التشبُّهِ بمن يُعلِّق سلاحَه بشجرةٍ دون أن يعبدَها أو أن يدعوَها، فكيف يكون غضبُه على مَن يستنصرُ بصاحب قبرٍ، أو يحمل معه شيئاً من ترابه أو آثاره طلباً للظَّفر، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في إغاثة اللّهفان (2/205): "فإذا كان اتخاذَ هذه الشجرة لتعليق الأسحلة والعكوفِ حولها اتخاذَ إلهٍ مع الله تعالى، مع أنهم لا يعبدونَها ولا يسألونَها، فما الظَّنُّ بالعكوف حول القبر، والدَعاءِ به، ودعائِه، والدّعاءِ عنده؟!

فأيُّ نسبةٍ للفتنة بشجرةٍ إلى الفتنة بالقبر لو كان أهلُ الشِّرْك والبدعة يعلمون؟!".

قلتُ: ولا يزال الناسُ يذكرون مَن كان لا يخرجُ لقتال الشّيوعيّين حتَّى يتوسَّط إلى الله بصاحب قبرٍ، وإلى الله المشتكى! ولا يزال الناسُ يسمعون مُن يقول: لا تُثِّبطوا المجاهدين بالحديث عن التوحيد والتحذير من الشرك ...!!!

فانظر كم بين دعوتِهم هذه ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم تلك!



ابن تيميّة يعلّم الناس التوحيد في جهاد دفاعي

لَمَّا داهمَ التَّتارُ أهلَ الشّام، خرج المسلمون لمواجهتهم، وكانت فيهم شركيَّاتٌ، فجعل ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ يصحِّح عقيدَتَهم ويدعوهم إلى التوحيد، كما قال في ردِّه على البكري المطبوع باسم "تلخيص كتاب الاستغاثة" (2/731 – 738:ت تحقيق عجال): "وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بيَّنتَه لنا؛ لعلمه بأنَّ هذا أصلُ الدِّين، وكان هذا وأمثالُه في ناحيةٍ أخرى يدعون الأمواتَ، ويسألونهم، ويستجيرون بهم، ويتضرَّعون إليهم، وربَّما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم؛ لأنَّهم إنَّما يقصدون الميِّتَ في ضرورةٍ نزلت بهم، فيدْعونه دعاء المضطرّ، راجين قضاءَ حاجتهم بدعائه والدّعاء به أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم اللهَ تعالى ودعائهم إيّـاه، فإنْهم يفعلونه في كثيرٍ من الأوقات على وجه العادة والتكلُّف، حتّى إنَّ العدوَّ الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشفَ ضرِّهم، وقال بعض الشعراء:

يا خائفين من التَّتْر لوذوا بقبر أبي عُمَرْ

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عُمَرْ يُبْجِيكم من الضَّرَرْ"

قلت: ولعلّ القارئ قد انتبه إلى أنَّ هذا كان في جهاد الدَّفع لا جهاد الطلب، وفي هذا ردٌّ صريحٌ على الذين لا يهتمّون بتصحيح العقيدة عند هذا النوع من الجهاد، ويزعمون أنَّ هذا خاصٌّ بجهاد الطالب، واللهُ الموَفِّق.




لو كان الصالحون في جيش فيه شركيّات لانهزموا

قال ابنُ تيمية بعد كلامه السّابق: "فقلتُ لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يومَ أُحُد[1]؛ فإنه كان قد قضى أنَّ العسكر ينكسر لأسبابٍِ اقتضت ذلك، ولحكمةٍ لله عزَّ وجلَّ في ذلك".

هامـــش:
[1] تأمّل هنا أمرين:

الأوّل: ضرورة تصفية عقائد المجاهدين؛ بحيث لو كان في صفوف المسلمين بدعٌ شركيَّةٌ ومعهم الصالحون لم ينفعهم ذلك، فكيف إذا كان الجيشُ يتقرَّب إلى الله بالشِّرْك، ويعاند الموَحِّدين؟!

الثاني: حسنُ استدلال ابن تيمية، بحيث استدلّ بالأدنى على الأعلى؛ فإنَّه لم يقع المسلمون في غزوة أُحد في شيءٍ من الشِّرْك، وإنما عصى مَن عصى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم فانهزموا، فهل يُعقل أن ينتصر المسلمون وفيهم بدَعٌ وشركيَّاتٌ وتصوُّفٌ وتجهُّمٌ ورَفْضٌ وبلاءٌ عظيمٌ؟!



من ترك القتال بسبب البدع والشرك

ثمَّ قال ـ رحمه الله ـ بعد كلامه السابق: "ولهذا كان أهلُ المعرفة بالدِّين والمُكاشفة[1] لم يقاتلوا في تلك المرَّة؛ لعدم القتال الشرعيّ الذي أمر اللهُ به ورسولُه، ولِما يحصل في ذلك من الشرِّ والفساد وانتفاءِ النُّصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثوابُ الدنيا ولا ثوابُ الآخرة لمن عرف هذا وهذا، وإن كثيراً من القائلين الذين اعتقدوا هذا قتالاً شرعيّاً أُجِروا على نيّاتهم، فلمّا كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناسَ بإخلاص الدَّين لله عزَّ وجلَّ، والاستغاثة به، وأنَّهم لا يستغيثون إلَّا إيّاه، لا يستغيثون بملَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسلٍ، كما قال تعالى يومَ بدْرٍ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُم} [الأنفال: 9]، ورُوي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم بدرٍ يقول: "يا حيُّ، يا قيُّومُ، لا إله إلاَّ أنتَ، برحمتِك أستغيثُ"[2]، وفي لفظ: "أصلح لي شأني كلّه، ولا تكِلْني إلى نفس طرْفَة عَيْن، ولا إلى أحدٍ مِن خلْقِك"[3]".

قلتُ: رحمه الله رحمهً واسعةً؛ فقد روى ابنُ بطّة في الإبانة / القدر (رقم: 1848) أنَّ عمرَ بن عبد العزيز قال: "لا تغْزوا مع القدرية؛ فإنَّهم لا يُنصَرون".

الهوامـــش:
[1] ليس المقصودُ هنا بأصحاب المكاشفةِ المتصوِّفةَ الذين يقول أحدُهم: حدَّثني قلبي عن ربِّي، أو يزعم أنَّه يقرأ في اللَّوْح المحفوظ ويطَّلع على الغيب، وإنَّما المقصود بهم العلماءُ الصّادقون في توسُّمهم وفراستهم، بما أتوا من علم الكتاب والسنَّة، وما عرفوا من أمارات وقرائن حول الوضع، كما قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]، بمعناه عن الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله.

[2] ذكر محقِّقُ الاستغاثة أنَّ هذا الحديثَ رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم: 611)، والحاكم (1/222)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/49)، وفي إسناده مقال، وصحّحه من رواية الترمذي (رقم:3524) وغيره، عن أنس بلفظ: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمرٌ قال: "يا حيُّ يا قيُّومُ! برحمتِك أستغيثُ"".

[3] ذكر المحقق أيضاً أنَّه رواه أحمد (5/42)، وأبو داود (رقم: 590)، والبخاري في الأدب الفرد (رقم: 701)، وهو صحيح.



انتصار المسلمين على التتار بعد أن صحّحوا عقيدتهم واتّبعوا الرسول

ثمَّ قال ـ رحمه الله ـ بعد كلامه السابق:

"فلمّا أصلح الناسُ أمورَهم وصدقوا في الاستغاثة بربِّهم نصَرَهم على عدوِّهم نصراً عزيزاً، ولم تُهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً؛ لما صحّ من تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك؛ فإنَّ اللهَ تعالى ينصرُ رسولَه والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ".

قلت: فدلَّ هذا على أنَّه لا تمكين في الأرض حتى يتمكَّن الدِّينُ الصحيحُ من النُّفوس، ومصداقُه في كتاب الله قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 11].

وتأمَّل قولَ ابن تيمية رحمه الله: "تحقيق توحيد الله الله تعالى وطاعة رسوله ... " تفْهَم سببَ اشتِراط العلماء التوحيدَ لله تعالى والمتابعةَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تحقيق النَّصر، وأنَّه لا يُغمِضُ عينيه عن هذين الشَّرطين إلاَّ (ميكيافيلي) قد أُشرب قلبُه القاعدةَ اليهوديةَ: الغايةُ تبرِّرُ الوسيلةَ، واللهُ العاصمُ.

هذا أوَّلُ ما أُذكِّرُ به إخواني، واللهَ نسألُ أن يشرحَ صدورَنا بالتوحيد، وأن يهديَنا صراطَه المستقيم.



القسم الثاني: تجريد المتابعة لرسول الله

والقسم الثاني من أقسام التقوى هو تجريدُ المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، التي هي الأساس الثاني بعد الإخلاص الذي يُبنى عليه العزُّّ والتمكين، قال الله تعالى لنبيِّه عيسى صلى الله عليه وسلم: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55]، كما أخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الظهورَ والانتصارَ هو حقٌّ خالصٌ لأهل السُّنَّةِ، فقال: "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهم حتى يأتي أمرُ الله وهم كذلك"، رواه مسلم، وفي رواية لابن حبان وغيره بلفظ: "لا تزال طائفةٌ من أمتي منصورين، لا يضرُّهم خذلان مَن خذلهم حتى تقوم الساعة" [صحيح الجامع الصغير 7292].

قال أحمد رحمه الله: "إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحابَ الحديث، فلا أدري مَن هم!" رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص:2)، وصححه ابن حجر في الفتح (13/293).

إنَّ الذي جعل هؤلاء منصورين هو تمسُّكهم بالسُّنَّة، فلا يذهبنَّ الوهمُ بأحدِكم إلى أن يقول: مهما كان فينا من عيوب، فإنَّ أعداءَنا كفّارٌ وطلَمَةٌ ومُعاندون ومستكبرون عن الحقّ، فنحن إذاً المستحُّون للنصر؟

لا يذهبنَّ بكم الوهمُ إلى قاعدةِ الحسناتِ والسيِّئات، والموازنة بينهما؛ لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى أرانا في خير هذه الأمَّة وصفوتِها في رعيلها الأوّل، شيئاً من مظاهر الانكسار والضعف والهزيمة، وهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنَّهم كانوا يواجهون أعتى وأكفرَ خلق الله يومئذ.

ولعلّكم لا تنسون غزوةَ أُحُد، حيث أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرماةَ أن لا يغادروا أماكنَهم، وقال لهم كما عند البخاري وأبي داود: "لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم ـ أي انتصرنا عليهم ـ فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا" وفي رواية: "إن رأيتمونا تحطَّفنا الطَّّيرُ ـ أي انهزمنا هزيمةً نكراء ـ فلا تبرحوا من مكانكم".

فلمّا رأى المسلمون أنَّهم انتصروا، والغنائمُ العظيمةُ بين أيديهم، وأعينُهم ترمُقها، وأنفُسُهم ترْنُو إليها، ترك جمْعٌ منهم أماكنَهم، يريدون الوصولَ إليها (فأخذوا يقولون: الغنيمةَ الغنيمةَ! فقال لهم أميرُهم عبدُ الله بن جبير: أَنَسيتُم ما قال لكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: والله لنأتينّ النَّاسَ، فلنصيبنّ من الغنيمة! فأتوهم فصرفت جوههم ـ أي أنهم ضيَّعوا أمرَهم ـ وأقبلوا منهزمين، فأُصيب سبعن قتيلاً)، حتى دار عليهم عدوُّهم، وتركهم الله عزَّ وجلَّ ينكشفون بين أيديهم لمجّرد مخالفةٍ لأمره عليه الصلاةُ والسلام.

وهم الذين نصر الله تعالى بهم هذا الدِّين، تركوا أماكنَهم، فتَرَك اللهُ ولاءَهم في تلك اللَّحظة، فضاعوا رضي الله عنهم وأرضاهم، لولا أن كتب الله لهم النصرَ بعد ذلك.

فتأمَّلوا هذا، قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79]. فمصيبةُ المرء من نفسه، فليعالِجها؛ فإنَّ الله تعالى معه ما اتَّقَاهُ، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128].

هذا هو الشَّرْطُ الثَّاني في عُدَّة الإيمان، ألا وهو متابعةُ الرسول صلى الله عليه وسلم حقَّ المتابعة.

الشرط الأوّل: أُذكِّرُكم به، هو التوحيدُ من غير إشراكٍ.

الشرطُ الثاني: متابعةُ الرسول صلى الله عليه وسلم من غير ابتداعٍ ولا معصيةٍ.

وقد جمعَهما اللهُ عزَّ وجلَّ في آيةٍ واحدةٍٍ من آيات الجهاد، ألا وهي قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64]، أي أنَّ اللهَ معك ومؤيِّدُك ونصيرُك ووليُّك، وهو أيضاً مع المسلمين الذين اجتمع فيهم الشّرطان: الإيمان والمتابعةُ {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

فتأمَّل وصفَهم بالاتِّباع، وقد بسط القول على هذه الآية ابنُ تيمية في منهاج السُّنَّة (8/487 – 488) فارجع إليه؛ فإنَّه نفيسٌ!

فإذا كان عامَّةُ المسلمين على هذين الوصفين فلن يؤخِّر اللهُ عنهم النَّصرَ، ولا يتخلَّف عنهم النَّصرُ أبداً؛ لأنَّ اللهَ قال: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].

وكيف كان أصحابُ الرسول صلى الله عليه وسلم ينتصرون على أعدائهم مع أنَّهم بشر، يخطئون كما يخطئ غيرُهم؟

لقد روى ابن حبان وغيره عن أبي المصبح قال: "بينا نحن نسير بأرض الروم في طائفةٍ عليها مالك بن عبد الله الخثعي، إذ مرَّ مالكٌ بجابرِ بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا أعبد الله اركب فقد حملك اللهُ.

فقال جابر: أصلح دابتي وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغبَّرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النَّار".

فأعجب مالكاً قولُه، فسار حتى كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله.

فعرف جابر الذي يريد (أي فهم جابر أنَّ مالكاً يريد إسماعَ بقيَّة الجيش) فرفع صوته فقال: أصلح دابتي وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغبَّرت قدماه في سبيل الله حرَّمه اللهُ على النَّار".

فتواثب النَّاسُ عن دوابِّهم، فما رأيتُ يوماً أكثرَ ماشياً منه" صحّحه الألباني في الإرواء، حديث (رقم: 1183).

سبحان الله! متابعةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في غبار الأرض، هكذا نصر اللهُ تلك الأمَّةَ.

إذن ينبغي لهذه الأمَّة أن تنتبه إلى أنَّ القضيَّةَ ليست قضيَّةَ كثرةِ عددٍ، ولا تجميعٍ على غير هدىً، هذا يقدرُ عليه كثيرٌ من الأذكياء غير الأزكياء، لكن العبرة بتَربية أمةٍ على توحيدٍ خالصٍ لله، وعلى متابعةٍ مجرَّدةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.




العدّة المادية قسمان

العدة المادية قسمان:

عدة عسكرية وعدة بشري
ة



القسم الأوّل: العدّة العسكريّة


من تمام التوكُّل على الله إعدادُ الأسبابِ الماديَّة التي أمر الله بها عبادَه الذين حقَّقوا الإيمان لمواجهة عدوِّهم، حيث قال: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

فأيُّما قوَّة تكون لدى المسلمين لا يرهبها العدوُّ فليست بقوَّة شرعاً، وتأمَّل حسنَ موقعِ كلمة {تُرْهِبُونَ} من الآية.

وهذه الفائدة القرآنية استفدتُها من شيخي العلاَّمة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله.

وقد بيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معنى القوة المذكورة في الآية، فقال: "ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ"، رواه مسلم.

فخص اللهُ عزَّ وجلَّ الخيلَ بالذِّكرِ؛ لأنَّها أحسنُ ما يُقاتَلُ عليه يومئذٍ، وخصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّميَ بالذِّكر؛ لأنَّه أقوى ما يُقاتَل به يومئدٍ، تنبيهاً للمسلمين على أنَّ الإعدادَ هو ما كان على مستوى أرقى ما لدى العدو.

فكيف يأتي اليوم من يوهمنا أنَّ المسلمين قد وصلوا إلى هذا، وهم لا يزالون يستوردون الإبرةَ من عدوِّهم؟!

فالَّلهمَّ اهدِ عبادَك وانصرهم.

وهذه الفائدة الحديثية استفدتها من شيخي العلامة حمّاد بن محمد الأنصاري رحمه الله.




تنبيـه

قد دلَّت النصوص على أنَّ الله جعل الخيرَ في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، فعن عروة بن الجعد، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، متفق عليه.

ومعلومٌ أنَّه لا يزال أهل الحروب يستعملون الخيل إلى يومنا هذا على الرَّغم من الاختِراعات الرهيبة، حتى إنَّهم ذكروا أنَّه لم يُستغن عنها في الحروب العالمية القريبة، بل إنَّنا نَجد جهاتٍ رسميَّة في الدول لا تزال تستعمل الخيلَ كالحرس الجمهوريِّ أو الحرس الملكيِّ وغيرهما، فتأمَّل!




القسم الثاني: العدّة البشريّة

ضابطُ العُدَّة البشريَّة أن يكون عددُ المقاتلين الكفَّار على الضِّعف من عدد المقاتلين المسلمين، فإن زادوا على ذلك لَم يجب على المسلمين دخول المعركة، وقد كان اللهُ أوجب عليهم في أوَّلِ الأمر أن يُقاتِلوا الكفَّارَ، ولو كان هؤلاء عشرة أضعافِهم، ثمَّ نسخ ذلك إلى الضِّعف، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 65-66].

فكيف يأتي اليوم مَن اجتمع لديه ألفٌ أو ألفان أو عشْرةُ آلاف يواجِه بهم مليون مقاتِل، ومَن تخلَّف عنه فهو عندهم ضعيفُ الإيمان أو منافقٌ أو مرتَدٌّ؟!




ردّ شبهة

لا يقولنَّ قائل: إنَّ المسلمين اليوم كثيرٌ، فما لهم لا يدخلون المعاركَ مع عدوِّهم، لأنهَّ لا معنى لثروة بشريَّة لا تُزكِّيها أعمالُها، لذلك أخبر الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنَّ الإسلامَ لا يُنصَرُ بالغُثاء، فقد صحَّ في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشِكُ الأُمَمُ أن تداعى عليكم كما تداعي الأَكَلَةُ إلى قَصعتِها". فقال قائلٌ: ومِن قلِّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، لكنَّكم غُثاءٌ كغثاءِ السَّيل، ولَينزعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، ولَيَقْذِفِنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهْنَ". فقال قائلٌ: يا رسول الله! ما الوَهْن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت".

فدلَّ الحديث على أمرين:

الأول: أنَّ الإسلامَ غنِيٌّ عن الغثائيَّة مهما كانت كثرتها.

الثاني: أنَّ أصلَ المرض من القلب؛ لأنَّ "حبّ الدنيا وكراهية الموت" مرضان قلبيَّان، والعقيدة محلُّها الأصلي هو القلب، فبان بهذا أنَّ تصحيحَ العقيدة هو مبدأ الإصلاح، وهذا أولى ما اشتغل به المسلمون، حتى لو أنَّ عدوّاً قويّاً غاشِماً أرادهم بسوءٍ لردَّه الله خاسئاً، ولو جَمَع له مَن بين المشرق والمغرب، قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].


تحذير

ليكن القارئُ الكريم على حَذَرٍِ مِمَّن يُملي عليهم منهجُهم الإغضاءَ على الأخطاء العَقديَّة، ويُملي عليهم سوءُ أدبِهم مع كلام الله أن يضربوا لله الأمثالَ على نقضِ ما نحن بصدده، بزعم أنَّ المسلمين في تاريخ كذا قد ظفروا بالنَّصرِ على عدوِّهم مع أنَّ عقيدَتَهم كانت مخالفةً لعقيدة المهاجرين والأنصار ...!!

والحقيقةُ أنَّه لا يصدرُ مثلُ هذا إلاَّ مِمَّن ضعُف يقينُهم في صدقِ كلام الله {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}، وهؤلاء لا يُفرِّقون بين النصر الحقيقيّ والاستدراج الذي هو هزيمة في حقيقته، قال الله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44-45]، والله العاصم.




العدّة الإيمانيّة أسبق

وإنّني أريد أن أُنبِّه إخواني على أنَّ البدءَ بتحقيق العُدَّة الأولى ـ أعني العُدَّةَ الإيمانية ـ هو الأصل، وهذا أولى ما ينبغي أن يهتمَّ به المسلمون؛ لأنَّها سابقةٌ لتلك؛ ألا ترى كيف نهى اللهُ المؤمنين في أولِ الأمر عن التوجُّه العسكري وأمرَهم بالتوجُّه التعبدي فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [النساء: 77]، فأمرهم الله عزَّ وجلَّ إبَّان نزول آيات التوحيد بتحقيق حقوق التوحيد، وهي الصلاة والزكاة، فالصلاةُ مابين العبد وربِّه، والزكاة ما بين العبد وأخيه.

ولا معنى لقوَّةٍ ماديَّة إذا أقفرَت القلوب من تقوى الله عزَّ وجلَّ، وقد قيل: إنَّما السَّيفُ بضاربه.

وقال الشاعر:

إذا لم يكن للسَّيف قلبٌ وراءه فما السيف إلاَّ غَمْدُه والحمائلُ

وقال الآخر:

تقلَّدَتْنِي الليالي وهي مدبرةٌ كأنَّني صارمٌ في كفِّ منهزمِ

بل قد تكون الكلمة النَّابعة من قلب المؤمن بقوَّةٍ ويقين أنكى في العدوِّ من السَّيف المُصلت، فعن جابر بن عبد الله قال: "قاتَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحاربَ خَصَفَة بنخلٍ، فرأوا من المسلمين غِرَّة، فجاء رجلٌ منهم يُقال له: غَوْرَث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال: مَن يمنعُك منّي؟ قال: الله! فسقط السَّيف من يدهِ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَن يمنعُك منّي؟ قال: كنْ كخير آخِذ، قال: أتشهد أن لا إله إلاَّ الله؟ قال: لا، ولكنِّي أُعاهِدك أن لا أُقاتِلَك، ولا أكون مع قومٍ يُقاتِلونك، فخلَّى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابِه، قال: قد جئتُكم مِن عند خير الناس".

أخرجه أحمد واللفظ له، والبخاري ومسلم.




كونوا أولياء الله تُنصروا

لو لَم يكن المسلمون بمثابة الغُثاء، وإنَّما كانوا أصحابَ إيمانٍ حقيقةً، فاهْتَبَلَ الشيطانُ غفلتَهم البشرية، وحرَّك مِن أنفسهم العُجبَ بكثرتهم، لَم يحالفْهم النَّصرُ كما حصل ذلك لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، حتى قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25].

وهذا درسٌ بليغ، وحجَّة دامغة لِمَن يهتمُّون بالتجميع وصفوفهم مهزوزةٌ بالخلاف العقدي والتمزُّق الطائفيِّ البدعي، فإن الحديثَ السابق قد بيَّن بنصِّه أنَّ فساد القلوب ـ التي هي المحلُّ الأصليُّ للعقيدة ـ بحبِّ الدنيا وكراهية الموت يُحرِم أهلّها من رهبة عدوِّها منها، فكيف بالنَّصر؟!

وأمَّا الآيةُ الأخيرة، فقد بيَّنت أنَّ الذينّ حقَّقوا الإيمانّ، لكنَّهم غفلوا لحظةً من جهادهم غفلةً ما عن ربِّهم فمُنُوا بالهزيمة، ولولا أنَّ الله عزَّ وجلَّ رأى منهم الصدق في المبدأ والأوبةَ في المنتهى لطال الأمرُ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

فكيف يطمع في النَّصر من استدام الغفلةَ عن الله، بل استثقل الحديثَ عن التوحيد الذي هو حقُّ الله، بل استحلَّ الخروجَ عن عقيدةِ السَّلف، ورَكَن إلى فلسفة مّن خَلَف؟!

ونقول لمن يكره هذ اللّغة، ويحسبها تثبيطاً: مهلاً مهلاً؛ فإنَّ غُثائيَتَكم ـ ولو كانت حركيَّةً ـ لا تزيد المسملين إلاَّ وَهْناً وَهْناً!

والأغرب في هذا أنَّ الذين يرون أنفسهم مهمومين بالقضيّة الإسلامَّة دون غيرهم إذا سُئِلوا عن عقيدةِ مَن يَدْعمون مِمَّن يُسمُّونهم (مجاهدين!)، قالوا: ليس الوقتُ وقتَ السُّؤالِ عن هذا؛ لأنَّهم ـ حسب فلسفتهم الميكافيليَّة ـ يُذَبَّحون وأنتم تسألون عن تديُّنهم؟!! ولم ينتبهوا إلى أنَّ الله سلَّط عليهم من يُذَبِّحُهم بسبب ذنوبهم، ولو كانوا صالحين لولاّهم ربُّهم، وما تركَهم نهباً لعدوِّه وعدوِّهم، ففي القرآن: {إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196].

وهذا الجواب الذي يجنزّه الحركيّون على بكرةِ أبيهم أضحى عندهم ـ على اختلافهم ـ كالإِرثِ المُشاع، وترك المسلمين قِصاعاً بين جِياعٍ، ولا يكادون يدخلون معركةً اليومَ إلاَّ خرجوا منها مهزومين، وأكَّدُوا للكفَّار أن لا ناصرَ للمسلمين، فلم يشكَّ الكفَّارُ أنَّ دينَ المسملين كذِبٌ، فأيُّ جِنايةٍ على الإسلام والمسلمين أعظمُ مِن هذه؟!





سبيل الولاية بالرجوع إلى الدين الصحيح

إذا كان حديثُ ثوبانَ السَّابق قد شخَّص الدَّاءَ، وذلك بقوله: "حب الدنيا وكراهية الموت"، فإنَّ في حديثِ ابنِ عمرَ الآتي وصفاً وافياً للدّواء، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعْتُم بالعِينَة، ورضِيتُم بالزَّرع، واتَّبعْتُم أذْنابَ البقَر، وتركْتُم الجهادَ، سلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لاَ ينزِعُه عنكُم حتَّى ترجِعوا إلى دِينِكم" رواه أحمدُ وأبو داودَ، وهو حسنٌ.

وهاهنا فائدتان:

الأولى: أنَّ هذا الحديثََ لم يخرجْ بتفصيله للأدواء عمَّا في حديثِ ثوبان، لأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة" إلى قوله: "واتَّبعْتُم أذناب البقر" هو تفصيلٌ لقوله المجمل: "حُبُّ الدنيا".

وقولُه صلى الله عليه وسلم: "تركتم الجهاد" هو المُسبَّبُ عن قوله صلى الله عليه وسلم: "كراهية الموت"، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، فتأمَّلْ لفظَ الحديثين، فقد خرجَا من مِشكاةٍ واحدةٍ.

الثانية: أنَّ النّاس قد اختلفوا في معالجة هذه الأدواء المذكور، فمنهم من يرى الحلَّ السياسيّ، ومنهم من يرى الحلَّ الدَّمَويّ، ومنهم من يرى الحلَّ الحضاريّ، ومنهم ... ومنهم ... وأمَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك الحلَّ الدينيّ الدَعَويّ التربويّ؛ لأنَّ النّاسَ إذا تديَّنوا بدين الحقّ، وعملوا بسنَّة سيِّد الخلق، صلُحَ أمرُهم جميعاً، وأمَّا إذا تخلَّفوا عن الرجوع إلى دينهم، فإنَّه حريٌّ بهم أن يجبُنوا عن تحقيق بقيَّة الحلول، ولذلك كان أهلُ السُّنَّة السلفيُّون أولى النّاس برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأسعدَهم بدعوته، لِِما يدْأَبون عليه من تعليم الناس الهُدى والصبَّر على ذلك، حتَّى يريهم الله من قومهم استجابةً غالبةً، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4-5]، وأمَّا إن لم يُستجَبْ لهم، لا سِيمَا في دعوة التوحيد، فإنَّهم صابرون على هذا الطريق لا ينحرفون عنه حتَّى يلْقَوُا اللهَ على الرَّبَّانيَّة التي قال الله فيها: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].

ولهذا لم يصحّ اجتهادُ أصحاب الحلول السياسيّة أو الدّمويّة أو الحضاريّة أو غيرها، مع قوله صلى الله عليه وسلم الصريح: "حتى ترجعوا إلى دِينِكم"، ولا سبيل إلى الرجوع إلى الدّين إلاَّ بتعَلُّمِه، فعاذ الأمرُ إلى التّعليم، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما العلمُ بالتَّعلُّم، والحِلمُ بالتَّحلُّم" رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو صحيحٌ.

فظهر بهذه النصوص وبالجمع بين حديث ثوبان الذي وصف فيه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الدَّاءَ بأنَّ أصلَه من جهة القلب، بقوله: (حبُّ الدنيا وكراهية الموت)، وحديث ابن عمر الذي وصف في النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم العلاجَ بقوله: "حتى ترجعوا إلى دينكم" أنَّ أوَّلَ الرُّجوع هو الرُّجوعُ إلى القلب بتصحيح ما فيه من عقائد، وقد صرَّح بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه" متفق عليه.







قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيّئات

من الغريب أن اللهُ تعالى يقول: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ} [النحل: 128]، وبعضُ الناس يريد إلغاءَ شرط التقوى، ويقول: مهما كان في المسلمين من تقصير فهم منصورون؛ لأنَّ عدوَّهم شرٌّ منهم، فهو شيوعيّ، أو علمانيّ، أو صهيونيّ، أو صليبيّ حاقد ...!!!

وهكذا تعمل قاعدة الموازنات عملها السيِّئ في الأمَّة، حتى تذرَهم ينسجون خيوطاً من أوهام الأمجاد والعزِّ، وكأنَّهم يريدون حذفَ تلك الآيات من المصحف، بل كأنَّهم يريدون أن يخاصموا ربَّهم، إذ لم يعمل ههنا بقاعدة الموازنات، التي مقتضاها أن ينصر المسلمين دائماً؛ ما دام الكفَّارُ شرّاً منهم بلا شكّ!!

روى الإمام أبو نعيم في الحلية (5/303) من طريق ابن المبارك، عن مسلمة بن أبي بكر، عن رجل من قريش: "أنَّ عمرَ بن عبد العزيز عهد إلى بعضِ عُمَّاله:

عليك بتقوى الله في كلَّّ حال يَنزل بك، فإنَّ تقوى الله أفضلُ العُدَّة، وأبلغُ المكيدة، وأقوى القوة، ولا تكن في شيءٍ من عداوة عدوَِّك أشدَّ احتراساً لنفسك ومَن معك من معاصي الله، فإنَّ الذنوبَ أخوفُ عندي على النَّاس من مكيدة عدوِّهم، وإنّّما نعادي عدوَّنا، ونستنصرُ عليهم بمعصيتهم، ولولا ذلك لم تكن لنا قوَّةٌ بهم، لأنَّ عددَنا ليس كعددهم، ولا قوتَّتَنا كقوَّتهم، فإنْ لا نُنْصَرْ عليهم بمقتنا لا نغلبْهم بقوَّتنا.

ولا تكونُنَّ لعداوةِ أحدٍ مِن النَّاس أحذرَ منكم لذنوبكم، ولا أشدَّ تعاهداً منكم لذنوبكم، واعلموا أنَّ عليكم ملائكةَ الله حفظةٌ عليكم، يعلمون ما تفعلون في مسيركم ومنازلكم، فاستحيُوا منهم، وأحسنوا صحابَتَهم، ولا تؤذوهم بمعاصي الله، وأنتم زعمتم في سبيل الله.

ولا تقولوا إنَّ عدوَّنا شرٌّ منَّا، ولن يُنصَروا علينا وإن أذْنبْنا، فكم من قوم قد سُلِّط ـ أو سُخِط ـ عليهم بأشرَّ منهم لذنوبهم، وسَلُوا اللهَ العَوْنَ على أنفسكم، كما تسألونه العونَ على عدوِّكم، نسأل الله ذلك لنا ولكم.

وارْفُقْ بِمَن مَعك في مسيرهم، فلا تَجشّمْهم مسيراً يُتعبُهم، ولا تقْصُرْ بهم عن منزلٍ يرْفُقُ بهم، حتى يُلْقَوْا عدوَّهم والسفرُ لم يُنقصْ قوَّتهم ولا كراعَهم؛ فإنَّكم تسيرون إلى عدو مقيمٍ، جَام الأنفس والكراع، وإلاَّ ترفُقُوا بأنفسكم وكراعكم في مسيركم يكن لدعوِّكم فضلٌ في القوة عليكُم في إقامتِهم في جمام الأنفس والكُراع، والله المستعان.

أقِم بِمَن معك في كلِّ جمعة يوماً وليلةً لتكون لهم راحة يجمُّون بها أنفسهم وكراعهم، ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونَحِّ منزلَك عن قرى الصُّلح، ولا يدخلها أحدٌ من أصحابك لسوقهم وحاجتهم، إلاَّ مَن تثقُ به وتأمنُه على نفسه ودينه، فلا يصيبوا فيها ظلماً، ولا يُتُزُوَّدوا منها إثْماً، ولا يرزَؤون أحداً مِن أهلها شيئاً إلاَّ بحقٍّ، فإنَّ لَهم حُرمةً وذِمَّةً ابتُلِيتُم بالوفاء بها كما ابْتُلُوا بالصبَّر عليها، فلا تَستَنصِروا على أهلِ الحربِ بظلمِ أهلِ الصُّلح.

ولْتَكن عيونُك مِن العرب مِمَّن تَطمئن إلى نُصحِه مِن أهلِ الأضِ، فإنَّ الكَذوب لا ينفَعُكَ خبَرُه وإنْ صَدَقَ في بعضِه، وإنَّ الغاشَّ عَينٌ عَليك ولَيس بعَينٍ لَك".

قلتُ: بهذه الخُطبةِ البديعة بيَّن عمرُ بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ خطورةَ هذه القاعدة؛ لأنَّها تعملُ على وَأْدِ النَّقْد الذَّاتيّ وحرمان المسلمين من محاسبة أنفسهم، فكيف بالاطّلاع على عيوبهم؛ إذ لا يزالُ أهلها يشعرون بأنَّهم أُتُوا من قِبَل عُتُوِّ عدوِّهم، لا من قِبَل أنفُسهم.

ومن ثَمَّ يُتبرَّعُ (للمجاهدين) بقداسة تشبه العِصمةَ، ومَن جاء يصحِّح صاحوا فيه: مثبِّطٌ! مثبِّطٌ! ومَن جاء ينتقد حاصوا منه وأسَرُّوا مجمعين: عميل! عميل!

ولهذا كان قولُ عمر بنِ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ السابق: "ولا تقولوا إنَّ عدوَّنا شرٌّ منَّا ..." حجَّةً قويّةً لإسقاط هذه القاعدة الغَويَّة، ولا يزال المسلمون يقرؤون القرآنَ، فيجدون اللهَ يعلِّق النَّصرَ على التقوى والصبر والصلاح، كمثل قوله تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} [آل عمران: 120]، وقوله: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]، وقوله: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186].

وإذا كان هؤلاء يوجبون على المسلمين أن يُؤَيِّدوا كلَّ الثورات المزعوم أنَّها إسلاميّة؛ بحجَّة الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين، فهل يجرُؤون على أن يوجبوا على الله أن ينصُرَ المسلمين على ما فيهم، وأن يلغي شرطَ التقوى والإخلاص والمتابعة؟

وإذا كانوا يُشنِّعون على أهل السنَّة محاسبَتَهم النّاسَ في عقيدتهم، فهل يفعلون هذا مع ربِّهم الذي لم يسكتْ قطُّ عن محاسبّةِ المجاهدين في أدنى الأخطاء؟

ففي غزوة بدرٍ رأى النبيُ صلى الله عليه وسلم مفاداةَ الأسرى دون قتلهم، وذلك قبل تشريعها، فنزل قولُه تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67-68].

وقد عدَّ عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه ما وقع في هذه القصة أحدَ سبَبَيْ هزيمةِ المسلمين يومَ أُحُد كما في مسند أحمد وصحيح مسلم، فقال: "لَمَّا كان يوم أُحد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يومَ بدر من أخْذهم الفداء، فقُتل منهم سبعون، وفرَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وكُسرتْ رُباعيتُه، وهُشمت البيضةُ على رأسه، وسال الدَّم على وجهه ...."

ومذهبُ الموازنة بين الحسنات والسيِّئات معناه عند مُخترعيه في هذه الأيام: النَّظر في أحوال الرَّجل المراد انتقادُه، ثمَّ ذِكر حسناته إلى جنب سيِّئاته، وزعم أصحابُه أنَّ الإنصاف لا يتمُّ إلاَّ بهذا، فطعنوا بهذه القاعدة الغريبة في السَّلف الصالح من الفقهاء والمحدِّثين، الذين لا يزالون يُجرِّحون مَن يستحقُّ التجريحَ دون تعرُّضٍ لذِكر حسناتِه، ولا يرون ذلك لازماً لهم.

بل قرأتُ لبعضهم دعوى أنَّه لا يجوز ذِكر مبتدعٍ بما عليه إلاَّ بذِكر ما له، بل سمعتُ بعضَهم وقرأتُ لآخرين دعوى أنَّه يجب تطبيقُ هذه القاعدةَ حتَّى مع الكفار، وزعموا أنَّ الله يذكر حسنات الكفَّار مقابِلَ سيِّئاتِهم ليُنصِفهم! بل اشتطُّوا في الأمر حتى زعموا أنَّ الله لم يكتَف بذِكر مساوئ الخمر والميسر حتى ذكر حسناتهما فقال: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...} [البقرة: 219]، وهو كما ترى!!

وهذه القاعدة ما وضَعوها إلاَّ لِحمايةِ البدعِ وأهلِها، وذلك أنَّ بعضَ المنتسبين إلى السنَّة تربَّوْا بين أحضان أهل البدع، حتى إذا أحبَّتهم قلوبُهم وأُشربَت بعض بدعهم، ثمَّ جاءت سِهامُ السنَّة ترفع اللِّئامَ عن دعوات متبوعيهم، قالوا: لا تنسوا حسناتهم!

وبهذا التَّميُّع لَم يبق صاحبُ بدعة إلاَّ ستروه، حتى الرافضي، اللَّهمَّ إلاَّ حركيي جزيرة العرب، فإنَّ منهم مَن استثنى الروافض! على أنَّهم إذا انتقدوا أهلَ السنَّة السلفيين لَم يُراعوا لهم ذِمَّة، ولا عرفوا لهم حسنة!!

وكان من مساوئ هذه القاعدة تأييد جميع الثورات المزعوم أنَّها إسلامية؛ بزعم أنَّ الذين يواجهونهم كفارٌ أو علمانيون، ولَم يراعوا في ذلك شروط الجهاد، ولَم يتبيَّنوا حال المزعوم أنَّهم مجاهدون، بل يكفي عندهم رفعُ رايةِ الإسلام، أيّ إسلام!!

ويا وَيْحَ مَن يسأل عن عقيدةِ هؤلاء، فإنَّ هذا ليس وقته عندهم!

أمَّا أن يسأل عن اتباعهم للسُّنَّة وعملهم بالحديث، فهذا أبعدُ من أن يتباحثوه!!

ومسألة الموزانة هذه فنَّدها أهلُ العلم، وخير مَن كتب فيها ـ فيما علمت ـ العلاَّمةُ ربيع بن هادي المدخليفي كتابه "منهج أهل السنَّة والجماعة في نقد الكتب والطوائف والرِّجال"، فارجع إليه؛ فإنَّه نفيسٌ!




الخلاصـــة


يجبُ على المسلمين أن يُحقِّقوا لدَرْك عِزِّهم شرطّيْن في أنفسهم:

الأول: هو الإعدادُ الإيماني.

والثاني: الإعداد الماديّ.

والإعداد الإيمانيُّ قسمان:

القسمُ الأول: هو إخلاصُ الدِّين لله.

والقسم الثاني: هو تجريدُ المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

والإعدادُ الماديُّ قسمان أيضاً:

القسم الأول: هو الإعدادُ العسكريُّ.

والقسم الثاني: الإعدادُ البشريُّ، أو ما يُسمَّى بالتعبئة البشريَّة.

ونستفيدُ من غزوة حُنين أنَّ المقاتلين إذا كانوا على سلامة المعتقَد وصدقِ الالتزامِ بالسُّنَّةِ، ثمَّ ظهر منهم شيءٌ من العُجْب ـ والعُجبُ قد يصلُ إلى القلبِ فيُفسِدُ إخلاصَه ـ حُرِموا النَّصر، فكيف إذا كانوا على معتقد غير سليمٍ من أصلهم؟

ونستفيد من غزوة أُحُد أنَّ المقاتلين إذا كانوا على معتقَدٍ سليم وصدقِ الالتزامِ بالسُّنَّةِ، ثمَّ خالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم حُرِموا النَّصر، فكيف إذا كانوا مفارقين للسُّنَّة من أصلِهم، منتسبين إلى طائفةٍ مبتدعة من نشأتِهم؟!

فهذا في المتابعة، وذاك في التوحيد، وقد عاقب اللهُ كلا الطائفتين، مع أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وصالِحَ المؤمنين كانوا معهم يُقاتِلون، ومع أنَّ مخالفَتهم لا تنقض المتابعة ولا التوحيد، فاعتبروا يا أولي الأبصار!

هذا ونسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أن يشرحَ صدورَنا للحقِّ، وأن يهديَنا سواءَ السَّبيل، وأن يجمعَ شملَنا، وأن يرأب الصدعَ الذي بيننا، وأن يوفِّقنا لطاعته، وحُسن عبادته، ولذكره، وأن يجمع كلمةَ المسلمين على ما يُّحبُّ ويرضى.

اللَّهمَّ أرنا الحقَّ حقّاً وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتنابَه.

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 192-194].

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5].

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].

اللَّهمَّ انصُر الإسلام والمسلمين، واجعل الدائرة السيِّئةَ على عدوِّك وعدوِّهم.

هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.



الفهرس

المقدّمـــة
الإعداد الإيماني والإعداد المادّي
العدّة الإيمانيّة هي تقوى الله
تقوى الله قسمان
القسم الأوّل: التوحيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن التوحيد
ابن تيميّة يعلّم الناس التوحيد في جهاد دفاعي
لو كان الصالحون في جيش فيه شركيّات لانهزموا
من ترك القتال بسبب البدع والشرك
انتصار المسلمين على التتار بعد أن صحّحوا عقيدتهم واتّبعوا الرسول
القسم الثاني: تجريد المتابعة لرسول الله
العدّة المادية قسمان
القسم الأوّل: العدّة العسكريّة
تنبيـه
القسم الثاني: العدّة البشريّة
ردّ شبهة
تحذير
العدّة الإيمانيّة أسبق
كونوا أولياء الله تُنصروا
سبيل الولاية بالرجوع إلى الدين الصحيح
قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيّئات
الخلاصـــة

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 Oct 2007, 09:24 AM
أبو أنس عبد الهادي أبو أنس عبد الهادي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: الجزائر - مدينة سعيدة
المشاركات: 361
افتراضي

جزاكم الله خيرا وحفظ الله الشيخ..
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 Oct 2007, 02:44 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين و فيك بارك الله
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 Oct 2007, 08:09 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

جزاك الله خيراً
وبارك الله لك ونفع بك
ووفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 31 Oct 2007, 12:38 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين ؛ و فيك بارك الله
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04 Nov 2007, 03:38 PM
أم أنس أم أنس غير متواجد حالياً
وفقها الله
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 125
افتراضي

جزاكم الله خيرا وحفظ الله الشيخ عبد المالك رمضاني
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04 Nov 2007, 09:14 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين , و بارك الله فيكم
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06 Nov 2007, 10:20 PM
عبدالكريم الجزائري عبدالكريم الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 79
افتراضي

بارك الله فيك أبا نعيم على الكتاب المفيد كسائر كتب الشيخ عبد المالك رمضاني حفظه الله . إن فيه خير كثير و إصلاح لمفاهيم خاطئة كثيرة . حفظ الله شيخنا .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06 Nov 2007, 11:13 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين , و فيك بارك الله
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01 Dec 2007, 11:36 PM
حيـــــدر حيـــــدر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 151
إرسال رسالة عبر MSN إلى حيـــــدر
افتراضي

أحسنــت أحســن البـاري إليــك وإلى الشيــخ عبـد المالــك
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 02 Dec 2007, 12:00 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

آمين و إياك
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02 Dec 2007, 12:53 PM
سفيان القبائلي الجزائري سفيان القبائلي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 285
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 Dec 2007, 12:50 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

و إياك أخي
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03 May 2008, 11:05 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

يُرفع
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دمج الصوتيات مع برنامج: "mp3split" - سهل جدا.. -شرح بالصور- أبو أنس عبد الهادي مــــنـــتــدى الـكـمـبـيـوتـر والإنترنــــــــت 2 22 Dec 2007 04:12 PM
مداخلة الشيخ العثيمين -رحمه الله- في برنامج دين ودنيا ! "12دقيقة" أبو أنس عبد الهادي الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام 6 22 Nov 2007 10:58 PM
. . "من نوقش الحساب عُذّب" . . "فسوف يحاسب حساباً يسيرا" !! أبو أنس عبد الهادي الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام 3 05 Nov 2007 09:46 PM
" الحث على لزوم الجماعة " للشيخ عز الدين رمضاني - حفظه الله - أبو نعيم إحسان الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام 3 31 Oct 2007 12:46 AM
نصيحة الشيخ عبد المالك لبقايا المفتونين " (حوار أجرته إذاعة القرآن الكريم الوطنية الجزائرية)" أبو عبد الرحمن العكرمي الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام 1 01 Oct 2007 12:28 AM


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013