منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 Feb 2017, 12:52 AM
أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي أبو عبد الرحمن فتحي المستغانمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الدولة: الجزائر - مستغانم
المشاركات: 41
افتراضي رفع الشان ودفع لأواء عن الإخوان

رفع الشان ودفع لأواء عن الإخوان
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هدي له. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
وبعد "فإن الصراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بفعل ما أمر وترك ما حظر وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين. وكل ما خالف ذلك فهو من طرق أهل الغي والضلال...
فمن عرف الحق ولم يعمل به أشبه اليهود الذين قال الله فيهم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. ومَنْ عبدَ الله بغير علم بل بالغلو والشرك أشبه النصارى الذين قال الله فيهم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
فالأول من الغاوين والثاني من الضالين. فإن الغي اتباع الهوى، والضلال عدم الهدى، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ () وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}. ومن جمع الضلال والغي ففيه شبه من هؤلاء وهؤلاء " [1].
ومع شديد الأسف فقد وُجد في عصرنا من هذا الصنف كثير. بل وفيهم من زاد عليه سوء المنطق وبذادة الأخلاق. وأعجبُ من ذِكرهم في سادة النّاس وصفوتهم، ويزيد الاندهاش لما يُصدّر أمثال هؤلاء ويُسند إليهم التوجيه والإرشاد والفُتيا! فصار -لسوء الحال- يُشار إليهم بالبنان، فلان الأستاذ والدكتور والباحث ومن النُخبة و ... إلخ، فقد كثر القراء وقلّ الأمناء، وتُفُقِّه لغير الدين، ونطق الرويبضة، واستحكم أمر العالم الفاجر. وإلى الله تصير الأمور.
وكان من أمرهم إلى عهد قريب لا يُسمع عنهم نبأ والأمة تعيش من أحلك أيامها، فكان إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان نزحوا إلى التلول مع الناظرين يرتقبون لمن الدائرة ليكونوا إليهم من المتحيزين، فإذا حمى الوطيس تحوّلوا إلى الملجأ والمغارت يتَخفّون ويندسون، ثم صاروا عن حين غفلة هم المناضلون عنها وعن قضاياها يوهمون النّاس ويخادعون العامة والجهال، وقد أيقنوا أنّه لن يستقيم لهم ذلك إلاّ بشيء من الغمغمة والتعمية، فاتخذوا من الطعن في دعوة التوحيد والسنّة أقرب سبيل لنَيل المآرب، وستارا يحجب البصائر عن رؤية قبيح سيرتهم وسوء طويتهم، فهم أبدا يغمزون أهل السنة السلفيين يبدون غيظهم وعداءهم لهم حسدا من عند أنفسهم. وتجدهم وإن نادوا بشعار التعايش مع أهل الملل والنِّحل كلها، مع أهل البدع الكبرى من الخوارج القعدية والإباضيين، ومع الكفار والمنافقين، الصّفوية والشيعة الرافضة والنصارى والكتابيين، وحتى الشيوعيين والملاحدة الدهريين، فإنّ صدورهم تتسع لكل هؤلاء، إلاّ لأهل السنّة السلفيين، فإنّ مبادئهم تلك الداعية إلى التعايش والانفتاح للآخر -زعموا- !! لا تحملهم. فتكالب أهل الأهواء على اختلاف نحلهم ومناهجهم متظاهرين في تلب أهل السنّة، ونبزهم بأقبح ما يستطيعون تلقيبهم به، يرمونهم بالبوائق وبالفواقر من قوس واحدة.
ومن ذلك ما احتوته بعض الرسائل لبعض الكُتاب المعاصرين المحسوبين على التوجيه والإرشاد الديني، والتي عمّت مساجدنا يُلقِّنونها أبناء المسلمين، في هذه الأيام وقبل هذه الأيام، ترمي في مجملها إلى تصحيح ما عُلم اضطرارا مخالفته لهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم والسلف رضوان الله عليهم أجمعين. ونعني بها: بحث في الذكر الجماعي، وأخرى في درس الجمعة الراتب [2]، والاحتفال بالمولد ...الخ، كلها مصحوبة بالطعن والتجهيل لعلماء الأمة الربانيين المصلحين والافتيات عليهم، ومحاولين بذلك تنقصهم والتقليل من شأنهم ومكانتهم في الأمة والتشكيك في إمامتهم في الدين. ولا ضير، فقد ألِفنا مثل هذه الشنشنة وعهدناها في مجتمعات الناس. ولم يخفَ عنا البتة أنّ المقصود منها صرف العباد عن معرفة الحق وصَدِّهم عن العمل به، وقد صدر خلافه وما يضاده من الخرافة والبدع. لكن الله لا يعزب عنه من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وما هم بمعجزين.
كذلك وقد ارتأيت تعقب ما جاء في إحداها تنبيها عل فساد أخراها، مشاركة في الدفاع عن الحق والانتصار له، عسى أن أحشر مع أهله. وهذا حيث يقتضي المقام ويُفسح لنا في الزمان، لا زهدا في الخير! لكنه جهد المُقِل، والأمر كما قال الأول أو نحوه: تكاثرتِ الظّباءُ على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد [3].
ثم إنْ كان تمت تقصير، فذلك أنّ الضعف ليس ينكره الفارس المستَلئم، فكيف بمن لم يلبس لَأْمته ولم يجد إلاّ جهده؟ فإنّا بالله وإنّا إليه، سبحانه عليه التكلان وهو المستعان على الإخلاص والإحسان ...
قال أحدهم مقدما لبحث في مسألة التثويب: "مسألة أثارها بعض الكتبيين، ممن أخذوا العلم بالمكاتبة، والمحاورة التلفونية، وفي بعض الأحيان من مطويات تطبع لتوزع مجانا تمكينا لأفكار مخابر الأقبية والدهاليز، فيبيعها (!) بعض سماسرة الملل والنحل القديمة المتجددة تشويقا لمضامينها التي لا تجد لها في العالم الإسلامي بقعة حرة تطبق فيها لعدم علميتها وانتفاء واقعيتها" اهـ.
هكذا يغمز أهل السنة والأثر يظن أنّه باستطاعته إخفاء الحقيقة بإنكارها، على شاكلة مَن سبقه مِن بني جنسه وتغييرهم للحقائق بالتعمية والتلبيس على وجهٍ يعطِّل الحقَّ ويصرفه عن الناس بالاشتباه والتضليل [4]، من أهل الزيغ والارتياب، الذين خالفوا الكتاب واختلفوا فيه وفارقوا السلف في منهاجهم وسيرتهم، فتشابهت قلوبهم، {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}. فتارة يلقبونهم بالحشوية وأخرى مجسمة، ووهابية، وبادسية، وعلماء القشور، وجَهَلة فقه الواقع، والمقلدة أصحاب الأوراق الصفراء، و...الخ. "تداعيا على علماء السنَّة السلفيِّين الناصحين واستصغارا لشأنهم وتنقصا من قدرهم وتجاسرا عليهم وعلى ما يحملونه من علمٍ نافعٍ صحيحٍ باللمز والغمز"، "وهُم بريؤون من تلك الألقاب والنعوت والمعايب وليسوا لها أهلاً، ولا يَلحق بأهل السنَّة منها شيءٌ إلاَّ ما عُرفوا به من أسماءِ «أهل الحديث» أو «أهل السنَّة» أو «السلفيين»، ومتى وُجدت أمَّةٌ ترمي علماءَها وأخيارها وصفوتها بالجهل والنقص فإنَّ ذلك يأذن بفتح باب فتنةٍ وهلكةٍ، وأعداءُ الإسلام في كلِّ مكانٍ يسعدون بمثل هذا الأذى والبهتان... قال الصابونيُّ رحمه الله: "وأصحاب الحديث عِصَامةٌ من هذه المعايب، وليسوا إلاَّ أهلَ السيرة المَرْضيَّة، والسبلِ السويَّة، والحججِ البالغة القويَّة، قد وفَّقهم الله جلَّ جلاله لاتِّباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أخباره التي أمر فيها أمَّتَه بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسُّك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنَّته" ا ه [5]
ثم بعد هذا يأتي من يسعى فيهم ويفتري عليهم، يرفع عقيرته ويُسَخِّر قلمه للنيل منهم، فقال: "أخذوا العلم بالمكاتبة" (كذا!).
وقبل جوابه وجب التنبيه ابتداء إلى أنّ المكاتبة لفظة وضعت لعتق على مال منجّم إلى وقت معلوم، فالمكاتَب وهو العبد يشري نفسه بشيءٍ يؤديه فإِذا سعى وَأدّاه عتق، والتنجيم فذلك أنّ العرب في باديتها وأوليتها عنوا بمعرفة مطالع النجوم ومساقطها ومراعاتها وتسميتها لأنهم كانوا أميين لا يحسبون ولا يكتبون، ولم يحفظوا حلول الحقوق في مواقيتها إلا بهذه النجوم. وفي الخبر: «كاتِب يا سلمان!» الحديث.
إذا تبيّن ذلك، فإنّه كان الأولى بكاتب هذه المقالة التعبير بما يصلح به فَهْم مقصوده بتلك العبارة، إذ عُلم اضطرارا أنّه ليس بمراد. هذا ومهما تمحّل الرجل في إصلاح المعنى فإنّه لا يخلوا من تكلُّف. لكن ما حيلة المضطر إلّا استفصال ما أجمل في ها هنا.
وذلك أنّ لفظة المكاتبة تطلق أحيانا على كتابة الدَّيْن إلى أجله قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} الآية، فالمكاتب إذا استدان يقال: دان دَيْنا أي صار عليه دَين وهو عبارة عن شغل الذّمّة بمال وجب بسبب من الأسباب بالعقد. والفرق بينه والأول أنّ ذاك قد يسقط بتعجيز العبد المكاتَب، وهذا لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. وإنّه لا حرج فيه ما حُفظت الحقوق. كما أستبعد أن يكون مراده أيضا، ومهما يكن فإنّ أهل السنة ابتلوا بالفقر، حتى يتزيّل أهل الشر والبطر منهم. وقد يكون على أحدهم دَيْن فما يستطيع توفيته حتى يؤجّر نفسه. وكمثال: فالإمام مالِك رحمه الله وقد نقض سقف بيته فباعه في طلب العلم.
ثم لا إخاله يريد الرواية عن الشيوخ من طريق المكاتبة، فإنه لا عيب فيه. وقد انتهجها سلفنا الأخيار من أهل الحديث، ونظيرها المناولة والإجازة. ففي الصحيح عن ابن أبي مليكة، قال: كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابا، ويخفي عني، فقال: «ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارا، وأخفي عنه»، قال: فدعا بقضاء علي، فجعل يكتب منه أشياء» الحديث. كما أن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آل عمرو ابن حزم ليس ببعيد من مفكرة أهل العلم. وقال الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية: "سئل أحمد بن منصور عن ذلك، يعني الإخبار عن المكاتبة، فقال: " أَحَبه إليّ أن يقول: كتب إليّ فلان: حدثنا فلان " وهذا هو مذهب أهل الورع والنزاهة والتحري في الرواية، وكان جماعة من أئمة السلف يفعلونه" وقال: "وذهب غير واحد من علماء المحدثين إلى أن قول: ثنا، في الرواية عن المكاتبة جائز" وقال: "قال شعبة: كتب إليّ منصور بحديث، فلقيته فقلت: أحدث به عنك؟ قال: أوليس إن كتبت إليك فقد حدثتك، قال: وسألت أيوب السختياني عن ذلك فقال مثل ذلك " اهـ. [6]
هذا، ولعل الكاتب (الدكتور!) إنّما يعيبنا لمداومة النظر في كتب أهل العلم كالصحيحين والسنن والمسانيد وسائر كتب الحديث والتفسير والعقائد والفقه... الخ. والاستفادة منها؛ فعبر بما لا يعِي معناه، وأنكر ما لا يدرك حقيقته، فقال "بالمكاتبة".
وليت شعري! أفنركن للبطالة وإشباع الرغبات والشهوات والتمتُّعُ بالملذَّات؟ ثم لماذا صُنفت الكتب؟ لتزيين المكتبات والجداريات؟! فإنّك لتجد من الكتب المصفوفة عند أحدهم ما يجعل طالب العلم الفقير المسكين يغبطهم لأجلها. إلّا أنّهم لا يستفيدون منها، بل ليس يذكرون عناوينها بله معرفة مضامينها.
وقد كان سلفنا يعتنون بالكتب تصنيفا وتحقيقا وتعليقا، ومن ذلكم الإمام البخاري رحمه الله وسُئل عن قوة حفظه وغزارة علمه، فقال: "هو شرخ الشباب وإمعان النظر في الكتب". فهذا سلفنا، واتبع بإحسان صنيعهم هذا علماؤنا، اقتداء بهم وتأسيا.
وأما عن أسلاف القوم فكانوا يحرصون على أن تبقى دعوة أهل السنّة المصلحين في الكتب لا تعْدُوها. فزاد الشر، وما من عام إلا والذي بعده شر منه، فعيب علينا اليوم حتى النظر في هذه الكتب، والله المستعان.
مع أن أهل السنّة ولله الحمد ما تركوا منبعا للعلم الصحيح إلا أخذوا به ونهلوا من معينه، فاستفادوا من العلماء مشافهة ومكاتبة ومناولة ووجادة.
ولا مانع من استخدام الهاتف، لما صادروا هم المساجد والمدارس والمنابر: من إذاعات وصحف ومطابع وغيرها واستأثروا بها لفشو الباطل وغرس العداء لأهل السنّة السلفيين في نفوس العامة والرؤساء، بالزور والبهتان. فلا تثريب علينا اليوم باستعمال ما تيسر لنشر الحق ليُعمل به، وكشف زيف الباطل حتى يُجتنب ويُتّقى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية»، وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
ثم لو كان ما يرمينا به الدكتور يعني به أنّ اعتمادنا في تلقي العلم على الكتب فقط وجَعْل منها الأصل في ذلك، فقد كذب علينا وافترى، ورمانا بما هو واقع فيه من البلاء. وهذه العناوين التي أشرف على طبعها وترويجها بين الناس لتدل عليه؛ فليس فيها نقل واحد سمى لنا فيه عالما نَسب أحدهم نفسه إليه، أو أنه تلقى عنه أو سمع منه. إلا ما كان من نُقول منَ الكتب التي بان عهد مؤلفيها، وتخلف عصر الدكتور عن عصر كاتبيها. مع ما في ذلك من تحريف لمعانيها.
وأما عن طريقة أهل السنّة ومنهاجهم في تلقي العلم فإنّما هو عن أهله سماعا، هذا الأصل، ويشهد له واقعهم، وليس ينكره إلّا مكابر، وقد اعترف لهم به المناوئ إلّا من شذّ قبل الموافق. وأما الكتب الصحيحة السليمة الدالة على العلم الصحيح، فهي عندهم وسيلة من الوسائل لتحصيل العلم. ومما أفادنا به شيخنا صالح الفوزان حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه وأدبه، قوله: "التعلم هو: التلقي عن أهل العلم مع حفظ ذلك وفهمه وإدراكه تمامًا، هذا هو التعلم الصحيح، أما مجرد القراءة والمطالعة فإنها لا تكفي في التعلم وإن كانت مطلوبة، وفيها فائدة لكنها لا تكفي، ولا يكفي الاقتصار عليها... فالعلم لا يؤخذ من الكتب مباشرة إنما الكتب وسائل، أما حقيقة العلم فإنها تؤخذ عن العلماء جيلًا بعد جيل والكتب إنما هي وسائل لطلب العلم" انتهى كلامه. فجزاه الله عنا خيراً.
وأما قوله " المطويات توزع مجانا تمكينا لأفكار مخابر الأقبية والدهاليز، فيبيعها... الخ.": فتأمل أنّ هذه العبارة متناقضة! ولستُ أدري كيف لعاقل يعي ما يخرج من رأسه، أن يتناقض كلامه في سطر واحد وإلى هذا الحد؟ وهل يمكن أن توزع تلك المطويات مجانا وفي نفس الوقت هي عروض بيع عند من سماهم سماسرة؟!
وصدق الحكيم في مقولته: "من طلب الباطل أنجح به". فاعتبر بها وأشباهها ونظائرها، فربّ حكمة نافعة.
ثم إنّ كان أزعجه كونها توزع مجانا، فقد كنتُ أزعم أنّ مثل ذلك يسرّ لأجله كل ناصح للأمة يريد لها الخير، فيبذل ما يسعه في سبيل تعليمها ورقيها وتخليصها من الجهل والتبعية لعدوها يغرس في ضمائر أبنائها الفساد والضلال، فلو تمعّر وجهه إنكارا لهذا لصدق ولم يعد غاشا لها إن شاء الله وإن قصر في شيء من العمل.
ثم كيف يزعجه كونها كذلك وهذه خاصته التي بين أيدينا والتي طُبعت بالآلاف لهي توزع مجانا أيضا! وقد قدّم لها الدكتور نفسه! بل وقعت لي دون طلب وقد كُتب عليها عبارة = (يهدى ولا يباع) = فما كان له أن يفردنا بالذنب دون نفسه إذ صار فيه نظيراً؟! ومع ذلك لم نجرئ على مثل قاله، ولم نسلك مسلكه في الفحش. ولو ذهب أحد ليرد عليه بضاعته تلك لم يمكنه إلاّ أن يكون سليط اللسان. لكن لم يكن لأصحاب النفوس الشريفة لتدع محاسن الأخلاق التي حث عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأجل مسايرتهم في قبيح فعالهم، هذا والله أعلم بما تُكنّه صدورهم! لكن الأمر كما قد قيل "رمتني بدائها وانسلتِ".
ثم إنه من أراد نقد قول، فليسلك مسلك الجد وطريقة أهله، لا باحتقار قائله وازدرائه، فهذه حجة العاجز، وهي من علامات الكِبر والعُجب، وفي مثل هذا قال جلّ وعز يصف أهل الرياسات بالاستعلاء في الأرض: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}.
وأين الثرى من الثريّا. فإن شيخ الإسلام بيّن وصف أهل السُّنَّةِ والجماعةِ، ومرادِهم بالردِّ على المخالفين؛ فقال: "وأئمةُ السُّنَّةِ والجماعة وأهلُ العلمِ والإيمانِ فيهم العدل والعلم والرحمة، فيعلمون الحقَّ الذي يكونون به موافقينَ للسُّنَّةِ، سالمين من البدعة. ويعدِلُون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. ويرحمون الخلق فيُريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشّر لهم ابتداءً؛ بل إذا عاقبوهم، وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق، ورحمة الخلق، والأمرَ بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله".
 وأما قوله: تمكينا لأفكار... الخ. فليس الأمر كذلك، فإنّ السلفيين لا يُنسَبون إلى الفكر، وحاشا دين الله تعالى أن يكون قوامه عليه.
وإنّما هو: العلم! قال الله قال رسوله ... قال الصحابة لَيس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
وينْظمون أيضا:
والجهل داء قاتِلٌ وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة ... وطبيب ذاك العالم الرباني
والعلم أقسام ثلاث ما لها ... من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله ... وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه ... وجزاؤه يوم المعاد الثاني
والكل في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالفرقان
والله ما قال امرؤ متحذلق ... بسواهما إلا من الهذيان [7]

 وأما قوله: "سماسرة الملل والنحل" فنَعم! وهم ينخلونهم نخلا، ويغربلونهم غربلة. أولئك هم الجهابذة النقاد الذين حفظ الله بهم دينه. ذلك أنّ السِّمْسَارَ يطلق أيضا على قَيِّم الشيء والحافظ له، كما أنّ سمسار الأرض هو العالِمُ بها والحاذِقُ المُتَبَصِّرُ في أمورها [8]، وكذلك الأمر هنا، وهو من مجاز اللغة. "فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم" [9]، وقد كانوا إِذا عُدُّوا قَليلاً ... فقد صاروا أعَزَّ مِن القَليل
وقد قيل لابن المبارك رحمه الله أما تخشى على العِلم أن يجيء المبتدع فيزيد في الحديث ما ليس منه؟ قال: لا أخشى هذا بعيش الجهابذة النقاد، فقد أسند ابن عدي في "الكامل" [10]، وابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " [11]، أنه قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، ثم تلا قول الله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}.
وذكر الذهبي رحمه الله في "تذكرة الحفاظ" [12] أن الخليفة الرّشِيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال: «أين أنت من ألف حديث وضعتها؟» فقال الرشيد: «فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفَزاريِّ، وابن المبارك ينخلانها، فيخرجانها حرفا حرفا» ا ه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة، يبقى منهم حثالة، قد مرجت عهودهم، وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا " وشبك بين أصابعه، قالوا: يا رسول الله، فما المخرج من ذلك؟ قال: " تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم».
وأخبر عليه الصلاة والسلام أنّ الأمم قبلنا افترقت على بضع وسبعين ملة؛ وقال: «وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة» وفي رواية: «هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي».
كما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيانا من المنافقين، وأخبر أنّ الخوارج يمرقون من الدين وعلامتهم قتل المسلمين.
ولما أُخبر ابن عمر رضي الله عنهما بمقالة القدرية، قال: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني".
وصح من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: قلت يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم: «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا».
ومن هنا ميّز علماؤنا النّاسَ إلى سُنّي سَلفي وإلى بدعي خلفي، ولما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم، فمن كان من أهل السنة رضوا به، وإلا فلا كرامة.
وكذلك هو كما قال الكاتب: "قديمة"؛ فالسلفية ليست دعوة حادثة ذات أصول مخترعة كما هو شأن غيرها من الفرق والطوائف، وكان من أئمتنا رضوان الله تعالى عليهم من يقول: "أنا أكبر من دين المعتزلة" يحتج به على بطلان مذهبهم ومسلكهم الوخيم وأنه رأي محدث قد أدركوا الناس على خلافه. فعليك بالعتيق!
ولا يزال أتباع السلف إلى الآن يذبّون عن هذه الشريعة وأهلها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على النّاس» والطائفة: الجماعة من الناس. والتنكير: للتقليل أو التعظيم لعظم قدرهم ووفور فضلهم. قال أحمد رحمه الله: إن لم يكونوا هم أهل الحديث فلا أدري من هم؟ [13]
 وأما قوله: "لا تجد لها في العالم الإسلامي بقعة حرة تطبق فيها ... الخ. يعني به العقيدة السلفية، ويستدل بهذا على بطلان هذه الدعوة المباركة؛ فيالها من مجازفة! فإنّ هذا منظر ما وراءه مخبر، وإلّا فيلزمه كذلك الجواب عن زمن الرسالة والخلافة الراشدة والقرون المفضلة. وإن قصد زمانه هذا، فليس لزماننا عيب سوى أهله. هذا إن صحّ تهويله بذلك، وإني لو شئت لمثّلْت بما ينقضه، فما أيسر تلفيق التهم وتأسيس الدعاوى المجردة عن البينة!
وكما على صحة القول؛ فليس في هذا دليل على أنهم ليسوا على الحق، فالحق أبلج يعرفه المنصفون من أصحاب الفطر السليمة والعقول المستقيمة، وينكره من كان الجهل صفته وانتكست فطرته، ومنهم من جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا. وكذلك «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء». وما أحسن ما قيل:
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر
ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد؛ ولا إخال الدكتور يسقط دعوتهم لهذا. فاعجب لِأقوام -زعموا- عرفوا الإسناد وصحته؟!!
كيف يغفل أنّ مثل هذا الذي يُشنع به على النّاس، لا يُعيّر به من اتصف به حقيقة؟! ولكنها مزلّة كل من آثر العاجلة وطلب الرياسة وأخلد إلى الأرض، فإن حجب الغفلة تمنعه من أنْ يرعوي ولو علم يقينا مجانبته للصدق فيه! شِعرا:
إذا المرء أعيته المروءة يافعا ... فمطلبها كهلا عليه ثقيل
تعيّرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
قال الحسن البصري رحمه الله: "السنة، والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم".
 وأما قوله: "لعدم علميتها وانتفاء واقعيتها" فمجرد حكايته تغني عن رده، وهو يكذبه الواقع نفسه، فلَولا أهل الحديث ما وُجد عند غيرهم سنّة ولا حديث. ثم يتنكر لهم صاحب الجهل، وكل من يرغب بنفسه عن الانصاف. وصدق مالك رحمه الله لما قال: «ما في زماننا شيءٌ أَقَلُّ من الإنصاف». فما بالنا بزماننا؟! وكما الخبر «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله».
لكن تبيّن أنّ هذا الرجل "مولع بمسبة أهل العلم وعيبهم وتجهيلهم؛ ومن عادة أهل البدع إذا أفلسوا من الحجة وضاقت عليهم السبل، تروحوا إلى عيب أهل السنّة وذمهم ومدح أنفسهم؛ والواجب أن يتكلم الإنسان بعلم وعدل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} الآية. وهذا يَحمِل خشبته منذ سنين ولا يجد من يصلبه. وأهل السنة والحديث في كل مكان وزمان هم محنة أهل الأرض، يمتاز أهل السنّة والجماعة بمحبتهم والثناء عليهم، ويُعرف أهل البدع والاختلاف بعيبهم وشنايتهم" [14]. وقد جاء عن السلف "علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر". وقال الإمام أبو عثمان الصابوني: "وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم واستخفافهم بهم". وقال الخطيب البغدادي رحمه الله [15]: "من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، ويصير الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير" انتهى
....................... فصل
وبعد أنتقل إلى أصل تلك الرسالة التي قدم لها وما جاء فيها من مادة؛ وأني لأنهاه أن يعتقد أنّ هذا الذي ذكره صاحب البحث اصطنعه من عنده، فإنّه لو فعل لتسبب في إهانة نفسه ونادى عليها بالجهل. لكن من نظر فيها عَرف، فإنّما هي نُقول عن الكتب حيث لا يتوانى هو وذويه في التشنيع علينا بالنظر فيها؛ فهل صاروا هم كذلك كتبيين مصداقا لقوله؟! فاحكم لنا عليك بمثل ما تحكم به علينا لك، وإلّا فكيف الميزان، آلكيل بمكيالين؟! قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. أم أنّه يَحِل له دوننا {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أو هو التناقض الذي نشأوا عليه؟! وما من واحدة إلّا وهي أشد مرارة من أختها. فما أحسن الحياء! ولله در القائل: لكل مخالف للسّنّة وأهل الأثر ما يفتضح به عند التأمل، وأهل الأثر لا فضيحة عليهم عند محصل.
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقاً وكل كاسر مكسورُ

والمقصود أن صاحب البحث أوضح أنّ مادة كتابته في التثويب في أذان الفجر؛ أن يقول المؤذن بعد "حي على الفلاح": "الصلاة خير من النوم". وذهب يُرجِّح أنّما يقال في الأذان الثاني المشعر بدخول وقت الصلاة. هذا ملخص ما فيه.
وإن كان هو المذهب من قبل أن أنظر في هذه الكتابة [16]. فأيضا هو المعمول به عندنا! ولست أدري ما هي دوافع الكاتب إليه؟! إلاّ أن يكون الأمر كما وصفه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، فقال: "وأما إظهار الاعتماد عما ليس هو المعتمد في القول والعمل، فنوع من النّفاق في العلم والجدل والكلام والعمل" [17]
كذلك ويجب التنبه إلى أنّ العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في المسألة، فإنّهم - وكلٌ بما تمليه عليه الدّيانة – بعد النظر يرجّح قولا وينصره. ولكن لم يُبَدِّع بعضهم بعضا، ولم يُشغب بعضهم على بعض. وقد كان للكاتب فيمن سبقه أسوة. فإنّ هذه من المسائل التي تنازعوا فيها، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً ويعذر في ذلك، قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: "وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي، أن يعترض على من خالفه، إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً" [18].
ونحن نتفق جميعا أن لا إجماع في المسألة. ومن رجّح غير المذهب لم يخالف نصا جليا صريحا لا يحتمل التأويل. وهذا من وجه، فكيف وله نصوص تأولها تدعم مذهبه وله فيها من سبقه إلى القول بها، فقد أوردوا حديث أبي محذورة وفي بعض رواياته قال يرفعه: «وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم» [19].
والاتفاق حاصل عند المحققين من أهل العلم أنّ حُكم الله تعالى في المسألة واحد معيّن، وأنّ المجتهد يصيبه تارة ويخطئه تارة، إلّا أنّه مصيبٌ للأجر إذا استفرغ وُسعه وبذل جهده. فهو مُطيع للّه في أداء ما كُلِّف به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر».
وقد جمع حافظ المغرب ابن عبد البرّ النّميري رحمه الله بخصوص هذا الشأن نخبة من أقوال الأئمة في كتاب العلم عليها مدار الأمر ومنها ما ذكره هنا [20]: "ولا أعلم اختلافا بين الحذاق من شيوخ المالكيين ونظرائهم ... كل يحكي أنّ مذهب مالك رحمه الله في اجتهاد المجتهدين والقياسيين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أنّ الحق من ذلك عند الله واحد من أقوالهم واختلافهم، إلا أنّ كل مجتهد إذا اجتهد كما أمر وبالغ ولم يَألُ وكان من أهل الصناعة ومعه آلة الاجتهاد فقد أدى ما عليه وليس عليه غير ذلك، وهو مأجور على قصده الصواب وإن كان الحق عند الله من ذلك واحدا" انتهى الغرض منه.
والمقام يحتاج لبسط كبير ليس هذا محله، إلّا أنّ الرزيّة تعظم إذا ما سمع هذا الناس يختلفون في التثويب الذي هو: إذا أذن المؤذن فأبطأ الناس؛ رجع عودا يدعو إليها: "الصلاة! حي على الصلاة!". -فهذا الذي حكم أهل العلم بأنه بدعة. فتنبه!- فاختلط عليه الأمر، يصدُق عليه مَثل الفُرُّوج، "سمع الدّيكة تصيح فراح يحاكيها". وهو من الأمثال السلفية [21]، والذي يَصلح كذلك استعمله في قَرْع كل من لم يبلغ مبلغ الكلام في العلم ويحشر نفسه في زمرة الكبار فيتكلم بكلامهم يحاجّهم به.
فـ كم من عاتبٍ قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القريحة والفهوم

وقد روى محمد بن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها، عن مالك أنه قال: "التثويب بدعة؛ ولست أراه".
وقال: ثوّب المؤذن بالمدينة في زمان مالك، فأرسل إليه مالك، فجاءه، فقال له مالك: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا؛ فقال له مالك: لا تفعل لا تحدث في بلدنا شيئا لم يكن فيه" [22]
وقال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: "وقال ابن حبيب: أخبرني ابن الماجشون أنه سمع مالكا يقول: التثويب ضلال. قال مالك: ومن أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله تعالى يقول: {اليَومَ أَكْمَلتُ لَكُم دِينَكُم} فما لم يكن يومئذ دينا، لا يكون اليوم دينا.
وقال: وإنما التثويب الذي كرهه، أن المؤذن كان إذا أذن فأبطأ الناس، قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. وهو قول إسحاق ابن راهُويَه أنه التثويب المحدَث.
قال الترمذي لما نقل هذا عن سحنون: وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي قد كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم". [23]
ونظيره ما يفعله المؤذنون اليوم عند الإقامة: "الصلاة رحمكم الله!" أو قولهم "بسم الله، الصلاة!" وما أشبه، ويرفعون به الصوت. وقد سمعنا وشهدنا صوفية العصر ينشدون أشعارا ثم يدمجونها في ألفاظ الأذان ومن غير فصل وعلى مكبرات الصوت، فهلاّ كان للدكتور وذويه رأي في هذا؟
قال الإمام العلّامة الألباني رحمه الله تعالى: التثويب هنا هو مناداة المؤذن بعد الأذان: "الصلاة رحمكم الله"، يدعو إليها عودا بعد بدء. وهو بدعة كما قال ابن عمر رضي الله عنهما وإن كانت فاشية في بعض البلاد [24].
فقد روى أبو العالية قال كنا مع ابن عمر رضي الله عنه في سفر، ونزلنا بذي المجاز على ماء لبعض العرب، فحضرت الصلاة فأذن مؤذن ابن عمر ثم أقام الصلاة، فقام رجل فَعَلاَ على رحل من رحالات القوم، ثم نادى بأعلى صوته: الصلاة يا أهل الماء الصلاة! فجعل ابن عمر يسبح في صلاته حتى إذا قضت الصلاة، قال ابن عمر: من الصائح بالصلاة؟ قالوا: أبو عامر يا أبا عبد الرحمن، فقال له ابن عمر: لا صليت ولا تليت! أي شيطانك أمرك بهذا؟ أما كان في الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والصالحين ما أغنى عن بدعتك هذه؟! إنّ النّاس لا يُحدثون بدعة وإنْ رأوها حسنة إلا أماتوا سنّة. فقال رجل من القوم: إنه ما أراد إلا خيرا يا أبا عبد الرحمن! فقال ابن عمر: لو أراد خيرا ما رغب بنفسه عن سنّة نبيه والصالحين من عباده".
وعن مجاهد قال لما قدم عمر رضي الله عنه مكة فأذن أبو محذورة ثم أتى عمر فقال الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الفلاح قال عمر: "أما كان في دعائك الذي دعوتنا إليه أولا ما كفاك حتى تأتينا ببدعة تحدثها لنا" [25].
هذا ثم تأمله! فإنّ مثل هذه الهيئة مخالفة للهدي النّبوي، وإن ألفاظ الأذان محصية ومعروفة، مبيّنة في كتب الحديث والفقه، وفي الزيادة عليها استدراك على الشارع وإشعار بالتهمة له. فمن هنا قيل عنها بدعة وإحداث في الدين. والله أعلى وأعلم.
ولعل يأتي عُذر كاتب البحث في هذا أن يكون خفي عنه بعض جوانبه، وإلاّ فإنّ الواجب عند المناظرة - بعد تحديد مرتبة الخلاف -تحرير موضع النزاع، ببيان أوجه الاستعمال للعبارة في باب الاصطلاح وذكر الفروق بَين معانيه إذا تقاربت أو تغايرت، ثم يحصر المسألة ويبسط الكلام بإبداء الحجج متحريا الإنصاف ومتجافيا عن كل إجحاف.
قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ () الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ () وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ () أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ () لِيَوْمٍ عَظِيمٍ () يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. قال العلاّمة السّعدي رحمه الله: "ودلّت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من النّاس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما لَه من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبيّن ما لِخصمه من الحجج التي لا يعلمها، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير" اهـ [26]
...
هذا، ثم إنّ الناظر في أحوال مساجدنا ليلحظ كثرة المحدثات وسائر البدع والمخالفات، بل إنّ في بعض منها من طقوس الشرك والخرفات. وليث جهود هؤلاء جاءت في القيام على إزالتها والتنبيه على فسادها. فهو أحرى أن يُحمدوا عليه.
وأما إن كان القصد من تلك الكتابات فقط للتشويش على أهل الحق والحطّ من قدرهم عند العامة والرؤساء، فتلك علامة الخيبة والخسار، وإنّما يَحدُث هذا عند غياب التقوى فحينها تقع البلوى. والله يتولى الصادقين وهو حسبهم وحسيبهم.
ترجو الوليد وقد أعياك والده ... وما رجاؤك بعد الوالد الولدا
ولا أقلّ من المدافَعة. قال الشيخ العلاّمة أبو عبد المعز حفظه الله تعالى: "والواجب على من يرغب في تفنيد أراء المخالف أو أن يظهر خطأه أن يطّلع أولا على مصادره، ويتعرّف على أدلته فذلك من الأمانة في العرض والتوثيق. وتقصير المشنعين -عندنا- في هذا المجال ظاهر ملحوظ في ثنايا شبههم، يحاكي بعضهم بعضا أقوال مخالفيهم من غير تحفظ أو تثبت أو توثيق، ويروجون به الباطل... قال ابن تيمية رحمه الله: "والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد عما ليس هو المعتمد في القول والعمل، فنوع من النّفاق في العلم والجدل والكلام والعمل" [27] "ولا يخفى أنّه بانتفاء الصِّدقِ يَحُلُّ الغشُّ والخداع والتزوير والتغرير والمكر والتلبيس والخيانة، وهذه الأوصاف القبيحة لا تكون خُلُقًا للمسلم بحال؛ لأنَّ طهارةَ نفسه المكتسبة من الإيمان والعمل الصالح تأبى أن تتجانس مع هذه الأخلاق الذَّميمة" [28]
فالله أسأله أن يصرف عنا ذرب اللّسان وسيئ الأخلاق ويدفع عن المسلمين دسائس المخَرِّبين وسائر الشانئين، وأن يجعل قيامنا لوجهه خالصاً، وأن ينفع بهذه المقالة من نظر فيها، إنّه ولي ذلك والقادر عليه، الخير كله في يديه والشر ليس إليه، تبارك وتعالى أستغفره وأتوب إليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان. والحمد لله رب العالمين.

حميد بن مصطفى بوعبدالله
مستغانم - الجزائر
____________________________
[1] قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ت. ربيع المدخلي (87)، مجموع الفتاوى (1/198)
[2] وقد تعقبنا بعض تلك الشبهات المثارة حول الموضوع في ورقات لعل الله ييسر تهذيبها، وبه الثقة.
[3] وقيل انّ خراشا هذا هو صاحب الخراشيّة من مرو وكان من دعاة بني العبّاس. جاء ذكره في الأمثال الموّلدة.
[4] انظر مقال "التلبيس والتعمية سبيل أهل الباطل" لشيخنا أبي عبد المعز فركوس.
[5] مقال "شرف الانتساب إلى مذهب السلف" لأبي عبد المعز محمد فركوس.
[6] الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص:342)
[7] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية لابن قيم الجوزية.
[8] انظر تاج العروس للزَّبيدي (12/87)
[9] الرد على الجهمية للإمام أحمد، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (16/316)
[10] الكامل في الضعفاء لابن عدي (1/ 192)
[11] الموضوعات لابن الجوزي (1/ 46)
[12] تذكرة الحفاظ للذهبي (1/201)
[13] وانظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/7)
[14] من كلام العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله في الدرر السنية، وهو مطابق تماما للحال وما نحن فيه من البلاء. والله المستعان.
[15] شرف أصحاب الحديث (ص: 9)
[16] فقد بيّن العلاّمة الفقيه المجتهد ابن عثيمين رحمه الله المسألة عرضا ونقدا، توضيحا وترجيحا في الشرح الممتع (2/61)
[17] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/194)
[18] المنهاج شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 125/ ح 49)
[19] أنظر الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للإمام الألباني (1/140) وسبل السلام للأمير الصنعاني (167-168)
وللإشارة فإن أهل العلم يطلقون القول بالبدعة على العمل إذا كان مخالفا، استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فيقولون: هذا محدث، وهذه بدعة. وهو إطلاق معروف سلفي صحيح.
وكما قد يجتهد بعضهم في تأويل حديث - إذا لم يكن صريحا في المسألة المتنازع فيها، فهو ليس كالنص عليها، مع ما قد يعرض من أثار منفصلة فيُعمد إلى الجمع بين الأدلَّة والتوفيق بين النصوص إلى غير ذلك مما هو من آلة الاجتهاد- فيقودهم بحثهم في فقه ذلك الأثر إلى العمل بما يظهر أنه خلافه بادي الرأي، وليس هو كذلك في نفس الأمر. لكن وإن وصفه بعضهم بالبدعة فليس يعني أنهم يقصدون بفاعله المبتدع، وكما كان يذكر شيخ شيوخنا الإمام المحدث الفقيه الألباني رحمه الله تعالى: "ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه" إذ لم يكن يقصد إلى مخالفة السنة وقد يكون متأولا. وللاستزادة يراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (رفع الملام عن الأئمة الأعلام).
[20] جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر (2/886)
[21] والمثل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، ذكره في الموطأ.
[22] البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص: 85)
[23] الاعتصام للشاطبي (2/384)
[24] إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للإمام الألباني (1/255)
[25] وانظر مصنف ابن أبي شيبة (1/307، 3514)، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/ 280)
[26] التفسير للسّعدي (ص: 915)
[27] رسالة "دعوة نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المغرضين لها" لأبي عبد المعز فركوس (ص: 45).
[28] مقال "التلبيس والتعمية سبيل أهل الباطل" لأبي عبد المعز محمد فركس -حفظه الله-

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, دفع اللأواءعن الإخوان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013