[مقطع صوتي مفرغ]: (قصة ثبات الإمام أبي بكر النابلسي) للشيخ الدكتور عبد الله البخاري حفظه الله

[أبو عبد الرحمن أسامة]

تفريغُ مقطعٍ بعنوان:

قصَّة ثبات الإمام أبي بكر النّابلسيّ

لفضيلة الشَّيخ الدُّكتور:
عبد الله بن عبد الرحيم البخاريّ -حفظهُ اللهُ-

التّفريغ:

أقول وأختمُ بهذا:
من الصُّور العجيبة والمؤثِّرة حقيقة ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
أقول: من الصّور والأمثلة العجيبة في الصّبر والثّبات على الحق والسُّنّة بالحقّ وبالسُّنّة ما وقع للإمام القدوة الصالح الشهيد -نرجوه عند الله جل وعلا- الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي المعروف بابن النابلسي المتوفى سنة 363 من هجرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو ما أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق مسندًا بسنده إلى أبي ذر الهروي الحافظ.

قال -رحمه الله- أعني أبا ذر الهروي؛ قال في الإمام أبي بكر النابلسي -رحمه الله-: (سجنه بنو عبيد –الرافضة- وصلبوه على السُّنّة) سبب سجنه وسبب صلبه تمسّكه بماذا؟ بالسُّنّة وثباته عليها ودعوته إليها، قال (وصلبوه على السنة).
قال: (سمعت الدراقطني –الإمام الدارقطني- يذكره –رضي الله عنه- ويبكي..) قال: (..وكان يقول وهو يُسلخ –رضي الله عنه-: ﴿كَانَ ذَلكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا﴾)، الإمام النابلسي –رحمه الله- كان يُردّد وهو يُسلَخ ويُصلَب على السُّنّة كان يُردّد قول الله جلّ وعلا: ﴿كَانَ ذَلكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا﴾.

انظر -بارك الله فيك- إلى هذا الثّبات على الحقّ واستحضار هذا الركن العظيم؛ أعني الإيمان بالقضاء والقدر في هذا الموقف العصيب، يُصلَب ويُسلَخ جلده وهو يتلو القرآن مُقدِّرا مؤمنًا صابرًا محتسبًا ﴿كَانَ ذَلكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ هذا ما قدّره الله وقضاه عليه.

قال أبو الفرج ابن الجوزي –رحمه الله-: (أقام جوهر القائد لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي..) أقامه وهيّأه له ليمتحنه، قال: (..وكان ينزل الأكواخ فقال له: بلغنا أنك قلت –وهو من الفاطميين العُبيديِّين الرافضة-: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجبَ أن يرميَ –أي الرجل- في الروم سهمًا وفينا تسعة –أسهم يعني-؟
فقال النابلسي –رحمه الله-: ما قلت هذا!
بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميَكم بتسعة وأن يرميَ العاشر فيكم أيضًا، فإنكم غيّرتم الملَّة وقتلتم الصالحين وادّعيتم نور الإلهية).
قال: (فشهره ثم ضربه ثم أمر يهوديا فسلخه).

قال ابن الأكفاني: (توفي العبد الصالح الزاهد أبو بكر النابلسي، وكان يرى قتال المغاربة –أي من هؤلاء-، هرب من الرملة إلى دمشق فأخذه متوليها أبو محمود الكتامي وجعله في قفص خشب وأرسله إلى مصر، فلما وصل ققالوا له: أنت القائل: أن لو معيَ عشرة أسهم فذكر القصة –الماضية-).
قال ابن الأكفاني –رحمه الله-: (فسُلِخ وحُشِي تبنا وصُلب).

قال معمر بن أحمد بن زياد الصوفي: (أخبرني الثقة أن أبا بكر سُلِخ من مفرق رأسه حتى بلغ وجهه فكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر فرحمه السلاخ فوكزه بالسكين موضع قلبه فقضى عليه) أي: رحمة عليه وشفقة عليه -رضي الله عنه ورحمه-.

وأخرج ابن عساكر –رحمه الله- في تاريخ دمشق بسنده عن ابن الشعشاع المصري والقصة ذكرها الحافظ الذهبي في السير وابن الصفد في الوافي بالوفيات أن ابن الشعشاع رأى في نومه النابلسي –رضي الله عنه- بعد أن صُلب رآه في أحسن هيئة فقال له: ما فعل الله بك؟ قال –رحمه الله-: ما فعل الله بك؟ قال:

حباني مالكي بدوام عز *** وواعدني بقُرب الانتصار
وقرّبني وأدناني إليه *** وقال: انْعم بعيش في جواري

رحمه الله وغفر له.

نسأل الله جل وعلا أن يُثبّتنا وإياكم على الإسلام والسُّنّة، وأن يقبضنا إليه غير مفتونين.
وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وآله وصحبه وسلم.اهـ (1)

فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة

26 / شعبان / 1438هـ

(للتحميل)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1) من محاضرةٍ للشيخ الدُّكتور عبد الله البخاريّ -حفظه الله- بعنوان: (الثَّباتُ على السُّنَّة) يوم: 06 / شوَّال / 1436هـ، ضمن فعاليات الدورة العلميَّة الخامسة عشرة بجامع معاوية ابن أبي سفيان -رضي الله عنهما- بحفر الباطن، والتي نُقلت عبر إذاعة ميراث الأنبياء.