هكذا القلوب،شبه القلوب بالأرض،الأرض منها أرض الطيبة،والأرض الطيبة لها خاصيتين،خاصية إمساك الماء،وهذه خاصية نافعة جدا،يعني يمسك فيها يبقى،وخاصية أخرى خاصية الإنبات أنها تنبت،يخرج منها الكلأ والزرع وفي هذا نفع عظيم للناس.
ثم طائفة أخرى خاصيتها واحدة،أنها تمسك الماء ولكنها لا تنبت،وهذا مثل من كان وعاءا من أوعية العلم، ولكن ما نفعه علمه وقد يكون نفع به غيره،رب حامل فقه لمن أفقه منه،وهذا موجود في الناس،لكن رغم ذلك هذا فيه نفع.
وأسوء هذه الأنواع هي الطائفة الأخيرة،التي هي القيعان هذه لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ،هذا شببه النبي عليه الصلاة والسلام،بمن لم يقبل هدى الله الذي جئت به ولم يرفع بذلك رأسا.
أعرض بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام،جاء بالهدى والعلم كما جاء في هذا الحديث،العظيم في بابه.
هذا إذا عن الأصل الأول،الذي ينبغي أن نجتهد فيه على هذه الطريقة المرضية،التي سار عليها سلف هذه الأمة الكرام.
والأصل الثاني الذي قلنا هو العمل الصالح،أو هو الحرص على التطبيق العملي،أو التطبيق الصحيح للاسلام،هذا لأن فائدة العلم هو العمل،فائدة العلم العمل.
والانسان يتعلم أولا ليرفع الجهل عن نفسه،وهذه حسنة من الحسنات،ويتعلم كذلك لتحقيق أصل من الأصول،أنه يعبد الله على علم،أو أنه لأجل أن يكون عمله صالحا،لأن العمل لا يكون صالحا ألا بأمرين اثنين:
أن يكون لله خالصا،وأن يكون صوابا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم،موافقا.
وهذا الذي ذكره القاضي عياض عند قول الله جل وعلا:{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}الملك.
قال:خالصا صوابا.
الخالص أن يُبتغى به وجه الله،وهذا شرط أول وأساس،لقبول العمل،لصحة العمل ولقبوله،الله عز وجل لا يقبل من عبد عملا أشرك فيه غيره،كائنا من كان هذا الغير،وكيف ما كانت هذه النسبة من الإشراك ولو كانت قدر أنملة،الله جل وعلا لا يقبل إلا ما كان خالصا له،خالص يعني من كل شابة من شوائب الشرك،كما جاء في الحديث القدسي:أنا أغنى الأغنياء عن الشرك،من أشرك في عمل غيري تركته وشركه.
الله عز وجل غني عنا،الله عز وجل لا تنفعه عبادة الصالحين،ولا تضره معاصي المذنبين،أبدا.
جاء في الحديث القدسي: لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم ،كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئ.
لو هذا العدد الهائل الذي لا يحصيه إلا الله،أولنا وآخرنا،أول البشرية وآخرها،سواء من جنها أو إنسها كلهم،كانوا على أتقى رجل واحد،كانوا كلهم على قلب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم،في الصلاح وتقوى الله عز وجل.
هذا لن يزيد في ملك الله شيئا،لأنه غني عنا وعن أعمالنا،أعمالنا لنا،" إنما هي أعمالكم أحصيها لكم،فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .
لا تلوم إلا نفسك يا عبد الله،فيما قصرت فيه في جنب الله تبارك وتعالى،فيما أذنبت فيما أخطأت، فيما إنحرفت فيه، عن سبيل الله عز وجل.
ولهذا الواجب على المؤمن في حياته،أن يعيش على أصول ومقامات السعادة،التي جُمعت في ثلاث مراتب كما قال ابن القيم عليه رحمة الله،شكر الله جل وعلا الشكر عند النعم،والصبر عند الإبتلاء والمحن،و الاستغفار والتوبة والإنابة،عند الذنب والمخالفة.
لا بد أن يعيش المؤمن بين هذه الثلاث،شكر الله جل وعلا،يكون بالاعتقاد ويكون باللسان ويكون بالأعمال،لقوله تبارك وتعالى:{ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ.
وكذا يكون أو المقام الثاني،الصبر على أنواع الإبتلاء وما أكثرها،الصبر على الأقدار المؤلمة التي يُبتلى بها الناس،والله جل وعلا يجازي الناس على قدر صبرهم،"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرإة.
ومن رحمة الله عز وجل بنا،أنه يبتلي خيارنا وأشد الناس بلاءا كما جاء في الصحيح،الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
والإبتلاء له فائدته،فائدة التمحيص،أن الله جل وعلا يمحص عباده،{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}العنكبوت.
لا بد من الفتنة ولا بد من الصبر عند مثل هذه الفتن وما أكثرها، خير خلق الله جل وعلا،الإبتلاء العظيم،"أوذيت ما لم يؤذى أحد"،هذا النبي عليه الصلاة والسلام.
وصبر،تُكلم فيه وطُعن فيه،وأُوذي في نفسه وأوذي في أهله،وما إلى ذلك من هذه الأنواع من البلاء.
ولهذا المؤمن يسلي نفسه دائما وأبدا،بذكر ما تعرض له نبيه صلى الله عليه وسلم.
هذه من الأمور التي تُسلي قلوبنا،لأننا سنتعرض ،تعرضنا ونتعرض لما تعرض له من قبلنا،سنة جعلها الله عز وجل،في الصالحين في الخيرة البررة من عباده.
وكذلك أنه إذا أذنب استغفر ربه، "كل بني آدم خطاء وخير الخطاؤون التوابون".
توطن نفسك على هذه الأمور دائما وأبدا،وتجعل هذا دائما وأبدا خالصا لوجه الله جل وعلا.
فالأصل الثاني هو السعي في العمل الصالح،السعي في التطبيق العملي لشرائع الدين كلها،في نفسك وفي غيرك.
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }التوبة،في هذا الأمر،{ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} التوبة.
المؤمن يقوم نفسه بتقويمه لغيره،ومن الفوائد التي نستفيدها في هذا الباب،في مسألة متعلقة بأحكام الصلاة،يذكرها الامام أحمد عليه رحمة الله،يقول:أنه من تمام إقامة الصلاة،أنك إذا رأيت مسيئا لصلاته فقومت صلاته،هذا من تمام إقامتك أنت للصلاة.
هذا لنعلم أن المؤمن لإخوانه كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام:كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ومن فوائد هذه الأعمال الصالحات التي أُمرنا بها،والتي نسعى دائما وأبدا لتصحيحها والحرص على قبولها،ينبغي أن يكون عندنا هم القبول.
لا هم الفعل والآداء فحسب،وهذا الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ }المؤمنون.
قالت عائشة رصي الله عنها: أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر يا رسول الله؟ قال: لا يا ابنة الصديق بل الذين يصلون ويصومون ويتصدقون،ويخشون أن لا يُقبل منهم.
ويخشون أن لا يُقبل منهم ،أي لا يقبل الله تبارك وتعالى،منهم هذه الأعمال،لعلهم قصروا في شرط من شروطها،أو غفلوا عن أصل من أصولها،ولهذا كان حرصهم على القبول،حملوا هم القبول في أعمالهم كلها،وهذا يجعل العامل دائما وأبدا،يستحضر مراقبة الله جل وعلا له،في أعماله كلها.
ولهذا الإنسان أحيانا يدهش تصيبه الحيرة الشديدة من بعض التصرفات،التي تكون لا أقول من بعض عوام المسلمين،الذين ربما يغلب عليهم الجهل....
يتبع ..
التعديل الأخير تم بواسطة أم صهيب السلفية ; 01 Apr 2018 الساعة 11:44 PM
|