( تنبيه ) : رأيت بعضهم يحرك إصبعه بين السجدتين وعمدته في ذلك أن ابن القيم ذكره في " زاد المعاد " كما ذكر التحريك في التشهد ولا أعلم له فيه مستندا سوى رواية شاذة في حديث وائل هذا فوجب تحرير القول في ذلك فأقول : اعلم أن هذا الحديث يرويه عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل .
ويرويه عن عاصم جمع من الثقات وقد اتفقوا جميعا على ذكر رفع السبابة فيه لكنهم انقسموا إلى ثلاث فئات من حيث تعيين مكان الرفع .
الأولى : أطلق ولم يحدد المكان منهم زائدة بن قدامة وبشر بن المفضل وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وإن كان ظاهر سياقهم يدل على أنه في التشهد .
الثانية : صرحوا بأنه في جلسة التشهد منهم ابن عيينة في رواية للنسائي ( 1 / 173 ) وشعبة عند ابن خزيمة في " صحيحه " ( رقم 697 ) وأحمد ( 4 / 319 )وأبو الأحوص عند الطحاوي ( 1 / 152 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 22 / 34 / 80 ) وخالد عند الطحاوي وزهير بن معاوية وموسى بن أبي كثير وأبو عوانة ثلاثتهم عند الطبراني رقم ( 84 و89 و90 ) .
وخالف هؤلاء جميعا عبد الرزاق في روايته عن الثوري فقال في " المصنف " ( 2 / 68 / 2522 ) وعنه أحمد ( 4 / 317 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 22 / 34 / 81 ) : عن الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : " رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه ني الصلاة حين كبر . . [ وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ]
ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى وذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته . . ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه " .
قلت : والسياق للمصنف والزيادة لأحمد .
فذكره السجدة الثانية بعد الإشارة بالسبابة خطأ واضح لمخالفته لرواية كل من سبق ذكره من الثقات فإنهم جميعا لم يذكروا السجدة بعد الإشارة وبعضهم ذكرها قبلها وهو الصواب يقينا وإنما لم يذكروا معها السجدة الثانية اختصارا .
وقد ذكرها زهير بن معاوية فقال : " . . ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه ثم تعد فافترش رجله اليسرى . . ثم رأيته يقول هكذا ورفع زهير أصبعه المسبحة " .
رواه الطبراني بالرقم المتقدم آنفا ( 84 ) .
وقد يقول قائل : لقد ظهر بهذا التحقيق خطأ ذكر التحريك بين السجدتين ظهورا لا يدع ريبا لمرتاب .
ولكن ممن الخطأ ؟ أمن الثوري الذي خالف جميع الثقات أم من عبد الرزاق الذي أخطأ هو عليه ؟ فأقول : الذي أراه - والله أعلم - أن الثوري برئ من هذا الخطأ وأن العهدة فيه على عبد الرزاق وذلك لسببين : الأول : أن عبد الرزاق وإن كان ثقة حافظا فقد تكلم فيه بعضهم ولعل ذلك لما رأوا له من الأوهام وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " التهذيب " : " ومما أنكر على عبد الرزاق روايته عن الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال : أجديد هذا أم غسيل ؟ الحديث .
قال الطبراني في " الدعاء " : رواه ثلاثة من الحفاظ عن عبد الرزاق وهو مما وهم فيه عن الثوري " .
قلت : وممن أنكر هذا على عبد الرزاق يحيى بن معين كما رواه ابن عدي في " الكامل " ( 5 / 1948 ) فليكن حديث وائل من هذا القبيل .
ويؤيده السبب التالي : والآخر : أنه خالفه عبد الله بن الوليد عند أحمد ( 4 / 318 ) ومحمد بن يوسف الفريابي فروياه عن الثوري - سماعا منه - به دون ذكر السجدة بعد الإشارة .
فاتفاق هذين الثقتين على مخالفة عبد الرزاق مما يرجح أن الخطأ منه وليس من الثوري ولا سيما والفريابي كان من تلامذة الثوري الملازمين له فهو أحفظ لحديثه من عبد الرزاق وبخاصة ومعه عبد الله بن الوليد وهو صدوق .
( تنبيه ) : لقد أخطأ في حديث عبد الرزاق هذا رجلان : أحدهما : المعلق على " المصنف " فإنه قال في تخريجه : " أخرجه الأربعة إلا الترمذي وهق " .
قلت : فغفل عما في سياق " المصنف " من الشذوذ ثم أوهم أنه عند المذكورين بهذا اللفظ الشاذ الذي اعتمد عليه ابن القيم فأورد الحديث في الجلسة بين السجدتين كما تقدم .
والآخر : المعلق على " زاد المعاد " فإنه غفل أيضا عن صنيع ابن القيم المشار إليه آنفا وتجاوب معه حين خرج الحديث معلقا عليه بين السجدتين فعزاه لبعض من عزاه الرجل الأول وزاد فقال : " وصححه ابن خزيمة وابن حبان " ومن غفلته البالغة أن ابن القيم لما أعاد ذكر التحريك في التشهد ( 1 / 242 ) لم يخرجه المعلق مطلقا فكأنه اكتفى بتخريجه السابق ولو أنه صاحبه التوفيق لعكس ما صنع ولوضع التخريج في الموضع الثاني دون الأول .
تمام المنة في التعليق على فقه السنة
تأليف محمد ناصر الدين الألباني ص214
|