منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 30 May 2016, 04:59 PM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي من أدب الحديث التحرز من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب فيما يستقبح من الكلام

الحمد لله القائل {وقولوا للناس حسنى} والقائل: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ} نحمده ونثني عليه الخير كله ونتوكل عليه، ونصلي ونسلم على نبينا محمد خير من نطق بالضاد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم المعاد.
أما بعد:
فمن أدب الكلام أن ينتقي أحسن الكلام ويُكني عن القبيح من الألفاظ، وأهل الفضل يتنزهون عن حكاية قول الكفر والشرك وكلمة السوء التي يتلفظ بها أهل الكفر والفجور بالضمير المتكلم فيعرضون بالضمير الغائب، لأنهم يستقبحون أن يتلفظوا بالكلمة القبيحة كالمخبرين عن نفسهم، وهذا احتياطا من توهم ما يستقبح.
أخرج مسلم في ((صحيحه)) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله وفي رواية أبي كريب يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)).
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((وقوله يا ويله هو من آداب الكلام وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه)).
وقال السيوطي رحمه الله في ((الديباج على مسلم)): ((يا ويله هو من آداب الكلام وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء حول الضمير عن التكلم إلى الغيبة تصاونا عن إضافة السوء إلى نفسه يا ويلي)).
ومن ذلك ما جاء عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي طالب: ((يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)).
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب.
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى فيه { ما كان للنبي } الآية)) متفق عليه.
وفي رواية في الصحيحين: (قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب).
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((أراد بقوله: هو، نفسه أو قال: أنا، فغيره الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور، أو: هو من التصرفات الحسنة)).
وقال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((قوله آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة وفي رواية معمر هو على ملة عبد المطلب وأراد بذلك نفسه ويحتمل أن يكون قال أنا فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور وهي من التصرفات الحسنة)).
وقال القسطلاني رحمه الله في ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)): ((فهذا من أحسن الآداب والتصرفات وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظه الواقع)).
وقال أيضا رحمه الله: ((وأراد نفسه أو قال: أنا على ملة عبد المطلب فغيرها الراوي أنفة أن يحكى كلامه استقباحا للتلفظ به)).
وقال العلامة الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)): ((فعند ذلك أخذته الحميّة الجاهلية، فقال: (هو على ملة عبد المطلّب).
(هو) هذا ضمير الغائب، يَحتمل أن الرّاوي صرفه، ولم يقل: أنا، من باب كراهة هذا اللّفظ.
وجاء في بعض الروايات: (أنا على ملّة عبد المطلب)).
وقال حفظه الله في ((الملخص في شرح كتاب التوحيد)): ((هو على ملة عبد المطلب: استبدل الراوي بضمير المتكلم ضمير الغائب استقباحاً للفظ المذكور)).
وجاء عن السلف الصالح قال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله كما في ((جامع العلوم والحكم)): ((حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة لا إله إلا الله فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول ومات على ذلك قال فسألت عنه: فإذا هو مدمن خمر)).
ومن هذا ما يذكر بعض أهل العلم عند كلامهم في بعض أبواب الفقه.
أخرج ابن أبي شيبة في ((المصنف)): عن قتادة، وإياس بن معاوية؛ في رجل قال لامرأته: هي طالق إن شاء الله، قالا: ذهبت منه.
وأخرج أيضا عن الحسن، قال: إذا قال لامرأته: هي طالق إن شاء الله، فهي طالق، وليس استثناؤه بشيء.
وقال ابن رشد رحمه الله في ((بداية المجتهد)): ((وأما الطلاق والعتاق فلا يخلو أن يعلق الاستثناء في ذلك بمجرد الطلاق أو العتق فقط مثل أن يقول: هي طالق إن شاء الله أو عتيق إن شاء الله وهذه ليست عندهم يمينا)).
ومن ذلك قول ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)): ((كما قلناه في مسألة (نذر اللجاج والغضب) وكما قلناه في قوله: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وقوله: هو يستحل الخمر والميتة إن فعل كذا. فإنه لما لم يكن مقصوده الحكم عند الشرط وإنما الغرض الامتناع من فعل؛ فكذلك إذا قال الحل علي حرام إن فعل كذا؛ وليس غرضه تحريم الحلال عند الفعل؛ وإنما غرضه الامتناع من الفعل وذكر التزام ذلك تقديرا تحقيقا للمنع كما ذكر التزام التهود والتنصر تقديرا كما أنه معنى اليمين بالله هتكت حرمة الأيمان بالله إن فعلت هذا أو نقصت حرمة الله أو استخففت بحرمة الله إن فعلت. وموجب الأيمان كلها من جهة اللفظ الوفاء وأنه متى حنث فقد هتك أيمانه وأنه تهود وتنصر كما أن موجب نذر اللجاج والغضب من اللفظ وجوب الوفاء؛ فإن الحكم المعلق بشرط يجب عند وجوده والحالف بشيء على فعل قد التزم ذلك الفعل وجعله معلقا بمعظمه المحلوف به. فمتى لم يفعله فقد هتك تلك الحرمة)).
وقال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)): ((وكذلك لو قال هو يهودي او نصراني كفر بذلك ولو قال إن فعلت كذلك فهو يهودي او نصراني كان يمينا)).
وقال رحمه الله في ((زاد المعاد في هدي خير العباد)): ((ومنها: أن يقول في حَلِفِهِ: هو يهودي، أو نصراني، أو كافر، إن فعل كذا)).
وقال الإمام ابن باز رحمه الله في ((فتاوى نور على الدرب)): ((أما أن يقول: هو يهودي أو نصراني، أو عليه الطلاق من دينه عندما يفعل كذا، كل هذا غلط ومنكر لا يجوز، وتعريض لدينه للذهاب والضياع والردة عن الإسلام - نعوذ بالله - يجب الحذر والتوبة من هذا، نسأل الله العافية)).
هذا ما تيسر جمعه حول هذا الأدب الرفيع، الذي كان عليه سلفنا الماضين.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 23 شعبان سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 30 مايو سنة 2016 م

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ادب, تزكية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013