منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 04 Apr 2020, 09:29 PM
أبو معاوية محمد شيعلي أبو معاوية محمد شيعلي غير متواجد حالياً
أبو معاوية شيعلي العباسي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
الدولة: مدينة بلعباس
المشاركات: 93
افتراضي فائدة جليلة : العالم الذي لا يعمل بعلمه

- بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على رسول الله محمد خير المبعوثين و على آله و أصحابه أجمعين وبعد ، فقد ذكر وسطر الامام شيخ الاسلام ابن القيم رحمه الله فائدة عظيمة المعنى جليلة المغزى فقال :



فائِدة جَليلة :

''العَالِمُ الذي لا يعملُ بِعلمِه''

- كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه و حكمه ، وفي خبره والزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، و لاسيما أهل الرياسة . و الذين يتبعون الشهوات فانهم لا تتم لهم أغراضهم الا بمخالفة الحق و دفعه كثيرا ، فاذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متتبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك الا بدفع ما يضاده من الحق ، و لاسيما اذا قامت له شبهة ، فتتفق الشبهة والشهوة و يثور الهوى ، فيخفى الصواب و ينطمس وجه الحق . وان كان الحق ظاهرا لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته وقال : لي مخرج بالتوبة . وفي هؤلاء و أشباههم قال تعالى :
" فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " سورة مريم 59 .
وقال تعالى فيهم أيضا :
" فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " سورة الأعراف 169 .

- فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العرض الأدنى مع علمه بتحريمه عليهم وقالوا سيغفر لنا ، وان عرِض لهم عَرض آخر أخذوه فهم مُصرون على ذلك ، وهو الحامِل لهم على أن يقولوا على الله غيرِ الحق ، فيقولون هذا حُكمه وهذا شرعه ودينه وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك ، أو لايعلمون أن ذلك دينه وشرعه و حكمه فتارة يقولون يقولون على الله مالا يعلمون ، وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه . وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الآخرة خير من الدنيا ، فلا يحملهم حب الرِياسة والشهوة على أن يؤثروا الدنيا على الآخرة ، وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب و السنة ، ويستعينوا بالصبر و الصلاة ، ويتفكروا في الدنيا وزوالها و خستها ، والآخرة وخيرها واقبالها ودوامها . و هؤلاء لا بد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل فيجتمع لهم الأمران ، فان اتباع الهوى يعمي عين القلب فلا يميز بين السنة والبدعة أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة ، فهذه آفة العلماء اذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات وهذه الآيات فيهم
الى قوله تعالى :
" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " سورة الأعراف
175- 176
فهذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه .

- وتأمل ما تضمنته الآية من ذمه ، وذلك من وجوه :
أحدها : أنه ضل بعد العلم واختار الكفر بعد الايمان عمدا لا جهلا .
ثانيها : أنه فارق الايمان مفارقة من لا يعود اليه أبدا ، فانه انسلخ من الآيات بالجملة كما تنسلخ الحية من قِشرها ، ولو بقي معه منها شيئ لم ينسلخ منها .
وثالثها : ان الشيطان أدركه ولحقه بحيث ظفر به وافترسه و لهذا قال " فأتبعه الشَيطان "ولم يقل تبعه ، فان معنى أتبعه أدركه ولحقه ، وهو أبلغ من تبعه لفظا و معنى .
ورابعها : أنه غوى بعد الرشد . والغي : الضلال في العلم والقصد وهو أخص بفساد القول و العمل كما أن الضلال أخص بفساد العلم والاعتقاد فاذا أفرد أحدها دخل فيه الآخر ، وان اقترنا فالفرق ما ذكر .
وخامسها : أنه سبحانه لم يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلاكه لأنه لم يرفع به فصار وبالا عليه ، فلو لم يكن عالما كان خيرا له وأخف لعذابه .
وسادسها : أنه سبحانه أخبر عن خسته وهمته وأنه اختار الأسفل الأدنى على الاشرف الأعلى .
وسابعها : ان اختياره للأدنى لم يكن عن خاطر و حديث نفس ، ولكنه كان عن اخلاد الى الأرض و ميل بكليته الى هناك ، وأصل الاخلاد اللزوم على الدوام كأنه قيل : لزم الميل الى الأرض ، ومن هذا يقال : أخلد فلان بالمكان اذا لزم الاقامة به ، قال مالك بن نويرة :
بأبناء حي من قبائل مالك وعمرا بن يربوع أقاموا فأخلدوا
وعبر عن ميله الى الدنيا باخلاد الى الأرض ، لأن الدنيا هي الأرض وما فيها و ما يستخرج منها من الزينة والمتاع .
وثامنها : أنه رغب عن هداه وتبع هواه ، فجعل هواه اما له يقتدي به و يتبعه .
وتاسعها : أنه شبهه بالكلب الذي هو أخس الحيوانات همة وأسقطها نفسا وأبخلها وأشدها كلبا ولهذا سمي كلبا .
وعاشرها : أنه شبه لهثه على الدنيا و عدم صبره عنها و جزعه لفقدها و حرصه على تحصيلها بلهث الكلب في حالتي تركه عليه بالطرد ، وهكذا ، ان ترك فهو لهثان على الدنيا ، وان وعظ وزجر فهو كذلك . فاللهث لا يفارقه في كل حال كلهث الكلب .

- قال ابن قتيبة : " كل شيئ يلهث من إعياء أو عطش الا الكلب فانه يلهث في حال الكلال و حال الراحة ، وحال الرَّيِ و حال العطشِ ، فضربها الله مثلا لهذا الكافر فقال : إن وعظته فهو ضال و إن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث وان تركته حاله لهث . ولهذا التمثيل لم يقع بكل كلب و انما وقع بالكلب اللاهث ، وذلك أخس ما يكون وأشنع " .



- المصدر :
الفوائد لابن القيم رحمه الله
( ص 131 - ص 134)

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013