منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 Jan 2016, 02:51 AM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي خزانة تحف العناية بكتاب "البداية والنهاية" (11) (فوائد متعلقة بكتاب الله تعالى)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.

أمَّا بعد:

فهذه هي الحلقة الحادية عشرة من «خزانة تُحف العناية بكتاب "البداية والنِّهاية"» ولا يزال الكلام متواصلًا عن (الفوائد المتعلِّقة بكتاب الله تعالى)، وقد تمَّ الانقطاع عنها شيئًا ما بعد أن تمَّت عشرةٌ كاملةٌ؛ ولعلَّ من حسنات هذا الانقطاعِ اليسير بعثُ النَّشاط وأخذُ النَّفَسِ وعَدَمُ الإثقال بالحلقاتِ المتتابعة بما يؤدِّي إلى الإملال.

ولا أخفي الشَّوقَ لمنتديَّات التَّصفية والتَّربيَّة وكتَّابها الأفاضل بعدَ غيابٍ يسيرٍ عنها؛ فأسأل الله أن لا يحرمنا من هذه الأجواء العلميَّة والمحبَّة الإيمانيَّة التي نستشعرها في هذا الصَّرح المبارك، جزى الله القائمين عليه خير الجزاء، ونفعنا بما فيه من العلوم والحكم.

· بيانُ أصل اتِّخاذ النَّاس إرسال البطاقة مع الطَّير وفضيلة هدد سليمان عليه السَّلام

قال الله سبحانه وتعالى حاكيًا قول سليمان عليه السَّلام للهدد: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌإِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِأَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾[النَّمل: 28-31].

«...فعند ذلك بعث معه سليمان عليه السلام كتابه يتضمَّن دعوته لهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه...فلما جاءها الكتاب مع الطَّير، ومن ثمَّ اتَّخذ النَّاس البطائق، ولكن أين الثريَّا من الثرى؟! تلك البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول ويقال له...»[2/ 332].

· فطنة بلقيس وغزارة فهمها وضبطها للفظها

«ثم أمر سليمان عليه السلام أن يغير حلي هذا العرش وينكر لها ; ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال: ﴿ نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَفَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾[النَّمل: 41]وهذا من فطنتها وغزارة فهمها; لأنَّها استبعدت أن يكون عرشها; لأنَّها خلفته وراءها بأرض اليمن ولم تكن تعلم أنَّ أحدا يقدر على هذا الصُّنع العجيب الغريب»[2/ 336].

ووجه ذكائها وفطنتها أنَّها «لم تقل «هو» لوجود التَّغيير فيه والتَّنكير، ولم تنف أنَّه هو، لأنها عرفته، فأتت بلفظ محتمل للأمرين، صادقٍ على الحالين»(1).

فلا تكن عجولًا في أحكامك واحرصْ على زنة ألفاظك، فهي أدلُّ شيءٍ على فطنتك وذكائك من عدمهما.

· شأن النَّبيِّ الملك والعبد الرَّسول وجعل الله تعالى الملك في أمَّتنا

«...لما ذكر تعالى ما أنعم به عليه[أي: على سليمان عليه السَّلام] وأسداه من النِّعم الكاملة العظيمة إليه، قال: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[ص: 39] أي: أعط من شئت واحرم من شئت، فلا حساب عليك، أي: تصرف في المال كيف شئت; فإن الله قد سوغ لك كل ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك، وهذا شأن النَّبيِّ الملك بخلاف العبد الرسول; فإن من شأنه أن لا يعطي أحدا ولا يمنع أحدا إلا بإذن الله له في ذلك.

وقد خُيِّر نبينا محمد، صلوات الله وسلامه عليه، بين هذين المقامين فاختار أن يكون عبدا رسولا. وفي بعض الروايات: أنه استشار جبريل في ذلك، فأشار إليه أن تواضع. فاختار أن يكون عبدا رسولا، صلوات اللهوسلامه عليه؛ وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة؛ فلله الحمد والمنة».

· المقصود بالوراثة في دعاء زكريَّا عليه السَّلام وراثة النُّبوة والوحيِّ لا المال والدَّليل عليه

قال الله سبحانه وتعالى حاكيًا قول زكريًّا عليه السَّلام ومناجاته ربَّه ودعاءه إيَّاه: ﴿...وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾[مريم: 5-6].
«﴿فهب لي من لدنك﴾ أي: من عندك بحولك وقوتك ﴿وليا يرثني﴾ أي: في النبوة والحكم في بني إسرائيل ﴿ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ يعني: كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب أنبياء، فاجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمتهم بها من النبوة والوحي.

وليس المراد هاهنا وراثة المال، كما زعم ذلك من زعمه من الشِّيعة ووافقهم ابن جرير هاهنا وحكاه عن أبي صالح من السَّلف؛ لوجوه:

أحدها: ما قدَّمنا عند قوله تعالى: ﴿وورث سليمان داود﴾[النمل: 16] أي: في النبوة والملك، كما ذكرنا في الحديث المتفق عليه بين العلماء، المروي في «الصحاح» و«المسانيد» و«السنن» وغيرها، من طرق عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة» فهذا نصٌّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث، ولهذا منع الصديق أن يصرف ما كان يختص به في حياته إلى أحد من وراثه الذين لولا هذا النص لصرف إليهم، وهم: ابنته فاطمة، وأزواجه التسع، وعمه العباس، رضي الله عنهم، واحتج عليهم الصديق في منعه إياهم بهذا الحديث، وقد وافقه على روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف وطلحة، والزبير، وأبو هريرة، وآخرون، رضي الله عنهم.

الثَّاني: أن الترمذي رواه بلفظ يعم سائر الأنبياء: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» وصححه.

الثَّالث: أن الدنيا كانت أحقر عند الأنبياء من أن يكنزوا لها أو يلتفتوا إليها أو يهمهم أمرها، حتى يسألوا الأولاد ليحوزوها بعدهم ; فإن من لا يصل إلى قريب من منازلهم في الزهادة لا يهتم بهذا المقدار أن يسأل ولدا يكون وارثا له فيها.

الرَّابع: أن زكريا عليه السلام كان نجارا يعمل بيده، ويأكل من كسبها، كما كان داود، عليه السلام، يأكل من كسب يده، والغالب -ولا سيما من مثل حال الأنبياء- أنه لا يجهد نفسه في العمل إجهادا يستفضل منه مالا يكون ذخيرة له يخلفه من بعده، وهذا أمر بين واضح لكل من تأمله بتدبر وتفهم، إن شاء الله».[2/ 397-398].

· أشدُّ الأوقات على الإِنسان

«قال الله تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾[مريم: 15].

هذه الأوقات الثَّلاثة أشد ما تكون على الإنسان، فإنه ينتقل في كل منها، من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه; ولهذا يستهلُّ صارخا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمَّها، وينتقل إلى هذه الدَّار ليكابد همومها وغمومها، وكذلك إذا فارقهذه الدَّار، وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور والقصور، إلى عرصة الأموات سكان القبور، وانتظر هناك النفخة في الصور، ليوم البعث والنشور، فمن مسرور ومحبور، ومن محزون ومثبور، وما بين جبير ومكسور، وفريق في الجنة وفريق في السَّعير.

ولقد أحسن بعض الشُّعراء حيث قال:

ولدتك أمك باكيا مستصرخا ... والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا ... في يوم موتك ضاحكا مسرورا
ولمَّا كانت هذه المواطن الثَّلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلَّم الله على يحيى في كل موطن منها، فقال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾[مريم: 15]»[2/ 401-402].

· فعرف والله فضلها

«قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، أنَّ الحسن قال: إنَّ يحيى وعيسى التقيا فقال له عيسى: «استغفر لي، أنت خير مني». فقال له الآخر: «استغفر لي، أنت خير مني». فقال له عيسى: «أنت خير مني سلَّمتُ على نفسي، وسلَّم الله عليك». فعرف والله فضلها»[2/ 402].

وذلك أنَّ الله تعالى قال في حقِّ يحيى عليه السَّلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾[مريم: 15]، وقال الله تعالى حاكيًا قول عيسى عليه السَّلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾[مريم: 33] وهما ابنا خالة عليهما السَّلام.

· مما استدلَّ به على تسمية المولود يوم ولد

قال الله تعالى مخبرًا عن حال امرأة عمران: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم﴾[آل عمران: 36].

«وقولها: ﴿وإني سميتها مريم﴾ استدل به على تسمية المولود يوم يولد، وكما ثبت في «الصحيحين» «عن أنس في ذهابه بأخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحنَّك أخاه وسماه عبد الله»».[2/ 419].

· بحث نفيسٌ في بيان أفضل نساء العالمين

«قال الله تعالى عن مريم رضي الله عنها: ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42]، يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها، كقوله لموسى: ﴿إني اصطفيتك على الناس﴾[الأعراف: 144] وكقوله عن بني إسرائيل: ﴿ولقد اخترناهم على علم على العالمين﴾[الدخان: 32] ومعلوم أن إبراهيم، عليه السلام، أفضل من موسى، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، أفضل منهما، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها، وأكثر عددا، وأفضل علما، وأزكى عملا، من بني إسرائيل وغيرهم.

ويحتمل أن يكون قوله: ﴿واصطفاك على نساء العالمين﴾ محفوظ العموم; فتكون أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها، ووجد بعدها; لأنها إن كانت نبية، على قول من يقول بنبوتها ونبوة سارة أم إسحاق، ونبوة أم موسى، محتجا بكلام الملائكة والوحي إلى أم موسى، كما يزعم ذلك ابن حزم وغيره، فلا يمتنع على هذا أن تكون مريم أفضل من سارة وأم موسى ; لعموم قوله: ﴿واصطفاك على نساء العالمين﴾ إذ لم يعارضه غيره. والله أعلم.

وأما على قول الجمهور، كما قد حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره عن أهل السنة والجماعة، من أن النبوة مختصة بالرجال، وليس في النساء نبية، فيكون أعلى مقامات مريم، كما قال الله تعالى: ﴿ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة﴾[المائدة: 75]، فعلى هذا لا يمتنع أن تكون أفضل الصديقات المشهورات ممن كان قبلها، وممن يكون بعدها. والله أعلم.

وقد جاء ذكرها مقرونا مع آسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، رضي الله عنهن وأرضاهن».

ثمَّ أورد الحافظ –رحمه الله- الأحاديث الَّتي تدلُّ على فضلهنَّ رضي الله عنهنَّ، وأنَّ خير الأربع مريم وفاطمة رضي الله عنهما، وذلك لما ذكره:

«قال أبو القاسم البغوي حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، «عن عائشة أنها قالت لفاطمة: أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم ضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أكببت عليه، فأخبرني أني أسرع أهله لحوقا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران، فضحكت» . وأصل هذا الحديث في «الصحيح». وهذا إسناد على شرط مسلم، وفيه أنهما أفضل الأربع المذكورات».

ثم قال –رحمه الله-: «والمقصود أنَّ هذا يدل على أن مريم وفاطمة أفضل هذه الأربع، ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة، ويحتمل أن يكونا على السواء في الفضيلة; لكن ورد حديث، إن صح عَيَّن الاحتمال الأوَّل، فقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن بن الفراء، وأبو غالب وأبو عبد الله، ابنا البنا، قالوا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أحمد بن سليمان، حدثنا الزبير، هو ابن بكار، حدثنا محمد بن الحسن، عن عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن عقبة عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون» فإن كان هذا اللفظ محفوظا بـ «ثم» التي للترتيب، فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء، ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بـ«واو» العطف، التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه. والله أعلم.

وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي، عن داود الجعفري، عن عبد العزيز بن محمد، وهو الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة عن كريب، عن ابن عباس مرفوعا، فذكره بـ«واو» العطف لا بـ«ثم» الترتيبية، فخالفه إسنادا ومتنا. فالله أعلم»[2/ 423-430].

ويبقى من الفوائد الملحقة بهذا المبحث شيءٌ آخر، فليعذرني الإخوان على نقله فقد طالت النُّقولات ولولَا نفاسةُ هذا المبحث الَّذي في غير مظنِّته واسترسال الحافظ –رحمه الله- فيه بإطالة النَّفس لما نقلته والله المستعان.

«عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام» فإنه حديث صحيح كما ترى، اتفق الشيخان على إخراجه، ولفظه يقتضي حصر الكمال في النساء في مريم وآسية، ولعل المراد بذلك في زمانهما، فإن كلا منهما كفلت نبيا في حال صغره، فآسية كفلت موسى الكليم، ومريم كفلت ولدها عبد الله ورسوله، فلا ينفي كمال غيرهما في هذه الأمة، كخديجة وفاطمة ; فخديجة خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة خمسة عشر سنة، وبعدها أزيد من عشر سنين، وكانت له وزير صدق بنفسها ومالها، رضي الله عنها وأرضاها، وأما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها خصت بمزيد فضيلة على أخواتها ; لأنها أصيبت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقية أخواتها متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عائشة ; فإنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يتزوج بكرا غيرها، ولا يعرف في سائر النساء في هذه الأمة، بل ولا في غيرها، أعلم منها ولا أفهم، وقد غار الله لها حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فأنزل براءتها من فوق سبع سماوات، وقد عمرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قريبا من خمسين سنة، تبلغ عنه القرآن والسنة، وتفتي المسلمين وتصلح بين المختلفين، وهي أشرف أمهات المؤمنين، حتى خديجة بنت خويلد أم البنات والبنين، في قول طائفة من العلماء السابقين واللاحقين، والأحسن الوقف فيهما، رضي الله عنهما، وما ذاك إلا لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام» يحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى المذكورات وغيرهن، ويحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى ما عدا المذكورات. والله أعلم»[2/ 431-432].

وحقُّ هذه الفوائد الَّلواحق أن تذكر مع الفوائد المتعلِّقة بالأحاديث، ولكن آثرت ذكرها في هذا الموضِع لكون الحافظ –رحمه الله- ذكرها بعد إيراد ما يتعلَّق بالقرآن الكريم.

آخره، ويتبع إن شاء الله.

========
(1) «تفسير السعدي»(ص605).

فتحي إدريس
12/ربيع الثاني/1437


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 24 Jan 2016 الساعة 02:59 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Jan 2016, 07:18 PM
أبو عمر محمد أبو عمر محمد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 176
افتراضي

جزاكم الله خيرا ، وفقكم الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 Jan 2016, 02:40 PM
أبو عبد الرحمن العكرمي أبو عبد الرحمن العكرمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: ولاية غليزان / الجزائر
المشاركات: 1,352
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبد الرحمن العكرمي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد الرحمن العكرمي
افتراضي

بوركت أيها المفيد الفاضل , كثر الله من أمثالك
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 Jan 2016, 10:01 AM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي فتحي إدريس - نفع الله بك و بفوائدك المتتابعة -
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 Jan 2016, 10:51 PM
شعبان معتوق شعبان معتوق غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: تيزي وزو / معاتقة.
المشاركات: 331
افتراضي

جزاك الله خيرًا و بارك فيك أخي الفاضل فتحي، سُررنا جدًّا بعودتك و استئنافك لهذه السلسلة الماتعة.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 Jan 2016, 12:19 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيكم أيها الأفاضل (المحمَّدان، جابر وشعبان) أكرمك الله وشكر لكم تشجيعكم لأخيكم وحسن متابعتكم، وأسأل الله أن ينفعنا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013