منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01 Dec 2015, 04:22 PM
طه صدّيق طه صدّيق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 312
افتراضي من أحسن ما كتب حول إجماع أهل السنة على أن أخبار الآحاد تفيد العلم

قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة (ص214- 217) :
فصل ونشتغل الآن بالجواب عن قولهم فيما سبق :
"إن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم ، وهذا رأس شغب المبتدعة في ردّ الأخبار ، وطلب الدليل من النظر ، والاعتبار فنقول وبالله التوفيق .
إن الخبر إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الثقات والأئمة ، وأسندوه خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول ، فأنه يوجب العلم فيما سبيله العلم .
هذا قول عامَّة أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة ، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدريَّة والمعتزلة ، وكان قصدهم منه ردَّ الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول ، ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم ، فإنهم تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد ، ترى أصحاب القدر يستدلون بقوله :
188- كل مولود يولد على الفطرة .
وبقوله :
189- خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم .
وترى أهل الإرجاء يستدلون بقوله :
190- من قال لا إله إلا الله دخل الجنة .قال ، وإن زنى وإن سرق ، قال : نعم وإن زنى وإن سرق.
وترى الرافضة يستدلون بقوله :
191- يجاء بقوم من أصحابي فيسلك بهم ذات الشمال ، فأقول أصحابي أصحابي ، فيقال : أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم .
وترى الخوارج يستدلون بقوله :
192- سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وبقوله :
193- لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين / يسرق وهو مؤمن .
إلى غير هذا من الأحاديث التي يستدل لها أهل الفرق .
ومشهور ومعلوم استدلال أهل السنة بالأحاديث ، ورجوعهم إليها ، فهذا إجماع منهم على القول بأخبار الآحاد . وكذلك أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله وفي مسائل القدر ، والرؤية ، وأصل الإيمان ، والشفاعة والحوض ، وإخراج الموحدين المذنبين من النار ، وفي صفة الجنة والنار ، وفي الترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين عليهم السلام ، وكذلك أخبار الرقائق والعظات ، وما أشبه ذلك مما يكثر عدَّه وذكره ، وهذه الأشياء كلها علمية لا عملية ، وإنما تروى لوقوع علم السامع بها .
فإذا قلنا : أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفعه ، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه ، وربما يرتقي هذا القول إلى أعظم من هذا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه ، ليؤدوه إلى الأمة ، ونقلوا عنه ، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح " .


التعديل الأخير تم بواسطة طه صدّيق ; 01 Dec 2015 الساعة 04:26 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02 Dec 2015, 11:34 AM
إسحاق بارودي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

مزيدا للفائدة أحببت إضافة مايلي :

قال الشيخ ربيع المدخلي في كتابه " حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام" :
"الشبهة الرابعة عشرة:
قوله: "لم يبلغوها للأمم بالتواتر مع علمهم بأن اتباع الظن غير جائز في الإسلام إلا لضرورة".
والجواب: أنهم بلغوها على أحسن وجوه البلاغ، والمبلغ الواحد منهم أحفظ وأصدق وأوثق عند الناس من عشرات ومئات من الجهمية والمعتزلة والخوارج وتلاميذ المستشرقين الذين يشترطون التواتر في التبليغ وقيام الحجة، وما جاءوا بهذه الشروط إلا لهدم الإسلام لا حفاظاً عليه.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " ( المائدة:67 )،كان يكتفي بإرسال الأفراد من أصحابه الأمناء دعاة ومبلغين عنه القرآن والسنة، وكان الناس عربهم وعجمهم يقبلون ويصدقون بكل ما جاءهم به هؤلاء الأفراد لا يشكون في شيء مما بلغهم به كل واحد بمفرده والناس على اختلاف شعوبهم ومللهم لهم عقول وفطر ومدارك ومع ذلك لم يكذبوا هؤلاء الأفراد ولا شكوا في صدقهم وأحقية ما بلغوهم، لأنه لم يكن قد نشأ فيهم الفكر الجهمي والمعتزلي والإستشراقي().
ولم يكن الواحد من المبلغين يعتقد أنه يبلغ الناس الظنون وإنما يعتقد أنه يبلغ العلم الحق الذي تقوم به الحجة على المبلَّغين، وهذا الاعتقاد نفسه متوفر عند المبلغين من التابعين -يعني لا يعتبرون ما يبلغهم ظنوناً- ويبلغه الثقات والمأمونون إلى غيرهم على أساس أن ما يبلغونه حجة توجب العلم والعمل.
ولما ظهر هذا المذهب المخترع المبتدع حاربـه أهل العلم وقمعوه بالحجج والبراهين، لأنه مذهب فاسد يفسد العقول ويفسد على الناس حياتهم ودينهم ويقتضي تعطيل تجاراتهم وسائر معاملاتهم ومناكحهم ومطاعمهم ومشاربهم ويبث الشكوك فيما يقوله المعلمون وطلابهم والأزواج وزوجاتهم والأبناء وآباؤهم والمرضى وأطباؤهم.
اعرض هذا المذهب على الشركات والتجار، والأطباء والمهندسين والإعلاميين، والزراع، والصناع، هل سيقبلونه ويعيدون بناء حياتهم كلها على أساسه أو سيديرون له ظهورهم وسيدركون أن تطبيقه سيعطل حياتهم ويوقف سير عجلة الحياة في كل الميادين؟.
لماذا تُشَنُّ الحرب على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدها من بين سائر العلوم والفنون والأديان الفاسدة؟.
مع أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حظيت من الحياطة والحفاظ عليها والعناية الفائقة والشروط القوية بما لم يحظ بعشر معشاره أي علم أو فن من الفنون.
ولقيت من المعاقل والحصون المنيعة ما يحميها من كل كيد ومكر أو شوب كذب أو خطأ ونسيان من ألوف ألوف الرجال الحفاظ الثقات الأمناء بعد رعاية الله وحفظه لها.
فهل يا ترى ضحـايا البدع والخرافات من الجهمية والمعتزلة والخوارج وأفراخ المستشرقين أشد غيرة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرسانها وحاملي لوائها وجنودها المخلصين؟ أو هو الجهل والهوى بل والكيد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟."

وقال الشيخ ربيع في موضع آخر من نفس الكتاب :
[...وإنه لمن المناسب لقطع دابر شبهات أن أخبار الآحاد تفيد الظن ولا تفيد العلم أن أسوق بعض حجج أهل السنة التي تدمغ هذه الشبهات لتساعد من يريد نصرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد حمايتها من غوائل أعدائها ويريد سدّ أبواب الفتن وذرائعها عن دين الله الحق.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"( 1):
"ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع، فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك بل صرح الأئمة بخلاف قولهم ، فممن نص على أن خبر الواحد يفيد العلم مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كأبي محمد بن حزم ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي والحارث ابن أسد المحاسبي، قال ابن خواز منداد في كتاب "أصول الفقه"، وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يروه إلا الواحد والاثنان : ويقع بهذا الضرب أيضاً العلم الضروري نص على ذلك مالك، وقال أحمد في حديث الرؤية نعلم أنها حق ونقطع على العلم بها ( 2)، وكذلك روي عن المروذي قال: قلت لأبي عبد الله: ههنا اثنان يقولان: إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً فعابه، وقال: لا أدري ما هذا، وقال القاضي: وظاهر هذا أنه يسوي بين العلم والعمل، وقال القاضي في أول "المحبر": خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ولم تختلف الرواية فيه وتلقته الأمة بالقبول وأصحابنا يطلقون القول وإن لم تتلقه بالقبول..".

ومن كلامه رحمه الله بهذا الصدد قوله في نفس المرجع( 3):

"ومما يبين أن خبر الواحد العدل يفيد العلم أدلة كثيرة:

أحدها : أن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم، وغاية ما يقال فيه: إنه خبر اقترنته قرينة، وكثير منهم يقول لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها وهذا في غاية المكابرة. ومعلوم أن قرينة تلقى الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها( 4).

الدليل الثاني: أن الله تعالى قال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " (الحجرات:6)، وفي القراءة الأخرى "فَتَثَبَّتُوا" وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبت ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم . ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وفعل كذا، وأمر بكذا، ونهى عن كذا.
وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة، وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع، وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من صحابي غيره، وهذه شهادة من القائل وجزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نسبه إليه من قول أو فعل.
فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم .

الدليل الثالث: أن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك جزم منهم بأنه قاله، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين إن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر ونهى وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروى عنه ونحو ذلك ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا الحديث صحيح وبين قوله إسناده صحيح فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني شهادة بصحة سنده وقد يكون فيه علة أو شذوذ فيكون سنده صحيحاً ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه .

الدليل الرابع: قوله تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة:122)، والطائفة تقع على الواحد فما فوقه فأخبر أن الطائفة تنذر قومهم إذا رجعوا إليهم والإنذار الإعلام بما يفيد العلم وقوله لعلهم يحذرون نظير قوله في آياته المتلوة والمشهودة: "لعلهم يتفكرون "،" لعلهم يعقلون" ،" لعلهم يهتدون" وهو سبحانه إنما يذكر ذلك فيما يحصل العلم لا فيما لا يفيد العلم .

الدليل الخامس: قوله: " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " (الإسراء:36)، أي: لا تتبعه ولا تعمل به ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون لله تعالى بها الصفات فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم.

الدليل السادس: قوله تعالى: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "(النحل:43)، فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر وهم أولوا الكتاب والعلم، ولولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً .

الدليل السابع: قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " (المائدة:67)، وقال: "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ " (النور:54)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني"، وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة: أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.

ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل فيلزم من قال: إن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم أحد أمرين :

1- إما أن يقول: إن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ .


2- وإما أن يقول: إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي عملاً.
وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات العدول الحفاظ وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً وهذا ظاهر لا خفاء به.

الدليل الثامن: قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" (البقرة:143)، وقوله: "وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " (الحج:78)، وجه الاستدلال أنه تعالى أخبر أنه جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ( 5) ذلك، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا فهم حجة الله على من خالف رسول الله وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه ( 6) الحجة، وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به من أهل الشهادة فلو كانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم لـم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه .

الدليل التاسع: قوله تعالى: " وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " (الزخرف:86)، وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها لا يدري هل هي حق أو باطل.
فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب اطراحها وأن لا يلتفت إليها وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية وإن كانت حقاً فيجب الشهادة بها على البت أنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به .

الدليل العاشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "على مثلها فاشهدوا" إشارة إلى الشمس ولم يزل الصحابة والتابعون وأئمة الحديث يشهدون عليه صلى الله عليه وسلم على القطع أنه قال كذا وأمر به ونهى عنه وفعله لما بلغهم إياه الواحد والاثنان والثلاثة فيقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وحرم كذا وأباح كذا، وهذه شهادة جازمة يعلمون أن المشهود به كالشمس في الوضوح، ولا ريب أن كل من له التفات إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناء بها يشهد شهادة جازمة أن المؤمنين يرون ربهم عياناً يوم القيامة، وأن قوماً من أهل التوحيد يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة، وأن الصراط حق وتكليم الله لعباده يوم القيامة كذلك وأن الولاء لمن أعتق إلى أضعاف أضعاف ذلك، بل يشهد بكل خبر صحيح متلقى بالقبول لم ينكره أهل الحديث شهادة لا يشك فيها .

الدليل الحادي عشر : أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم، إن هذا لهو العجب العجاب، وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين :

1- إما أن يقولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاواه وأقضيته تفيد العلم .

2- وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً .
وأما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أبين الباطل .

الدليل الثاني عشر: قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال:24)، ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، ودعوته نوعان : مواجهة ونوع بواسطة المبلغ وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه .

الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النور:63)، وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذراً .

الدليل الرابع عشر: قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول" إلى قوله: " وَالْيَوْمِ الآخِر "(النساء:59)، ووجه الاستدلال أنه أمر أن يرد ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته، فلولا أن المردود إليه يفيد العلم وفصل النـزاع لم يكن في الرد إليه فائدة إذ كيف يرد حكم المتنازع فيه إلى مالا يفيد علماً البتة ولا يدرى حق هو أم باطل، وهذا برهان قاطع -بحمد الله- فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد علماً إنا نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة فإنها تفيد العلم.

الدليل الخامس عشر: قوله تعالى: " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك "إلى قوله: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"(المائدة:49-50)، ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما أنزل الله وهو ذكر من الله أنزله على رسوله وقد تكفل سبحانه بحفظه فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه وهذا من أعظم الباطل، ونحن لا ندعي عصمة الرواة بل نقول إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها، فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده: "إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين".

وهناك أدلة أخرى على أنّ أخبار الآحاد تفيد العلم، ذكرها ابن القيم وابن حزم (7 ) وغيرهما لم يتسع المقام لسردها، فليرجع إليها من أراد الاستزادة من الحجج والبراهين .

والله أسأل أن يوفق المسلمين للعودة إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كل شأن من شئونهم بما في ذلك القناعة بأن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تفيد العلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم....]

الحواشي ( من الكتاب ):

(1 ) (2/362) طبعة مكتبة الرياض الحديثة. اخترت كلام ابن القيم لأنه عبارة عن خلاصة حجج أهل السنة في هذا الباب. وعلى رأسهم الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والسمعاني وابن تيمية.
(2 ) كذا بالتأتنيث ولعله الصواب "به".
(3 ) (ص:394-405).
(4 ) يرى الإمام ابن القيم أن كل حديث صح عن رسول الله  ولم يضعفه أحد من أئمة الحديث أن هذا تلق من الأمة بالقبول لهذا النوع من الأحاديث، وهذا بخلاف ما يفهم بعض الناس من القرائن ومن تلقي الأمة بالقبول ، فإنهم يكادون يقصرونها على أخبار الصحيحين فقط، وما قرره ابن القيم هو الحق والله أعلم.
(5 ) كذا ولعله " إليهم".
(6 ) كذا ولعله "عليهم".
(7 ) انظر "الإحكام في أصول الأحكام"(1/97-120).

رابط تحميل كتاب " حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام " للشيخ ربيع من موقعه : تحميل

التعديل الأخير تم بواسطة إسحاق بارودي ; 02 Dec 2015 الساعة 11:47 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 Dec 2015, 09:14 PM
طه صدّيق طه صدّيق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 312
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي إسحاق على نقل كلام الشيخ ربيع حفظه الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013