منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 01 Apr 2011, 04:11 PM
أبو الفضل عثمان المغربي أبو الفضل عثمان المغربي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: المملكة المغربية/ جهة دكالة عبدة
المشاركات: 226
افتراضي التحقيق في مسألة "العذر بالجهل" للشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ

...وقوله: [ومعنى "التحيات": جميع التعظيمات لله ملكاً واستحقاقاً، مثل الانحناء، والركوع، والسجود، والبقاء، والدوام، وجميع ما يعظم به رب العالمين فهو لله، فمن صرف منه شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر].
العبادة حق الله كما قال الله عزّ وجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ...} [النحل:36]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، فيجب صرف جميع أنواع العبادة لله، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره تعالى، فالصلاة لله، والركوع والسجود لله، والاستغاثة بالله، والدعاء لله والتوكل على الله، والاستعاذة بالله، وهكذا جميع أنواع العبادة لله، قال الله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}
ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فهو مشرك كافر، وهذا الحكم إنما هو على الإطلاق وعلى من بلغته الحجة، وأما الشخص المعين فإذا حصل منه صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء الأموات والاستغاثة بهم، وهو جاهل فإنه يتوقّف في تكفيره حتى يُبَيَّن له وتقام عليه الحجّة، وهذا أحد قولين في المسألة، ذكرهما شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في جواب سؤال عن بعض أهل البدع، جاء فيه: "كذلك التوسل بالأولياء قسمان: الأول: التوسل بجاه فلان أو حق فلان، هذا بدعة وليس كفراً. التوسل الثاني:هو دعاؤه بقوله: يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي، هذا هو الشرك الأكبر وهذا يسمونه توسلاً أيضاً، وهذا من عمل الجاهلية، أما الأول فهو بدعة، ومن وسائل الشرك، قيل له: وقولهم: إنما ندعوه لأنه ولي صالح وكل شيء بيد الله وهذا واسطة. قال: هذا عمل المشركين الأولين، فقولهم: مدد يا بدوي، مدد يا حسين، هذا جنس عمل أبي جهل وأشباهه، لأنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18]، هذا الدعاء كفر وشرك بالله عزّ وجلّ، لكن اختلف العلماء هل يكفر صاحبه أم ينتظر حتى تقام عليه الحجّة وحتى يبيّن له، على قولين: أحدهما: أن من قال هذا يكون كافراً كفراً أكبر لأن هذا شرك ظاهر لا تخفى أدلّته، والقول الثاني: أن هؤلاء قد يدخلون في الجهل وعندهم علماء سوء أضلّوهم، فلابد أن يبين لهم الأمر ويوضح لهم الأمر حيث يتضح لهم، فإن الله قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]، فإذا وضح لهم الأمر وقال لهم: هذا لا يجوز، قال الله كذا وقال الرسول كذا، بين لهم الأدلة، ثم أصروا على حالهم، كفروا بهذا، وفي كل حال فالفعل نفسه كفر شرك أكبر، لكن صاحبه هو محل نظر هل يكفر أم يقال: أمره إلى الله، قد يكون من أهل الفترة لأنه ما بيّن له الأمر فيكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله عزّ وجلّ، لأنه بسبب تلبيس الناس عليه من علماء السوء" انتهى. نقلاً من كتاب "سعة رحمة رب العالمين للجهال المخالفين للشريعة من المسلمين" لسيد بن سعد الدين الغباشي، وفي أول الكتاب رسالة من الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله للمؤلف بتاريخ: 7/5/1403هـ، تتضمن إقرار الكتاب والإذن بطبعه.
والقول الثاني من القولين وهو التوقف في التكفير، قرّره كثيرون من العلماء، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الاستغاثة (2/731): "فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، لكن لغلبة الجهل، وقلّة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلاّ تفطّن، وقال: هذا أصل الدين، وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول: هذا أعظم ما بينته لنا، لعلمه بأن هذا أصل الدين".
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل، سبحانك هذا بهتان عظيم". الدرر السنية (1/66)، وقال أيضاً: "بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك". مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/34)، وقال أيضاً: "ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم: إني أقول: من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجيء عندي، فهذا أيضاً من البهتان، إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت، ولكن نكفر من أقرّ بدين الله ورسوله ثم عاداه وصدّ الناس عنه، وكذلك من عبد الأوثان بعدما عرف أنه دين المشركين وزينه للناس، فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلاّ رجلاً معانداً أو جاهلاً". مجموع مؤلفات الشيخ (3/33).
وقال أيضاً: "وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله". مجموع مؤلفات الشيخ (3/14).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتاب "منهاج التأسيس والتقديس ص: 98-99": "والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر،حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها، قال في بعض رسائله: "وإذا كنا لا نقاتل من يعبد قبّة الكواز، حتى نتقدم بدعوته إلى إخلاص الدين لله، فكيف نكفر من لم يهاجر إلينا وإن كان مؤمناً موحداً". وقال: وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال، فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور".وقال أيضاً رحمه الله في "مصباح الظلام ص: 499": "فمن بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله ووجوب الإسلام له، وفقه أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له عذر في مخالفتهم وترك عبادة الله، وهذا هو الذي يجزم بتكفيره إذا عبد غير الله، وجعل معه الأنداد والآلهة، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا، وشيخنا رحمه الله قد قرّر هذا وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداء بهم ولم يكفر إلاّ بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى إنه رحمه الله توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه، وهذا هو المراد بقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله: حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل البيان الذي يفهمه المخاطب ويعقله فقد تبين له". وقال أيضاً في "مصباح الظلام ص: 516": "وشيخنا رحمه الله لم يكفر أحدا ابتداء بمجرد فعله وشركه، بل يتوقف في ذلك حتى يعلم قيام الحجة التي يكفر تاركها، وهذا صريح في كلامه في غير موضع، ورسائله في ذلك معروفة".
وإنما أفضت بذكر النقول عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في تقرير هذه المسألة، وهي أن تكفير المعين الذي وقع في الشرك في العبادة لجهله، إنما يكون بعد البيان له وإقامة الحجة، لا قبل ذلك، لأن من الجاهلين والحاقدين عليه وعلى دعوته، المبنية على الكتاب والسّنّة، وما كان عليه سلف الأمّة، من يشنع عليه وينفّر من دعوته، برميه بتكفير المسلمين، والتكفير بالعموم، وهو إنما يكفر من قامت عليه الحجة، وبانت له المحجة، ولأن نفراً يسيراً من طلبة العلم من أهل السّنّة فيما علمت يعيبون على من يقرّر ذلك وهو عيب لما قرّره شيخا الإسلام، ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما من أهل العلم، ومع ذلك فإن الخطأ في العفو في الأمور المشتبهة، خير من الخطأ في العقوبة، وهم في عيبهم القول الذي قرّره الشيخان والحرص على خلافه يفسحون المجال للمتربصين بأهل السّنّة الذين يصطادون في الماء العكر، فيردّدون صدى نعيق أعداء الإسلام والمسلمين، الذين يزعمون أن تطرف من ابتلي بالتفجير والتدمير، راجع إلى دراسة مناهج التعليم المبنية على كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل السّنّة، وهو بهت وزور ممن افتراه أو ردّده، فإن الذين ردّدوا هذا النعيق من أهل هذه البلاد، قد درسوا كما درس غيرهم هذه المناهج، ولم يحصل لهم ضرر منها بل حصل النفع العظيم منها لكل من شاء الله هدايته وتوفيقه، وإنما حصل التطرف من هؤلاء المتطرفين لفهومهم الخاطئة التي شذّوا بها وخرجوا عن جماعة المسلمين، وقدوتهم في ذلك الخوارج شذّوا وخرجوا على الصحابة نتيجة لفهومهم الخاطئة، ولكل قوم وارث، والله المستعان.



"شرح شروط الصلاة وأركانها وواجباتها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب" لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد_حفظه الله_

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01 Apr 2011, 10:52 PM
صبري عادل الجزائري صبري عادل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: عنابة
المشاركات: 173
إرسال رسالة عبر MSN إلى صبري عادل الجزائري
افتراضي

قال الشيخ عبد المحسن العباد في رسالته الأخيرة :((الإيضاح والتبيين في حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين)):


...ويتضح مما تقدم أن البناء على القبور والافتتان بها وتعظيمها من أعظم الوسائل المؤدية إلى الشرك.
وأما دعاء أصحابها والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات وكذا دعاء الغائبين من الجن والإنس والملائكة فهو شرك مخرج من الملّة، ومن كانت هذه حاله فإنه لا يجوز أن يصلَّى وراءه، ومن مات وهو كذلك فإنه لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين ومآله إلى دخول النار والخلود فيها؛ كما قال الله عز وجل: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، وهذا حكم من قامت عليه الحجة، أما من لم تقم عليه وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام إلا أنه الغلو في الصالحين والاستغاثة بهم ودعاؤهم مغتراً بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل ويسكتون على شركهم وعبادتهم غير الله فهذا ظاهره الكفر ويُعامَل في الدنيا معاملة من قامت عليه الحجة فلا يُصلَّى وراءه ولا يُصلَّى عليه إذا مات ولا يُدعى له ولا يُحج عنه، وأمره في الآخرة إلى الله لكونه من جنس أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات وهم يمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار، وقد أورد ابن كثير في تفسيره لقول اللهعز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} جملة من الأحاديث في ذلك، وقال: ((إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء،ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها)).

وأما من كان من الإنس حاضراً أو في حكم الحاضر ـ كمن يكلَّم بالهاتف ـ فإن سؤاله الإغاثة فيما يقدر عليه من الأمور الحسية كإعانته بالمال قرضاً أو إحساناً أو مساعدته في حاجات أخرى يقدر عليها فلا محذور في ذلك؛ كما قال اللهعز وجلعن موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }.

ويتضح مما تقدم أن هناك فرقاً بين كفر من قامت عليه الحجة ومآل أصحابه إلى النار والخلود فيها، وبين كفر من لم تقم على أصحابه الحجة ككفر أهل الفترات ومن في حكمهم ممن نشأوا على الغلو في الصالحين والاستغاثة بهم لا يعرفون الإسلام إلا أنه هذا العمل مقتدين بأشباه العلماء الذين أضلوهم، فإن هؤلاء أمرهم إلى الله يُمتحنون يوم القيامة ويكون مآل بعضهم بعد الامتحان إلى الجنة ومآل بعضهم إلى النار.
ومما يوضح أن مصيبة العوام سببها اغترارهم واقتداؤهم بأشباه العلماء، أن شيخاً كبيرا في بلده له مكانة مرموقة ألَّف رسالة عن السيد البدوي وذكر في مقدمتها أنه كتب الأسطر الأولى منها وهو في المقصورة المباركة، يعني بذلك ضريح البدوي! وآخر كان عميداً لكلية شرعية في إحدى الدول العربية سمعته يقول أنه عندما زار قبر النبي لا يذكر شيئاً قاله إلا قوله: ((جئتك يا رسول الله))! يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، وسيأتي بيان معنى الآية.

وما جاء في هذه الرسالة من التفصيل بين من قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه هو المعتمد، وأي كلام مسموع أو مقروء جاء عني يُفهم منه خلاف ذلك لا يُعوَّل عليه، وإنما التعويل على ما جاء في هذه الرسالة من التفصيل.
وهذا التفصيل الذي ذكرته قريب مما قاله شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (1/49): ((ولكن الغالب على عباد القبور هو التقرب إلى أهلها بالطواف بها, كما يتقربون إليهم بالذبح لهم والنذر لهم, وكل ذلك شرك أكبر, من مات عليه مات كافراً لا يغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين, وأمره إلى اللهعز وجل في الآخرة إن كان ممن لم تبلغه الدعوة فله حكم أهل الفترة)).

وقال أيضاً في (9/40): ((من مات على الشرك فهو على خطر عظيم)) ثم ذكر آيات، ثم قال: ((فهذا وعيدهم ومصيرهم كسائر الكفرة الكفر الأكبر, وحكمهم في الدنيا أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين, أما إن كان أحد منهم لم تبلغه الدعوة ـ أعني القرآن والسنة ـ فهذا أمره إلى الله سبحانه يوم القيامة كسائر أهل الفترة, والأرجح عند أهل العلم في ذلك في حكمهم أنهم يمتحنون يوم القيامة, فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار)) إلى أن قال: ((أما إن كان أحد منهم عنده جهل فيما وقع فيه من الشرك فأمره إلى الله جلَّ وعلا, والحكم على الظاهر, فمن كان ظاهره الشرك حكمه حكم المشركين وأمره إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ الذي يعلم كل شيء سبحانه وتعالى)).

وقد جاء عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتاوى كثيرة فيها إطلاق القول بكفر المستغيثين بغير الله من الأموات والغائبين، وكلامه الذي أوردته فيه التفريق بين من قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه، فيُحمل كلامه الذي كفَّر فيه من قامت عليه الحجة على الكفر الواضح البيِّن الذي مآل أصحابه إلى النار والخلود فيها، وذلك بخلاف من لم تقم عليه الحجة وكان ظاهر حاله الكفر، وعُومل في الدنيا معاملة الكفار فإن مآل هؤلاء في الآخرة بعد الامتحان إما إلى الجنة وإما إلى النار، وبذلك يُجمع بين ما جاء عنه رحمه الله من الإجمال في التكفير مطلقاً وبين التفصيل.

وأما قول الله عز وجل: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} فليس المراد به المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل المراد به المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، وقد أوضحت ذلك في رسالة أهمية توحيد العبادة (ص 69) بقولي: ((وأصحاب القبور يزارون ويُدعى لهم ولا يُدعَون، ويُطلب من الله لهم ولا يُطلب منهم شيء، لا دعاء ولا شفاعة ولا جلب نفع ولا دفع ضر؛ فإن ذلك إنما يُطلب من الله، والله سبحانه وتعالى هو الذي يُدعى ويُرجى، وغيرُه يُدعى له ولا يُدعى؛ والدليل على ذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في حياته يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، وبعد موته صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية ما كانوا يذهبون إلى قبره فيطلبون منه الدعاء، ولهذا لما حصل الجدب في زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه وطلب منه الدعاء، فقد روى البخاري في صحيحه (1010) عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: ((اللهم إنا كنّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيُسقون))، ولو كان طلب الدعاء من النبي بعد موته سائغاً لما عدل عنه عمر رضي الله عنه إلى الاستسقاء بالعباس.

وجاء في فتح الباري (2/495) قول الحافظ ابن حجر: ((وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار ـ وكان خازن عمر ـ قال: (أصاب الناسَ قحطٌ في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي فقال: يا رسول الله! استسق لأمتك؛ فإنهم قد هلكوا، فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر) الحديث، وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة))، وهذا الأثر في مصنف ابن أبي شيبة (12051) إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم إلى أبي صالح، وأما مالك الدار فمجهول، فلا يكون الأثر ثابتاً، وأيضاً الرجل السائل مبهم غير معروف، وأما تسميته ببلال بن الحارث المزني الصحابي فلا يصح؛ لأن الذي رواه سيف بن عمر وهو ضعيف لا يحتج به، وترجمته في تهذيب التهذيب مشتملة على ما قيل فيه من الجرح الشديد، وانظر تفصيل ذلك في كتاب ((التوسل: أنواعه وأحكامه)) للشيخ الألباني رحمه الله (ص: 116).
ويدل أيضاً لكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يُطلب منه الدعاء بعد موته ما رواه البخاري في صحيحه (7217) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((وا رأساه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: وا ثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي...)) الحديث، فلو كان يحصل منه الدعاء والاستغفار بعد موته صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك فرق بين أن تموت قبله أو يموت قبلها ، وهذا الحديث مبيِّن لقول الله عز وجل: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} ، وأن المجيء إليه وحصول الاستغفار والدعاء منه إنما يكون في حياته وليس بعد موته ، والسّنّة تفسر القرآن وتبيِّنه وتوضّحه.

وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين للفقه في دينهم والثبات على الحق الذي جاء في كتاب ربهم وسنة نبيهم ضلى الله عليه وسلم وأن يهدي ضالهم ويرشد حائرهم، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04 Apr 2011, 05:37 PM
أبو الفضل عثمان المغربي أبو الفضل عثمان المغربي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: المملكة المغربية/ جهة دكالة عبدة
المشاركات: 226
افتراضي

حياك الله أخي الكريم عادل!
لكن بحثت كثيرا عن هذه الرسالة ولم أجدها
واتصل بعض الاخوة بأحد الطلبة في المدينة قصد الاستفسار عن الرسالة فلم يعلموا بذلك_علما أنهم ملازمون للشيخ_!
أرجوا_أخي العزيز_إذا كان لك بها علم أن تدلني جزاك الله خيرا
والقصد من هذا كله هو التثبت لا غير! وإلا فالخلاف معلوم والقول في ثبوته مشهور!
إنما العيب كل العيب بل الجهل كل الجهل أن تركن إلى قول من الأقوال وتنفي الخلاف_محاولا في ذلك بكل ماتستطيع ظلما وعدوانا_ وتلزم به الآخرين وتوالي وتعادي من أجله فيحصل بذلك الفرقة والخلاف والشتات والتمزق والنفور ...!
ليس من الأمانة في شيء! وليس من الحكمة في شيء!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04 Apr 2011, 07:40 PM
صبري عادل الجزائري صبري عادل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: عنابة
المشاركات: 173
إرسال رسالة عبر MSN إلى صبري عادل الجزائري
افتراضي

حياك الله أخي الكريم، وجدت الرسالة في هذا الرابط https://sites.google.com/site/oalbad...attredirects=0
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05 Apr 2011, 12:54 PM
صبري عادل الجزائري صبري عادل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: عنابة
المشاركات: 173
إرسال رسالة عبر MSN إلى صبري عادل الجزائري
افتراضي

أبشر أخي عثمان، فلقد إتصلنا بالأخ اليامن العنابي الذي يحضر رسالة الدكتوراه في المدينة المنورة و الذي اتصل بدوره بابن أخت الشيخ عبد المحسن (زميله في الطلب) و سأله عن الرسالة فكان الجواب أن الرسالة من آخر ما طبع الشيخ حفظه الله.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08 Apr 2011, 12:25 AM
أبو الفضل عثمان المغربي أبو الفضل عثمان المغربي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: المملكة المغربية/ جهة دكالة عبدة
المشاركات: 226
افتراضي

جزاك الله خيرا واحسن اليك وبارك فيك!
وأعيد فأقول(والقصد من هذا كله هو التثبت لا غير! وإلا فالخلاف معلوم والقول في ثبوته مشهور!)
أرجوا أن ترسل لي هاتف الاخ المذكور _ابن اخت الشيخ_ان كان ممكنا وجزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
العباد, العذربالجهل, فقه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013