منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #16  
قديم 06 Apr 2011, 08:57 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

تابع لباب حسن الخلق



271- حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان ، عن ‏ ‏الأعمش، ‏عن ‏ ‏أبي وائل، ‏عن ‏ ‏مسروق،‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو‏ ‏قال ‏:" لم يكن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فاحشا ولا متفحشا وكان يقول:" خياركم أحاسنكم أخلاقا "

في الحديث وصف ما كان عليه النبي- صلى الله عليه و سلم-‏ من مكارم الأخلاق و من تنزهه عن مساوئها ، كيف لا و قد وصفه الله تعالى بقوله:" و إنك لعلى خلق عظيم"
صاحب هذا الخلق العظيم لا يصدر منه إلا ما يناسبه من الخلق العظيم، و الفحش من مساوئها

و الفحش: لغة: الخروج عن الحد في كل شيء
الزيادة عن القدر المطلوب ما كان في باب الصفات و الأخلاق و ما كان في باب الأفعال و العبادات فالزيادة عن القدر المطلوب لغة يكون فحشا
و في هذا الباب يراد به الخروج عن الحد في باب الخلق و التعامل
الفاحش يتناول فحش اللسان أو فحش الجوارح و هذا كله مما حرمه الله تبارك و تعالى علينا مما يكرهه ، و أما المتفحش الذي يتكلف و يسعى و يتقصد هذا الفعل( يتقصد الإساءة و القبح) فيما كان من قبح اللسان أو الجوارح فإنه يشمله هذا المعنى ، و النبي - صلى الله عليه و سلم-‏ منزه عن هذه كلها منزه عن أي نوع من أنواع الفحش

*مناسبة هذا الكلام المرفوع إلى النبي- صلى الله عليه و سلم-‏ ما ذكر عبد الله بن عمرو فيه هذا التناسب أنه لما كانت دعوة النبي- صلى الله عليه و سلم-‏ مبناها على الدعوة لمحاسن الأخلاق ، كان هو سيد المتخلقين ، كيف لا و قد قال- صلى الله عليه و سلم-‏ :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" بل هو أفضلهم و سيدهم
قوله:" خياركم أحاسنكم أخلاقا" ليس من كان أشرف الناس نسبا أو أحسن خلقة، بل كلما كان العبد حسن الخلق كان أرفع عند الله تعالى في هذا الباب ، في باب الخير و في درجات الفضل عند الله تعالى
و فيه دليل أن الأعمال تتفاضل و يتفاضل أصحابها ، فيهم الفاضل و الأفضل و السيئ و الأسوأ قال تعالى:" إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
الأصل يسعون لمرضاة الله عز و جل و أن يكرمهم ربهم و لا يهمهم حكم غير الله عليهم و لا يهتموا بمن قد يسخط عليهم.
في هذا الباب الإنسان بين أمرين :
- ما يرضي الله
- ما يرضي الناس

لو سعى لإرضاء الله لسخط الناس عليه و لو سعى لإرضاء الناس سخط الله عليه، و ما هو الواجب في حقه؟ الواجب أن يسعى لإرضاء الله و لو سخط عليه الناس.
و لو أسخط الله برضا الناس يعاقبه الله بإسخاط الناس عليه فرضا الناس غاية لا تدرك
الناس يختلفون في أهوائهم و طبائعهم فيجب أن يكون ساعيا في إتباع الحق
قال تعالى :" فلا تتبعوا الهوى فيضلكم عن سبيل الله "
النبي- صلى الله عليه و سلم-‏ لم يكن متكبرا و لا شديدا و لا غليظا قال تعالى:" و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"

الفوائـــد:
1- تنزيه النبي- صلى الله عليه و سلم-‏ عن مساوئ الأخلاق و سفاسف الأمور
2- الحث على حسن الخلق و بيان فضيلة صاحبه
3- دليل على التفاضل بين العباد بقدر تفاضلهم أو بقدر تفاضل أعمالهم
قال المناوي في الفيض: من كان حسن الخلق فيه أكثر كان خيره أكثر
4- حسن المعاملة من حسن الخلق ( تحمل الأذى و بذل الندى و كف الأذى و الصبر على الأذى)
5- الأعمال من تفاضلها فيما بينها، فيها ما هو أثقل من غيره قال النبي- صلى الله عليه و سلم-:" ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" فهو دليل على عظم ثوابه عند الله عز و جل
6- بالنسبة لتفاضل الأعمال مهم في هذا الباب ما يسمى بفقه الأعمال: الإنسان في اجتهاده في تقربه إلى ربه – جل و علا- قد تكون همته عالية و من علو الهمة علوها في باب العلم فيما هو أفضل و ما هو دونه
7- قاعدة ذكرها أهل العلم: ينبغي علينا دائما أن نسعى لتحقيق العبودية من أقصر طريق و بأقل التكاليف، و ذلك بإتباع السنة
يقدم العلم قبل كل شيء و يتثبت في هذا العلم " إن هذا العلم دين فلينظر أحدكم عمن يأخذ دينه" فبعض المعايير يسير عليها العلماء أيام الفتن تميز و تغربل من هو من أهل السنة أو لا .

ــــــــــــــــ
(271) صحيح: البخاري في الأدب(6035) ، و مسلم في الفضائل( 2321/68)



التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 06 Apr 2011 الساعة 09:07 PM
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 16 Jun 2011, 10:17 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

تابع لباب حسن الخلق


272- حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني يزيد بن الهاد، عَنْ عمرو بن شعيب، عَنْ أبيه، عن جده ، أَنَّهُ سَمِعَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، يَقُولُ : " أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ، قَالَ الْقَوْمُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا " .

الحديث عظيم في بابه يضاف إلى حسن الخلق بالتحلي بالأخلاق الطيبة الكريمة
أحب الناس و أقربهم منه – صلى الله عليه و سلم- مجلسا هم أحسن الناس أخلاقا في الدنيا إضافة إلى الدرجة الرفيعة التي أعطاها الله تعالى لهؤلاء.
"أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ "
- سكت الصحابة و بُهِروا بهذا الكلام
- من حسن فصاحة النبي – صلى الله عليه و سلم- أن بدأهم بهذا السؤال و القصد منه التشويق
- هذا فيه أدب المتعلم بالسكوت عند العالم و عدم التشويش
- النبي- عليه الصلاة و السلام- سأل و الصحابة سكتوا تعليما لغيرهم
- و في رواية : قال النبي- صلى الله عليه و سلم:" إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله ما المتفيقهون؟ قال: المتكبرون"
الثرثارون: هم كثيروا الكلام
المُتَشَدِّق:الذي يتوسع في الكلام لأن في كلامه يلوي شدقه، الشدق : هو جانب الفم
المتفيقهون: هم المتكبرون بما أوتوا من قليل من العلم.
و هذه كلها من الأخلاق الذميمة التي يبغضها الله- عز و جل- و يبغضها نبيه- صلى الله عليه و سلم-

ذكرهم النبي- صلى الله عليه و سلم- بأوصافهم فكل من كانت فيه هذه الصفة فليعلم هذه الحقيقة أنه من المُبغضين عند النبي- صلى الله عليه و سلم- و أنه من المُبعدين عنه يوم القيامة
- الترهيب له فائدته أنه يردع الناس
- الأخلاق ليست جبلية غريزية فحسب بل هي مكتسبة أيضا تحتاج إلى جهد و مجاهدة

اقتباس:
( أنظر مقدمة الباب الشيخ فصَّل في هذا التقسيم)
و النبيُّ- صلى الله عليه و سلم- كما قال القاضي عياض- رحمه الله- عند ذكر أخلاقه قال: و نبيُّنا- صلى الله عليه و آله و صحبه- قد جُمع له النوعان يعني من الأخلاق.
جُمِع له بأن:
1- تخلق بالأخلاق فطرة و غريزة
2- فتح الله عليه فكمل أخلاقه بالأخلاق المكتسبة
فكان أكمل الناس خَلْقًا و خُلُقًا
و ذكر هذا عند الحديث عن حيائه – صلى الله عليه و سلم- كان حييا: كان أشد حياءا من العذراء في خذرها، فهذا الذي كان إمام المسلمين، هذا الذي كان يخوض معهم الحروب، هذا الذي كان يحكم بين الناس، كان في حيائه أشد حياءا من العذراء في خدرها
فائدة: مثل هذه المرأة -العذراء في خدرها- هي النموذج في الحياء هذا في فطرتها، الآن تغيرت المرأة لا تكاد تجد المرأة في خذرها و العذراء قد نجدها، العذراء يعرفها بعض أهل العلم أنها التي لا تعرف الرجال، لا تخالطهم و لا تجالسهم و لا تنظر إليهم إنما قصرت طرفها عمن في بيتها من محارمها حتى تزف إلى زوجها، أول رجل أجنبي تنظر إليه و تتعرف عليه.
أما المرأة إذا اختلطت بين الرجال و كانت في الأماكن التي ينتشر فيها الاختلاط بل الاختلاط و ما يتبعه من مفاسده هذه أنَّا لها أن تكون حيية و أن يكون صفة دائمة لها و الحياء له أسبابه و من بين أسبابه الستر فهو سبب من أسبابه و علامة من علاماته و المرأة إذا تسترت فهذا دليل على حيائها.
أما إذا كشفت و تبرجت،هناك قضية أن كثير من أخواتنا تظن أن الستر هو أن تلقي على بدنها هذا الجلباب و انتهى الأمر، الستر في الحقيقة له معنى أعظم من هذا و أزكى من هذا لأن هناك من هذا هو ملبسه و لكن لا نرى حياءا، الحياء هو زيادة على سترها تمشي بالأدب و لا ترفع بصرها و لا تخالط من نُهيت عن مخالطتهم من الرجال الأجانب عنها و لا تسافر مسيرة يوم و ليلة إلا مع ذي محرم لها و ليست خراجة ولاجة كل وقت تجدها تحوم في الشوارع و الطرقات لمصلحة و لغير مصلحة

الفـــوائد:
1- بشارة عظيمة لصاحب الخلق الحسن
2- فضل حسن الخلق لهذا أخرجه البخاري- رحمه الله- في هذا الباب
3- بيان لأدب من آداب المتعلم بين يدي معلمه و هو أدب السكوت و عدم الخوض فيما لا يعلم
4- بيان لأسلوب و طريقة علمية نافعة ألا و هي التعليم و البيان بطريقة السؤال الذي فيه تشويق
5- سنة إعادة الكلام للتأكيد و التنبيه و هذا كان من هديه – صلى الله عليه و سلم-
6- فيما جاء في الرواية الأخرى التي جاءت في سنن الترمذي بسند صحيح : فيه ذم للخصال الثلاث: الثرثرة و التشدق و الكبر و أن أصحابها أبغض الناس و أبعدهم من رسول الله- صلى الله عليه و سلم- مجلسا يوم القيامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(272) صحيح: أحمد(2/218،185) و قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/21): " رواه أحمد و إسناده جيد". و صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد(206)، و الصحيحة(792).

التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 16 Jun 2011 الساعة 10:19 PM
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 01 Oct 2011, 03:35 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

تابع لباب حسن الخلق


273-حدثنا اسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله-صلى الله عليه و سلم- قال:" إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقْ"

الشرح:
الحديث جاء في بيان حسن مكارم الأخلاق و فضلها
" إِنَّمَا بُعِثْتُ"جاء في صيغة الحصر و لا شك أن الذي بعثه هو ربه- جل وعلا- ففيه دليل على بعثة النبي- صلى الله عليه و سلم- فلا يبعث الله- جل و علا- إلى الخلق إلا الأنبياء، وهو رسوله إلى الناس أجمعين.
" لِأُتَمِّم"الإتمام: لغة: بلوغ نهاية الشيء، أي أن الله-جل و علا- بعث النبي- صلى الله عليه و سلم- ليبلغ في هذا الأمر غايته و نهايته، وهذا الأمر هو صالح الأخلاق أو "مكارمها" كما جاء في رواية:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
و لا شك أن المقصود بهذا الإتمام هم الناس الذين بعث فيهم النبي- صلى الله عليه و سلم- وهو إنما بعث في أمته، و أُمَّتُه على نوعين: أمة الدعوة و أمة استجابة.
- أمَّة الدعوة: أمة بُعث فيهم نبينا – عليه الصلاة و السلام- جميعا منذ أول يوم من بعثته إلى قيام الساعة لأنه لا نبي بعده، فهو خاتم الأنبياء و المرسلين، هؤلاء جميعا هم أمة دعوة النبي-صلى الله عليه و سلم- و نُسِبوا إلى الدعوة لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- دعاهم جميعا
· فدعاة هذه الأمة لا يجوز لهم الخروج عن أصل دعوته و لا يجوز لهم الإحداث في دعوته و لا يجوز لهم أن يحرفوا هذه الدعوة لا في أصل من أصولها و لا في طريقتها و لا في منهج النبي- صلى الله عليه و سلم- فيها، فهذا الأمر قد حُسم عند بعثة النبي- صلى الله عليه و سلم- و لا يجوز للإنسان أن يخالف في هذا الباب.و ما أكثر الدعاة الذين ينسبون أنفسهم إلى دعوة النبي- صلى الله عليه و سلم- و دعوته منهم براء. قال الله تعالى:" قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [يوسف : 108].
· من أصول دعوة النبي- صلى الله عليه و سلم- الدعوة إلى ما من أجله بُعث النبي- صلى الله عليه و سلم- ، بُعث من أجل عبادة الله وحده لا شريك له، ليُعَرِّفَ الناس إلى خالقهم، ليُتَمِّمَ للناس صالح أخلاقهم. و صلاح الأخلاق لا يتم إلا بالتأسي به- صلى الله عليه و سلم- في هذا الباب.
النبي - صلى الله عليه و سلم- حذرنا من مساوئ الأخلاق كلها و في المقابل بّيَّنَ لنا فضائل الأخلاق كلها و رغبنا فيها ترغيبا كبيرا وأمرنا أن نتحلى بها و أن نَدعوَ الناس إليها.

الفـــــوائـــد:
1- دليل على بعثة النبي- صلى الله عليه و سلم- و أن من أعظم مقاصد بعثته إتمام صالح الأخلاق لمن بُعث فيهم.
2- أن مكارم الأخلاق أصل من أصول دعوتنا و سبيل دعوة النبي- صلى الله عليه و سلم-
· هذا النص عام في مكارم الأخلاق تندرج تحته كل النصوص الأخرى المبينة لفضائل النبي- صلى الله عليه و سلم- _ الحلم، التواضع،العفو، الكرم_

ــــــــــ

(273): صحيح: أحمد (2/381)، و الحاكم في المستدرك(2/613)، و صححه الألباني في صحيح الجامع(2349)، و الصحيحة(45).
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 19 Jan 2012, 10:37 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

تابع لباب حسن الخلق
274- حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: " ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثمًا، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه. و ما انتقم رسول الله- صلى الله عليه و سلم- لنفسه،إلا أن تُنْتَهَكَ حرمة الله، فينتقم لله عز و جل بها ".

هذا الحديث فيه تفصيل في بعض ما أُجمِل في الحديث السابق
هذه الأخلاق التي تحلَّى بها نبينا- صلى الله عليه و سلم- و كان خير المتصفين بها.
"ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما"

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هاهنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة، أو الاقتصاد
و كان يختار الأيسر في كل هذا
يعني هذا يمكن فيما يخيره فيه ربه- جل و علا- و هذا من عظم قدر النبي-صلى الله عليه و سلم-
و التخيير هنا أعم حتى فيما يقع للنبي-صلى الله عليه و سلم- مع أصحابه، في سيرته إذا خُيِّر بين أمرين كان يختار الأيسر من باب عدم الحرج على الناس و من باب التيسير و التخفيف عليهم، لأن الله تعالى لما بعثه جعله لين الجانب، رءوفا رحيما، و من رأفته بهم يختار لهم دائما الأيسر و هذا أصل من أصول التشريع في العموم، أن التيسير من خصائص التشريع: التيسير في الأمور كلها، التيسير في الأحكام و المعاملات، ولكن لا ينبغي أن يفتح هذا الباب على مسراعيه و يتأول فيه المتأولة، فيلبسون على الناس من باب الأخذ بالأيسر فيقدمون الأقوال الضعيفة أو الشاذة على القول الصحيح الثابت بنص الكتاب و السنة الصحيحة.

- الأيسر: هو الذي لا يخرج عن هذا النص وهو موافقة الحق بموافقة الدليل.
- فهم هذا الحديث يكون بعمل ما كان عليه سلف هذه الأمة و لا يكون كمذهب بعض المنحرفين يقولون بأنه إذا وجد قول عالم في العلماء في مسألة ما و هذا القول هو أيسر الأقوال أخذنا به، وهذا يؤدي إلى الوقوع في فتنة تتبع الرخص و كان السلف ينهون عن هذا نهيا شديدا و كان بعضهم يقول:
" من تتبع رخص الفقهاء تزندق" بهذه الشبهة، و هذا المنهج تبناه محمد الغزالي في عصرنا هذا و سار عليه تلميذه الذي يسير على خطواته في الضلال و الغي ألا و هو القرضاوي فيقول بمثل هذا المذهب المنحرف و الشاذ، و لهذا تجد في بعض كتبه كالكتاب الذي سماه" الحلال و الحرام" و يصدق عليه أن يسمى " الحلال و الحلال" لأنه لم يحرم فيه شيئا مما حرَّم الله و رسوله- يعني في الغالب- و جاء إلى الأقوال الشاذة و الضعيفة و المرجوحة فقدمها على الأقوال القوية المعتمدة الراجحة، بحجة أن تلك الأقوال أيسر و أسهل على الناس. هذا ليس من دين الله-جل و علا- و لا من هدي رسول الله-صلى الله عليه و سلم-.
- الأيسر بالنسبة للنبي-صلى الله عليه و سلم- التشريع، تشريعٌ من بعده، لأنه "
لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".
- أما من جاء بعد النبي- صلى الله عليه و سلم- فهو مطالب بالإتباع لا بالابتداع، مطالب بعدم الخروج عن نصوص الكتاب و السنة لا بالاعتقادات الباطلة و لا بالأقوال الشاذة و لا بالأعمال التي كانوا يتبرؤون منها أصحابه بحجة أن هذا أيسر و أن هذا أرفق بالناس. و لكن لن يكون أرحم بالناس و ألطف بهم من ربهم-جل و علا- فرحمته واسعة لذا كان تشريعه سمته السماحة و التيسير و رفع الحرج بل أصل من أصول الأحكام الشرعية رفع الحرج،
قال الله تعالى:" ما جعل عليكم في الدين من حرج".

- فهذا معنى قول "
ما خُيِّرَ رسول الله- صلى الله عليه و سلم- بين أمرين إلا اختار أيسرَهما" فيما كان أيسر على الناس و لم يكن فيه حرج و هذا منهج ينبغي أن يسير عليه الأئمة سواء ما كان منهم الحكام أو العلماء
الحكام عليهم أن يرأفوا برعيتهم و أمة النبي-صلى الله عليه و سلم-، و العلماء كذلك الواجب عليهم أن يرأفوا بالناس و يبينوا لهم الأيسر و الأسهل الذي لا يخرجون به عن نطاق الشرع و لا عن هدي النبي-صلى الله عليه و سلم-

-
"فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه" يعني إذا خُيَِرَ بين أمرين و كان أحدهما إثما كان أبعد الناس منه يعني يتركه و لا يفعله بل و لا يشهده.

• كما جاء عن أحد الصحابة، النعمان بن بشير أنه أراد أن يُشهِد النبي- صلى الله عليه و سلم- على نِحلةٍ نَحَلها لأحد أبنائه أي-عطية- فقال له النبي-صلى الله عليه و سلم- أَكُلَُ ولدك نَحَلْتَهُ كما نَحَلْتَ هذا، قال: لا ، فقال النبي- صلى الله عليه و سلم- إذن لا أشهد على باطل، و انصرف و تركَه. أي أَشْهِدْ عليه غيري.

• و كان إذا جيء بالجنازة يسأل عن صاحبها هل ترك من دَيْن فإذا قيل نعم، قال: هل ترك من سداد لدينه، فإذا قالوا: نعم، صلى عليها و إذا قالوا: لا ، لا يصلي عليها النبي-صلى الله عليه و سلم- حتى يقوم أحد بالتسديد أي بتسديد الدَّيْن، و إن لم يكن أحد يقول: صلوا على صاحبكم.
-
" و ما انتقم رسول الله- صلى الله عليه و سلم- لنفسه" أي لم يكن انتقامه انتقاما ذاتيا ينتقم لنفسه إذا ظلم مثلا في شيء أو أٌخذ منه شيء إنما كان غضبه و انتقامه إذا انتهكت حرمة من حرمات الله تعالى ، فكان يغضب لذلك الغضب الشديد و ينتقم لذلك كذلك من باب القيام بأمر الله تعالى و ذلك ينبغي على كل مسلم.
- و لا شك أن النفوس ضعيفة فمن رحمة الله بنا أن بعث إلينا الرَُسلَ لِيُقَوِّمُوا لنا هذه النفوس لتكون حركاتها و سكناتها لرب العالمين لا لحظ من حظوظ النفس. و هذا من مكارم الأخلاق: مقابلة الإساءة بالإحسان، و مقابلة ما يؤذي به الناس غيرهم بكظم الغيض. و هذا كله من الأخلاق الكريمة.

الفـــــــــــــــــوائــــــــــــــــد:
1- التيسير سمة من سمات التشريع الإسلامي و صفة من صفات النبي-صلى الله عليه و سلم-، هذه الصفة كان يربي أصحابه عليها: فأبو موسى الأشعري و معاذ-رضي الله عنهما- لما بعثهما إلى اليمن قال:"
يسرا و لا تعسرا و بشرا و لا تنفرا"
و بداية الطريق هو العلم هو الذي يعلمنا طريق الوصول فمن أخطأ في هذا الطريق أخطأ سبيله.

2- المقصود بالاختيار بين الأمرين هنا، ما كان من تخييره-صلى الله عليه و سلم- في بعض المسائل التشريعية كأنواع العقوبات و منه كذلك ما تعلق من عموم التخيير في الأمور كلها، اختيار النبي-صلى الله عليه و سلم- الأيسر لأمته.

3- فيه بيان لمناقب النبي-صلى الله عليه و سلم- منها أنه ما عاقب أحد على مكروه أتاه، و أنس بن مالك-رضي الله عنه- الذي خدم النبي-صلى الله عليه و سلم- عشرة سنين،قال: ما انتهرني رسول الله قط و ما قال لي عن شيء فعلته لما فعلته؟ و لا لشيء لم أفعله لما لم تفعله؟
و عن عائشة-رضي الله عنها- قالت:"
ما ضرب رسول الله-صلى الله عليه و سلم- شيئا قط بيده و لا امرأة و لا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، و ما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يٌنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله-عز و جل- " أخرجه مسلم

4- من مناقبه عفوه و حلمه و احتماله للأذى

5- الحث على هذه الخصال الكريمة، العفو و الحلم

6- وجوب الانتصار لله جل و علا و الغيرة على محارمه، هذا واجب على المؤمن يدل عليه قول النبي-صلى الله عليه و سلم:"
من رأى منكم منكرا فليغيره بيدهن فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان".

7- ترك الغضب و الانتقام للنفس و مجاهدتها حتى يكون الانتقام و الغضب لله وحده و هذا يحتاج إلى مجاهدة عظيمة و تزكية للنفوس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(274) صحيح: البخاري في المناقب (3560)، و مسلم في الفضائل(2327/77)، و أحمد(114/6)


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 19 Jan 2012 الساعة 11:13 PM
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 20 Feb 2012, 09:13 PM
أم أنس أم أنس غير متواجد حالياً
وفقها الله
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 125
افتراضي

سلمت يمينك يا أم عبد الرحمان
الأخوات ينتظرن المزيد
رد مع اقتباس
  #21  
قديم 09 May 2012, 06:19 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

275- حدثنا محمد كثير قال: أخبرنا سفيان،عن زُبَيد، عن مُرَّة، عن عبد الله قال:" إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، و إن الله تعالى يعطي المال من أحب و من لا يحب، و لا يعطي الإيمان إلا من يحب، فمن ضَنَّ بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهد، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، و سبحان الله،و الحمد لله، و الله أكبر"

الشـــــــــــــــــرح:
هذا الأثر الذي أخرجه البخاري-رحمه الله-و ساقه بسنده في هذا الباب و إن كان موقوفا على عبد الله بن مسعود و ليس مرفوعا سندا، إلا أن علماء الحديث في مثل الحديث الموقوف على الصحابي الذي لم يعرف برواية الإسرائيليات، إذا أخبر عن الغيب يعتبر مرفوعا حكما و إن كان موقوفا سندا، لأن الحديث ليس مما يقال من قبل الرأي إنما يقال لأنه مأخوذ عن الوحي، و الله تعالى إنما يوحي لنبيه فالصحابة و إن لم يرفعوه إلى النبي-صلى الله عليه و سلم- إلا أنهم أخبروا به و هو حتما لا يقال من قبل الرأي فإن حكمه الرفع إلى النبي-صلى الله عليه و سلم-.

· قوله:" قسم بينكم أرزاقكم" القسمة: أعطى لكل واحد منكم جزاءا أو نصيبا من هذه الأخلاق لأن بابها واسع و هي تشمل كل ما يتجمل به العبد من الهيئات و السلوك و المعاملات التي يستحسنها غالب الناس و يحبون أصحابها، و لهذا من أعظم الأسباب الموصلة للتودد للخلق حسن معاشرتهم، لأن يعاملوهم بالأخلاق الحميدة فهي تكسب القلوب و قبل هذا فإن صاحبها عند الله تعالى و نبيه مصداقا لقوله-صلى الله عليه و سلم-:" إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"1 ، فيرفع الله تعالى قدره و يجزل له المثوبة.
هذه الأخلاق حالها كحال الأرزاق، قال الله تعالى: {َهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : 32]، فجعل منهم الفقير و الغني، و ليست العبرة في ضيق المعيشة إنما العبرة بمنزلتهم و درجاتهم.
أفضل الناس أخلاقا و أكملهم هو رسول الله -صلى الله عليه و سلم-، كما قال ابن عباس-رضي الله عنه-:" كان أجود الناس"، و كما وصفته أمنا عائشة-رضي الله عنها- قالت:" كان خلقه القرآن"، بما جاء به هذا الكتاب من فضائل الأعمال و الأخلاق.

في الحدي بيان لمسألة يغفل عنها الكثير من الناس فيعتقدون أن الرازقية على الله إلا أنهم في باب الرزق ينبغي على كل واحد أن يسعى في بذل الأسباب لطلب الرزق، في باب الرزق الطيب يسعى فيه و يدعو ربه أن يرزقه الحلال الطيب حتى يستغني عن سؤال الناس، كذلك في باب الأخلاق فنحن نعلم أنها على نوعين عجِبِلِّيَّة: بعض المكارم و السجايا الطيبة التي يفطر الناس عليها، و أخلاق مكتسبة: جلها مكتسب يسعى لأن يتحلى بمحاسنها و يتخلى عن مساوئها، و مصداق هذا قوله-صلى الله عليه و سلم-:" إنما العلم بالتَّعلم و إنما الحلم بالتَّحلم".
يزاحم طلبة العلم في مجالسهم و في بطون الكتب و لا يأتي العلم هكذا ينام و يستيقظ من صباحه يأتي عالما،بل عليه أن يجتهد في طريقه، كذلك بالنسبة للخلق" إنما الحلم بالتَّحلم"، التَّحلم فيه الصبر على الأذى و العفو عن أذية الغير حتى يقهر نفسه إرضاءا لربه –جل و علا- لأنه علم أجر الصابرين و لأجل التحلي بالأخلاق الكريمة التي يحبها الله، قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- للأشج بن قيس:"إن فيك خصلتين يحبها الله و رسوله، الحلم و الأناة".
فالنبي-صلى الله عليه و سلم- كان إذا غضب يغضب لله و لا ينتقم لحظوظ نفسه.
-
لتحصيل الرزق لابد من السعي في أسبابه، و هذه الأسباب بينها النبي-صلى الله عليه و سلم- قولا و فعلا في الأحاديث الكثيرة التي فيها الترغيب و الترهيب في هذه الأخلاق، و يضاف إلى ذلك(أي بعد تحصيل الأسباب) أن يدعُوَ المرء ربه " اللهم ارزقنا رزقا طيبا حلالا"
- كذلك في باب الأخلاق، و النبي-صلى الله عليه و سلم- و من هو و كان يدعو :" اللهم كما حسَّنت خَلقي حسِّن خُلُقي"
-
من الناس من كمَّله الله تعالى في خلقته مثل النبي-صلى الله عليه و سلم- وهو من الاعتراف بالنعمة، وهو من الأعظم أن تحسن أخلاقنا لأن بها تنال المنازل الرفيعة و المرتبة الكريمة.

· قوله:"و إن الله تعالى يعطي المال من أحب و من لا يحب"أي صالحهم و طالحهم، خيرهم و فاسدهم،فالحصول على المال في الدنيا ليس دليل محبة و عنوان امتياز في الشرع كما تقرر في نصوص الكتاب و السنة.
الكفار عندهم من المال ربما أكثر مما عند المؤمنين، فالنبي-صلى الله عليه و سلم- خرج من الدنيا و لم يشبع من الأسودين.
هؤلاء أخذوا من الدنيا حظا وافرا فما تنفعهم، قال رسول الله-صلى الله عليه و سلم-:"يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ "
يعطي المال لمن أحب من المؤمنين كما كان سليمان -عليه السلام- كان ملكا، و يعطي المال لمن لا يحب مثل فرعون و قارون، فمن كان كافرا ظالما لا يزداد بهذا المال إلا طغيانا و ظلما، قال الله تعالى: {ُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً}[الإسراء : 20]

·قوله:" و لا يعطي الإيمان إلا من يحب" هنا مقابلة مع المال الذي يعظمه الناس في الدنيا فهو حقير يعطيه لمن لا يحب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"
- الإيمان بالمعنى الشرعي الذي جاء به الأنبياء و الرسل، الذي يدفع صاحبه لصالح الأعمال بأركانه كلها و إسقاط لواحد من الأركان هو إسقاط لكلها الذي من مستلزماته العمل الصالح، قال الله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف : 46]، من دعاء الصالحين أنهم يسألون ربهم الثبات على هذا الإيمان فحبب إليهم الإيمان، يصبح المرء يكره المعصية لأن ذاق طعم الإيمان و من ذاق طعمه فقد استكمل الإيمان، فمنهم من تجده يتقرب لله و هو مطمئن و يجد سعادة فيها كما كان رسول الله-صلى الله عليه و سلم- يقول لبلال-رضي الله عنه-:" أرحنا بها يا بلال"
قال رسول الله- صلى الله عليه و سلم-:" حبب إلي من دنياكم الطيب و النساء و جعلت قرة عيني في الصلاة"

· قوله:" فمن ضن بالمال" أي بخل به أي لشدة حرصه عليه و هذا حال من حُبب إليه المال و كان حريصا عليه و لا يحب أن يفارقه عكس الصنف الأول فهو ينفقه في وجوه الخير كلها كما كان حال رسول الله-صلى الله عليه و سلم-

· قوله:" وخاف العدو أن يجاهد، وهاب الليل أن يكابده" أي ابتلي بالجبن، جبان من أن يقف في مواجهة العدو، و أيضا ترك المكابدة في قيام الليل و إن كان من الفضائل و المستحبات إلا أنه من أعظمها، قال رسول الله-صلى الله عليه و سلم-:" أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" وهي دأب الصالحين.
- فمن ابتلي بهذا جُعل لنا ما نعوض به هذا كله

·
قوله:" فليكثر من قول: لا إله إلا الله، و سبحان الله،و الحمد لله، و الله أكبر"
-
سبحان الله: التسبيح: تنزيه الله تعالى عن كل عيب، لهذا نبه أن يبدأ بالتسبيح، ننزه الله تعالى عن النقائص كلها ثم نحمده
-
الحمد لله: الشكر الخالص لله وحده لا شريك له من دون سائر الناس، الحمد و الشكر متقاربان إلا أن الحمد أعم لأن العبد يحمد ربه على كل حال على ما أعطاه من النعم و ما لم يعطه، و الشكر على ما أسدى له من الخير، و كذلك شكر العباد يشكرهم على ما فعلوه له من الخير
معنى الشكر متضمن في الحمد
-
لا إله إلا الله: كلمة التوحيد: فيها نفي و إثبات هي الأولى، نفي لكل شريك و إثبات العبادة لله وحده، و كلمة التوحيد جاءت لهذا الأصل أي النفي و الإثبات
-
الله أكبر: كبير أكبر من كل شيء، على وزن أفعل بمعنى فعيل: كبير أكبر من كل كبير.

الفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــوائــــــــــــــــــــــــــــــــد
:
1- بيان أهمية الأخلاق في الإسلام
2- أن من الأخلاق أخلاق جبلية فطر الناس عليها و قسمها بين عباده كما قسم بينهم أرزاقه
3- تفاضل الإيمان على المال و إذا كان هذا دليل على التفاضل فأهل الإيمان الصادق أفضل من أهل المال و لا يمنع من أن يكون من أهل الإيمان أهل مال، من الأنبياء سليمان-عليه السلام- و من الصحابة عثمان-رضي الله عنه-
4- أن الإيمان من توفيق الله جل و علا لعدله و إكرامه له
5- دليل على أن هذه الأخلاق من المساوئ: البخل و الجبن
6- الترهيب من ترك قيام الليل
7- دليل على أن من الأعمال أعمال تجبر النقصان
8- فضل ذكر الله بهذه الكلمات الطيبة لا إله إلا الله و سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
1 أنظر شرحه مع الحديث رقم 272

(275) صحيح: موقوف في حكم المرفوع: و روي مرفوعا عند أحمد(1/387) و ضعف إسناد المرفوع الشيخ أحمد شاكر(3672) و كذلك الألباني. أنظر صحيح الأدب المفرد ص(119) و الصحيحة(2714).



انتهى شرح باب حسن الخلق و لله الحمد

التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 15 Sep 2012 الساعة 07:13 PM
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 11 Sep 2012, 04:09 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

باب سخاوة النفس

مناسبة الترجمة مع الكتاب واضحة لأنها من أخص الخصال الطيبة و هي جود النفس و كرمها، فسخاوة النفس من أفضل المكارم
و ليس المقصود بالسخاء بالمال بل يتعلق بكل شيء من الخير يمكن للمسلم أن يوصله لغيره ، ما كان من السخاوة في باب العلم أو إعانة الغير على ما ينفعهم و ما كان في باب الأخلاق الفاضلة التي يكون فيها الخير العظيم و ما تعلق بالعفو عنهم و الصفح عن أخطائهم و زلاتهم.
- في هذه الترجمة إشارة من البخاري- رحمه الله- أن مثل هذه الأمور هي مكتسبة يجتهد فيها المسلم و كلما كان صادقا في أمره جازما فإن الله يزكي هذه النفس لأن سخاوة النفس من تزكيتها.
نسمع من بعض الناس أنه يتصرف تصرفا مخالفا للشرع ثم إذا نُبه قال أن ذلك طبعه كأنه رفع عنه القلم، فيُقال فيه: عذر أقبح من ذنب.
كما قال أهل العلم: إذا كانت الوحوش و الحيوانات المفترسة تُروض كيف لا يُروض الإنسان أو المؤمن.
فلابد من ترويض النفوس بتمرينها على الفضائل.
قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم-:" و من يتحرَّ الخير يُعطه و من يتوقَّ الشر يوقه"



276- حدثنا يحيى بن بُكير قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح،عن أبي هريرة، عن النبي-صلى الله عليه و سلم- قال:" ليس الغنى عن كثرة العَرض إنما الغنى غنى النفس"

الفقر ليس نقيصة و عيبا فالنبي –صلى الله عليه و سلم - كان من الأنبياء الفقراء، و كان يدعو الله أن يكون من المساكين و أن يحشر مع المساكين.
من خصاله –صلى الله عليه و سلم- و أكرمها الإيثار و البذل و كان أيضا في بعض أصحابه و ليس فيه تعارض
قال الله تعالى:" فوجدك عائلا فأغنى" أكرمه الله تعالى بزواجه بأمنا خديجة- رضي الله عنها- و بعد ذلك أصابته فاقة و توفي- صلى الله عليه و سلم- و درعه مرهونة عن اليهودي على حفنات من شعير.


قوله:" الغنى"الذي وُسع له في رزقه، ذو المال الكثير و المتاع و الذي لا يحتاج لغيره أي استغنى عن الناس بما عنده من كثرة عرضه
النبي - صلى الله عليه و سلم- بيَّن لنا حقيقة الغنى في قوله:" ليس الغنى" كما في قوله:" ليس الشديد بالصرعة"
الغني حقيقة ليس الذي عنده متاع كثير


قوله:" العرض"ما كان من المال غير النقد كما قال ابن فارس - رحمه الله - في المعجم. ما يملكه الإنسان من الزرع و المواشي و الآلات من غير المال.
الغني الذي اعتاد الناس المعروف بهذا الوصف أي الذي كان كثير العرض.

قوله:" لكن الغنى غنى النفس " فيه إشارة إلى خصلة من الخصال الطيبة و هي القناعة و الرضا بما قسم الله تعالى لعبده ، قسم بين عباده أرزاقهم فجعل منهم الغني و الفقير، فالعبرة ليست في غنى العبد و لكن في تقواه، قال الله تعالى:" إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
الذي رزق التقوى هو الأكرم، كذلك في باب الغنى، الذي كان غنيا في نفسه قانعا بما آتاه الله فيجعل الإنسان يترفع عن سؤال غيره لأنه غني النفس فنفسه تأبى عليه أن تتذلل لأي مخلوق.
النبي –صلى الله عليه و سلم- يربي أمته على التخلي عن الجشع فقال:" من أصبح آمنا في سربه، معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها" ، من حاز الدنيا أليس هو أغنى الناس ، قوت يومه لا يتعدى أنه ملك غذاءه و عشاءه، وجد ما يأكل في يومه و لا ينظر في غيره و لا في غده.
هذه تربية متعلقة بالقناعة لأن من اتصف بها يصل لأن يكون سخي النفس.
غني النفس لا يكون حريص على الاستزادة فيما عنده و لا يجعل فكره و همه لا يتعدى دنياه.
و قد ذم نبينا – صلى الله عليه و سلم- من كان هذا همه و مدح من كان همه الآخرة فقال:" أتته الدنيا و هي راغمة" فهي ليست مُخضعة بل خاضعة.و الله – عز و جل – ما أمرنا أن نعظمها بل أن نحتقرها، و ما سميت دنيا إلا لدناءتها و حقارتها.
قال صلى الله عليه و سلم:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"
يؤيد هذا حديث أبي ذر رُوي بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"يا أبا ذر ! أترى كثرة المال هو الغنى ؟ . قلت : نعم يا رسول الله ! قال : أفترى قلة المال هو الفقر ؟ قلت : نعم يا رسول الله ! قال : إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب"



الفــــــــــــــــــــــــــــــوائــــــــــــــ ـــــــــــــــــــد:


1- بيان حقيقة الغنى عند الله تعالى


2- بيان أن من الناس كان كثير العرض إلا أنه كثير الفقر لأنه حَرُمَ القناعة، إذا رآه الناس ظنوا أنه من الأغنياء و لكنه من الفقراء لأنه مهما أوتي طلب المزيد و يحرص على ذلك و يخاصم على ذلك


3- بيان فضل القناعة و أنها من أكرم الخصال عند الله تبارك و تعالى


4- أن غنى النفس يبعث على تحصيل المكارم كلها


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(276) صحيح : البخاري في الرقاق (6446) ، و مسلم في الزكاة (1051/120)

التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 15 Sep 2012 الساعة 07:14 PM
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 11 Sep 2012, 05:53 PM
ابنة السلف ابنة السلف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 366
افتراضي

جزى اللهُ الشّيخ خير الجزاء
وشكر الله لكِ أخيّة على هذا الجهد
هل هي دروس مسجّلة؟ أم كيف؟
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 11 Sep 2012, 06:11 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابنة السلف مشاهدة المشاركة
جزى اللهُ الشّيخ خير الجزاء
وشكر الله لكِ أخيّة على هذا الجهد
هل هي دروس مسجّلة؟ أم كيف؟
آمين و إياك أخيتي

هذه دروس خاصة بالأخوات الشيخ يشرح لنا كتاب الأدب المفرد و بلوغ المرام و لم نكمل الشرح بعد
بالنسبة للتسجيلات نحن نسجل الدروس و غير مسموح نشرها في النت إلا أن نرسلها للأخت التي تريدها مباشرة
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 12 Sep 2012, 08:24 AM
ابنة السلف ابنة السلف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 366
افتراضي

اللهمّ بارك
مفهوم أختي..
وفقكنّ الله ونفعَكنّ بهذه الدّروس، ونفعَ بكنّ.

التعديل الأخير تم بواسطة ابنة السلف ; 12 Sep 2012 الساعة 08:34 AM
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 28 Apr 2015, 09:47 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي

قال الله تعالى:" واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم "

الله المستعان

نسأل الله العفو و العافية

لي عودة للموضوع بإذن الله
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 02 May 2015, 01:06 AM
أم مصعب السلفية أم مصعب السلفية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 52
افتراضي

بارك الله فيك ذكرتيني بحلقات الشيخ اشتقت لتلك الايام ياليتها تعود لكن هيهات هيهات
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 21 May 2015, 08:06 AM
نهر العلي نهر العلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
المشاركات: 98
افتراضي

اللهٌم بارِك
مجهُود مُتميز.. والشُكر موصول لكِ يا حبيبة
جزا اللهُ شيخنا عنا خير الجزاء
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013