منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 29 Dec 2017, 03:09 PM
أسامة لعمارة أسامة لعمارة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: عين الكبيرة سطيف
المشاركات: 82
افتراضي مجامع الأخلاق والآداب.

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: "وجماع آداب الخير وأزمته تتفرع عن أربعة أحاديث: قول النبي عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقوله عليه السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وقوله عليه السلام للذي اختصر له في الوصية: "لا تغضب". وقوله عليه السلام: "المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه"" اهـ[1] .

هذه أربعة أحاديث جمعت خصال الخير وآدابه ومجامعه، وهي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، جاء فيها الأمر بصيانة اللسان، وترك الفضول، وتجنب الغضب، وسلامة الصدر، ذكرتُ تحتها تعليقات مفيدة من تحريرات بعض العلماء، توضح معانيها وتبيِّن مقاصدها، جعلتها على طريقة اللّمحة الدالة والإشارة المفهمة، وليس لي فيها إلا الجمع والترتيب إلا أحرفا يسيرة للربط بين كلام العلماء، فإلى المقصود والله المستعان.



الأدب الأول: هو صيانة اللسان:


الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". [رواه البخاري (6475)، ومسلم (47)].

في هذا الحديث آداب وسنن؛ منها التأكيد في لزوم الصمت. وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة [2]، فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك، بل لابد من الكلام بالخير والسكوت عن الشر [3]. فالمراد بحفظ اللسان: عما لا ينبغي. والقول بالحق واجب، والصمت فيه غير واسع [4].

فما أحق من علم أن عليه حفظة موكلين به، يحصون عليه سقط كلامه وعثرات لسانه، أن يحزنه ويقل كلامه فيما لا يعنيه، وما أحراه بالسعي في أن لا يرتفع عنه ما يطول عليه ندمه من قول الزور والخوض فى الباطل، وأن يجاهد نفسه في ذلك ويستعين بالله ويستعيذ من شر لسانه، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) يعنى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر الإيمان التام فإنه ستبعثه قوة إيمانه على محاسبة نفسه في الدنيا والصمت عما يعود عليه ندامة يوم القيامة [5] .

والأدب الثاني: ترك الفضول:

الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" [أخرجه الترمذي (2317)، وابن ماجة (3976)، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته (5911)] .

في هذا الحديث من كلام النُّبوَّة وحكمتها ما لا ينحصر، وهو جامعٌ لمعانِ جَمَّةٍ من الخير [6]، وهو أصل عظيم من أصول الأدب [7] .

فحقيقة ما لا يعني[المرء]؛ ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنا، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة، فينبغي للمرء أن يشتغل بالأمور التي يكون بها صلاحه في نفسه في أمر زاده بإصلاح طرفي معاشه ومعاده، وبالسعي في الكمالات العلمية والفضائل العملية التي هي وسيلة إلى نيل السعادات الأبدية، والفوز بالنعم السرمدية، ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} [المؤمنون: 3][8].

وفي إفهام [هذا الحديث]؛ أن من قبح إسلام المرء أخذه ما لا يعنيه لأنه ضياع للوقت النفيس الذي لا يمكن تعويض فائته فيما لم يخلق لأجله [9].


الأدب الثالث: الحث على السيطرة على النفس وترك الغضب.

الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: «لا تغضب» فردد مرارا، قال: «لا تغضب». [رواه البخاري 6116].

هذا من الكلام القليل الألفاظ، الجامع للمعاني الكثيرة والفوائد الجليلة[10] .

فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، ليحفظها عنه خشية أن لا يحفظها لكثرتها، فوصاه النبي أن لا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مرارا، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير، فالغضب: هو غليان دم القلب طلبا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان؛ وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعا، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم [11].

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه لا تغضب؛ يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ، والطلاقة والبشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.

والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان الآمر والناهي له، ولهذا المعنى قال الله عز وجل {ولما سكت عن موسى الغضب} [الأعراف: 154] [الأعراف: 154] فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شر الغضب، وربما سكن غضبه، وذهب عاجلا، فكأنه حينئذ لم يغضب، وإلى هذا المعنى وقعت الإشارة في القرآن بقوله عز وجل {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى: 37] [الشورى: 37] ، وبقوله عز وجل: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134] [آل عمران: 134]" [12] .

[و]أما نفس الغضب فطبع لا يمكن إزالته من الجبلة [13].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد امتناعه من الغضب في معاني دنياه ومعاملته، وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق؛ فالغضب فيه قد يكون واجبا؛ وهو الغضب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد، وكذلك الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز [14] .


الأدب الرابع: سلامة الصدر وحب الخير للغير:


الحديث: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». [أخرجه البخاري(13)، ومسلم (45)].

لماّ نفى النبي صلَّى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" . الحديث.

وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا "، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر "، فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه كما قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم. وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء. فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} (القصص: 83) [15].

وفي الجملة، فينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإن رأى في أخيه المسلم نقصا في دينه، اجتهد في إصلاحه [16].


فهذه أربعة أحاديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لو طبقها الإنسان في حياته وأمّرها على نفسه وجعلها حاكمة على تصرفاته لكان في الغاية من الأدب والخلق الرفيع.

هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو أمامة أسامة بن الساسي لعمارة.


الهوامش:

1-الرسالة 154
2-التمهيد 21/35
3-جامع العلوم والحكم 341
4-التوضيح شرح الجامع الصحيح 29/501.
5-شرح صحيح البخارى لابن بطال 10/185-186.
6-المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك 7/246
7-جامع العلوم والحكم 288
8-مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 7/3041
9-شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/398
10-التمهيد 7/250.
11-جامع العلوم والحكم 369.
12-جامع العلوم والحكم 363-364.
13-التوضيح شرح الجامع الصحيح 28/488.
14-المنتقى شرح الموطأ 7/214.
15-فتح الباري لابن رجب 1/45-46.
16-جامع العلوم والحكم 308.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 Dec 2017, 06:53 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي

ما أحوجنا إلى مجامع الأخلاق وخاصة أن نتحلى بها معا كبارنا.
جزاك الله خيرا أخي الفاضل أبا أمامة عى هذا العرض الموفق.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 Dec 2017, 04:10 PM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك يا أخي
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30 Dec 2017, 08:26 PM
أسامة لعمارة أسامة لعمارة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: عين الكبيرة سطيف
المشاركات: 82
افتراضي

آمين وإياكم إخواني الفضلاء: أبا زخار وعبد الله، وجزاكما الله خيرا على مروركما.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, الآداب والأخلاق, تزكية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013