منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 19 Dec 2020, 05:16 PM
أبو بكر يوسف قديري أبو بكر يوسف قديري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 286
افتراضي قصة النجاشي مع كفار قريش: عبر ودروس للمخدوعين بفركوس

قصة النجاشي مع كفار قريش: عبر ودروس للمخدوعين بفركوس



بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد
فقد روى الإمام أحمد في مسنده 1740 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ - زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ : لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا الله، لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ؛ ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ : الْأَدَمُ (1)، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ (2)، وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا : ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ (3)،
قَالَتْ : فَخَرَجَا، فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ قَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ : إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ (4)، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ ؛ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَيْنَا، وَلَا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ (5)، فَقَالُوا لَهُمَا : نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالَا لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ (4)، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ ؛ لِتَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، قَالَتْ : وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ الله بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلَامَهُمْ (3)، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ : صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا، فَلْيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ (6). قَالَتْ : فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ : لَا، هَيْمُ اللهِ (7) إِذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلَا أُكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلَادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ، فَأَسْأَلَهُمْ : مَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ ؟ فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ ؛ أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ؛ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي، قَالَتْ : ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ ؛ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ : وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ، فَقَالَ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ ؟
قَالَتْ : فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ : نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ الله إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى الله لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَالْأَوْثَانِ (8)، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ. قَالَتْ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ؛ لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا، وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ؛ خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ : نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ : فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ : { كهيعص }. قَالَتْ : فَبَكَى - وَالله - النَّجَاشِيُّ، حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ، حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا، وَلَا أُكَادُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاللَّهِ لَأُنَبِّئَنَّهُ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ . قَالَتْ : فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا : لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ : وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ، أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ. قَالَتْ : ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ. قَالَتْ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ. قَالَتْ : وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَالله فِيهِ مَا قَالَ الله وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ. فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ : وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي - وَالسُّيُومُ : الْآمِنُونَ - مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ. - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ : الْجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ : فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ - يَعْنِي - مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ. قَالَتْ : فَوَاللَّهِ، مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، قَالَتْ : وَسَارَ النَّجَاشِيُّ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ : فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ، ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ ؟ قَالَتْ : فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ : أَنَا. قَالَتْ : وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ : فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ : وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ.

قال محقّقو المسند: إسناده حسن، وكذا الوادعي في "الصحيح المسند" 1672
وصحّح إسناده أحمد شاكر، والألباني في "تخريج فقه السيرة" ص124

------------------------------

(1) أي الجلود
(2) أسلما بعد ذلك رضي الله عنهما
(3) كانت هذه الطريقة من طرائق كفار قريش في الصدّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البيهقي في دلائل النبوة 5\360 عن ابن إسحاق قال: كان الطفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدّث أنه قدم مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها، فمشى إليه رجال قريش، وكان الطفيل رجلا شريفاً شاعراً لبيبًا، فقالوا له: إنك قدمتَ بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تَكْلِمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوْت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا [أي: قطنًا] فرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله .
قال: فغدوتُ إلى المسجد، فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائم يصلّي عند الكعبة، فقمتُ قريبا منه فأبَىَ الله إلا أن يُسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً، فقلتُ في نفسي: وَاثُكْلَ أُمَّاه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني مِنْ أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبِلْتُ، وإن كان قبيحا تركت، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبَى الله ـ عز وجل ـ إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض عليَّ أمرك، قال: فعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليَّ الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق ... إلخ
إن هذا الأسلوب في مواجهة الحق هو من أخسّ الأساليب، وهو عين الظلم إذ طلبوا منه أن يحكم عليهم دون أن يسمع منهم، هذا ما انتهجه الفريق الأخسّ من الحدادية في هذه الفتنة الأخيرة بتوجيه شيخهم فركوس الذي ابتدع لهم التهميش، وذلك لمّا جاءته نصائح الشيخين الجليلين ربيع وعبيد بالاجتماع مع مشايخ الإصلاح ومعالجة الأخطاء بالأسلوب الحسن، قال وبئسما قال: اجعلوهم في لاتوش (خط التماس باللغة العربية)، ومن يسجّل وهو في الهامش فلا يحتسب هدفه !!
ولمن يسأل عن المصدر، أقول: قد قال ذلك الدكتور صبيحة يوم الجمعة 11 ربيع الأول 1439 الموافق 29 ديسمبر 2017 كما في هذين المنشورين:
https://f.top4top.io/p_1805gdi9p1.jpg
https://l.top4top.io/p_1805jn5mc1.jpg
وقرّر ذلك المفسد الكبير لزهر سنيقرة، ونسبه إلى شيخه فركوس، فاسمع إلى الأسلوب المستهجن الساقط الذي يتكلم به، وذلك في الدقيقة الثامنة من هذا المقطع: https://youtu.be/34prLYI4BXQ
هكذا بهذا الأسلوب الكروي المستقبح الذي لا يمتّ بصلة إلى العلم ولا الأدب.
وصار التهميش سمة بارزة لجماعة فركوس، فإذا نصحتَ أحدهم بترك ما هو فيه، ودعوتَه لاتباع الأدلة التي تدين شيوخه وتبرّئ خصومه، وأرشدته إلى الرجوع إلى كبار العلماء المتخصّصين في الفتن، واجهك المسكين بتهميشك ولسان حاله يقول {قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}
وتشبّه بالرافضة وأهل البدع في إعراضهم عن أهل السنة، ولذاك قال الشيخ عبيد عن هذا التهميش البدعي: "فالتهميش لا عهد له عند السلف أبدا، وأنا أخشى أنه من مصطلحات الرافضة حُرّف إلى التهميش". ( https://youtu.be/RlLuzTR7so4 )
من أكبر الأدلة أن التهميش الذي جاء به فركوس بدعة محدثة
أنه أخذه من خط التماس في ملاعب الكرة -نسأل الله العافية-، ولم يكن هذا معروفا عند السلف أبدا، وحاشاهم من ذلك.
فيكفيه هذا الاستدلال خزيا وعارا، وبدعة وضلالا.
وتكفي هذه الفضيحة -عافانا الله- في الردّ على أولئك الذين ذهبوا يفتشون عن لفظة التهميش في كلام علمائنا ليثبتوا بها هراء ولعب الدكتور فركوس. فالعلماء يستعملونها بمعناها اللغوي لا الكروي، ويقصدون بها غير ما يقصده فركوس قطعًا، لأن مقصود فركوس لا يستحسنه مستقيم في دينه وخلقه حتى يجعل شيوخ أهل السنة مثل سِفلة الملاعب.
(4) وهذا التحقير رأيناه في هذه الفتنة من طرف جماعة فركوس، حتى صاروا يقولون: غلمان أرادوا إسقاط الريحانة.!
وهذا الكلام منهم محض كذب وافتراء وتزييف للحقائق، فإنّ خصوم الدكتور فركوس في فتنة الجزائر شيوخٌ في تمام كهولتهم بين الخمسين والستين، فهل يصف مثلَ هؤلاء بالغلمان إلا متكبر جبّار.
وأما طلبة العلم الذين كتبوا وبيّنوا ما عند فركوس من أخطاء فليسوا بغلمان أبدا، بل بعضهم بلغ الأربعين وبعضهم يزيد أو ينقص، ثم إن كتاباتهم أيّدها أولئك الشيوخ الأفاضل، وعلى رأسهم الإمام ربيع بن هادي المدخلي، فقد قال عن ردود الشيخ محمد مرابط: هذا يعرف الحق أفضل من شيوخكم.
ولنفرض أنه يوجد غلمان أرادوا إسقاط الدكتور فركوس، فهل يعقل من غلمان صغار أن يقيموا فتنة عظيمة يعجز الدكتور نفسه عن إطفائها؟ حقا لقد جنى قائل هذا الإفك أول ما جنى على شيخه الدكتور، فقد خاف عليه من ردود غلمان ! وصوّره في أضعف صورة حتى إن غلمانا قادرون على إسقاطه، وما هذا شيخا يعوّل عليه في الفتن أبدا.
(5) هذا من أساليبهم أيضا في الصدّ عن سبيل الله، وذلك قولهم بأن هؤلاء المسلمين على ضلال، ولا حجة لهم إلا أنهم من أهل بلدنا ونحن أعرف بهم.
وما يزال المبطلون يتخذون هذا الأسلوب فقد طعن جهميّ هذا الزمان زاهد الكوثري في أحد رواة الحديث وهو الحافظ ابن السقاء الواسطي بقوله: (هجره أهل واسط) فردّ عليه العلامة المعلمي اليماني -رحمه الله- في (طليعة التنكيل 1\39) بعدما ذكر سياق القصة التي من أجلها قام أهل واسط على هذا العالم، وبعد أن بيّن خطأهم قال: (أفلا يعلم الأستاذ أن هذه حماقة من العامة وجهل لا يلحق ابن السقاء بها عيب ولا ذم ولا ما يشبه ذلك.)
فليست العبارة: "بلدي الرجل أعلم به من غيره" على إطلاقها أبدا.
وقد سئل العلامة عبيد هذا السؤال: يقول بعضهم في مشايخ الإصلاح: لا تنفعهم تزكية من زكّاهم، بل قال أحدهم: ولو زكّاهم أعلم أهل الأرض، ويعلّلون ذلك بأنّ بلدي الرجل أعلم به من غيره فما تعليق فضيلتكم على هذا، وهل الاستدلال بهذه القاعدة على إطلاقه؟.
فقال الشيخ -حفظه الله-: أنا سمعتُ هذا عن الرافضة، بمعناه، كنا نلتقي بهم لما كنتُ بمركز الدعوة، لأنّي بُليت بالإدارة سنوات، مدير المركز إمّا مجاز أو منتدب خارج المملكة، فكانت الأنظار مسلطة عليّ، فكان الرافضة يقولون: أهل البيت أعلم بمن فيه. هذا ليس بصحيح أبدًا. ( https://youtu.be/RlLuzTR7so4 )
وقرأ العلامة ربيع المدخلي كلامًا لأحد أبواق الدكتور فركوس يغلو في قاعدة: بلدي الرجل، ويردّ كلام علماء المدينة في فتنة الجزائر، فغضب الشيخ حتى تصبب عرقا وقال: تأصيل باطل يؤصّل للحزبية والجاهلية الوطنية ويؤدي إلى إسقاط كلام العلماء خارج بلدكم ولو كانوا في قمة الحق، وكذلك إذا أخذتم هذه القاعدة بإطلاق يؤدي ذلك إلى إسقاط الكثير والكثير والكثير من كلام العلماء المدون في كتب الجرح والتعديل. ( https://bit.ly/2S66LTo )
https://h.top4top.io/p_18053pewu1.jpg
وأيضا إذا قبلتم قول بلدي الرجل فيه مطلقا، فيمكن أن يُقلب عليكم هذا بكل سهولة، فيقال: ليس قول فركوس في مشايخ الإصلاح لأنه بلديهم بأولى من قولهم فيه لنفس السبب. فيسقط بهذا العبث علماء كل بلد بعضهم بعضًا، وتصير الدواوين الكبيرة التي دَوّنت أسماءَ الثقات صفحاتٍ يسيرةً.
(6) حاولت هذه البطانة السيئة أن تؤثر في هذا الملك العادل فلم تستطع ذلك كما سيأتي في باقي القصة. وذلك يدلّ على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شهد له بالعدل وقال عنه: "إنَّ بأرض الحبشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عنده، فالْحقوا ببلادِه حتى يجعل اللهُ لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتُم فيه" [السلسلة الصحيحة 3190] أوحى الله إليه بذلك مع علمه سبحانه بوجود هذه البطانة السيئة.
وذلك أعظم ردّ على الدكتور فركوس الذي صار يردّ أقوال العلماء إذا خالفت هواه محتجّا بأن بطاناتهم سيئة !
ومِن طعوناته في الشيخ ربيع، وأعتذر عن ركاكة أسلوبه:
https://youtu.be/Dt0AGE4lP2g
https://youtu.be/EajdvvDueeo
https://youtu.be/x_TyxgUfC0A
ويزعم الدكتور فركوس أن ذلك معنى ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى ".
وليس كما قال، فإنه إن سلّمنا بوجود من يشير بالشرّ على العالِم، فإن ذلك لا يقتضي بمجرده ردّ كلام العالم بل العالم يُنظر في أدلته لا إلى بطانته.
ولم يذكر أحد من أهل الأصول في باب التعارض والترجيح أنه يفرّق بين القائلين بسبب بطاناتهم، فليس هذا من المرجّحات حتى يذكروه.
ولو أن النجاشي أخذ بقول بطارقته وسلّم لهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكان ظالما، ولما كانت سوء البطانة عذرًا له أبدا.
ويتوهّم أتباع فركوس أنهم يبجّلون العلماء لذا هم يعتذرون لهم بسوء البطانة ! وليس هذا مذهب فركوس ورؤوسهم، لأن مذهب الرؤوس هو الطعن في العلماء قصدًا وقد صرّحوا بذلك، كما قالوا: ركبه الهوى في كبره ... وقع في كبيرة ... وافق الخوارج ... يتعرض لغسيل دماغ ... إن تكلّم فينا سيسقط ... إلخ. هذا كله والأتباع في عمى.
وهذا هو واقع مَن يقع في طلاب العالم أنه يريد ذاك العالم، ولمّا لم يستطع الإعلان بالطعن فيه طعن في أصحابه ليردّ أقوله
(وقيل لعبد الوهاب الوراق:*إن تكلّم أحد في أبي طالب والمروذي، أمَا البعدُ منه أفضل؟
قال: نعم، من تكلّم في أصحاب أحمد فاتهمه، ثم اتهمه، فإنّ له خبئة سوء، وإنما يريد أحمد.) سير أعلام النبلاء 13\174
وهذا من خصال الرافضة الباطنية الذين كفّروا كل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رهطا قليلا منهم، وهم مع ذلك يدّعون محبته عليه الصلاة والسلام.
ولذا قال ابن كثير عن العبيديين منهم: يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض.
وقال ابن تيمية: (وقال مالك رضي الله عنه:*"إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحا كان أصحابه صالحين. أو كما قال) الصارم المسلول ص580.
وكذلك يفعل الخوارج والثوريون، فقد روى الواقدي كما في البداية والنهاية لابن كثير 7\197: (عن عامر بن سعد قال: كان أوّل من اجترأ على عثمان بالنطق السيء جبلة بن عمرو الساعدي مرّ به عثمان وهو في نادي قومه، وفي يد جبلة جامعة، فلما مرّ عثمان سلّم فردّ القوم، فقال جبلة: لمَ تردّون عليه؟ رجل قال*كذا وكذا،*ثم أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه،*فقال عثمان:*أيّ بطانة؟ فوالله لأتخيّرُ الناس، فقال مروان تخيرته؟ ومعاوية تخيرته؟ وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته؟ وعبد الله بن سعد بن أبي سرح تخيرته؟ منهم من نزل القرآن بذمّه، وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه،*قال:*فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم.) وهؤلاء الذين ذكرهم هذا الضالّ هم صحابة رضي الله عنهم.
ومن الأدلّة على عدم جواز القدح في العالِم بمجرّد وجود بطانة سيئة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث وجودها حتى للأنبياء، وذلك لا يقدح في عصمتهم.
قال ابن حجر في الفتح: (وقد استُشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي لأنه وإن جاز عقلا أن يكون فيمَن يداخله مَن يكون من أهل الشر، لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ولا يعمل بقوله لوجود العصمة، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك بقوله: " فالمعصوم من عصم الله تعالى " فلا يلزم من وجود مَن يشير على النبي بالشرّ أن يقبل منه.)
وكذلك لا يقدَح في العالم إلا إذا اتبع بطانة السوء وترك الناصحين الصادقين، قال الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
وقال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} [آل عمران 118]
قال ابن عطية في تفسيرها: (نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يتخذوا من الكفار واليهود أخلاء يأنسون بهم في الباطن من أمورهم ويفاوضونهم في الآراء ويستنيمون إليهم، وقوله:{من دونكم} يعني من دون المؤمنين، ولفظة«دون» تقتضي فيما أضيف إليه أنه معدوم من القصة التي فيها الكلام، فشبّه الأخلاء بما يلي بطن الإنسان من ثوبه، ومِن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:*"ما من خليفة ولا ذي إمرة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله")
فجعل معنى حديث البطانة مِن معنى الآية، وهو نهي المؤمن أن يتخذ بطانة السوء، كقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل."
وهذا ظاهر صنيع ابن كثير في تفسيره، فقد خرّج حديث البطنة في تفسير هذه الآية كذلك.
بل لا يخلو إنسان من بطانة سوء ولو شيطانا موسوسا أو نفسا أمارة بالسوء، لذا قال الراغب الأصفهاني في تفسير آية آل عمران: (والآية تقتضي النهي عن الركون إلى مَن وما يتحرى بك طريقة فساد: إنسانا كان أو شيطانا أو قوة من قوى نفسك تحيد بك عن الحق، كالهوى ونحوه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان ...)
وذكر هذا المعنى ابن حجر في كلامه المتقدم فقال: (وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي: المَلَك والشيطان، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن الله أعانني عليه فأسلم.")

(7) هذا قَسَم قال في تاج العروس مادة يمن: (و قالوا:*هَيمُ الله، بفتح الهاء وضم الميم*، والأصل أيم الله، قلبت الهمزة هاء)

(8) هذه هي دعوة الأنبياء -عليهم السلام-، وهي الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك؛
قال الله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}
وقال سبحانه {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}
وقال تعالى {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم}
وقال عز وجل {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدونِ}
لا إله إلا الله معناها؛ لا معبود بحق إلا الله.
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي:
(وهذا المعنى على اختصاره ووجازته ووضوحه ضيعه أهل البدع والضلال، وسنَّ لهم هذا الضياعَ أهلُ الباطل الذي حذَّر منه أهل الإسلام وحذَّروا من أهله وحذَّروا من كتبه، ففسَّروا (لا إله إلا الله) بأنه: لا خالق ولا رازق، وتأثَّر بهم أهل الأهواء والضلال، وصاروا يفسِّرون توحيد الألوهية الواضح الذي بعث الله به جميع الأنبياء لمواجهة المشركين والأمم الضَّالة وطمسوا معالمه بهذا التفسير، لا خالق لا رازق.
نعم ربنا هو الخالق الرازق والآيات في ذلك كثيرة؛ ولكن ليس هذا معنى (لا إله إلا الله)، معنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحق إلا الله، إبطال عبادة الأوثان والأشجار والأحجار والجن والإنس والملائكة، وتخصيص العبادة بالله وحده الواحد القهار.
فالعبادات من الصلاة والزَّكاة والصوم والحج والدعاء والتوكل والخوف والرغبة والرهبة، كلها وغيرها من العبادات لا يجوز أن يُصرف منها ذرة لغير الله-عز وجل- ، لا لأنبياء ولا لغيرهم من مخلوقات الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، ولا من الأنداد التي اتُّخذت مع الله مع الأسف الشديد، فيجب أن نفقه هذا التَّوحيد الذي بُعث به جميع الأنبياء وأن ننشره في النَّاس؛ فإن أهل البدع ينشرون باطلهم، وهناك جماعات ومدارس تقوم على هذا التَّفسير الباطل، فيضلون في معنى (لا إله إلا الله) هذه الكلمة العظيمة التي ذكرنا من شأنها وأنها بُعث من أجلها جميع الرسل، وأنزل من أجلها الكتب، وخلق من أجلها الجنة والنار، والناس يُسألون عنها في القبور: من ربك ؟ يقول: الله ربي. من نبيك؟ يقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيِّي.
هذه جملة تدور حولها هذه الرِّسالات كلها، تدور حولها آيات كثيرة وكثيرة في القرآن الكريم، وتتبَّعوا ذلك في القرآن.)
كلمة بعنوان: آية الكرسي وما تضمنته من بيان التوحيد.
والشرك الذي جاء جميع الرسل بالنهي عنه هو الشرك في عبادة الله؛
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (هو صرف نوع من العبادة إلى غير الله، أو: هو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها)*مؤلفاته: قسم العقيدة ص281*.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في القول السديد: (هو أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة)
وقال في تفسيره: (حقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية.)
قال العلامة الفوزان: (وهذا فيه ردٌّ على الذين يقولون في هذا الزمان: إن الرسل جاءوا لتحقيق الحاكمية في الأرض، وهذا كلام محدَث باطل، فالرسل جاءوا لتحقيق العبودية بجميع أنواعها لله عزّ وجلّ.) إعانة المستفيد: 91/2
قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره: (قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ*}، هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ الْعُظْمَى الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مِنْ أَجْلِهَا: هِيَ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرَكَ بِهِ فِي عِبَادَتِهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا: ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ) الآية- صَرِيحٌ فِي أَنَّ آيَاتِ هَذَا الْكِتَابِ فُصِّلَتْ مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ)
ومنه يُعلم الخطأ الكبير الذي وقع فيه الدكتور فركوس الذي قال: (لا يخفى أنَّ أساس أنواع الشرك وأخطرَها: التشريعُ من دون الله). الكلمة الشهرية: 33
وهذا الذي قاله هو عين كلام سيد قطب القائل (يجب أن يعلّموهم أن الإسلام هو «أولا» إقرار عقيدة «لا إله إلا الله» بعدلها الحقيقي، وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله، وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم، إقرارها في ضمائرهم وشعائرهم، وإقرارها في أوضاعهم وواقعهم..
ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام، كانت هي أساس دعوتهم إلى الإسلام أول مرة) معالم في الطريق: 35
وكفى بالمرء ضلالا أن يخالف تأصيلات العلماء في أصل الشرك ويوافق رأس الخوارج في هذا الزمان.
وقد ردّ على هذا التأصيل الضائع الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي في كتابه العظيم "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل" ومما قال فيه:
(وبناء على هذا نعود فنقول: إنّ بدءَ جميع الأنبياء بإصلاح الجانب العقدي ومحاربة الشرك ومظاهره هو مقتضى الحكمة والعقل وذلك للأمور الآتية:
أولا : أن المفاسد المتعلقة بعقائد الناس من الشرك والخرافات وأنواع الضلال أخطر آلاف المرات من المفاسد المترتبة على فساد الحكم وغيره، فإن لم نقل هذا ونعتقده سفّهنا من حيث لا نشعر جميع الأنبياء، ونعوذ بالله من الضلال.
إن هذه المفاسد تشمل الحاكم والمحكوم، فالحكام أنفسهم في كل زمان ومكان إلا المؤمنين منهم يخضعون للأصنام والأوثان والقبور ويقومون بتشييدها وحمايتها وعبادتها وتقديم القرابين لها، ويعتقدون أن لها سلطة غيبية قاهرة فوق سلطانّم المادي، فهي تضرهم وتنفعهم بذلك السلطان الغيبي في زعمهم وبتلك القوة القاهرة الخفية أو على الأقل تشفع لهم عند الله في تحقيق مآربهم ...) إلى آخر كلامه النفيس جدا فانظره على هذا الرابط: https://0i.is/jvIX

كتبه يوسف قديري
يوم السبت 04 جمادى الأولى 1442

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 Dec 2020, 10:27 AM
محمد أمين أبو عاصم الأرهاطي محمد أمين أبو عاصم الأرهاطي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2019
المشاركات: 90
افتراضي

بارك الله فيك ايها الحبيب،لقد أجدت وأفدت والله.
ولقد سبحت وحوقلت من تشابه طريقة كفار قريش مع طريقة كبراء التفريق في الصد عن الحق ومعرفة تفاصيله،والذي أوردته -موفقا إن شاء الله-في الحاشية الثالثة!
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013