منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 17 Nov 2016, 08:17 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي فوائـد متنوعـة فـي طريقـة طلـب العلـم / للشيخ بن عثيمين –رحمه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم

فوائـد متنوعـة فـي طريقـة طلـب العلـم
للشيخ بن عثيمين –رحمه الله-

الفائدة الأولى:

لابد لطالب العلم من مراعاة عدة أمور عند طلبه لأي علم من العلوم:
أولاً: حفظ متن مختصر فيه.
فإذا كنت تطلب النحو:
فإن كنت مبتدئًا فلا أرى أحسن من متن الأجرومية، لأنه واضح وجامع وحاصر وفيه بركة، ثم متن ألفية ابن مالك، لأنها خلاصة علم النحو كما قال هو نفسه:
أحصى من الكفاية الخلاصة كما أقتضى غنى بلا خصاصة
وأما في الفقه:
فمتن زاد المستقنع، لأنه كتاب مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس، وإن كان بعض المتون الأخرى أحسن منه من وجه، لكن هو أحسن من حيث كثرة المسائل الموجودة فيه، ومن حيث إنه مخدوم.
وأما في الحديث:
فمتن عمدة الأحكام، وإن ترقيت فبلوغ المرام، وإن كنت تقول هذا أو هذا، فبلوغ المرام أحسن، لأنه كثر جمعًا للأحاديث، ولأن الحافظ ابن حجر- رحمه الله- بيّن درجة الحديث.
وأما في التوحيد:
فمن أحسن ما قرأنا متن كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله.
وأما في توحيد الأسماء والصفات:
فمن أحسن ما قرأت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فهو كتاب جامع مبارك مفيد، وهلم جرا، خذ من كل فن تطلبه متنًا مختصرًا فيه واحفظه.
ثانيًا: ضبطه وشرحه على شيخ متقن وتحقيق ألفاظه وما كان زائدًا أو ناقصًا.
ثالثًا: عدم الاشتغال بالمطولات، وهذه الفقرة مهمة لطالب العلم، فلابد لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولاً حتى ترسخ العلوم في ذهنه ثم يفيض إلى المطولات، لكن بعض الطلبة قد يغرب فيطالع المطولات، ثم إذا جلس مجلسًا قال: قال صاح المغني، قال صاحب المجموع، قال صاحب الإنصاف، قال صاحب الحاوي، ليظهر أنه واسع الاطلاع، وهذا خطأ نحن نقول: ابدأ بالمختصرات
حتى ترسخ العلوم في ذهنك، ثم إذا من الله عليك، فاشتغل بالمطولات، وقياس ذلك بالأمر المحسوس أن ينزل من لم يتعلم السباحة إلى بحر عميق فإنه لا يستطيع أن يتخلص فضلاً عن أن يتقن.
رابعًا: لا تنتقل من مختصر إلى أخر بلا موجب فهذا من باب الضجر، وهذه آفة عظيمة تقطع على الطالب طلبه وتضيّعُ عليه أوقاته، فإذا كان كل يوم له كتاب يقرأ فيه، فهذا خطأ في منهج طالب العلم، فإذا قررت كتابًا في كتب العلم فاستمر فيه، ولا تقول أقرأ كتابًا أو فصلاً من هذا الكتاب ثم أنتقل للآخر، فإن هذا مضيعة للوقت.
خامسًا: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية: فهناك فوائد لا تكاد تطرأ على الذهن، أو يندر ذكرها والتعرض لها، أو تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها، فهذه اقتنصها، وقيدها بالكتابة، ولا تقل هذه معلومة عندي، ولا حاجة أن أقيدها، لأنها سرعان ما تنسى، وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد، ثم بعد فترة وجيزة يتذكرها ولا يجدها.

لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو يتجدد وقوعها، ومن أحسن ما ألف في هذا الموضوع كتاب العلامة ابن القيم- رحمه الله- "بدائع الفوائد" فقد جمع فيه من بدائع العلوم، ما لا تكاد تجده في كتاب آخر، فهو جامع في كل فن، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيدها، ولهذا تجد فيه من علم العقائد، والفقه، والحديث، والتفسير، والنحو، والبلاغة وغيرها.
وأيضًا احرص على الاهتمام بالضوابط.
ومن الضوابط: ما يذكره العلماء تعليلاً للأحكام، فإن كل التعليلات للأحكام الفقهية تعتبر ضوابط؛ لأنها تبنى عليها الأحكام، فهذه احتفظ بها، وسمعت أن بعض الإخوان يتتبع هذه
الضوابط في الروض المربع ويحررها، وقلت من الأحسن أن يقوم بهذا طائفة، تتبع الروض المربع من أوله إلى آخره كلما ذكر علة تقيد؛ لأن كل علة يبنى عليها مسائل كثيرة، إذ أن العلم له ضابط، فكل ضابط يدخل تحته جزئيات كثيرة.
فمثلاً إذا شك في طهارة ماء أو بنجاسته فنه يبني على اليقين، فهذه العلة تعتبر حكما وتعتبر ضابطًا.
أيضًا يعلل بأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فإذا شك في نجاسة طاهر فهو طاهر، أو في طهارة نجس فهو نجس؛ لأن الأصل بقاء ماكان على ماكان.
فإذا حرص طالب العلم ودوّن كل ما مر عليه من هذه التعليلات وحررها وضبطها ثم حاول في المستقبل أن يبني عليها مسائل جزئية لكان في هذا فائدة كبيرة له ولغيره.
سادسًا: جمع النفس للطلب: فلا يشتتها يمينًا ويسارًا، اجمع النفس على الطلب ما دمت مقتنعًا بان هذا منهجك وسبيلك، وأيضًا اجمع نفسك على الترقي فيه لا تبقى ساكنًا. فكر فيما وصل إليه علمك من المسائل والدلائل حتى تترقى شيئًا فشيئًا، واستعن بمن تثق به من زملائك وإخوانك فيما إذا احتاجت المسألة إلى استعانة، ولا تستح أن تقول يا فلان ساعدني على تحقيق هذه المسألة بمراجعة الكتب، الحياء لا ينال العلم به أحد، فلا ينال العلم مستحي ولا مستكبر.

الفائدة الثانية :
في طريقة طلب العلم:
مما ينبغي لطالب العلم مراعاته تلقي العلم عن الأشياخ، لأنه يستفيد بذلك فوائد عدة:
1- اختصار الطريق، فبدلاً من أن يذهب يقلب في بطون الكتب وينظر ما هو القول الراجح وما سبب رجحانه، وما هو القول الضعيف وما سبب ضعفه، بدلاً من ذلك كله، يمد إليه المعلم ذلك
بطريق سهل ويعرض له خلاف أهل العلم في المسائل على قولين أو ثلاثة مع بيان الراجح، والدليل كذا، وهذا لاشك أنه نافع لطالب العلم.
2- السرعة في الإدراك، فطالب العلم إذا كان يقرأ على عالم فإنه يدرك بسرعة أكثر مما لو ذهب يقرأ في الكتب، لأنه إذا قرأ في الكتب تمر عليه العبارات المشكلة والغامضة فيحتاج إلى التدبير وتكرار العبارات مما يأخذ منه الوقت والجهد، وربما فهمها على وجه خطأ وعمل بها.
3- الربط بين طلاب العلم والعلماء الربانيين، لذلك القراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه.

الفائدة الثالثة :
في طريقة طلب العلم:
إذا دعت الحاجة للسؤال فليحسن طالب العلم السؤال، أما إذا لم تدع الحاجة فلا يسأل، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل إلا إذا احتاج هو أو ظن أن غيره يحتاج إلى السؤال، فقد يكون مثلاً في درس، وهو فاهم الدرس ولكن فيه مسائل صعبة تحتاج إلى بيانها لبقية الطلبة، فيسأل من أجل حاجة غيره، والسائل لحاجة غيره كالمعلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه جبريل عليه السلام وسأله عن الإيمان، والإحسان، والإسلام، والساعة وأشراطها، قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " (1) ، فإذا كان الباعث على السؤال حاجة السائل فسؤاله وجيه، أو حاجة غيره وسأل ليعلم غيره فهذا أيضًا وجيه وطيب.
أما إذا سأل ليقول الناس: ما شاء الله فلان عنده حرص على العلم، كثير السؤال، فهذا غلط، وعلى العكس من ذلك من يقول: لا أسأل حياء، فالثاني مفرِّط والأول مُفرِط، وخير الأمور الوسط. كذلك ينبغي أن يكون عند طالب العلم حسن الاستماع لجواب العالم، وصحة الفهم للجواب، فبعض الطلبة إذا سأل وأجيب تجده
يستحي أن يقول ما فهمت.
والذي ينبغي لطالب العلم إذا لم يفهم أن يقول ما فهمت، لكن بأدب وتوقير للعالم.

الفائدة الرابعة :
في طريقة طلب العلم:
الحفظ ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: غريزي: يهبه الله تعالى لمن يشاء، فتجد الإنسان ترد عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه.
والقسم الثاني: كسبي: بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ، ويتذكر ما حفظ فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ، سهل عليه حفظه.

الفائدة الخامسة :
في طريقة طلب العلم:
المجادلة والمناظرة نوعان:
النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء، ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله فهذه مذمومة.
النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه، فهذه محمودة مأمور بها، وعلامة ذلك- أي المجادلة الحقة- أن الإنسان إذا بان له الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان أن الحق مع خصمه، يورد إيرادات يقول: لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال: لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال: لو قال قائل، ثم تكون سلسلة لا منتهى لها، ومثل هذا عليه خطر ألا يقبل قلبه الحق، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر ولكن في خلوته، ربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات فيبقى في شك وحيرة، كما قال الله تبارك وتعالى:
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)) (2) وقال الله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)) (3) .
فعليك يا أخي بقبول الحق سواء مع مجادلة غيرك أو مع نفسك، فمتى تبين لك الحق فقل: سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا.
ولهذا تجد الصحابة رضي الله عنهم يقبلون ما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام أو ما أخبر به دون أن يوردوا عليه الاعتراضات.
فالحاصل أن المجادلة إذا كان المقصود بها إثبات الحق وإبطال الباطل فهي خير، وتعودها وتعلمها خير لاسيما في وقتنا هذا، فإنه كثر فيه الجدال والمراء، حتى أن الشيء يكون ثابتًا وظاهرًا في القرآن
والسنة ثم يورد عليه إشكالات.
وهنا مسألة: وهي أن بعض الناس يتحرج من المجادلة حتى وإن كانت حقًا استدلالاً بحديث: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا" (4) فيترك هذا الفعل.
فالجواب: من ترك المراء في دين الله فليس بمحق إطلاقًا؛ لأن هذا هزيمة للحق، لكن قد يكون محقًا إذا كان تخاصمه هو وصاحبه في شيء ليس له علاقة بالدين أصلاً، قال: رأيت فلانًا في السوق،
ويقول الآخر: بل رأيته في المسجد، ويحصل بينهما جدال وخصام فهذه هي المجادلة المذكورة في الحديث، أما من ترك المجادلة في نصرة الحق فليس بمحق إطلاقًا فلا يدخل في الحديث.

الفائدة السادسة :

في طريقة طلب العلم:
من الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يهتم بها المذاكرة، والمذاكرة نوعان:
النوع الأول: مذاكرة مع النفس، بأن تجلس مثلاً جلسة وحدك ثم تعرض مسألة من المسائل أو مسألة قد مرت عليك، ثم تأخذ في محاولة عرض الأقوال وترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضها على بعض، وهذه سهلة على طالب العلم، وتساعد على مسألة المناظرة السابقة.
النوع الثاني: مذاكرة مع الغير، بن يختار من إخوانه الطلبة من يكون عونًا له على طلب العلم، مفيدًا له، فيجلس معه ويتذاكرون، يقرآ مثلاً ما حفظاه، كل واحد يقرأ على الآخر قليلاً، أو يتذاكران في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده، لكن إياك والشغب والصلف؛ لأن هذا لا يفيد.

الفائدة السابعة :
في طريقة طلب العلم:
كراهية التزكية والمدح والتكبر على الخلق:
وهذا يبتلى بها بعض الناس فيزكي نفسه، ويرى أن ما قاله هو الصواب وأن غيره إذا خالفه فهو مخطئ وما أشبه ذلك، كذلك حب المدح تجده يسأل عما يقال عنه؛ فإذا وجد أنهم مدحوه انتفخ وزاد انتفاخه حتى يعجز جلده عن تحمل بدنه، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس- والعياذ بالله- إذا آتاه الله علمًا تكبر، ربما يتكبر الغني بالمال، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم -: " العائل المستكبر من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم " (5) ، لأنه ليس عنده مال يوجب الكبرياء، لكن العالم لا ينبغي أن يكون كالغني كلما ازداد علمًا ازداد تكبرًا، بل ينبغي العكس كلما ازداد علمًا ازداد تواضعًا؛ لأن من العلوم التي يقرأها أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخلاقه كلها تواضع للخلق، لكن على كل حال إذا تعارض التواضع للحق مع التواضع للخلق أيهما يقدم؟
يقدم التواضع للحق، فمثلاً: لو كان هناك إنسان يسب الحق ويفرح بمعاداة من يعمل به، فهنا لا تتواضع له، تواضع للحق، وجادل هذا الرجل حتى وإن أهانك أو تكلم فيك فلا تهتم به، فلابد من نصرة الحق.

الفائدة الثامنة :
في طريقة طلب العلم:
زكاة العلم تكون بأمور:
الأمر الأول: نشر العلم: نشر العلم من زكاته، فكما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دومًا وأقل كلفة ومؤونة، أبقى دومًا، لأنه ربما كلمة من عالم تسمع ينتفع بها أجيال من الناس وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة- رضي الله عنه- ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده، وكذلك العلماء ننتفع بكتبهم ومعهم زكاة وأي زكاة، وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده كما قيل: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفا شددت
الأمر الثاني: العمل به: لأن العمل به دعوة إليه بلا شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم، بأخلاقه وأعماله أكثر مما يتأسون بأقواله، وهذا لا شك زكاة.
الأمر الثالث: الصدع بالحق: وهذا من جملة نشر العلم، ولكن النشر قد يكون في حال السلامة وحال الأمن على النفس، وقد يكون في حال الخوف على النفس، فيكون صدعًا بالحق.
الأمر الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لاشك أن هذا من زكاة العلم؛ لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عارف للمعروف وعارف للمنكر، ثم قائم بما يجب عليه من هذه المعرفة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الفائدة التاسعة:
في طريقة طلب العلم:
موقف طالب العلم من وَهْمِ وخطا العلماء:
هذا الموقف له جهتان:
الأولى: تصحيح الخطأ: وهذا أمر واجب، يجب على من عثر على وهم إنسان ولو كان من أكبر العلماء أن ينبه على هذا الوهم وعلى هذا الخطأ؛ لأن بيان الحق أمر واجب، وبالسكوت يمكن أن يضيع الحق لاحترام من قال بالباطل؛ لأن احترام الحق أولى بالمراعاة.
لكن هل يصرح بقائل الوهم أو الخطأ؟ أو يقول توهم بعض الناس فقال كذا وكذا؟
الجواب: ينظر لما تقتضيه المصلحة، قد يكون من المصلحة ألا يصرح، كما لو كان يتكلم عن عالم مشهور في عصره موثوق عند الناس، محبوب إليهم، يقول: قال فلان: كذا، وكذا وهذا خطأ، فإن العامة لا يقبلون كلامه بل يسخرون منه ولا يقبلون الحق، ففي هذه الحال ينبغي أن يقول: من الخطأ أن يقول القائل كذا وكذا، ولا يذكر اسمه، وقد يكون هذا الرجل الذي توهم متبوعًا، يتبعه شرذمة من الناس وليس له قدر في المجتمع فحينئذٍ يصرح لئلا يغتر الناس به، فيقول: قال فلان كذا وكذا وهو خطأ.
الثانية: أن يقصد بذلك بيان معايبه لا بيان الحق من الباطل، وهذه تقع من إنسان حاسد- والعياذ بالله- يتمنى أن يجد قولاً ضعيفًا أو خطأ لشخص ما فينشره بين الناس، ولهذا نجد أهل البدع يتكلمون في شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وينظرون إلى أقرب شيء يمكن أن يقدح به فينشرونه ويعيبونه، مثلاً يقولون خالف الإجماع في أن الطلاق الثلاث واحدة فيقولون هذا شاذ ومن شذ شذَّ في النار، وأمثال هذا كثير.
المهم أن يكون قصدك من البيان إظهار الحق، ومن كان قصده الحق وفق لقبوله، أما من كان قصده أن يظهر عيوب الناس فإنه جاء في الحديث عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ايا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، (6) ، فإذا عثرت على وهم عالم، حاول أن تدفع اللوم عنه وأن تذب عنه، لاسيما إذا كان من العلماء المشهود لهم بالعدالة والخير ونصح الأمة.

الفائدة العاشرة :
في طريقة طلب العلم:
في المقصود ببركة العلم:
قبل بيان المقصود بالبركة في العلم لابد أن نعرف البركة فهي كما يقول العلماء: "الخير الكثير الثابت ".
ويعيدون ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة فنها من البِرْكة وهي مجمع الماء، والبركة التي هي مجمع الماء مكان واسع، ماؤه كثير ثابت، فالبركة هي الخيرات الكثيرة الثابتة من كل فيء، من المال ومن الولد
ومن العلم وكل شيء أعطاه الله- عز وجل- لك تسأل الله سبحانه البركة فيه؛ لأن الله- عز وجل- إذا لم يبارك لك فيما أعطاك حرمت خيرًا كثيرًا.
ما أكثر الناس الذين عندهم المال الكثير وهم في عداد الفقراء لماذا؟ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، تجد عندهم من الأموال ما لا يحصى، لكن يُقصّر على أهله في النفقة، وعلى نفسه ولا ينتفع بماله، والغالب أن من كانت هذه حاله وبخل بما يجب عليه أن يسلط الله على أمواله آفات تذهبها، كثير من الناس عنده أولاد لكن أولاده لم ينفعوه، عندهم عقوق واستكبار على الأب، حتى إنه- أي الولد- يجلس إلى صديقه الساعات الطويلة يتحدث إليه ويأنس به ويفضي إليه أسراره- لكنه إذا جلس عند أبيه، فإذا هو كالطير المحبوس في
القفص- والعياذ بالله- لا يأنس بأبيه، ولا يتحدث إليه، ولا يفضي إليه بشيء من أسراره، ويستثقل حتى رؤية والده: فهؤلاء لم يبارك لهم في أولادهم.

أما البركة في العلم فتجد بعض الناس قد أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي فلا يظهر أثر العلم عليه في عباداته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يكسبه
العلم استكبارًا على عباد الله وعلوًا عليهم واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن الذي منَّ عليه بالعلم هو الله، وأن الله لو شاء لكان مثل هؤلاء الجهال.
تجده قد أعطاه الله علمًا، ولكن لم ينتفع الناس بعلمه. لا بتدريس ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه، لم يبارك الله له في العلم، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله العبد؛ لأن العلم إذا علمته غيرك، ونشرته بين الأمة، أجرت على دْلك من عدة وجوه:
أولاً: أن في نشرك العلم نشرًا لدين الله- عز وجل- فتكون من المجاهدين، فالمجاهد في سبيل الله يفتح البلاد بلدًا بلدًا حتى ينشر فيها الدين، وأنت تفتح القلوب بالعلم حتى تنشر فيها شريعة الله عز وجل.
ثانيًا: من بركة نشر العلم وتعليمه، أن فيه حفظًا لشريعة الله وحماية لها، لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة، فالشريعة لا تحفظ إلا برجالها رجال العلم، ولا يمكن حماية الشريعة إلا برجال العلم، فإذا نشرت العلم، وانتفع الناس بعلمك، حصل في هذا حماية لشريعة الله، وحفظ لها.
ثالثًا: فيه أنك تُحسن إلى هذا الذي علمته، لأنك تبصره بدين الله - عز وجل- فذا عبد الله على بصيرة، كان لك من الأجر مثل أجره، لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعل الخير، فالعلم في نشره خير وبركة لناشره ولمن نشر إليه. رابعًا: أن في نشر العلم وتعليمه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علم الناس، لأنه استذكار لما حفظ، وانفتاح لما لم يحفظ، وما أكثر ما يستفيد العالم من طلبة العلم، فطلابه الذين عنده أحيانًا يأتون له بمعان ليست له على بال، ويستفيد منهم وهو يعلمهم، وهذا شيء مشاهد.

ولهذا ينبغي للمعلم إذا استفاد من الطالب، وفتح له الطالب شيئًا من أبواب العلم- ينبغي له- أن يشجع الطالب، وأن يشكره على ذلك، خلافًا لما يظنه بعض الناس أن الطالب إذا فتح عليه، وبين له شيئًا كان خفيًا عليه تضايق المعلم، يقول هذا صبي يعلم شيخًا فيتضايق، ويتحاشى بعد ذلك أن يتناقش معه، خوفًا من أن يطلعه على أمر قد خفي عليه، وهذا من قصور علمه بل من قصور عقله، لأنه إذا من الله عليك بطلبة يذكرونك ما نسيت، ويفتحون عليك ما جهلت، فهذا من نعمة الله عليك، فهذا من فوائد نشر العلم أنه يزيد إذا علمت العلم كما قال القائل مقارنًا ببين المال والعمل يقول في العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددت إذا شددت به كفا، وأمسكته نقص، أي تنساه، ولكن إذا نشرته يزداد.

وينبغي للإنسان عند نشر العلم أن يكون حكيمًا في التعليم، بحيث يلقي على الطلبة المسائل التي تحتملها عقولهم فلا يأتي إليهم بالمعضلات، بل يربيهم بالعمل شيئًا فشيئًا.
ولهذا قال بعضهم في تعريف العالم الرباني: العالم الرباني هو: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
ونحن نعلم جميعًا أن البناء ليس يؤتى به جميعًا حتى يوضع على الأرض فيصبح قصرًا مشيدًا بل يبني لبنة لبنة، حتى يكتمل البناء، فينبغي للمعلم أن يراعي أذهان الطلبة بحيث يلقي إليهم ما يمكن لعقولهم أن تدركه، ولهذا يؤمر العلماء أن يحدثوا الناس بما يعرفون.

قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: إنك لن تحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
كذلك أيضًا ينبغي للمعلم أن يعتني بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد هي التي يبنى عليها العلم.
وقد قال العلماء: من حرم الأصول حرم الوصول، أي لا يصل إلى الغاية إذا حرم الأصول، فينبغي أن يلقي على الطلبة القواعد والأصول التي تتفرع عليها المسائل الجزئية؛ لأن الذي يتعلم على
المسائل الجزئية لا يستطيع أن يهتدي إذا أتته معضلة فيعرف حكمها، لأنه ليس عنده أصل.

__________
(1) رواه البخاري/كتاب الإيمان/باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، والإسلام والإحسان، برقم (50) . ومسلم/كتاب الإيمان/باب بيان الإيمان والإسلام ووجوب الإيمان بثبات قدر الله سبحانه وتعالى، برقم (8) (9) .
(2) سورة الأنعام، الآية: 110.
(3) سورة المائدة، الآية: 49.
(4) رواه أبو داود/كتاب الأدب/باب في حسن الخلق، برقم (4800) .
(5) انظر: صحيح مسلم/كتاب الإيمان/باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، برقم (107) .
(6) رواه الترمذي/كتاب البر/باب ما جاء في تعظيم المؤمن برقم (1955) .

مجموع فتاوى ورسائل العثيمين رحمه الله
الشاملة : 208/26 225/26

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
العثيمين, تزكية, فوائدمتنوعة, طريقةطلب العلم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013