ما هو السنُّ الذي يَحرُمُ على البنتِ الذهابُ فيه إلى المدارسِ المختلطةِ؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فلا تختلفُ نعمةُ القراءةِ والكتابةِ عن النِّعم الحِسِّية كنِعْمَةِ البصر والسمع والكلام، وقد امتَنَّ اللهُ تعالى بها على عباده حيث قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾ [العلق: 1-4]، وهذه النعمةُ لا يَسْتَأْثِرُ بها الرِّجالُ عن النساء، بل لهنّ الحقُّ في تعلُّم ما ينفعُهنّ كما هو شأنُ الرجال، إذ لا تفريقَ بينهما في الأحكامِ وتحصيلِ النِّعَم إلاّ بدليلٍ، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»(١)،
ويؤيِّدُ جوازَ تعلُّمِ النساءِ الكتابةَ والقراءةَ ما ثَبَتَ عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمَةِ القرشي -رحمه الله- أنَّ رجلاً من الأنصار خرجت به نَمْلة، فدُلَّ على أنّ الشِّفَاءَ بنتَ عبدِ اللهِ ترقي من النَّمْلَة، فَجَاءَهَا وَسَأَلَهَا أَنْ تَرْقِيَهُ،
فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا رَقَيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَذَهَبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَتِ الشفَاءُ،
فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الشِّفَاءَ فَقَالَ: «اعْرِضِي عَلَيَّ فَعَرَضَتْهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْقِيهِ، وَعَلِّمِيهَا حَفْصَةَ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الكِتَابَ(٢)،
وَفِي رِوَايَةٍ: الكِتَابَةَ»(٣).
وهذه المشروعيةُ في تحصيل منافعِ التعلُّم غيرُ مرتبطةٍ بسِنٍّ معيَّنةٍ أو مدّةٍ محدّدةٍ، وإنما ترتبطُ بالضوابط الشرعيةِ، فلا تخرجُ المرأةُ من بيتها إلاّ باللِّباس الشرعي لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْن﴾ [الأحزاب: 59]،
لذلك فَمَنْ وجد سبيلاً إلى المدارس الخاصّةِ بالبنات فله أن يدفع إليها لتحصِّل فيها منافعَ العلمِ والكتابةِ وبالضوابط الشرعيةِ، وأن يعمل الأولياءُ على قيام العدل مع أولادهم في التربية على الأخلاق الإسلامية والتعليمِ بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، والعناية بهم كالعناية بالنِّعم الأخرى الحِسِّية والمعنوية، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»(٨).
ومَن تعذّر عليه هذا السبيلُ فعليه أن يقي مَن تحت مسئوليته فتنة الاختلاط بالتحرّز والإنكار ما وسعه من غير حِرمان بناته من نعمة القراءة والكتابة وتعلّم الدِّين، ولو في غير المقاعد الدراسية المنتظمة.
هدى اللهُ الحكّامَ والمحكومين لإصلاح المدارس والمعاهد والكليات والجامعاتِ، وإبعادِ أسبابِ الشرِّ وفتنة الاختلاطِ عنها وما ينجرّ عنها بما يوافقُ أحكامَ الشريعةِ الغرّاءِ الحريصةِ على خيرِ العباد بدفع مظاهرِ الفسادِ، والآمرةِ بالتخلّص من آثامها وآثارها.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 19 محرم 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 7 فبراير 2007
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أخرجه أبو داود في «الطهارة»، باب في الرجل يجد البلة في منامه: (236)، والترمذي في «أبواب الطهارة» باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر: (113)، وأحمد: (25663)، وأبو يعلى: (4694)، والبيهقي: (818)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2333)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (2863).
٢- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (6888)، من حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (178).
٣- أخرجه أبو داود في «الطب»: (3887)، وأحمد: (26555)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (20149)، من حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (178).
٤- أخرجه مسلم في «الصلاة»: (997)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (1680)، من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها.
٥- أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد: (565)، وأحمد (2/439)، والدارمي: (1256)، وابن الجارود: (169)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه البغوي في «شرح السنة»: (2/420)، وابن الملقن في «البدر المنير»: (5/46)، والألباني في «الإرواء»: (515).
٦- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة»: (6880)، ومسلم في «البر والصلة»: (6699)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
٧- أخرجه البخاري في «النكاح»: (5096)، ومسلم في «الرقاق»: (7121)، والترمذي في «الأدب»: (3007)، وابن ماجه في «الفتن»: (4133)، وأحمد: (22463)، والحميدي في «مسنده»: (574)، والبيهقي: (13905)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
٨- أخرجه البخاري في «الهبة» باب الإشهاد في الهبة: (2587)، ومسلم في «الهبات»: (4181)، والبيهقي: (12351)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
هدى اللهُ الحكّامَ والمحكومين لإصلاح المدارس والمعاهد والكليات والجامعاتِ، وإبعادِ أسبابِ الشرِّ وفتنة الاختلاطِ عنها وما ينجرّ عنها بما يوافقُ أحكامَ الشريعةِ الغرّاءِ الحريصةِ على خيرِ العباد بدفع مظاهرِ الفسادِ، والآمرةِ بالتخلّص من آثامها وآثارها.
آمين آمين
و بارك الله فيكم على النقل و في الشيخ على هذه التحفة