لو أننا تدبرنا كلمة هذا المعترض وفصلناها تفصيلا لأستخرجنا منها مقدماتِ الجهلِ ، والبغيِ ، فإنه جعل لازم السمع والطاعة لوليِّ الأمر فساده وطغيانه على الرعيّة –بزعم هذا المعترض الأنوك- ، لزوما مطلقا ، وهذا قول باطل ، فإن طاعة الأمراء لا صلة لها بفسادهم وطغيانهم ولا بصلاحهم –أحيانا- ، فالجهة منفكة ، بل هي على خلاف قصده ، وفهمه ، فقد رأينا أن طاعة ولاة الأمور تجلب رعايتهم وعنايتهم لمن تحت أيديهم والعطف عليهم ، كما رأينا أن عصيانهم ومعاندتهم ومنازعتهم تورث عدواتهم وتجلب سخطهم على من نازعهم في سلطانهم بقولٍ أو فعل ، و ما يقع في بلاد الشام والعراقين خير شاهد على صحة قولنا هذا ، ثم قوله ( ترسيخ قاعدة "عدم الخروج عن الحاكم" السلفية ..) أي وربيِّ إنها قاعدة وأصل عظيم من أصول الديانة ومنهج السلف الصالحين ، ولعلك أردت شتم السلفيين والتحقير من شأنهم فأختلطت عليك الأمور فمدحتهم على غير قصد منك ، ولعل هذه الجملة أراد بها مخاطبة حزِبه وسربه وأتباعه من الجهلة الذين لا همّ لهم إلا الإرزاء بولاة الأمور وإهانتهم والكذب عليهم ، والتشنيع عليهم بكل شاردة وواردة .
الشاهد أن السلفيين أطاعوا أمر الشارع في لزوم السمع والطاعة وهذا أمر نقليِ متواتر شهد بصحته رؤوس الخوارج العصريين لكنهم يكابرون بتأويله تأويلات بعيدة ، والعلل والحكم التي يتضمنها هذا الأمر قد تغيب عن قلبك الغافل اللاهِي ، فإن التدبر واستنباط النكت والفوائد وعقل المعاني الكبيرة ، والتفقه إنما يكون من نصيب القلوب صحيحة القصد وقوية الهمة، أما الذي يجعل علومه مطية لهواه فإنه لا يبلغ من الخير معشار ما يبلغه الضرب الأول ، ثم ألا يكفي أن من نعم السمع والطاعة التي نتقلب فيها ظهرا لبطن ،حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال ، وعدم تعريض بلاد المسلمين للأذى من قبل اليهود والنصارى ، فإن الخروج عن الحكام خدمة لأعداء هذه الأمة ، وخيانة لها ، فأين الحكمة إذا كان الحاكم ظالما فيخرج عليه الناس ثم يسلط عليهم أظلم منه وأفجر بل يسلط عليه الكفار فيقتلون ويذبحون ويستحيون النساء وينهبون أموال الأمة ، فأيُّ عقل عند من يدين ذلك المنهج الخبيث ، منهج القطبيين والسرورين وحمير اليهود والنصارى ، ولك في العراق عبرة ومزدجر .
التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 29 Jun 2017 الساعة 06:12 AM
|