منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 24 Jan 2016, 10:47 AM
أبو ميمونة منور عشيش أبو ميمونة منور عشيش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: أم البواقي / الجزائر
المشاركات: 582
افتراضي مَنْظُومَةُ الإِرْشَادِ .. إِلَى حُقُوقِ فِلْذَةِ الأَكْبَادِ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، جعل صلاح الأولاد قرَّة عين للوالدين في الحياة وبعد الممات، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له في ربّوبيَّته وإلهيَّته، وماله من الأسماء والصِّفات، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، حثَّ على تربية الأولاد على الصَّلاة، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ذوي المناقب والكرامات، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد..(1)
[لا شكَّ أنَّ العلاقة بين الأولاد وآبائهم علاقة وثيقة، وهي نعمة من الله -جلَّ وعلا- على العبد المؤمن، تظهر هذه العلاقة وتتجلّى معالمها لمن تأمَّل القرآن الكريم والسّنَّة المطهَّرة، فمثلاً: نجد أنّ الله سبحانه وتعالى قد أوصى في القرآن الكريم بالأولاد، قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ[النّساء:11]، ومعلوم أنَّ الوصيّة إنَّما تكون في أمر مهمٍّ ولأمر مهمٍّ.
ونجد في القرآن الكريم أيضًا خطابات بعض الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- لأبنائهم في غاية الحسن والإشفاق عليهم، ومن ذلك: قول الله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[البقرة:133]، وقال إبراهيم الخليل -عليه السَّلام- لابنه إسماعيل: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى[الصّافات:102]، وقال لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان:13]، ومثل هذا كثير في كتاب الله عزّ وجلّ.
ومن نصوص السّنَّة النّبويَّة المطهَّرة: قول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ»(2)، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث المشهور المتَّفق على صحّته: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... »(3)
قال الإمام ابن القيِّم -رحمه الله-: «وكم ممَّن أشقى ولدَه وفِلذَة كبِده في الدّنيا والآخرة بإهماله وترْك تأديبه، وفوَّت عليه حظَّه في الدّنيا والآخرة، وإذا اعتبرتَ الفساد في الأولاد رأيتَ عامَّته من قِبَل الآباء»(4)
وقال أيضا -رحمه الله-: «وأكثر الأولاد إنَّما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترْك تعليمهم فرائض الدِّين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضُهم ولدَه على العقوق، فقال: يا أبتِ إنَّك عقَقْتَني صغيرًا، فعقَقْتُك كبيرًا، وأضعتَني وليدًا، فأضعتُك شيخًا كبيرًا»(5)
إذن؛ فإنّ للأولاد حقوقاً على آبائهم وأمّهاتهم ينبغي مراعاتها والقيام بها، لأنَّ ذلك ممَّا سيُسأل عنه العبد أمام الله سبحانه وتعالى.](6)

وهذه منظومة متواضعة، حاولت فيها -مستعينًا بالله- أن أجمع شيئًا من هذه الحقوق، ممّا نُثر وانتَثر هنا وهنالك في هذا الباب، من كلام أهل العلم، أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وأن ينفع بها ناظمها وكلَّ من وقع بصره عليها، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفِّقنا جميعًا ويعيننا، على أداء ما علينا من واجبات نحو فلذة الأكباد وثمرة الفؤاد، وأن يُنبتهم نباتًا حسنًا، على منهج السَّلف الصَّالح عليهم الرِّضوان، آمين آمين..


مَنْظُومَةُ الإِرْشَادِ .. إِلَى حُقُوقِ فِلْذَةِ الأَكْبَادِ

الحَمْـدُ للهِ العَلِـيِّ الصَّمَـدِ ... أَوْصَى تَعَالَـى عَبْدَهُ بِالوَلَـدِ(7)
ثُمَّ صَـلاَةُ اللهِ دَوْمًا أَبَـدَا ... عَلَى الَّذِي قَدْ جَـاءَنَا فَأَرْشَـدَا
وَقَـالَ إِنَّ كُلَّـكُمْ لَـرَاعِ ... وَالكُـلُّ مَسْؤُولٌ بِلاَ نِـزَاعِ(8)
عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَسَـوْفَ يُسْأَلُ ... هَلْ حَفِظَ أَمْ قَدْ أَضَاعَ الرَّجُلُ(9)
وَبَعْدُ ذِي مَنْظُـومَةٌ مُخْتَصَرَهْ ... ضَمَّنْتُـهَا فَـوَائِدًا مُنْتَثِـرَهْ
جَمَعْتُـهَا مِنْ كُتُبٍ لِلْعُلَمَـا ... مُخْتَـصِرًا مُرَتِّـبًا وَنَاظِمَـا
سَمَّيْتُـهَا مَنْظُومَـةَ الإِرْشَادِ ... إِلَـى حُقُـوقِ فِلْـذَةِ الأَكْبَادِ
كُنْ أَيُّهَا الأَبُ التَّقِيَّ المُصْلِـحَا ... إِنْ كُنْتَ فِي الأَوْلاَدِ تَرْجُو الصَّالِحَا(10)
وَاطْلُبْ مِنَ النِّسَاءِ ذَاتَ الدِّينِ ... وَاحْرِصْ وَكُنْ مِنْ ذَا عَلَى يَقِينِ
فَاخْتَرْ -هُدِيتَ- تُرْبَةً طَيِّبَـةً ... إِذَا بَذَرْتَهَا غَدَتْ مُخْـضَرَّةً(11)
بِذَلِـكَ النَّبِيُّ قَـدْ أَوْصَاكَ ... فَاظْفَرْ بِهَا أَوْ تَرِبَـتْ يَدَاكَ(12)
فَالمَرْأَةُ خَيْـرُ مَتَـاعٍ يَحْصُلُ ... لِلرَّجُلِ-إِنْ صَلُحَتْ- لَوْ يَعْقِلُ(13)
فَإِنْ وُفِّقْـتَ فَاحْمَدِ الإِلَـهَ ... فَالبَعْضُ عَنْ فَضْلٍ لَهَا قَدْ تَـاهَ
وَاحْرِصْ عَلَى السُّنَّةِ فِي الجِمَاعِ ... وَكُـنْ بِأَذْكَارِ النَّبِـيِّ دَاعِ(14)
وَلْتَـدْعُ رَبَّكَ صَلاَحَ الوَلَـدِ ... وَكُنْ بِفِعْلِ الصَّالِحِينَ مُقْتَدِي
دُعَـاؤُهُمْ فِي مُحْكَمٍ يُرَتَّلُ(15) ... وَالخَيْـرُ عِنْدَ رَبِّـكَ مُؤَمَّلُ
وَاحْفَظْـهُ يَا أُخَيَّ أَيْضًا حَمْـلَا... قَبْـلَ صُرَاخِـهِ إِذَا اسْتَهَـلَّا
لاَ تُغْـفِلَـنَّ أَمْـرَهُ جَنِيـنَا ... وَاحْرِصْ وَكُنْ لِأَهْـلِكَ مُعِيـنَا
إِيَّاكَ فَاحْـذَرَنَّ مِنْ إِيذَائِـهِ ... حَتَّى يُتِمَّ التِّسْـعَ فِي وِعَائِـهِ
فَإِنْ أَتَاكَ فَاحْمَدِ الَّذِي وَهَبْ ... مِنْ غَيْرِ مَا حَوْلٍ لَكَ إِلاَّ السَّبَبْ
لاَ تُغْفِلَـنْ تَحْنِيـكَهُ بِالتَّمْـرِ ... وَاسْـأَلْ لَهُ الإِلَـهَ كُلَّ خَيْـرِ(16)
وَاخْتَـرْ مِنَ الأَسْمَاءِ كُلَّ طَيِّبِ ... وَلْتَبْتَعِـدْ عَنْ سَـيِّءٍ وَلْتَرْغَبِ
وَاحْذَرْ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا يُحَـرَّمُ ... وَلاَ تُزَكِّيَـنْ فَـذَاكَ أَسْلَـمُ(17)
عَلَيْـكَ بَعْـدَ ذَاكَ أَنْ تَعُـقَّا ... عَقِيقَـةً عَنْـهُ قَدِ اسْتَحَـقَّا(18)
وَتَحْلِـقَـنَّ رَأْسَـهُ بِـذَاكَ ... أَوْصَـى نَبِيُّـكَ وَمُصْطَفَاكَ(19)
أَيْضًا خِتَانُ الوَلَدِ قَـدْ طُلِبَـا ... يَا حَبَّذَا إِنْ سُنَّةً أَوْ وَاجِبَـا(20)
لاَ تَحْـرِمَنَّـهُ حَلِيـبَ أُمِّـهِ ... فَفِيـهِ أَيْقِنَـنْ صَلاَحُ جِسْمِهِ
فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَـارَّ بِالوَلَدْ(21) ... فَاعْلَمْ هَدَاكَ اللهُ لِلنَّهْجِ الأَسَدّْ
أَنْفِـقْ عَلَيْهِ مِنْ حَـلاَلٍ طَيِّبِ ... نِعْمَ الحَلاَلُ الطَّيِّبُ مِنْ مَكْسَبِ
إِيَّـاكَ وَابْتَعِـدْ عَـنِ الحَـرَامِ ... وَلْتَجْتَنِـبْ مَكَـاسِبَ اللِّئَـامِ
وَلاَ تَـكُـنْ لِلْوَلَـدِ مُضَيِّـعَا ... كَفَـى بِـهِ إِثْـمًا أَخِي أَنْ تَصْنَـعَا(22)
وَاحْرِصْ عَلَى تَعْلِيمِهِ مَا يَنْفَـعُ(23) ... أَنَّا لِشَرْعِ اللهِ دَوْمًا نَخْضَـعُ
مُـرْهُ لِسَبْـعٍ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ ... ثُمَّ لِعَشْـرٍ ضَرْبُهُ لَقْـدْ ذُكِرْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مُبْرِحًا ... فَلَا تَكُـنْ إِذَا ضَرَبْتَ جَارِحًا
أَيْضًا وَفَرِّقْ يَا أَخِي فِي المَضْجَعِ ... بِذَلِكَ أَوْصَى النَّبِـيُّ فَاسْمَعِ(24)
وَازْرَعْ بِهِ مَكَـارِمَ الأَخْـلاَقِ ... وَانْأَ بِهِ عَـنْ سُبُـلِ الفُسَّـاقِ
وَارْحَمْ وَقَبِّلْ وَلْتَقُـمْ بِالعَـدْلِ ... فَتِلْكَ سِيـرَةٌ لِأَهْـلِ الفَضْـلِ
عَلِّمْهُ عِنْدَ الحُلُـمِ الَّذِي يَجِبْ ... وَمِنْهُ فِي الشَّرْعِ الحَنِيفِ قَدْ طُلِبْ
خَصِّصْ أَخِي وَقْتًا لَهُ فِي المَنْـزِلِ ... وَاسْمَعْ لِمُشْكِلاَتِهِ وَلْتَحْلُـلِ(25)
وَاشْغَـلْ بِنَافِـعٍ لَـهُ أَوْقَـاتًا ... تَأْمَـنْ عَلَيْهِ يَا أَخِي انْفِـلاَتًا(26)
يَسِّـرْ لَهُ مِـنْ بَعْدِ ذَا زَوَاجَـا ... بِالمَالِ لاَ تَبْخَلْ إِذَا مَا احْتَاجَـا
فَهَـذِهِ بَعْـضٌ مِـنَ الحُقُـوقِ ... لَعَلَّنَـا نَنْـجُـو مِـنَ العُقُـوقِ(27)
وَاللهَ أَسْـأَلُ لَـنَـا الوِقَـايَـهْ ... مِنْ سُبُـلِ الشَّيْطَانِ وَالغِـوَايَـهْ
يَـا تَالِيًـا لهَـذِهِ المَنْـظُـومَهْ ... لاَ تَبْخَلَـنْ بِدَعْـوَةٍ كَـرِيـمَهْ
لِنَـاظِـمٍ مُـفَـرِّطٍ مُقَـصِّـرِ ... فِي جَنْـبِ رَبِّهِ كَأَنْ لَمْ يُنْـذَرِ!
أَغْرَاهُ حِلْـمُ اللهِ جَهْـلاً فَاتَّكَـلْ ... عَلَى أَمَـانِيٍّ لَهُ بِئْـسَ العَمَـلْ
وَآخِـرُ المَنْـظُـومَـةِ السَّـلاَمُ ... مَا نَـاحَ فَـوْقَ الشَّجَرِ الحَمَـامُ
عَلَـى النَّبِـيِّ المُجْـتَبَـى مُحَمَّدِ ... مَنِ اقْتَفَـى سَبِيلَـهُ سَيَهْـتَدِي

أبو ميمونة منوّر عشيش
أمّ البواقي -الجزائر-

الهوامـــــــــــــــــش:

(1) من كلام الشّيخ العلاّمة صالح الفوزان –حفظه الله-، في خطبة له بعنوان "أسباب صلاح الأولاد".
(2) أخرجه النَّسائيُّ في «السّنن الكبرى»(9174)، وابن حبَّان في «صحيحه»(4492)، وهو في «السّلسلة الصّحيحة» للألبانيّ(1636).
(3) أخرجه البخاري(7138)، ومسلم(1829) واللّفظ له، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) «تحفة المودود بأحكام المولود»(ص351).
(5) «تحفة المودود بأحكام المولود»(ص337).
(6) ما بين المعقوفين من كلام الشّيخ عبد الله البخاري –حفظه الله-، في رسالة له بعنوان: «حقوق الأولاد على الآباء والأمّهات»، بتصرّف يسير.
(7) وهو قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ[النّساء:11].
والولد اسم يجمع الواحد والكثير والذّكر والأنثى(اللّسان).
(8) وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، فَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فَهُوَ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، والمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، والعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري(2554) ومسلم(1829) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(9) وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» أخرجه النَّسائيُّ في «السّنن الكبرى»(9174)، وابن حبَّان في «صحيحه»(4492)، وهو في «السّلسلة الصّحيحة» للألبانيّ(1636).
(10) قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا[الكهف:82]. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، عند هذه الآية: «فيه دليل على أنّ الرّجل الصّالح يحفظ في ذريّته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدّنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنّة، لتقرّ عينه بهم كما جاء في القرآن ووردت به السّنّة...»(3/143).
[..وليس ذلك بضرورة، إذ ليس كلّ صالح يكون أبناؤه مثله، فقد وُجد من أنبياء الله من خرج من أبنائهم من ليس على طريقتهم، والله تعالى أخبر أنّه يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ، فليس بضرورة أن يكون أهل بيته مثله في الصّلاح والإصلاح.. ] «حقوق الأولاد بتصرّف يسير».
(11) [... فلا يليق بالإنسان أن يُقدم على الزّواج إلاّ بعد استخارة الله -عزّ وجلّ- واستشارة أهل الخبرة والمعرفة، فالزّوجة هي أمّ الأولاد، وسينشئون على أخلاقها وطباعها، ثمّ إنّ لها -في الغالب- تأثيرًا على الزّوج نفسه، لذلك قيل: "المرء على دين زوجته، لما يستنزله الميل إليها من المتابعة، ويجتذبه الحبّ لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلاً، ولا إلى المباينة والمشاقّة طريقًا".
قال أكثم بن صيفي لولده: "يا بنيّ لا يحملنّكم جمال النّساء عن صراحة النّسب، فإنّ المناكح الكريمة مدرجة للشّرف".
وقال أبو الأسود الدّؤلي لبنيه: "قد أحسنتُ إليكم صغارًا وكبارًا وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف أحسنتَ إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمّهات من لا تُسبّون بها".
وأنشد الرّياشيّ: فأوّل إحساني إليكم تخيّري ... لماجدة الأعراق بادٍ عفافها...]«التّقصير في تربية الأولاد، للأستاذ: محمّد بن إبراهيم الحمد».
(12) وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أخرجه البخاري(5090) ومسلم(1466) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(13) وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» مسلم(3046) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(14) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» البخاري(5165) ومسلم(1434).
(15) ومن دعاء عباد الله الصّالحين: قول الله تعالى حاكيًا عن عبده ونبيّه زكريّا -عليه السّلام-: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[آل عمران:38]، ويقول الله تعالى في آية أخرى مخبرًا عن زكريّا -عليه السّلام-، وكيف كان يدعو ربّه ويناديه نداءً خفيًّا: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(٤) وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِي مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(٦)[سورة مريم]، ودعاء الله سبحانه وتعالى بصلاح الولد هو مطلب عباد الرّحمن وبغيتهم، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[الفرقان:74]، قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير الآية: «الّذين يسألون الله أن يُخرج من أصلابهم وذرّيّاتهم من يطيعه، ويعبده وحده لا شريك له»«تفسير القرآن العظيم(6/132)».
(16) عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: «وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى» البخاري(5467) ومسلم(2145).
(17) قال الشّيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-:«إنّي تأمّلت عامّة الذّنوب والمعاصي، فوجدت الذّنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها، تجذُمها التّوبة وتقطع سيّئ أثرها لتوِّها، فكما أنّ الإسلام يجُبّ ما قبله وأكبرُه الشّرك، فإنّ التّوبة تجُبّ ما قبلها إذا اكتملت شروطها المعتبرة شرعًا، وهي معلومة أو بحكم المعلومة.
لكن هناك معصية تتسلّل في الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد، ويتندَّر بها الرّجال على الرّجال، والوِلْدان على الوِلْدان، والنّسوة على النّسوان، فالتّوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العَثار، لأنّها مسجّلة في وثائق المعاش من حين استهلال المولود صارخًا في هذه الحياة الدّنيا إلى ما شاء الله من حياته، في شهادة الميلاد، وحفيظة النّفوس، وبطاقة الأحوال، والشّهادات الدّراسيّة، ورخصة القيادة، والوثائق الشّرعيّة...
إنّها تسمية المولود، الّتي تعثّر فيها "الأب" فلم يهتد لاسم يقرّه الشّرع المطهّر، ويستوعبه لسان العرب، وتستلهمه الفطرة السّليمة.
وهذه واحدة من إفرازات التّموّجات الفكريّة الّتي ذهبت ببعض الآباء كلّ مذهب، كلّ بقدر ما تأثّر به من ثقافة وافدة، وكان من أسوئها ما نفث به بعض المستغربين منها من عشقٍ كلِفٍ، وظمإٍ شديد لأسماء الكافرين، والتقاط كلّ اسم رخوٍ، في تخاذل وعزوف سادرٍ عن زينة المواليد "الأسماء الشّرعيّة"...»«تسمية المولود».
(18) عن سلمان بن عامر الضَّبّيِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» البخاري(5471).
(19) وهو قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُسَمَّى فِيهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» رواه أهل السّنن كلّهم، وصحّحه الألبانيّ في الإرواء(1165).
(20) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ» البخاري(5889) ومسلم(257).
(21) قال الله تعالى: ﴿وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ،لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ،وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ،لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا،لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ[البقرة:233]،قال ابن القيّم -رحمه الله- في «تحفة المودود» فدلّت الآية على عدّة أحكام:
قال الإمام الزّهريُّ: «نهى الله أن تُضارَّ والدةٌ بولدها، وذلك أن تقول الوالدة: لستُ مرضعتَهُ، وهي أمثل له غذاءً وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه، وليس للمولود له أن يضارّ بولده والدَتَهُ، فيمنعها أن ترضعه ضرارًا لها إلى غيرها»(علّقه البخاريُّ في صحيحه(كتاب النّفقات/باب وقال تعالى: ﴿وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ(9/ص504-الفتح)))«حقوق الأولاد».
(22) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رواه أبو داود (السّنن:1692)، والنّسائيّ (السّنن:9177)، وأحمد في مواضع من المسند (6536/6863/6872)وغيرهم، وحسّنّه العلاّمة الألبانيّ في الإرواء (3/407).
(23) وأوّل ما يتعلَّمه الولد هو عقيدة التَّوحيد، كما قرّره العلماء سلفًا وخلفًا، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «فإذا كان وقت نطقهم؛ فليُلقَّنوا "لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله"، وليكن أوَّل ما يقرع مسامعهم: معرفة الله -سبحانه- وتوحيده، وأنّه -سبحانه- فوق عرشه، ينظر إليهم، ويسمع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا»«تحفة المودود بأحكام المولود»(ص231).
(24) وهو قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ» أخرجه أبو داود (495) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصحّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود»(466).
(25) «...فمن حقوق الأولاد على الآباء والأمّهات، الإصغاء إلى إشكالاتهم، وحلّها بطريقة عقليّة متّزنة، والنّظر فيها بحكمة تامّة.
فبعض الأمور تحتاج إلى حزم، وبعضها تحتاج إلى غضّ طرف، وكلّ ذلك بحسب الإشكال والمشكل، وقد لا يكون عند الشّاب أو البنت -من الأبناء- أمر مقلق يحتاج معه إلى مشورة، فخير من يشاور الابن والبنت الوالدان الأب والأمّ...»«حقوق الأولاد بتصرّف يسير».
(26) «...فلا حرج من أن يفرِّغ الإنسان شيئًا من أوقاته وينظِّمها لأولاده، فيجعل لهم أوقاتًا، أو قل-إن شئت- جدولاً فيه ترتيبات لهم، برنامج علميّ، برنامج ترفيهيّ مباح، برنامج ثقافيّ...وغير ذلك من النّافع المفيد.
ولهذا نجد أنّ بعض أهل الأهواء يستغلّون أوقات فراغ الطّلاّب والشّباب من أبنائنا، فيجمعونهم ويحرّفونهم عن النّهج القويم، لأنّ الوالدين لا يجدان أو لا يعرفان أصلاً طريقة لشغل أوقات أبنائهم بما ينفعهم، فإذا بهما يجدان بعد حين أنّ الولد قد عصاهما وعقّهما من وجه آخر، فتلبّس بفكر منحرف خارجيّ ضالّ مثلاً، أو أيٍّ من أنواع الانحرافات العقديّة والمنهجيّة، وأن أنّه انحرف انحرافًا سلوكيًّا أخلاقيًا، فيصيح الوالدان حينها ندمًا، ولات حين مندمٍ...»«حقوق الأولاد بتصرّف».
(27) أردتُ هنا نوعَي العقوق وضربَيه، سواء عقوق الأبناء للآباء، وهذا أعظم إثمًا وأشدّ جرمًا، أو عقوق الآباء لأبنائهم، من تقصير في حقوقهم، وإهمال لتربيتهم، فغالبًا ما يستلزم الثّاني منهما الأوّل؛ كما قال ابن القيّم -رحمه الله-: «وأكثر الأولاد إنَّما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترْك تعليمهم فرائض الدِّين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضُهم ولدَه على العقوق، فقال: يا أبتِ إنَّك عقَقْتَني صغيرًا، فعقَقْتُك كبيرًا، وأضعتَني وليدًا، فأضعتُك شيخًا كبيرًا»«تحفة المودود ص337».


التعديل الأخير تم بواسطة أبو ميمونة منور عشيش ; 25 Jan 2016 الساعة 10:18 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01 Feb 2016, 12:20 AM
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 352
افتراضي

منظومة جميلة لطيفة ***** أبياتها سلسة خفيفة
موضوعها أضاعه الفئام **** من ذا الورى كأنهم نيام
ومن يضع ولده صغيرا ***** أضاعه ما إن يصر كبيرا
جزاك ربي احسن الجزاء ***** مجنبا لك من الاهواء
مثبتا لك على الطريق ***** ومخرجا لك من كل ضيق
يارب داومن لنا الانعاما ***** واجعل توحيدك لنا ختاما
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03 Feb 2016, 11:32 AM
أبو ميمونة منور عشيش أبو ميمونة منور عشيش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: أم البواقي / الجزائر
المشاركات: 582
افتراضي

جزاك الله خيرًا أبا عبد الرّحمن، وشكرًا على المقطوعة البديعة، زادك الله توفيقًا وسدادًا، آمين..
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03 Feb 2016, 10:41 PM
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 352
افتراضي

واياكم اخي الحبيب
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
حقوق الأولاد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013