منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 26 Nov 2011, 11:37 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي (تذكيرٌ للداعية) ـ الكلمة الشهرية للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس

تذكيرٌ للداعية

الكلمة الشهرية للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله ـ

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى دعوة علمٍ ويقينٍ وإصلاحٍ وخيرٍ، وهي وظيفة الرسل والأنبياء جميعًا، ودعوتهم قائمةٌ على عبادة الله وحده والتبرُّؤ من عبادة ما سواه، والقيام بعبادة الله بجميع أنواعها على وجهٍ مُرْضٍ مهما أمكن، والزجر عن كلِّ ما نهى الله عنه، سالكين سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء النصيحة للمدعوِّين على وجهها الكامل، وترتقي مكانة الداعي إلى الله بحسب مقدار عمله وقدرته، ذلك لأنَّ دعوته تبعٌ لدعوة الأنبياء والمرسلين، يعمل على تعليم الجاهلين ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين والمناوئين والشانئين بالتي هي أحسن، والحثِّ على مكارم الأخلاق، والإحسان -في دعوته- إلى عموم الخلق، والترغيب في الطريق الموصل إلى الله تعالى، وربط المدعوين بكتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم، والترغيب في اقتباس العلم والهدى منهما، فدعوتُه -إذًا- مشروطةٌ بالعلم النافع -وهو بطبيعته قابلٌ للتجزئة والتبعيض-، إذ لا يخفى أنَّ العلم بصحَّة ما يدعو إليه الداعي شرطٌ لصحَّة الدعوة، لذلك يعمل الداعية على تفادي الوقوع في فساد العلم بعدم تحقيق موافقة علمه ومطابقته لمراد الله تعالى، كما يعمل على تجنُّب الوقوع في فساد الإرادة، وذلك بتجريدها من شوائب الهوى وإرادة الخلق، وهما آفتان تفسدان علمه وعمله، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وأمَّا العلم فآفته عدم مطابقته لمراد الله الديني الذي يحبُّه الله ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارةً، ومن فساد الإرادة تارةً؛ ففساده من جهة العلم أن يعتقد أنَّ هذا مشروعٌ ومحبوبٌ لله وليس كذلك، أو يعتقد أنه يقرِّبه إلى الله وإن لم يكن مشروعًا، فيظنُّ أنه يتقرَّب إلى الله بهذا العمل وإن لم يعلم أنه مشروعٌ.
وأمَّا فساده من جهة القصد فأن لا يقصد به وجهَ الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخَلْق. وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل إلى السلامة منهما إلاَّ بمعرفة ما جاء به الرسول في باب العلم والمعرفة، وإرادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة، فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الإرادة فسد علمُه وعمله»(١- «الفوائد» لابن القيم (85).)، وإذا كانت الدعوة إلى الله ملازمة ومتضمنة للعلم فليست مقيَّدةً بفئةٍ معيَّنةٍ، وإنما هي لكلِّ من يمتلك المواصفاتِ الشرعيةَ للدعوة، فهو أهلٌ لها، ولا هي مقيَّدةٌ بوقتٍ محدَّدٍ أو قاصرةٌ على خُطَبٍ تُلقى، أو على دروسٍ أو حلقاتٍ تُملى، وقد تكون على فتراتٍ متقطِّعةٍ من الزمن، وإنما الدعوة إلى الله تؤدَّى في جميع الأحوال بما تسمح بالقيام بها قدرات الداعية وظروفه في كلِّ الأوقات، سواءً تعلَّقت الأوقات بالمواسم أو العوارض أو النوازل أو المصائب أو ما يناسب ذلك الحالَ أو غيره ممَّا تشْمَله الدعوة إلى الخير كلِّه والترهيب من الشرِّ كلِّه، ويتجلَّى هذا المعنى فيما أخبر الله به تعالى عن نوحٍ عليه السلام حيث قال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا. ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا. ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [نوح: 5-9]، ويوسف عليه السلام لم يشغله السجن وضيقه عن واجب الدعوة إلى الله تعالى، فقد دعا السجينين إلى الله تعالى قبل أن يجيبهما عن رؤيا رآها كلُّ واحدٍ منهما، قال تعالى مخبرًا عنه: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 39-40]، وكذلك كان نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو قومه ليلاً ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، لم يشغله شيءٌ عن الدعوة إلى الله تعالى.
وعلى الداعي إلى الله أن يؤدِّيَ واجبَه في البلاغ والتبيين من غير أن ينتظر استجابةَ الناس له، وإنما يستمرُّ في دعوته كما يداوم على أداء سائر العبادات الداخلة في تكليفه، وله أن يسأل الأجر والمثوبة من الله دون أن يجعل بغيتَه الجزاءَ والشكور من عباد الله، ولا أن يتَّخذ دعوته مطيَّةً لتحصيل الأعواض المالية والمنافع المادِّية والمعنوية كالثناء والشهرة والجاه والمناصب ونحو ذلك مما يصبو إليها أهل الدنيا والطمع فيما عند الناس، فإنَّ هذا لا يجري على هدي الأنبياء والمرسلين من الإخلاص لله والاستعانة به والطمع فيما عنده، فقال الله تعالى مخبرًا عنهم: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72]، وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لاَ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: 20-21]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 56-57]، فالأجر من الله عظيمٌ وباقٍ، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعليٍّ رضي الله عنه: «فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»(٢- متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب دعاء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الناس إلى الإسلام والنبوَّة، وأن لا يتَّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله (2942)، ومسلم في «فضائل الصحابة» (2406) من حديث سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنهما.)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم -أيضا-: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»(٣- أخرجه مسلم في «العلم» (2674) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.)، والمعلوم الذي تجري عليه سنن الله في خلقه أنَّ من لم يجرِّد قصْدَه عن الهوى وإرادة الخَلْق دون الخالق وجعل الدنيا همَّه؛ فإنَّ الله يَكِلُه إلى نفسه، ويُبلى بعبودية المخلوق ومحبَّته وخدمته.
هذا، وأخيرًا فإنَّ أحسن الكلام وأفضل طريقٍ -في ميزان الله تعالى- هو الدعوة إلى الله تعالى بتحبيب الإسلام وإظهار محاسنه، والنهي عمَّا يُضادُّه من الكفر والشرك، وتوجيه عموم الناس إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم: تعليمًا وتربيةً ووعظًا وإرشادًا وتوجيهًا يسلكه الداعي في مهمَّته الدعوية، متحلِّيًا بالعلم النافع والعمل الصالح على وجه الطاعة والانقياد، وبالمواصفات الأخلاقية الكريمة والحكمة والموعظة الحسنة، فإنَّ العلم النافع والعمل الصالح هما دعوة الحقِّ والسبيل الوحيد للسعادة والفلاح، وقد جمع الله تعالى بين معرفة الحقِّ والعمل به في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 2]، وعُنِيَ بذكرهما في قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ [الرعد: 14]، فدعوة الحقِّ -إذًا- هي إخلاص العمل لله تعالى وحده لا شريك له المتضمِّن معرفة الله تعالى ومعرفة شرعه ودينه(٤- انظر: «مجموع الفوائد» للسعدي (180).)، وتمام هذه الرتبة للصدِّيقين الذين عملوا على إصلاح أنفُسهم وتكميلها، ووسَّعوا دائرة الإصلاح والتكميل إلى غيرهم، خاصَّةً عند إنكار الجاحدين ومحاربة المبطلين والمعاندين وشيوع التمرُّد على الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فُصِّلت: 33]، «ولا يتمُّ الإيمان إلاَّ بتلقِّي المعرفة من مشكاة النبوَّة وتجريد الإرادة عن شوائب الهوى وإرادة الخَلْق، فيكون علمُه مقتبسًا من مشكاة الوحي وإرادته لله والدار الآخرة، فهذا أصحُّ الناس علمًا وعملاً، وهو من الأئمَّة الذين يهدون بأمر الله، ومن خلفاء رسوله في أمَّته»(٥- «الفوائد» لابن القيم (85).)، تلك هي الوراثة التامَّة من الأنبياء والرسل تتفاضل مراتبها، وقد ترتفع إلى أعلى علِّيِّين بحسب الأعمال الحسنة المقدَّمة إخلاصًا وصدقًا، قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 132].
نسأل اللهَ التوفيقَ والسداد، للمزيد من العمل الجادِّ، وعلى الله قصدُ السبيل والاتِّكالُ في الحال والمآل.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 24 من ذي الحجة 1432ﻫ


المـوافق ﻟ: 20 نوفمبر 2011م


١- «الفوائد» لابن القيم (85).

٢- متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب دعاء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الناس إلى الإسلام والنبوَّة، وأن لا يتَّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله (2942)، ومسلم في «فضائل الصحابة» (2406) من حديث سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنهما.

٣- أخرجه مسلم في «العلم» (2674) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

٤- انظر: «مجموع الفوائد» للسعدي (180).

٥- «الفوائد» لابن القيم (85).



التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 28 Nov 2011 الساعة 07:58 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, تذكيرللداعية, دعوة, فركوس

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013