منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Feb 2008, 11:23 PM
أبو جمان حسين أبو جمان حسين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر الجريح
المشاركات: 88
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو جمان حسين
افتراضي محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
أما بعد:
فهذا موضوع أجمع فيه بإذن الله تعالى كل ما يتعلق بالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - ودعوته المباركة، ممن ترجم له أو دافع عنه، وأدرج فيه مؤلفاته المباركة التي ملأت أصقاع الأرض بالتوحيد والسنة، أبين فيه للمسلمين -الذين يبحثون عن الحق والهدى ويتحرونه- معالم هذا الرجل الصالح المصلح، معالم حياته البارزة، ودعوته التي قيل فيها ما قيل ولا يزال حتى اليوم فئام من الناس يهرّفون بما لا يعرفون، ورعاع يصدقون ما يسمعون بغير هدى ولا كتاب منير، ولا عجب فهم إما جهال وببغاوات يكررون ما يسمعون، أو يعلمون ولكن .... «" دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء...» نسأل الله السلامة والعافية.

ويا لله العجب كم افتري من الأباطيل على الشيخ ودعوته، وأتته التهم من كل مكان، من القريب ومن البعيد، حتى من الكفار والملحدين، والذي ستراه مجسدا في ردوده - رحمة الله عليه- على خصومه في رسائله.
وبعد وفاته قام العلماء الأجلاء بإظهار الحق للخلق إقامةً الحجة ودفعا الشبهة.

والمتأمل وطالب الحق عليه أن لا يصدر الأحكام إلا بعد التأكد من الأمر، على المتتبع للحق أن ينظر ويدقق هل ما قيل ويقال في دعوة الإمام حق أم باطل ؟، كيف ذلك؟: هو سهل على من هداه الله، تفضل واقرأ وإذا رأيت ما ينحرف عن الصواب والطريق السديد، فارم به عرض الحائط بالحجة والبينة...
ولن تجد إلا خيرا –إن شاء الله تبارك وتعالى-.

وأنا أضمن لكل من له تعليق أو شبهة أو معارضة يريد يعرضها فليفعل بصدر رحب ولن يحذف، ولكن من غير تعسف، ونحاول –إن شاء الله تبارك وتعالى- الرد عليها وتبيين الحق فيها بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمرنا بذلك ربنا –تبارك وتعالى- وأطلب من الإخوان المشرفين أن لا يحذفوا أي تعليق مخالف.

وإذا كان نبينا –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:« من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار» فكيف بالذب عن أعراض العلماء الربانيين من المجددين.
وأخيرا أقول بعون الله –جل وعلا- ليس الشأن هنا الاستدلال على أن الشيخ معصوم، ولكنه مظلوم مظلوم مظلوم....

والسلام عليكم...
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06 Feb 2008, 11:33 PM
أبو جمان حسين أبو جمان حسين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر الجريح
المشاركات: 88
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو جمان حسين
افتراضي

الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته

عبد العزيز بن باز - رحمه الله -

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد: أيها الإخوان الفضلاء، أيها الأبناء الأعزاء، هذه المحاضرة الموجزة أتقدم بها بين أيديكم تنويرا للأفكار، وإيضاحا للحقائق، ونصحا لله ولعباده، وأداء لبعض ما يجب علي من الحق نحو المحاضر عنه، وهذه المحاضرة عنوانها: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ، دعوته وسيرته.

لما كان الحديث عن المصلحين والدعاة والمجددين، والتذكير بأحوالهم وخصالهم الحميدة، وأعمالهم المجيدة، وشرح سيرتهم التي دلت على إخلاصهم، وعلى صدقهم في دعوتهم وإصلاحهم، لما كان الحديث عن هؤلاء المصلحين المشار إليهم، وعن أخلاقهم وأعمالهم وسيرتهم، مما تشتاق إليه النفوس، وترتاح له القلوب، ويود سماعه كل غيور على الدين، وكل راغب في الإصلاح، والدعوة إلى سبيل الحق، رأيت أن أتحدث إليكم عن رجل عظيم ومصلح كبير، وداعية غيور، ألا وهو الشيخ المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية هو الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي.

لقد عرف الناس هذا الإمام ولا سيما علماؤهم ورؤساؤهم، وكبراؤهم وأعيانهم في الجزيرة العربية وفي خارجها، ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات، حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين، وفي أثناء كتاباتهم في التاريخ، وصفه المنصفون منهم بأنه مصلح عظيم، وبأنه مجدد للإسلام، وبأنه على هدى ونور من ربه، وإن تعدادهم يشق كثيرا.

ومن جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي . فقد كتب عن هذا الشيخ فأجاد وأفاد، وذكر سيرته وذكر غزواته، وأطنب في ذلك وكتب كثيرا من رسائله، واستنباطاته من كتاب الله عز وجل، ومنهم أيضا الشيخ عثمان بن بشر في كتابه عنوان المجد، فقد كتب عن هذا الشيخ أيضا، وعن دعوته، وعن سيرته، وعن تأريخ حياته، وعن غزواته وجهاده، ومنهم خارج الجزيرة الدكتور أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح، فقد كتب عنه وأنصف، ومنهم الشيخ الكبير مسعود الندوي ، فقد كتب عنه وسماه: المصلح المظلوم، وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك، وكتب عنه أيضا آخرون، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني ، فقد كان في زمانه وقد كان على دعوته. فلما بلغه دعوة الشيخ سر بها وحمد الله عليها.

وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن علي الشوكاني ، صاحب نيل الأوطار ورثاه بمرثية عظيمة، وكتب عنه جمع غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء وبمناسبة كون كثير من الناس قد يخفى عليه حال هذا الرجل وسيرته ودعوته رأيت أن أساهم في بيان حال هذا الرجل، وما كان عليه من سيرة حسنة، ودعوة صالحة، وجهاد صادق، وأن أشرح قليلا مما أعرفه عن هذا الإمام حتى يتبصر في أمره من كان عنده شيء من لبس، أو شيء من شك في حال هذا الرجل، ودعوته، وما كان عليه، ولد هذا الإمام في عام (1115) هجرية، هذا هو المشهور في مولده رحمة الله عليه، وقيل في عام (1111) هجرية، والمعروف الأول: أنه ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية.

وتعلم على أبيه في بلدة العيينة، وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمه الله عليه وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد، شمال غرب مدينة الرياض، بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو متر، ولد فيها رحمة الله عليه، ونشأ نشأة صالحة، وقرأ القرآن مبكرا واجتهد في الدراسة والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان وكان فقيها كبيرا، وكان عالما قديرا، وكان قاضيا في بلدة العيينة. ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام، وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف. ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فاجتمع بعلمائها، وأقام فيها مدة، وأخذ عن عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت. وهما الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ، أصله من المجمعة، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة. هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة، ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف.

ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق، فقصد البصرة واجتمع بعلمائها، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم، وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله، ودعا الناس إلى السنة، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله، وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وناقش وذاكر في ذلك، وناظر من هنالك من العلماء واشتهر من مشايخه هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة، وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى، فخرج من أجل ذلك، وكان من نيته أن يقصد الشام، فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية، فخرج من البصرة إلى الزبير، وتوجه من الزبير إلى الأحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين، ثم توجه إلى بلدة حريملاء وذلك (والله أعلم) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر، لأن أباه كان قاضيا في العيينة، وصار بينه وبين أميرها نزاع، فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية، فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية، فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 هجرية أو ما بعدها، واستقر هناك، ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم، والدعوة في حريملاء حتى مات والده عام 1153 هجرية، فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به، وقيل إن بعضهم تسور عليه الجدار، فعلم بهم بعض الناس فهربوا، وبعد ذلك ارتحل الشيخ إلى العيينة رحمة الله عليه.

وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين، الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء، هؤلاء السفلة الذين يقال لهم العبيد هناك، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم، وأنه لا يرضى بأفعالهم، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم، والحد من شرهم، غضبوا عليه وهموا أن يفتكوا به، فصانه الله وحماه، ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن ناصر بن معمر ، فنزل عليه ورحب به الأمير، وقال قم بالدعوة إلى الله، ونحن معك وناصروك، وأظهر له الخير، والمحبة والموافقة على ما هو عليه.

فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل، وتوجيه الناس إلى الخير، والمحبة في الله رجالهم ونسائهم، واشتهر أمره في العيينة، وعظم صيته، وجاء إليه الناس من القرى المجاورة، وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان : «دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد، وحصل بها الشرك فيجب هدمها»، فقال الأمير: لا مانع من ذلك، فقال الشيخ: «إني أخشى أن يثور أهل الجبيلة»، والجبيلة قرية هنالك قريبة من القبر، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة. ومعهم الشيخ رحمة الله عليه، فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها. فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك. فباشر الشيخ هدمها وإزالتها، فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه. ولنذكر نبذة عن حال نجد قبل قيام الشيخ رحمة الله عليه، وعن أسباب قيامه، ودعوته.

كان أهل نجد قبل دعوة الشيخ على حالة لا يرضاها مؤمن، كان الشرك الأكبر قد نشأ وانتشر، حتى عبدت القباب وعبدت الأشجار، والأحجار، وعبدت الغيران، وعبد من يدعي بالولاية. وهو من المعتوهين، وعبد من دون الله أناس يدعون بالولاية، وهم مجانين مجاذيب لا عقول عندهم، واشتهر في نجد السحرة والكهنة، وسؤالهم وتصديقهم وليس هناك منكر إلا من شاء الله، وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها، وقل القائم لله والناصر لدين الله، وهكذا في الحرمين الشريفين، وفي اليمن اشتهر في ذلك الشرك، وبناء القباب على القبور، ودعاء الأولياء والاستغاثة بهم، وفي اليمن من ذلك الشيء الكثير، وفي بلدان نجد من ذلك ما لا يحصى، ما بين قبر وما بين غار، وبين شجرة وبين مجذوب ومجنون يدعى من دون الله ويستغاث به مع الله، وكذلك مما عرف في نجد واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم، وذبح الذبائح لهم، وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم، وخوف شرهم، فلما رأى الشيخ الإمام هذا الشرك وظهوره في الناس، وعدم وجود منكر لذلك، وقائم بالدعوة إلى الله في ذلك، شمر عن ساعد الجد، وصبر على الدعوة، وعرف أنه لا بد من جهاد، وصبر وتحمل للأذى، فجد في التعليم والتوجيه والإرشاد وهو في العيينة، وفي مكاتبة العلماء في ذلك، والمذاكرة معهم رجاء أن يقوموا معه في نصر دين الله، والمجاهدة في هذا الشرك وهذه الخرافات، فأجاب دعوته كثيرون من علماء نجد وعلماء الحرمين، وعلماء اليمن، وغيرهم وكتبوا إليه بالموافقة، وخالف آخرون وعابوا ما دعا إليه وذموه، ونفروا عنه وهم بين أمرين، ما بين جاهل خرافي لا يعرف دين الله ولا يعرف توحيد الله، وإنما يعرف ما هو عليه آباؤه وأجداده من الجهل والضلال والشرك، والبدع، والخرافات، كما قال الله عز وجل عن أمثال أولئك: «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ» وطائفة أخرى ممن ينسبون إلى العلم ردوا عليه عنادا وحسدا، لئلا يقول العامة: ما بالكم لم تنكروا علينا هذا الشيء؟ لماذا جاء ابن عبد الوهاب وصار على الحق، وأنتم علماء ولم تنكروا هذا الباطل؟!. فحسدوه وخجلوا من العامة، وأظهروا العناد للحق، إيثارا للعاجل على الآجل، واقتداء باليهود في إيثارهم الدنيا على الآخرة، نسأل الله العافية والسلامة.

أما الشيخ فقد صبر وجد في الدعوة، وشجعه من شجعه من العلماء والأعيان في داخل الجزيرة، وفي خارجها، فعزم على ذلك واستعان بربه عز وجل، وعكف قبل ذلك على كتاب الله، وكانت له اليد الطولى في تفسير كتاب الله، والاستنباط منه، وعكف على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه، وجد في ذلك وتبصر فيه، حتى أدرك من ذلك ما أعانه وثبته على الحق، فشمر عن ساعد الجد، وصمم على الدعوة وعلى أن ينشرها بين الناس، ويكاتب الأمراء والعلماء في ذلك، وليكن في ذلك ما يكون.

فحقق الله له الآمال الطيبة، ونشر به الدعوة، وأيد به الحق، وهيأ الله له أنصارا ومساعدين وأعوانا، حتى ظهر دين الله، وعلت كلمة الله فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة آثار الشرك بالفعل، لما رأى الدعوة لم تؤثر، باشر الدعوة عمليا ليزيل بيده ما تيسر، وما أمكن من آثار الشرك، قال الشيخ للأمير عثمان بن معمر : لا بد من هدم هذه القبة التي على قبر زيد . وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع. وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية، فكان ممن قتل هناك، وبني على قبره قبة فيما يذكرون، وقد يكون قبر غيره، لكنه فيما يذكرون أنه قبره، فوافقه عثمان كما تقدم، وهدمت القبة بحمد الله، وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة، وقصد مستقيم ونصر للحق، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال إنه قبر ضرار بن الأزور ، كانت عليه قبة هدمت أيضا، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل، وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا، فأزيلت وقضي عليها وحذر الناس عنها. والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة، قولا وعملا كما تقدم، ثم إن الشيخ أتته امرأة، واعترفت عنده بالزنا عدة مرات، وسأل عن عقلها فقيل إنها عاقلة ولا بأس بها، فلما صممت على الاعتراف، ولم ترجع عن اعترافها، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة، أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره، حالة كونه قاضيا بالعيينة، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة، وبرجم المرأة، وبالدعوة العظيمة إلى الله، وهجرة المهاجرين إلى العيينة.

وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد سليمان ابن عريعر الخالدي أمر الشيخ، وأنه يدعو إلى الله، وأنه يهدم القباب، وأنه يقيم الحدود، فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ، لأن من عادة البادية- إلا من هدى الله- الإقدام على الظلم، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الحرمات، فخاف أن هذا الشيخ يعظم أمره، ويزيل سلطان الأمير البدوي، فكتب إلى عثمان يتوعده، ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة، وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا، وكذا!! فإما أن تقتله، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا.!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه، فقال للشيخ: إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا، وإنه لا يحسن منا أن نقتلك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت، فقال الشيخ: «إن الذي أدعو إليه هو دين الله، وتحقيق كلمة لا إله إلا الله وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، فمن تمسك بهذا الدين، ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه، فإن صبرت واستقمت، وقبلت هذا الخير فأبشر، فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته.» فقال: أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته، ولا صبر لنا على مخالفته. فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا، حتى وصل إليها في آخر النهار، وقد خرج من العيينة في أول النهار مشيا على الأقدام، لم يرحله عثمان ، فدخل على شخص من خيارها في أعلا البلد يقال له محمد بن سويلم العريني ، فنزل عليه ويقال إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه، وضاقت به الأرض بما رحبت، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له: أبشر بخير وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله، وسوف يظهره الله. فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد .

ويقال إن الذي أخبره زوجته، جاء إليها بعض الصالحين، وقال لها: أخبري محمدا بهذا الرجل، وشجعيه على قبول دعوته، وحرضيه على مؤازرته ومساعدته، وكانت امرأة صالحة طيبة، فلما دخل عليها محمد ابن سعود أمير الدرعية وملحقاتها، قالت له: أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك، رجل داعية يدعو إلى دين الله، يدعو إلى كتاب الله، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته، ولا تقف في ذلك أبدا، فقبل الأمير مشورتها، ثم تردد هل يذهب إليه أم يدعوه إليه؟! فأشير عليه، ويقال إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين، وقالوا له: لا ينبغي أن تدعوه إليك، بل ينبغي أن تقصده في منزله وأن تقصده أنت، وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه، وأكرم مثواه، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم وقصده وسلم عليه وتحدث معه، وقال له يا شيخ محمد : أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة فقال له الشيخ وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة، هذا دين الله من نصره نصره الله، ومن أيده أيده الله، وسوف تجد آثار ذلك سريعا، فقال: يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله، وعلى الجهاد في سبيل الله، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام أن تبتغي غير أرضنا، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى، فقال: «لا؛ أبايعك على هذا، أبايعك على أن الدم بالدم، والهدم بالهدم، لا أخرج عن بلادك أبدا»، فبايعه على النصرة، وعلى البقاء في البلد، وأنه يبقى عند الأمير يساعده، ويجاهد معه في سبيل الله، حتى يظهر دين الله، وتمت البيعة على ذلك. وتوافد الناس إلى الدرعية من كل مكان، من العيينة، وعرقة، ومنفوحة والرياض وغير ذلك من البلدان المجاورة، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان، وتسامع الناس بأخبار الشيخ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه، فأتوا زرافات ووحدانا، فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا، ورتب الدروس في الدرعية في العقائد، وفي القرآن الكريم، وفي التفسير، وفي الفقه، والحديث، ومصطلحه، والعلوم العربية، والتأريخية، وغير ذلك من العلوم النافعة.
وتوافد الناس عليه من كل مكان، وتعلم عليه في الدرعية الشباب وغيرهم، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة والخاصة، ونشر العلم في الدرعية، واستمر على الدعوة، ثم بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان، وإزالة الشرك الذي في بلادهم، وبدأ بأهل نجد، وكاتب أمراءها وعلماءها، كاتب علماء الرياض، وأميرها دهام بن دواس، وكاتب علماء الخرج وأمراءها، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم، وحائل، والوشم، وسدير، وغير ذلك. ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم، وهكذا علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين، وهكذا علماء الخارج في مصر، والشام والعراق، والهند، واليمن، وغير ذلك، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج، ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين، بل هناك أنصار، والله جل وعلا ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر، ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة، ولكن الحديث الآن عن نجد، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، مع أن فيها علماء فيهم خير، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي.

وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق، وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم من النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة، منها: عدم تيسر الناصر المساعد لهم، ومنها: عدم الصبر لكثير من الدعاة، وتحمل الأذى في سبيل الله.
ومنها: قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة، والعبارات اللائقة، والحكمة والموعظة الحسنة. ومنها: أسباب أخرى غير هذه الأسباب، وبسبب هذا المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد، اشتهر أمر الشيخ، وظهر أمر الدعوة، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة وفي خارجها، وتأثر بدعوته جم غفير من الناس، في الهند وفي أندونيسيا وفي أفغانستان وفي أفريقيا وفي المغرب وهكذا في مصر، والشام والعراق، وكان هناك دعاة كثيرون، عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم وزادت قوتهم، واشتهروا بالدعوة، ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه، ورسائله، وكتب أبنائه وأحفاده، وأنصاره، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها، وكذلك طبعت الكتب المؤلفة في دعوته، وترجمته، وأحوال أنصاره، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا، وأن لكل داع أعداء كثيرين كما قال الله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ » فلما اشتهر الشيخ بالدعوة، وكتب الكتابات الكثيرة، وألف المؤلفات القيمة، ونشرها في الناس، وكاتبه العلماء، ظهر جماعة كثيرون من حساده ومن مخالفيه، وظهر أيضا أعداء آخرون.

وصار أعداؤه وخصومه قسمين: قسم عادوه باسم العلم والدين، وقسم: عادوه باسم السياسة لكن تستروا بالعلم، وتستروا باسم الدين، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء، الذين أظهروا عداوته وقالوا إنه على غير الحق، وإنه كيت وكيت، والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه، ويوضح الدليل، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي عليه من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وطورا يقولون: إنه من الخوارج، وتارة يقولون: يخرق الإجماع ويدعي الاجتهاد المطلق، ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى، وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منهم، وطائفة أخرى قلدت غيرها، واعتمدت على غيرها، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة، وتسترت باسم الإسلام والدين، واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين.

والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام: علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا، ويعتقدون أن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين، وأبغض الأولياء، وهو عدو يجب جهاده.
وقسم آخر: من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه، بل قلدوا غيرهم، وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء، ومن معاداتهم وإنكار كراماتهم. فذموا الشيخ، وعابوا دعوته ونفروا عنه.
وقسم آخر: خافوا على المناصب والمراتب، فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم، فتزيلهم عن مراكزهم، وتستولي على بلادهم، واستمرت الحرب الكلامية والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه، يكاتبهم ويكاتبونه، ويجادلهم ويرد عليهم ويردون عليه، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره، وبين خصوم الدعوة، حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة، وردود جمة، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات، وقد طبع أكثرها والحمد لله، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد، وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، وجد الأسرة السعودية على ذلك ؛ ورفعت راية الجهاد، وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ، بدأ الجهاد بالسيف وبالكلام، وبالحجة والبرهان، ثم استمرت الدعوة مع الجهاد بالسيف، ومعلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق، وتنفذه فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفئ شهرته، ثم يقل أنصاره، ومعلوم ما للسلاح من الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع المعارضين، ونصر الحق وقمع الباطل، ولقد صدق الله العظيم في قوله عز وجل، وهو الصادق سبحانه في كل ما يقول: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ « فبين سبحانه وتعالي أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة، التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق وينشر به الهدى، ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة، وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة، وتؤثر فيه البينة، فهو القامع.
ولقد أحسن من قال في مثل هذا:

وما هو إلا الوحي أو حد مرهف تزيل ظباه أخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل جاهل وهذا دواء الداء من كل عادل

فالعاقل ذو الفطرة السليمة، ينتفع بالبينة، ويقبل الحق بدليله، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف، فجد الشيخ رحمه الله في الدعوة والجهاد، وساعده أنصاره من آل سعود طيب الله ثراهم على ذلك، واستمروا في الجهاد والدعوة من عام 1158 هـ إلى أن توفي الشيخ في عام 1206 هـ فاستمر الجهاد والدعوة قريبا من خمسين عاما، جهاد، ودعوة ونضال، وجدال في الحق، وإيضاح لما قال الله ورسوله، ودعوة إلى دين الله، وإرشاد إلى ما شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى التزم الناس بالطاعة، ودخلوا في دين الله، وهدموا ما عندهم من القباب، وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور، وحكموا الشريعة، ودانوا بها وتركوا ما كانوا عليه من تحكيم سوالف الآباء والأجداد، وقوانينهم ورجعوا إلى الحق وعمرت المساجد بالصلوات، وحلقات العلم وأديت الزكوات، وصام الناس رمضان كما شرع الله عز وجل، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وساد الأمن في الأمصار والقرى والطرق والبوادي، ووقف البادية عند حدهم، ودخلوا في دين الله وقبلوا الحق، ونشر الشيخ فيهم الدعوة، وأرسل الشيخ إليهم المرشدين، والدعاة في الصحراء والبوادي، كما أرسل المعلمين، والمرشدين، والقضاة إلى البلدان والقرى، وعم هذا الخير العظيم والهدى المستبين نجدا كلها، وانتشر فيها الحق، وظهر فيها دين الله عز وجل.

ثم بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه، استمر أبناؤه وأحفاده، وتلاميذه، وأنصاره، في الدعوة والجهاد، وعلى رأس أبنائه الشيخ الإمام عبد الله بن محمد، والشيخ حسين بن محمد، والشيخ علي بن محمد، والشيخ إبراهيم ابن محمد، ومن أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن حسين والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد، وجماعة آخرون، ومن تلاميذه أيضا الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وجمع غفير من علماء الدرعية، وغيرهم استمروا في الدعوة والجهاد ونشروا دين الله تعالى، وكتابة الرسائل وتأليف المؤلفات، وجهاد أعداء الدين، وليس بين هؤلاء الدعاة وخصومهم شيء، إلا أن هؤلاء دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله عز وجل، والاستقامة على ذلك، وهدم المساجد، والقباب التي على القبور، ودعوا إلى تحكيم الشريعة والاستقامة عليها، ودعوا إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشرعية، هذه أسباب النزاع بينهم وبين الناس. والخلاصة: أنهم أرشدوا إلى توحيد الله، وأمروهم بذلك، وحذروا الناس من الشرك بالله، ومن وسائله وذرائعه، وألزموا الناس بالشريعة الإسلامية، ومن أبى واستمر على الشرك بعد الدعوة والبيان، والإيضاح والحجة، جاهدوه في الله عز وجل، وقصدوه في بلاده حتى يخضع للحق، وينيب إليه، أو يلزموه به بالقوة والسيف حتى يخضع هو وأهل بلده إلى ذلك، وكذلك حذروا الناس من البدع والخرافات، التي ما أنزل الله بها من سلطان، كالبناء على القبور، واتخاذ القباب عليها والتحاكم إلى الطواغيت، وسؤال السحرة والكهنة، وتصديقهم وغير ذلك، فأزال الله ذلك على يدي الشيخ وأنصاره رحمة الله عليهم جميعا.

وعمرت المساجد بتدريس الكتاب العظيم والسنة المطهرة، والتأريخ الإسلامي، والعلوم العربية النافعة، وصار الناس في مذاكرة، وعلم، وهدى، ودعوة، وإرشاد، وآخرون منهم فيما يتعلق بدنياهم من الزراعة والصناعة وغير ذلك، علم، وعمل، ودعوة، وإرشاد، ودنيا ودين، فهو يتعلم ويذاكر، ومع ذلك يعمل في حقله الزراعي، أو في صناعته أو تجارته وغير ذلك، فتارة لدينه، وتارة لدنياه، دعاة إلى الله وموجهون إلى سبيله، ومع ذلك يشتغلون بأنواع الصناعة الرائجة في بلادهم، ويحصلون من ذلك على ما يغنيهم عن خارج بلادهم. وبعد فراغ الدعاة وآل سعود من نجد امتدت دعوتهم إلى الحرمين، وجنوب الجزيرة، وكاتبوا علماء الحرمين سابقا ولاحقا، فلما لم تجد الدعوة واستمر أهل الحرمين على ما هم عليه من تعظيم القباب، واتخاذها على القبور، ووجود الشرك عندها، والسؤال لأربابها، سار الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بعد وفاة الشيخ بإحدى عشرة سنة متوجها إلى جهة الحجاز، ونازل أهل الطائف ثم قصد أهل مكة، وكان أهل الطائف قد توجه إليهم قبل سعود الأمير عثمان بن عبد الرحمن المضايفي، ونازلهم بقوة أرسلها إليه الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد أمير الدرعية بقوة عظيمة من أهل نجد وغيرهم، وساعدوه حتى استولى على الطائف، وأخرج منها أمراء الشريف، وأظهر فيه الدعوة إلى الله وأرشد إلى الحق، ونهى فيها عن الشرك وعبادة ابن عباس وغيره مما كان يعبده هناك الجهال، والسفهاء من أهل الطائف. ثم توجه الأمير سعود عن أمر أبيه عبد العزيز إلى جهة الحجاز، وجمعت الجيوش حول مكة.

فلما عرف شريفها أنه لا بد من التسليم أو الفرار فر إلى جدة، ودخل سعود ومن معه من المسلمين البلاد من غير قتال، واستولوا على مكة في فجر يوم السبت ثامن محرم من عام 1218 هـ وأظهروا الدعوة إلى دين الله وهدموا ما فيها من القباب التي بنيت على قبر خديجة وغيره، فأزالوا القباب كلها، وأظهروا فيها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وعينوا فيها العلماء المدرسين، والموجهين، والمرشدين، والقضاة الحاكمين بالشريعة، ثم بعد مدة وجيزة فتحت المدينة، واستولى آل سعود على المدينة في عام 1220 هـ بعد مكة بنحو سنتين، واستمر الحرمان في ولاية آل سعود، وعينوا فيها الموجهين والمرشدين، وأظهروا في البلاد العدل وتحكيم الشريعة، والإحسان إلى أهلها ولا سيما فقراؤهم ومحاويجهم فأحسنوا إليهم بالأموال، وواسوهم وعلموهم كتاب الله، وأرشدوهم إلى الخير، وعظموا العلماء وشجعوهم على التعليم والإرشاد، ولم يزل الحرمان الشريفان تحت ولاية آل سعود إلى عام 1226 هـ، ثم بدأت الجيوش المصرية والتركية تتوجه إلى الحجاز، لجهاد آل سعود وإخراجهم من الحرمين، لأسباب كثيرة تقدم بعضها، وهذه الأسباب كما تقدم هي أن أعداءهم، وحسادهم، والمخرفين الذين ليس لهم بصيرة، وبعض السياسيين الذين أرادوا إخماد هذه الدعوة وخافوا منها أن تزيل مراكزهم، وأن تقضي على أطماعهم، كذبوا على الشيخ وأتباعه وأنصاره، وقالوا: إنهم يبغضون الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنهم يبغضون الأولياء، وينكرون كراماتهم وقالوا إنهم أيضا يقولون كيت وكيت، مما يزعمون أنهم يتنقصون به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وصدق هذا بعض الجهال، وبعض المغرضين، وجعلوه سلما للنيل منهم والجهاد لهم، وتشجيع الأتراك والمصريين على حربهم، فجرى ما جرى من الفتن والقتال، وصار القتال بين الجنود المصرية والتركية ومن معهم، وبين آل سعود في نجد، والحجاز، سجالا مدة طويلة من عام 1226 هـ إلى عام 1233 هـ سبع سنين كلها قتال ونضال بين قوى الحق وقوى الباطل.

والخلاصة أن هذا هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، إنما قام لإظهار دين الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق، وزجرهم عن الباطل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.

هذه خلاصة دعوته رحمة الله تعالى عليه، وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه وصفاته، ويؤمن بملائكته، ورسله، وكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله، وإخلاص العبادة له جل وعلا، وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه، لا يعطل صفات الله، ولا يشبه الله بخلقه، وفي الإيمان بالبعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك ويقول في الإيمان ما قاله السلف إنه قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كل هذا من عقيدته رحمة الله عليه، فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم، قولا وعملا، لم يخرج عن طريقتهم تلك البتة، وليس له في ذلك مذهب خاص، ولا طريقة خاصة، بل هو على طريقة السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان. رضي الله عن الجميع.

وإنما أظهر ذلك في نجد وما حولها، ودعا إلى ذلك، ثم جاهد عليه من أباه، وعانده، وقاتلهم، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق، وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله، وإنكار الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق، ويلزمونهم به، وينهونهم عن الباطل، وينكرونه عليهم، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه، وكذلك جد في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته، فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفا هي أسباب العداوة والنزاع بينه وبين الناس وهي:
أولا: إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص. ثانيا: إنكار البدع، والخرافات، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد والطرق التي أحدثتها طوائف المتصوفة. ثالثا: إنه يأمر الناس بالمعروف، ويلزمهم به بالقوة فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه، ألزم به وعزر عليه إذا تركه، وينهى الناس عن المنكرات، ويزجرهم عنها، ويقيم حدودها، ويلزم الناس بالحق، ويزجرهم عن الباطل وبذلك ظهر الحق وانتشر، وكبت الباطل وانقمع، وصار الناس في سيرة حسنة، ومنهج قويم في أسواقهم، وفي مساجدهم، وفي سائر أحوالهم.

لا تعرف البدع بينهم، ولا يوجد في بلادهم الشرك، ولا تظهر المنكرات بينهم. بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وزمن أصحابه، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم. فالقوم ساروا سيرتهم. ونهجوا منهجهم، وصبروا على ذلك، وجدوا فيه، وجاهدوا عليه، فلما حصل بعض التغيير في آخر الزمان بعد وفاة الشيخ محمد بمدة طويلة، ووفاة كثير من أبنائه رحمة الله عليهم وكثير من أنصاره حصل بعض التغيير جاء الابتلاء وجاء الامتحان بالدولة التركية، والدولة المصرية، مصداق قوله عز وجل:«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ « نسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابهم تكفيرا وتمحيصا من الذنوب، ورفعة وشهادة لمن قتل منهم رضي الله عنهم ورحمهم. ولم تزل دعوتهم بحمد الله قائمة منتشرة إلى يومنا هذا فإن الجنود المصرية لما عثت في نجد، وقتلت من قتلت، وخربت ما خربت، لم يمض على ذلك إلا سنوات قليلة ثم قامت الدعوة بعد ذلك وانتشرت، ونهض بالدعوة بعد ذلك بنحو خمس سنين الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمة الله عليه فنشر الدعوة في نجد وما حولها، وانتشر العلماء في نجد وأخرج من كان هناك من الأتراك، والمصريين، أخرجهم من نجد وقراها، وبلدانها، وانتشرت الدعوة بعد ذلك في نجد في عام 1240 هـ.
وكان تخريب الدرعية والقضاء على دولة آل سعود في عام 1233 هـ. فمكث الناس في نجد في فوضى، وقتال، وفتن نحو خمس سنين من أربع وثلاثين إلى عام 1239 هـ ثم في عام أربعين بعد المائتين وألف اجتمع شمل المسلمين في نجد على الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وظهر الحق وكتب العلماء الرسائل، إلى القرى والبلدان، وشجعوا الناس ودعوهم إلى دين الله وانطفأت الفتن التي بينهم بعد الحروب الطويلة التي حصلت على أيدي المصريين وأعوانهم، وهكذا انطفأت الحروب والفتن التي وقعت بينهم على إثر تلك الحروب وخمدت نارها، وظهر دين الله، واشتغل الناس بعد ذلك بالتعليم والإرشاد، والدعوة، والتوجيه، حتى عادت المياه إلى مجاريها، وعاد الناس إلى أحوالهم، وما كانوا عليه في عهد الشيخ، وعهد تلامذته، وأبنائه، وأنصاره، رضي الله عن الجميع ورحمهم، واستمرت الدعوة من عام 1240 هـ إلى يومنا هذا بحمد الله، ولم يزل يخلف آل سعود بعضهم بعضا، وآل الشيخ وعلماء نجد بعضهم بعضا، فآل سعود يخلف بعضهم بعضا في الإمامة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله.

وهكذا العلماء يخلف بعضهم بعضا في الدعوة إلى الله والإرشاد إليه، والتوجيه إلى الحق. إلا أن الحرمين الشريفين بقيا مفصولين عن الدولة السعودية دهرا طويلا ثم عادا إليهم في عام 1343 هـ واستولى على الحرمين الشريفين الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد ابن سعود رحمة الله عليه، ولم يزالا بحمد الله تحت ولاية هذه الدولة إلى يومنا هذا. فلله الحمد، ونسأل الله عز وجل أن يصلح البقية الباقية من آل سعود، ومن آل الشيخ، ومن علماء المسلمين جميعا في هذه البلاد وغيرها وأن يوفقهم جميعا لما يرضيه، أن يصلح علماء المسلمين أينما كانوا، وأن ينصر بالجميع الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يوفق دعاة الهدى أينما كانوا للقيام بما أوجب الله عليهم، وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم، وأن يعمر الحرمين الشريفين، وملحقاتهما، وسائر بلاد المسلمين بالهدى، ودين الحق، وبتعظيم كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن يمن على الجميع بالفقه فيهما، والتمسك بهما، والصبر على ذلك، والثبات عليه، والتحاكم إليهما، حتى يلقوا ربهم عز وجل، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وهذا آخر ما تيسر بيانه، والتعريف به، من حال الشيخ، ودعوته وأنصاره، وخصومه، والله المستعان، وعليه الاتكال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه والحمد لله رب العالمين.

مجموع فتاوى ابن باز
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06 Feb 2008, 11:36 PM
أبو جمان حسين أبو جمان حسين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر الجريح
المشاركات: 88
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو جمان حسين
افتراضي

كلمة في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
عبد العزيز بن باز -رحمه الله-

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أيها الإخوة الأفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د
أما بعد: فإن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا نعمة الإسلام التي لا تدانيها أي نعمة أخرى، فلقد أكرمنا الله نحن المسلمين بهذا الدين. وجعلنا خير أمة أخرجت للناس وأكمل لنا ديننا الذي رضيه لنا يقول تبارك وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا » وكمال الدين يعني: وفاءه بكل متطلبات الحياة العاجلة والآجلة ومعالجته لكل شئونها، ويعني: استقلال الشريعة الإسلامية أصولها وفروعها، وشمولها لكل ما يحتاج إليه الناس.

يقول سبحانه وتعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ » ويقول عز وجل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ » ومعلوم أن هذا الدين متلقى عن وحي الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذين قال فيهما صلى الله عليه وسلم «لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي » وبوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي بعد أن كمل الدين واستقر، ولقد تعهد الله بحفظه بقوله سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ »ولقد طبق الإسلام أتم تطبيق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.

وقيض الله له من بعد من حمل دعوته للعالمين، فاتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجا من مختلف الشعوب والأمم، وانصهر الجميع في العقيدة الإسلامية التي ربطتهم بخالقهم، وجعلت ولاءهم لله ولرسوله وأخوتهم أخوة الإيمان والإسلام، وتتابع على المسلمين منذ عهد الرسالة حتى العصر الحديث العديد من الدول والحكومات، ومرت على المسلمين فترات تراجع وانحسار وانكماش نتيجة لعوامل عدة خارجية وداخلية وبتتبعها يدرك ذوو البصيرة أن لارتباطهم بكتاب الله وسنة رسوله والاعتصام بهما أثرا عظيما في ذلك فحينما يتمسكون بدينهم ويجتمعون على هديه يكون لهم التقدم والغلبة والنصر، وحينما يتهاونون في ذلك أو ينحرفون عنه يدب فيهم النزاع فيغلبون ويتراجعون. ولقد قيض الله للإسلام منذ عهد الرسالة حتى اليوم علماء مصلحين نقلوه للناس، وبينوا أحكامه، ونافحوا عنه، وعالجوا به قضايا الناس وشئونهم واستنبطوا الأحكام لكل ما جد من الوقائع التي لا نص فيها، وكان لهؤلاء العلماء المصلحين أثرهم البارز في تقوية وازع الدين لدى الناس، وإزالة الشبهات والشكوك، ومحاربة المعاصي والبدع، ودعوة الناس إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كان لهؤلاء الدعاة أثرهم القوي في ذلك مما نتج عنه قوة المجتمع المسلم وتقدم المسلمين واجتماع كلمتهم.

ومن أبز هؤلاء الدعاة المصلحين الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر الهجري رحمه الله الذي وفقه الله للقيام بدعوة إصلاحية عظيمة أعادت للإسلام في الجزيرة العربية قوته وصفاءه ونفوذه وطهر الله به الجزيرة من الشرك والبدع، وهداهم به إلى الصراط المستقيم. وامتدت آثار هذه الدعوة المباركة إلى أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي وتأثر بها عدد من العلماء والمصلحين فيه، وكان من أقوى أسباب نجاح هذه الدعوة أن هيأ الله لها حكاما آمنوا بها ونصروها وآزروا دعاتها، ذلكم هم الحكام من آل سعود بدءا من الإمام المجاهد محمد بن سعود رحمه الله مؤسس الدولة السعودية ثم أبنائه وأحفاده من بعده.

إن دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي الدعوة الإسلامية التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلف هذه الأمة الصالح، ولهذا نجحت وحققت أثارا عظيمة رغم كثرة أعدائها ومعارضيها في العالم الإسلامي أثناء قيامها وذلك مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله »
وهذه الدعوة وإن كانت سلسلة دعوة الإصلاح ومرتبطة بمذهب السلف الصالح، السابق لها؛ ولم تخرج عنه إلا أنها تستحق المزيد من الدراسة والعناية وتبصير الناس بها؛ لأن الكثير من الناس لا يزال جاهلا حقيقتها، ولأنها أثمرت ثمرات عظيمة لم تحصل على يد مصلح قبله بعد القرون المفضلة، وذلك لما ترتب عليها من قيام مجتمع يحكمه الإسلام، ووجود دولة تؤمن بهذه الدعوة وتطبق أحكامها تطبيقا صافيا نقيا في جميع أحوال الناس في العقائد والأحكام والعادات والحدود والاقتصاد وغير ذلك مما جعل بعض المؤرخين لهذه الدعوة يقول: إن التاريخ الإسلامي بعد عهد الرسالة والراشدين لم يشهد التزاما تاما بأحكام الإسلام كما شهدته الجزيرة العربية في ظل الدولة السعودية التي أيدت هذه الدعوة ودافعت عنها. ولا تزال هذه البلاد والحمد لله تنعم بثمرات هذه الدعوة أمنا واستقرارا ورغدا في العيش وبعدا عن البدع والخرافات التي أضرت بكثير من البلاد الإسلامية حيث انتشرت فيها.

والمملكة العربية السعودية حكاما وعلماء يهمهم أمر المسلمين في العالم كله، ويحرصون على نشر الإسلام في ربوع الدنيا لتنعم بما تنعم به هذه البلاد. ومن هنا فإن الدولة السعودية منذ قيامها وحتى الآن تتيح الفرص والمناسبات لبيان حقيقة هذه الدعوة التي تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحرص على إزالة الشبهات التي تثار من الجاهلين بهذه الدعوة أو المغرضين، فكانت اللقاءات تتم للمناقشة حول الدعوة وآثارها، والرد على المعارضين، وكانت الرسائل تبعث، والكتب تؤلف، ولا زالت والحمد لله.

ويأتي هذا الاجتماع الذي دعت إليه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ونظمته ضمن تلك الجهود السابقة، ومؤيدا لها، ومن أولى بهذا من الجامعة التي تضم خيرة تلاميذ هذه الدعوة وعلمائها، والتي أسست أول ما أسست لتخدم هذه الدعوة وتعلمها للناس وتدعوا العباد إليها، وذلك حينما تشاور جلالة الملك عبد العزيز وسماحة شيخنا العلامة الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمهما الله وأجزل لهما المثوبة في إيجاد هذه المؤسسة لتقوم بواجب الدعوة والتعليم وفق مذهب السلف الذي دعا إليه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ففتحت المعاهد العلمية ثم الكليات ثم اتسع نطاقها لتكون جامعة إسلامية تحمل اسم مؤسس الدولة السعودية الأول، وناصر الدعوة الإسلامية الإمام محمد بن سعود، وقد خرجت الجم الغفير من العلماء ممن كان له الأثر الكبير في نهضة هذه البلاد، لقد قامت هذه الجامعة ولا تزال بتدريس مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب وبخاصة في العقائد ومؤلفات مشاهير أئمة السلف ممن سبقه كالإمام ابن تيمية وابن القيم والطحاوي والحافظ ابن كثير وغيرهم رحم الله الجميع، وأجزل لهم المثوبة لقاء جهادهم في سبيل الله، والذب عن دينه، وبيان الحق الذي أوجب الله بيانه وعرفته للناس.

أيها الإخوة الكرام، إن الاجتماع لدراسة مذهب السلف الصالح ومنه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتعريف الناس بها، وحثهم على الاستمساك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلف هذه الأمة أمر واجب ومن أعظم القرب إلى الله؛ لأنه تعاون على الخير، وتشاور في المعروف، وبحث للوصول إلى الأفضل، وكثيرا ما تزول الشبه عند التقاء العلماء وبحث المسائل مشافهة، وأنا على يقين أن هذا الاجتماع سيكون له إن شاء الله الآثار الكبيرة الطيبة في العالم الإسلامي كله ليجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويبتعدوا عن البدع في الدين، والتفرق فيه الذي أوهن شوكة المسلمين وقوى أعداءهم عليهم، ولا شك أن هذه النخبة المختارة التي تجتمع اليوم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لمناقشة الأبحاث والأفكار، وتلمس أفضل الطرق لعودة الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإحياء مذهب السلف الصالح من هذه الأمة- ستصل إلى نتائج إيجابية بإذن الله تقدمها للمسلمين كافة، وتدعوهم إلى كلمة سواء متجردين عن التعصب الأعمى، ومبتعدين عن الغلو في الأشخاص والأفكار، فالحق واضح لا لبس فيه فما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وما وسعهم يجب أن نكون عليه جميعا وأن يسعنا في مختلف ديارنا وأوطاننا ما وسعهم وهذا هو لب الدعوة السلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وإن من أهم الآثار الإيجابية التي ترتبت على هذه المناسبة جمع مؤلفات الشيخ رحمه الله ورسائله، وتحقيقها وطبعها وتقديمها للناس، ووضع كشاف تحليلي موضوعي لها، وطبعه وتوزيعه أيضا.

وكما أن من ثماره الأبحاث الكثيرة التي قدمت من العلماء في موضوعات هامة تتصل بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب واعتمادها على الكتاب والسنة، وصلتها بمذهب السلف، وآثارها في الجزيرة العربية وفي العالم الإسلامي كله، والشبهات التي أثيرت حولها ومناقشتها. وإني إذ أشيد بهذه الإنجازات آمل أن يتمخض هذا الاجتماع عن توصيات وقرارات هامة تدعو إلى تقوية جميع المراكز والهيئات والمؤسسات التي تقوم على نشر مذهب السلف الصالح والدعوة إليه، ودعمها والتمكين لها، وتدعو أيضا إلى ربط الناشئة بكتب السلف ومناهجهم عن طريق الدراسة والبحث، وتدعو أيضا إلى المزيد من اللقاءات التي من شأنها بيان مذهب أهل السنة والجماعة والدعوة إليه، ومعالجة العقبات التي تقف دون انتشاره واعتماد الناس عليه.

وإن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مشكورة على جهودها في هذا الميدان، ومطالبة من الجميع بالاهتمام بهذه القضايا، والتعاون مع جميع الجهات التي تعني بمذهب السلف والدعوة إليه ونشره على مختلف المستويات والميادين، ودعم الأشخاص الذين يسهمون بجهودهم وآرائهم في محاربة البدع والخرافات عن منهج الحق.

وإني على يقين بأن حكومة المملكة العربية السعودية السنية وفقها الله لما فيه رضاه ونصر بها الحق، لن تتوانى في دعم توصياتكم ومقرراتكم فيما يخدم الإسلام والمسلمين كما هي عادتها في هذا الشأن، وإن من جهودها منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله نشر كتب السلف والعناية بها وتدريسها، ومعاونة الجماعات والأفراد الذين يهتمون بها ويحرصون على انتشارها- مشهورة معلومة لدى الخاص والعام، وذلك من فضل الله عليها ومما تشكر عليه هذه الدولة التي قامت على مذهب السلف، وطبقته في مجتمعها وإني من جانبي سأحرص ما استطعت على التعاون معكم عموما ومع هذه الجامعة المباركة وسائر الجامعات التي تعني بالإسلام وأهله، ومع الدعاة إلى الله على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج صحابته الكرام، وسلف الأمة الصالح حسب الطاقة والإمكان، أيها الإخوة، أعضاء الأسبوع، لقد كنت راغبا في لقياكم والحديث معكم، ومناقشة الأبحاث المقدمة، والآراء المعروضة والاشتراك معكم في حلقاتكم ودراساتكم؛ لأن في ذلك تعاونا على الخير، ولكني شغلت عن ذلك بالمجلس الأعلى العالمي للمساجد المنعقد في مكة المكرمة، ومن بعده المجمع الفقهي اللذين تنظمهما رابطة العالم الإسلامي التي تلتقي معكم في اهتمامكم وجهودكم مما حال دون تحقيق رغبتي في مشاركتكم هذه الفرصة الطيبة، وجعلني أكتب إليكم هذه الكلمة راجيا للجميع التوفيق والسداد مع وصيتي لنفسي ولجميع إخواني بتقوى الله والعمل بما يرضيه، والنشاط المتواصل في الدعوة إلى سبيله، وأشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رعايته لحفل الافتتاح، كما أشكر للإخوة المشرفين على تنظيم هذا الأسبوع جهودهم وإسهامهم، وللأعضاء من العلماء الأفاضل مشاركتهم وإسهامهم، وأسأل الله أن يتقبل عمل الجميع، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فتاوى ابن باز -رحمه الله-
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07 Feb 2008, 03:06 PM
أبو جمان حسين أبو جمان حسين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر الجريح
المشاركات: 88
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو جمان حسين
افتراضي

فتوى للشيخ الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-

أسئلة كتابية وجهت لي من أحد المشايخ

من خارج المملكة فأجبت عليها قائلا :
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ / المكرم وفقه الله للعلم النافع والعمل به آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أما بعد فقد وصلني كتابكم المؤرخ 2 / 3 / 1394 وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق, وما تضمنه من الأسئلة الثلاثة عن الوهابية فهمته, وإليكم جوابها:

س1: قولكم ما هي الوهابية وهل هي مذهب خامس أم تتبع بعض المذاهب الأربعة

والجواب: هذه الكلمة يطلقها الكثير من الناس على دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي رحمه الله, ويسمونه وأتباعه الوهابيين, وقد علم كل من له أدنى بصيرة بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته أنه قام بنشر دعوة التوحيد الخالص, والتحذير من الشرك بسائر أنواعه كالتعلق بالأموات وغيرهم كالأشجار والأحجار ونحو ذلك, وهو رحمه الله في العقيدة على مذهب السلف الصالح, وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله كما تدل على ذلك كتبه وفتاواه وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده وغيرهم, وقد طبعت كلها وانتشرت بين الناس, وقد قام الإمام محمد رحمه الله في وقت استحكمت فيه غربة الإسلام, وخيم على الجزيرة العربية وغيرها إلا ما شاء الله سحب الجهالة, وانتشرت بها عبادة الأنداد والأوثان فما كان من أمر الشيخ رحمه الله إلا أن شمر عن ساعد الجد, وناضل وكافح, وكرس جهوده في القضاء على طرق الغواية مستعملا في ذلك شتى الوسائل الموصلة إلى نشر التوحيد النقي من الخرافات بين الناس, وكان من نعم الله سبحانه أن وفق الله الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية في ذلك الوقت لقبول هذه الدعوة فقام معه في هذا السبيل هو وأولاده ومن تحت إمرته ومن تابعه في هذا الخير جزاهم الله كل خير وغفر لهم ووفق ذريتهم جميعا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده, وما زالت أصقاع الجزيرة العربية تعيش في ظل هذه الدعوة الخيرة إلى يومنا هذا, وكانت دعوته رحمه الله وفق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام, وليست الوهابية مذهبا خامسا كما يزعمه الجاهلون والمغرضون, وإنما هي دعوة إلى العقيدة السلفية وتجديد لما درس من معالم الإسلام والتوحيد في الجزيرة العربية كما سلف.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 376)

س 2: هل الوهابيون ينكرون شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام؟

ج2: لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول; لأن الإمام رحمه الله قد أثبت في مؤلفاته لا سيما في كتاب التوحيد وكشف الشبهات شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة, ومن هنا يعلم أن الشيخ رحمة الله عليه وأتباعه لا ينكرون شفاعته عليه الصلاة والسلام وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين والأفراط بل يثبتونها كما أثبتها الله ورسوله, ودرج على ذلك سلفنا الصالح عملا بالأدلة من الكتاب والسنة.
وبهذا يتضح لكم أن ما نقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الباطل, ومن الصد عن سبيل الله والكذب على الدعاة إليه, وإنما أنكر الشيخ رحمه الله وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم ولكنها لا تكون إلا بعد إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع فيه كما قال عز وجل: سورة البقرة الآية 255 «مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ» وقال سبحانه: سورة النجم الآية 26 «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى» وقال سبحانه في شأن الملائكة: سورة الأنبياء الآية 28 «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد, أما المشركون فلا نصيب لهم في الشفاعة كما قال سبحانه: سورة المدثر الآية 48 «فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ» وقال عز وجل: سورة غافر الآية 18 «مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ» فنسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه, والعافية والسلامة من كل ما يغضبه.. والله الموفق.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 377)

س 3: هل ما أشيع أن اتباع الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما استولوا على الجزيرة العربية ووصلوا إلى المدينة المنورة ربطوا خيولهم في الروضة الشريفة الواقعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟

ج 3: ليس لهذا المقال أصل من الصحة بل هو من الكذب والصد عن الحق, وإنما المعروف عنهم لما استولوا على المدينة المنورة : نشر الدعوة السلفية, وبيان حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين, وإنكار ما كان عليه الكثير من الناس من الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول عليه الصلاة والسلام وطلبه المدد, والاستغاثة بمن في البقيع من الصحابة وأهل البيت وغيرهم من الصالحين, وكالاستغاثة بعم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه وغيره من الشهداء بأحد, هذا هو المعروف عنهم مع تعليم الناس حقيقة الإسلام وإنكار البدع والخرافات التي سادت في الحجاز وغيره في ذلك الوقت, ومن زعم عنهم خلاف ذلك من الاستهانة بالقبر الشريف أو بالروضة أو قال عنهم أنهم يتنقصون النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم من الصالحين فقد كذب وافترى وقال خلاف الواقع وخلاف الحق.
وكتب التاريخ موجودة تشهد لهم بما ذكرنا وتبين كذب المفترين, رزقني الله وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه حتى نلقاه سبحانه, وجنبنا وإياكم طرق الزلل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل الله عز وجل أن يغفر لهم ولسائر علماء المسلمين ودعاة الهدى, وأن يجعلنا وإياكم من أتباعهم بإحسان, وأن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والله الموفق.

مجموع فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- "النسخة الالكترونية".

التعديل الأخير تم بواسطة أبو جمان حسين ; 11 Feb 2008 الساعة 06:30 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
محمدعبدالوهاب, تراجم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013