منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 28 Mar 2018, 01:37 PM
أبو عبد الرحمن كمال بن خميسي أبو عبد الرحمن كمال بن خميسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2018
المشاركات: 21
افتراضي ( مقال ) : تجلية الحقائق بدرء عما يحوم على العلامة محمد علي فركوس - حفظه الله- من البوائق

إن الْحمد للَّهِ نحمده، ونستعينه، ونستغفرهُ، ونعوذ بِاللهِ من شرور أَنفسِنا، ومن سيئات أَعمالنا من يهدِه الله فَلا مضل لَه ومن يضلِلْ فَلا هادِي لَه، وأشهد أَن لا إِلَهَ إِلا الله - وحده لا شرِيك لَه-، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فإن ما يجري هذه الأيام ببلدنا الجزائر - حماها الله تعالى من الفتن والشرور- من كثرة صياح أهل الباطل وضجت منابرهم ببسط الألسنة بالغمز والطعن في العلامة الأصولي محمد علي فركوس - حفظه الله تعالى-، وتجييش الصحف الهابطة بالنفخ على إشاعة البهتان - كما هو دأبها - ، محاولة منهم في السعي الحثيث لتشويه الدعوة السلفية الحنيفية، واستجاشة عواطف الناس ضد انتشارها، وكل هذه المسارب الخفية المتبعة هي عند أصحاب العقل الحصيف الموزون بميزان العدل والحق تعد لديهم من المسالك المفضوحة، فيدركون أن طنين هذا الضرب وإكثارهم اللغط ضد صوت الحق ما هو إلا علامة على إفلاسهم من الحجج الساطعات، ومن الأخلاق الزاكيات، والصورة هذه تبين أنه " إذا صارت الشبهات أهواء أخرجت من النفوس الداءَ الدفين" "(1)، قال العلامة السلفي عبد الحميد بن باديس رحمه الله : " وإن الناس ليعرفون عرفانا ضروريا من الفرق بين المصلحين والمفسدين أن الأولين يصدعون لكلمة الحق مجلجلة ويرسلون صيحته داوية ويعملون أعمالهم في وضح النهار ومحافل الخلق وأن الآخرين يتهامسون إذا قالوا ويستترون إذا فعلوا ويعمدون إلى الغمز والإشارة والتعمية ولو وجدوا السبيل لكانت لهم لغة غير اللغات، ولكان الزمن كله ظلمات، والأرض كلها مغارات" (2) .
وهذه المعرفة الحاصلة عند ذوي البصائر الصادقة بمقام الشيخ وشموخه في مراقي العلم، إنما ترسخت عندهم من جهتين:
الجهة الأولى : ما أذاعه بريد ثناء جلة العلماء عليه في المحافل والمجالس كما هو معلوم (3) .
الجهة الثانية : بالنظر إلى مصنفات الشيخ النافعة، والتي تتميز في جملتها بالآتي :
1- الطرح الأصيل المبني على الدليل.
2- استثمار الملكة الأصولية والفقهية وتطبيقها .
3- تعظيم النصوص الشرعية والوقوف على ما جاء في كتاب الله عز وجل، وما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
4- التقيد بألفاظ النصوص .
5- تعالج الخلل العقائدي، وما يطرح على بساط الواقع من المسائل المعاصرة سواء في جانب الفقه، أو المعاملات.
6- البعد عن التعصب المقيت للآراء.
7- لزومه سبيل العدل والإنصاف مع الأقوال المخالفة في الرأي والإجتهاد.
8- مصاحبته للتقوى في حالة الأحكام أو الفتوى فيجري في رسائله التنصيص على قول : " والله سبحانه أعلم ".
9- النأي عن كل قول غث ضعيف.
10- كشف زيف الأقوال وصد عوادي الأفكار الهدامة .
11- حل عقد إشكال المسائل وتبسيطها .
12- تقرير وجوب الرجوع إلى ينبوع الدين، ومطلع هدايته من الكتاب والسنة.
13- التركيز على التربية وغرس الفضائل في الأنفس ومحاربة الآفات الإجتماعية .
فجميع هذه المزايا والخلال لأعظم بينة على فضيلة الرجل وسمو منزلته وشريف علمه، وبهذه الدلائل يهتدي أصحاب العدل والعلم للفرقان بين نور العلماء، وجهل الأدعياء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:" ... ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم وكتبهم" (4)، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:" وهذه مؤلفاتهم وكتبهم في الفنون إذا وازنت بينها وبين مؤلفات مخالفيه ظهر لك التفاوت بينها ويكفي في عقولهم أنهم عمروا الدنيا بالعلم والعدل والقلوب بالإيمان والتقوى..." (5) .
وليعلم القارئ الفاضل – ثبتني الله وإياك على الإسلام والسنة - أن هذه الآثار الحميدة التي سطرها العلامة الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله تعالى ما لاحت في الأفق، وانتشرت في شتى الأصقاع إلا لارتباطها الوثيق بالكتاب والسنة، واقتفاء آثار السلف الطيبين، وهذا يتبين بالوقوف على أمرين:
الأمر الأول: أن هذه الفضيلة الحاصلة، هو في ذلك كحال الصحابة رضوان الله عليهم وما كان لهم من الأثر الطيب في الأمة ، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، وهو يعقد مقارنة بين آثار الصحابة الأخيار ، وبين الروافض الأشرار في أي آثار الفريقين أحق بسبيل الحق: "ثم إنا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما، فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر، وقلبوها بلاد إسلام، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى، فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم، ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان، فإنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام، وكم جروا على الإسلام وأهله من بلية؟، وهل عاثت سيوف المشركين عباد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من التتار إلا من تحت رءوسهم؟، وهل عطلت المساجد، وحرقت المصاحف، وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم وعبادهم وخليفتهم، إلا بسببهم ومن جرائهم؟، ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة والعامة، وآثارهم في الدين معلومة، فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم؟، وأيهم أحق بالغضب والضلال إن كنتم تعلمون؟" (6) .
الأمر الثاني: أن الكتابات العلمية وبديع درر العلم النافع التي ينشرها الشيخ إنما هو في ذلك على خطى العلماء ومسيرة عطائهم العلمي المثمر القائم على قصد إقامة دين الله وإعزاز أوليائه، وأن تكون الدعوة لله تعالى وحده، ومن آثار ذلك وبيناته: القيام بنصح الخلق ورحمتهم، لذلك جادوا بعلومهم وبذلولها ، وقاموا بواجب الصدع بالحق ونصروه، وزهقوا الباطل ودمغوه، على أحسن قيام ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في شرح هذا المسلك:"... ويرحمون الخلق فيردون لهم الخير والهدى والعلم لا يقصدون لهم الشر ابتداء، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق، ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا" (7) .
ومن هذا؛ فإن من نفيس آثار الشيخ الماتعة التي تدل على حسن بره بعلماء بلده وربط شباب الحاضر، وبناة المستقبل بهم ما طرزه يراعه من عقد شروحات على مصنفات العالم الإمام الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله "رئيس جمعية العلماء المسلمين" ومن هذه الأعمال الجليلة والمشاريع العظيمة :
1- العقائد الإسلامية مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لابن باديس ـ رحمه الله ـ .
2 - تحفة الأنيس شرح عقيدة التوحيد للإمام ابن باديس .
3- تنوير التأسيس شرح أركان الإيمان العظام الملائكة - الكتب - الأنبياء - اليوم الآخر للإمام ابن باديس رحمه الله.
4 - إمتاع الجليس شرح عقائد الإيمان للإمام ابن باديس ومنهجه في تقرير أسماء الله وصفاته .
5 - التعليق النفيس في بيان عقيدة الإيمان بالقدر عند الإمام ابن باديس - رحمه الله- .
6 - الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول إملاء الإمام عبد الحميد بن باديس القسنطيني الجزائري .
7 - روح التنفيس شرح معنى الإسلام والإيمان والإحسان للإمام ابن باديس رحمه الله - .
فكان - حفظه الله تعالى - بهذه المشاريع الهادفة وإبرازها للناس مثل عطاء النخلة بالتمر، وفي الإقبال عليها والتوجه بالاستفادة منها كالنحلة على الزهر، ويشهد لمنزع هذين التشبهين؛ فالأول: حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء نفعك" (8)، والثاني: عن أبي رزين لقيط بن صبرة العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبا، ولا تضع إلا طيبا " (9) .
وقد أحسن من قال :
تلك أثارنا تدل علينا.... فانظروا بعدنا إلى الآثار
وعلى ضوء هذه الجهود الجميلة النافعة التي رقمها الشيخ – سلمه الله من كل سوء- ، فإنه يدفع بي المقام لذكر بعض الحقائق المهمة عن أقوام من أبناء الجزائر تباينت مواقفهم تجاه : " جمعية العلماء المسلمين"، برئاسة الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى، وإيضاح هذا يكون في وقفتين:
الوقفة الأولى : الجماعة الإسلامية المسلحة ( gia ) : وبيان موقفهم من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن هذه الجماعة تعد أحد جماعات الخوارج الأنجاس الأرجاس، فقد علم عنها غلوها الشنيع، وإجرامها الفظيع ضد الشعب الجزائري، مما لا ينسيه تعاقب الحدثان، والأمر كذلك حصل مع علماء السنة بثورتهم عليهم (10)، ومنهم: علماء جمعية العلماء المسلمين برئاسة الشيخ العلامة ابن باديس فقد اتسم موقفهم بترصد عثراتهم، وذكرهم بالسوء، وتنكب طريقتهم في الدعوة، ومن نماذج هذا وواضح دلائله ما نصت عليه الجماعة، - وكانت وقتها تحت إمرة الخارجي الدموي الهالك عنتر زوابري – فقالت في منشور لها : " وكانت هذه الجمعية تظهر في أعين الناس أنها ملتزمة بالشرع وفي الحقيقة وفي الحقيقة لم يكن الأمر كذلك والدليل عليه هو ترسيخهم لمبدأ تقديس العقل وتقديمه على النقل، وهذه الحقيقة يستطيع أن يدركها كل من تصفح كتبهم ومؤلفاتهم مثل كتاب : " مجالس التذكير من أحاديث البشير النذير"، و" تفسير ابن باديس"، و" آثار عبد الحميد بن باديس" لرابح التركي، وجريدتي " البصار والشهاب "، فستجد أن الجمعية لم تكن ملتزمة بالعقيدة السلفية – عقيدة أهل السنة والجماعة - ولا بالمنهج السلفي" (11) .
الناحية الثانية : أن أعمال ومواقف أعلام السنة، بالعصر الحديث، بالغة في الإشتهار مبلغ اشتهار الشمس في رابعة النهار، في تصديهم لفكر الجماعة الاسلامية المسلحة وأخواتها من الجماعات الدموية التي كانت تنشط وقتئذ، والقيام برد أفكارهم الخبيثة، وهذه أشرطتهم وكتبهم المتطايرة في الآفاق أكبر دليل لمن رام البرهان، ومن نفائس ما تجد في جليل هذه الأعمال، التي أمضوا عزائمهم فيها تنسخ بالحق باطلاً، وبالهدى تضليلاً:
فمنها : مصاولتهم للخوارج بالحجاج والإقناع، لا باللجاج والإقذاع.
ومنها : الكشف عن أساليب المكر، ووسائل الخداع.
ومنها: انتشال شباب الأمة من الحيرة الزائغة، والرأي العاثر، والضلالة المضنية.
ومنها: تحذيرهم من الطرق المظلمة الرامية بهم إلى الحضيض الأخس الأوكس، ومن هؤلاء العلماء: العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، والعلامة الفقيه عبد العزيز بن باز، والعلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين- رحمهم الله تعالى-، فهؤلاء الثلاثة الأئمة - بحق- ينطبق عليهم ما ذكره العلامة ابن القيم- رحمه الله- بقوله :" فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده، والطريق الموصل الى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم:" الأدلاء الهداة" (12).
وكذلك إخوانهم من العلماء من ذوي البسطة في العلم، فلهم الجهود العظيمة، والمآثر الجميلة التي يبقى ذكرها في الأعقاب؛ تذكر فتشكر من القيام بالرد على هؤلاء الشرذمة الفاسدة ودعاتها المفسدين، ومن هؤلاء الهداة : الشيخ العلامة محمد أمان الجامي، والعلامة المحدث حماد الأنصاري، والعلامة زيد المدخلي (13) ، والعلامة مقبل بن هادي الوادعي، والشيخ العلامة أحمد النجمي (14)، وغيرهم من الأحياء كالعلامة صالح الفوزان، وعبد العزيز آل الشيخ، وربيع بن هادي المدخلي، وعبد المحسن العباد البدر، وعبيد الجابري - بارك الله في الجميع، ومد في أعمارهم على الخير والعطاء- .
والعلامة الشيخ محمد علي فركوس هو أيضا على سبيل هؤلاء الهداة في كفاحه للفكر المتطرف بكل أصنافه وأشكاله، وآخرها ما يسمى بــ : الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروفة بــ"داعش"، فكان له الموقف المشرف من كبح جماح الشباب وحجزهم عن السقوط في فخاخ شبهاتهم، وقد تطاير بهذا الإعلام وقتها، ونص على اسم الشيخ فركوس، واعتبروه كالحصن الواقي لشبيبة القطر الجزائري من الإغترار بدعايات التنظيم الخلاب، ودولته الممتدة ذات السراب !! .
الوقفة الثانية : الصوفية الطرقية ومن شايعها ممن سلك جزأرة الدعوة :
من المعلوم لكل متأمل أن أكثر من عانى من الطرقية بالقطر الجزائري وعمل على كفاحها بجد ونشاط متواصل هم: " جمعية العلماء المسلمين" برئاسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله-، فكانوا أعرف الناس بأخطارها، وما تحمله معها من أوضار ومضار على الفرد والمجتمع والعقائد والأخلاق، ولذلك خلدوا من الكلمات المسطورة في فضح الطرقيين وإيضاح زيغهم، وعلاقتهم الوطيدة بالمستعمر الفرنسي ما هو كثير شهير، وأسوق- هنا- شيئا من جملهم الكاشفة عن حال هذه الطرائق المغوية، وأكتفي بذكر عالمين كبيرين جليلين، هما لدى الشعب الجزائري كشموع تزهر، وكلماتهم كآس وعبهر :
الأول: الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس رحمه الله "رئيس جمعية العلماء المسلمين"، فمن كلامه:
1 - " الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف ومبناها كلها على الغلو في الشيخ والتحيز لاتباع الشيخ وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ إلى ما هناك من استغلال .... ومن تجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور وغير ذلك من الشرور .." (15).
2 – " ومن عدل الله وحكمته أن كان مبعث هذه الدعوة الإصلاحية هو مصر. مصر التي هي مبعث أكثر البدع والضلالات الاعتقادية والعملية من يوم انتصبت فيها دولة الفاطميين فرسخت فيها البدع الطرقية وغير الطرقية- والطرق حيثما كانت فهي تكأة وملجأ البدع والخرافات- وصارت الخطة الطرقية من الخطط الإسلامية في الحكومات المصرية التي تحميها وتؤيدها فصارت البدع والضلالات رسمية في نظر المسلمين وغير المسلمين وجاء الأزهر وأهل الأزهر- إلا قليلا- على دين الدولة وهوى العامة يقرون تلك البدع والضلالات بسكوتهم بل بمشاركتهم العملية وتأييدهم الفعلي والقولي وما ينتشر عنهم من كتب وتلاميذ" (16).
3 - وتحت عنوان : "سيهزم الجمع ويولون الدبر" كتب الشيخ كلمة يشكر الشيخ الطيب العقبي على المقال الذي كتبه بنفس العدد من الشهاب يرد فيه على طائفة العليوية، الطرقية (الصوفية) يدعوها للمباهلة التي قد بدأت هي بالدعوة إليها وبالقول بأن السلفيين لا يستجيبون لها (17)، فقال: " حياك الله وأيدك يا سيف السنة وعلم الموحدين، وجازاك الله أحسن الجزاء عن نفسك وعن دينك وعن إخوانك السلفيين المصلحين، ها نحن كلنا معك في موقفك صفا واحدا ندعو دعوتك ونباهل مبالتك، ونؤازرك لله، وبالله، فليتقدم إلينا الحلوليون وشيخهم ومن لف لفهم وكثر سوادهم في اليوم الموعود والمكان المعين لهم، وليبادروا بإعلان ذلك في جريدتهم إن كانوا صادقين، فإن لم يفعلوا- وأحسب أن لن يفعلوا- فقد حقت عليهم كلمة العذاب وكانوا من الظالين والحمد لله رب العالمين" (18) .
4 - " وهؤلاء ( أهل سوف) قد ذاقوا من التغريم والنفي والسجن ما ذاقوا وروعوا في ديارهم وأهليهم أفظع ترويع ثم لم يثبت عليهم شيء مما رموا به إلا رغبتهم في العلم وطرحهم لسربال الطرقية الوسخ الثقيل" (19) .
5 - " بقدر ما كان تمسك الأمة بأسباب العلم كان رفضها للجمود والخمود والخرافات والأوضاع الطرقية المتحدرة للفناء والزوال حتى أصبح القطر الجزائري كله يكاد لا تخلو بيت من بيوته ممن يدعو إلى الإصلاح وينكر الجمود والخرافة ومظاهر الشرك القولي والعملي وأصبحت البدع والضلالات تجد في عامة الناس من يقاومها وينتصر عليها " (20) .
6 - " كان الذين يتسمون بالعلم- إلا قليلا- بين جامد خرافي تستخدمه الطرقية وما يحرك الطرقية في التخدير والتضليل، وقد لا يدري المسكين ما يدس به للأمة من كيد، وحاذق دنيوي قد غلبه الوظيف واستولى حبه على قلبه فأنساه نفسه وأنساه ذكر الله. وكان العلماء الأحرار المفكرون- على قلتهم- مغمورين مشتتين، فلما برز (المنتقد) الشهيد فـ (الشهاب) هب أولئك العلماء الأحرار المفكرون للعمل، وتكونت النواة الأولى لجمعية العلماء، وأصبح اليوم اسم العلماء يحمل في أثنائه كل معاني الجد والتضحية في سبيل الحياة الحقيقية دنيا وأخرى" (21) .
7 – " الطرقية: كان الناس كأنهم لا يرون الإسلام إلا الطرقية، وقد زاد ضلالهم ما كانوا يرون من الجامدين والمغرورين من المنتسبين للعلم من التمسك بها والتأييد لشيوخها، فلما ارتفعت دعوة الإصلاح في (المنتقد) و (الشهاب) حسب الناس أن هدم تلك الأضاليل التي طال عليها الزمان، ورسخها الجهل، وأيدها السلطان، محال، ولقد صمد (الشهاب) للطرقية يحارب ما أدخلته على القلوب من فساد عقائد وعلى العقول من باطل أوهام، وعلى الإسلام من زور وتحريف وتشويه، إلى ما صرفت من الأمة عن خالقها بما نصبت من أنصاب، وشتت من كلمتها، بما اختلقت من القاب، وقتلت من عزتها، بما اصطنعت من إرهاب، حتى حقت للحق على باطلها الغلبة، فهي اليوم معروفة عند أكثر الأمة حقيقتها، معلومة غايتها، مفضوحة دوافعها ... إذا دعاها داعي السلطان لبت خاضعة مندفعة، وإذا دعاها داعي الأمة ولت على أعقابها مدبرة. ومن نكاية الله بها أن جعل أكبر فضيحتها على يد من يريد ممن توالتهم من دون الأمة مددها بما لها من مزايا عليه.
لا يهمنا اليوم أن تجهز على الجريح المثخن الذي لم يبق منه إلا ذماء، وإنما يهمنا أن نبين موقفنا مع البقية من شيوخها ونسمعهم صريح كلمتنا.
حاربنا الطرقية لما عرفنا فيها- علم الله- من بلاء على الأمة من الداخل ومن الخارج فعملنا على كشفها وهدمها مهما تحملنا في ذلك من صعاب، وقد بلغنا غايتنا والحمد الله وقد عزمنا على أن نترك أمرها للأمة هي التي تتولى القضاء عليها ثم نمد يدنا لمن كان على بقية من نسبته إليها لنعمل معا في ميادين الحياة على شريطة واحدة وهي: أن لا يكونوا آلة مسخرة في يد نواح اعتادت تسخيرهم، فكل طرقي مستقل في نفسه عن التسخير فنحن نمد يدنا له للعمل في الصالح العام. وله عقليته لا يسمع منا فيها كلمة وكل طرقي- أو غير طرقي- يكون أذنا سماعة، وآلة مسخرة فلا هوادة بيننا وبينه حتى يتوب إلى الله " (22) .
الثاني : الشيخ العلامة الأديب محمّد بن بشير الإبراهيمي – رحمه الله -، ومن كلامه:
1 – " وإذا كان الناظر في أحوال المسلمين ممن رزق ملكة التعليل وأراد إرجاع كل شيء إلى أصله الأصيل ومنبته الأول، فإنه لا يعسر عليه أن يرجع أمهات علل المسلمين الدينية والاجتماعية إلى هذه الطرقية الكاذبة الخاطئة، التي أصبحت من قرون فكرة تسود العالم الإسلامي وتتحكم في دينه ودنياه، وتتدخل في حياته وسياسته ثم تستحكم في طباعه، فإذا هو في غمرة من الذهول مطبقة أضاع معها آخرته ودنياه " (23) .
2 - " لعمرك إن الطرقية في صميم حقيقتها احتكار لاستغلال المواهب والقوى، واستعمار بمعناه العصري الواسع، واستعباد بأفظع صوره ومظاهره، يجري كل هذا والأشياخ أشياخ يقدس ميتهم وتشاد عليه القباب، وتساق إليه النذور، ويتمرغ بأعتابه، ويكتحل بترابه، وتلتمس منه الحاجات وتفيض عند قبره التوسلات والتضرعات، ويكون قبره فتنة بعد الممات كما كان شخصه فتنة في الحياة. ثم تتوالد الفتن فيكون اسمه فتنة، وأولاده فتنة، وداره فتنة وإذا هو مجموع فتون، تربو عدا على ما في مجموع المتون، وما ضر هؤلاء الأشياخ- وقد دانت لهم الأمة وألقت إليهم يد الطاعة ومكنتهم من أعراضها وأموالها- أن يأخذوا أموالها سارقين، ثم يورثونها أولادا لهم فاسقين، يبددونها في الخمور والفجور، والسيارات والملابس والقصور.
ما ضرهم أن تهزل الأمة إذا سمنوا؟ ما ضرهم إذا فسدت أخلاقها ما دام خلق البذل والطاعة لهم صحيحا؟ ما ضرهم أن تتفرق كلمة الأمة ما دامت مجمعة على تعظيمهم واحترامهم، ومغضية على شرهم وإجرامهم؟، ولكن الذي يضيرهم ويقض مضاجعهم هو أن ترتفع كلمة حق بكشف مخازيهم وحيلهم الشيطانية، وتنفير الناس منهم وتحذيرهم من إفكهم وباطلهم؛ فهنالك تقوم قيامتهم وينادون بالويل والثبور، ويقاومون بما لا يخرج عن طريقتهم في التضليل ودس الدسائس، ويبلغ بهم الحال أن يتناسوا الفوارق الطرقية بينهم والمنافسات الاستعمارية والأحقاد القديمة، ويتصافحوا على الزردة ويتقاسموا ولكن لا بأسماء أشياخهم، خشية أن تثور الثوائر الكامنة فيحبط ما صنعوا ... لأن هذه النقطة ليست محل تسليم، فهلا اجتمعتم بالأمس أيها الكاذبون، وهلا خيرا من هذا وذاك وهو الرجوع إلى الحق" (24) .
3 – " قالوا : إن هذه الطرقية مرت عليها قرون ولم ينكرها العلماء، فبينا لهم أن عدم إنكار العلماء الباطل لا يصيره حقا، ومرور الزمن عليه لا يصيره حقا، وقلنا لهم إذا كان سلفكم في الطرقية يعملون مثل أعمالكم فهم مبطلون مثلكم، وإذا كانوا على المنهاج الشرعي فليسوا بطرقيين، ونحن نعلم من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أن بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوف والطرق كانوا على استقامة شرعية وعمل بالسنة ووقوف عند حدود الله، فهم صالحون بالمعنى الشرعي، ولكن الصلاح لم يأتهم من التصوف أو الطرق وإنما هو نتيجة التدين، وفي مثل هؤلاء الصالحين الشرعيين إنما نختلف في الأسماء، فنحن نسميهم صالحي المؤمنين وهم يسمونهم صوفية وأصحاب طرق، فيا ويلهم إن طريقة الإسلام واحدة، فما حاجة المسلمين إلى طرق كثيرة " (25) .
4 – " ولعل أسخف طور مر على الطرقية في تاريخها هو هذا الطور الأخير، فقد أصبح من أحكامها أن شيخ الطريقة لا يلد إلا شيخ طريقة. وهم- قطع الله دابرهم- لا يعرفون من السنة : " إلا تناكحوا تناسلوا إلخ، فكثر نسلهم وكثرت بكثرته (مشايخ الطرق)، وأصبح أمر هذه المشيخة لا يتوقف على تربية ولا تسليك ولا إجازة، وإنما يتوقف على قاعدة "خبز الأب للابن" أو على شيء آخر وهو التولية الحكومية مثل ما نعلم عن مصر وتونس والجزائر من صدور الإرادات السنية والأوامر العلية والمراسيم الحكومية بولاية المشيخة الطرقية. فيا للسخرية..." (26) .
5 – " ولكن أنى للأمة الجزائرية باجتماع العلماء وتآخيهم في العلم، وإن الطائفة التي يطلق عليها هذا الاسم حقيقة أو ادعاء بهذا القطر هي طائفة متنافرة متنابذة، كأن من كمال العلم عند بعضها أن يبغض العالم العالم، وبجفو العالم العالم، شنشنة معظم الشر فيها آت من الزوايا الطرقية التي تعلم فيها أولئك العلماء أو علموا فيها، والكثرة الغالبة في علماء الجزائر قبل اليوم تعلمت بالزوايا أو علمت العلم في الزوايا، فمن الزوايا المبدأ وإليها المصير. وزوايا الطرق في باب العلم كمدارس الحكومات هذه معامل لتخريج الموظفين، وتلك معامل لتخريج المسبحين بحمد الزوايا والمقدسين. أما العلم وحقيقته وصراحته وحريته فلا رائحة لها في هذه ولا في تلك.." (27) .
6 – " أننا علمنا حق العلم، بعد التروي والتثبت ودراسة أحوال الأمة ومناشئ أمراضها، ان هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هي سبب تفرق المسلمين، لا يستطيع عاقل سلم منها ولم يبتل بأوهامها أن يكابر في هذا أو يدفعه، وعلمنا أنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا، ونعلم أن آثارها تختلف في القوة والضعف اختلافا يسيرا باختلاف الأقطار، ونعلم أنها أظهر آثارا وأعراضا وأشنع صورا ومظاهر في هذا القطر الجزائري والأقطار المرتبطة به ارتباط الجوار القريب منها في غيره، لأنها في هذه الأقطار فروع بعضها من بعض، ونعلم أننا حين نقاومها نقاوم كل شر، وأننا حين نقضي عليها- ان شاء الله- نقضي على كل باطل ومنكر وضلال، ونعلم زيادة على ذلك أنه لا يتم في الأمة الجزائرية إصلاح في أي فرع من فروع الحياة مع وجود هذه الطرقية المشئومة، ومع ما لها من سلطان على الأرواح والأبدان، ومع ما فيها من افساد للعقول وقتل للمواهب" (28) .
7 – " وإنك لا تبعد إذا قلت إن لفشو الخرافات وأضاليل الطرق بين الأمة أثرا كبيرا في فشو الإلحاد بين أبنائها المتعلمين تعلما أوروبيا، الجاهلين بحقائق دينهم؟ لأنهم يحملون من الصغر فكرة أن هذه الأضاليل الطرقية هي الدين، وأن أهلها هم حملة الدين، فإذا تقدم بهم العلم والعقل لم يستسغها منهم علم ولا عقل، فأنكروها حقا وعدلا، وأنكروا معها الدين ظلما وجهلا؟ وهذه إحدى جنايات الطرقية على الدين" (29) .
8 – " انتشار الطرقية التي هي ظئر التبشير وكافلته والممهدة له حسا ومعنى، وإن جهل هذا قوم فعدوا من حسناتها مقاومة التبشير" (30) .
9 – " وكنت على أثر رجوعي واجتماعي بهذا الأخ نتداول الرأي في هذا الموضوع ونضع مناهجه ونخطط خططه، ومعنا بعض الإخوان، فأجمعنا في معرض الرأي ال على أننا أمام استعمارين يلتقيان عند غاية، أحدهما: استعمار روحاني داخلي يقوم به جماعة من إخواننا الذين يصلون لقبلتنا باسم الدين، وغايتهم استغلال الأمة، ووسيلتهم صد الأمة عن العلم، حتى يستمر لهم استغلالها، وهؤلاء هم مشايخ الطرق الصوفية التي شوهت محاسن الإسلام، والثاني: استعمار مادي تقوم به حكومة الجزائر باسم فرنسا، وغايته استغلال الأمة، ووسيلته سد أبواب العلم في وجه الأمة حتى يتم لها استغلالها، والاستعماران يتقارضان التأييد، ويتبادلان المعونة، كل ذلك على حساب الأمة الجزائرية المسكينة، أولئك يضلونها، وهؤلاء يذلونها، وجميعهم يستغلونها.
كنا نتفق على هذا، ولكننا نجمل الرأي في أي الاستعمارين، يجب أن نبدأ بالهجوم عليه، ولم يكن من الصعب علينا الاتفاق على الهدف الأول للهجوم، فاتفقنا على أن نبدأ بالهجوم على الاستعمار الأول وهو الطرق الصوفية، لأنها هي مطايا الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا ووسطها وغربها، ولولاها لم يتم له تمام " (31) .
10 – " والصوفية، أو الطرقية كما نسميها نحن في مواقفنا معها، هي نزعة مستحدثة في الإسلام لا تخلو من بذور فارسية قديمة، بما أن نشأة هذه النزعة كانت ببغداد في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، واصطباغ بغداد بالألوان الفارسية في الدين والدنيا معروف، وتدسس بعض المتنطعين من الفرس إلى مكامن العقائد الإسلامية لإفسادها، لا يقل عن تدسس بعضهم إلى مجامع السياسة، وبعضهم إلى فضائل المجتمع وآدابها لإفسادها، ومبنى هذه النحلة في ظاهر أمرها التبتل والانقطاع للعبادات التي جاء بها الإسلام، ومجاهدة النفس من طريق الرياضة بفطمها عن الشهوات حتى تصفو الروح وتشف وترق وتتأهل لمشارفة الملإ الأعلى، وتكون بمقربة من أفق النبوة، وتتذوق لذة العبادة الروحية، وقد افترق النازعون إلى هذه النزعة من أول خطوة فرقا، وذهبوا فيها مذاهب، من القصد الذي يمثله أبو القاسم الجنيد، إلى الغلو الذي يمثله أبو منصور الحلاج، إلى ما بين هذين الطرفين، وكانت لأئمة السنة وحماتها- الواقفين عند حدودها ومقاصدها ومأثوراتها- مواقف مع الحاملين لهذه النزعة، وموازين يزنون بها أعمالهم وآراءهم وما يبدر على ألسنتهم من القول فيها، ولسان هذه الموازين هو صريح الكتاب وصحيح السنة، وكانت في أول ظهورها بسيطة تنحصر في الخلوة للعبادة أو الجلوس لإرشاد وتربية من يشهد مجالسهم، ثم استفحل أمرها فاستحالت علما مستقلا، يشكل معجما كاملا للاصطلاحات، ودونت فيها الدواوين التي تحلل وتشرح، وتصف الألوان الباطنية للنفس، وتبين الطريق الموصل إلى الله والوسيلة المؤدية للسعادة وكيفية الخلاص من مضائق هذه الطريق وأوعارها، ثم انتقلت في القرون الوسطى من تلك الأعمال التي تستر أصحابها، إلى الأقوال التي تفضحهم، فخاضوا في شرح مغيبات، وأفاضوا في جدال مكشوف بينهم وبين خصومهم، وكانوا سببا من الأسباب الأصيلة في شق الأمة شقين: أنصارا ومنكرين، وضاعت في هذا الضجيج ثمرة هذه النحلة وهي رياضة النفس اللجوج على العبادة وقمع نزواتها البدنية وأصبحت هذه النحلة أقوالا تدافع، يقولها من لا يفقه لها معنى، فضلا عن أن تصطبغ بها نفسه، والحق في هذه النزعة أنها صبغة روحية مرجوحة في ميزان الشرع وأحكامه، وإنما يقبل منها ما يساير المأثور، ولا يجافي المعروف من هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإن الدين قد تكامل بختام الوحي، والزيادة فيه بعد ذلك كالنقص منه كلاهما منكر، وكلاهما مرفوض، وما لم يكن يومئذ دينا فليس بدين بعد ذلك.
ولكن تلك النزعة التي عفا رسمها، بقي اسمها، ولم يبق بقاء تاريخيا للعظة والاعتبار، وإنما بقي فتنة بين المسلمين، وميدانا لعلمائهم يتراشقون فيه ويتنازعون، ولعامتهم يلهون فيه ويلعبون، ويضلون بسببه عن حقائق دينهم ودنياهم.
وانتهى بها الأمر في القرون الأخيرة إلى نسبة مجردة من جميع المعاني، ينتسب إليها - تقحما- كل من هب ودب، لا يطلبها من طريق علم ولا تربية، ولكن من طريق الشعوذة والحيلة، ثم تدلت دركة أخرى فأصبحت وسيلة معاش ومصيدة لابتزاز أموال العامة وانتهاكا لأعراضهم، وهناك التقت مع الاستعمار في طريق واحد، فتعارفا وتعاهدا على الولاء.
ابحثوا في تاريخ الاستعمار العام، واستقصوا أنواع الأسلحة التي فتك بها في الشعوب، تجدوا فتكها في استعمال هذا النوع الذي يسمى "الطرق الصوفية"، وإذا خفي هذا في الشرق، أو لم تظهر آثاره جلية في الاستعمار الانكليزي، فإن الاستعمار الفرنسي ما رست قواعده في الجزائر وفي شمال أفريقيا على العموم وفي أفريقيا الغربية وفي أفريقيا الوسطى إلا على الطرق الصوفية وبواسطتها، ولقد قال قائد عسكري فرنسي معروف، كلمة أحاطت بالمعنى من جميع أطرافه قال: "إن كسب شيخ طريقة صوفية أنفع لنا من تجهيز جيش كامل، وقد يكونون ملايين، ولو اعتمدنا في إخضاعهم على الأموال والجيوش لما أفادتنا ما تفيده تلك الكلمة الواحدة من الشيخ، على أن الخضوع لقوتنا لا تؤمن عواقبه لأنه ليس من القلب، أما كلمة الشيخ فإنها تجلب لنا القلوب والأبدان والأموال أيضا".
هذا معنى كلمة القائد الفرنسي وشرحها، ولعمري إنها لكلمة تكشف الغطاء عن حقيقة ما زال كثير من إخواننا الشرقيين منها في شك مريب..." (32) .
والحاصل من هذا كله، أن أهل الإرث النبوي بسيرهم على مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق لا محالة لهم من الابتلاء، كحال من سبقهم من الأنبياء والرسل ، ولذلك تبقى البشرى تلوح بين أعين ذادة حمى التوحيد والسنة، والأمل يحذوهم أنهم بثباتهم واتباعهم ويقينهم وإخلاصهم يتحقق النصر، ويكشف الليل عن صبحه، ويسفر الحق بدلائله الناطقة، يدل لهذا قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } (33)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: " وقوله: { ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} هذا تسلية لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة " (34) .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } (35)، قال الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله : " في الآية ... بشارة لدعاة الحق وأنصار السنة ومرشدي الأمم عندما يقومون بدعوة القرآن في عشائرهم ويلقون منهم النفور والإعراض والبغض والإنكار ويجدون أنفسهم غرباء بينهم، يعاديهم من كانوا أحبابهم ويقاطعهم أقرب الناس قرابة إليهم، ويصبح يؤذيهم من كان يحميهم ويدافع عنهم- في الآية بشارة لهم بأن تلك الحالة لا تدوم وأنهم سيكون لهم على كلمة الحق مؤيدون وفي الله محبون، وسيكون لهم ود في القلوب ممن يعرفون وممن لا يعرفون. وفيها أيضا تثبيت لهم في تلك الغربة ووحشة الإنفراد بما يكون لهم من أنس الود وأي ود هو، ود يكون من جعل الرحمن" (36).
وما أحسن ما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :
و
الحق منصور وممتحن فلا ... تعجب فهــــــــذي ســـــــــنة الرحمن
وبذاك يظهر حزبه من حزبه ... ولأجل ذاك الناس طائفتـــــــــان
ولأجل ذاك الحرب بين الرسل والـ ... كفار مذ قام الورى سجلان
لكنما العقبى لأهل الحق إن ... فاتت هـــــــــــــــنا كان لدى الديان
قال العلامة السلفي محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله : " واعلم أن في القطر الجزائري نخبة من الشبان والشيوخ المسلمين الأبرار الذين يدفعون عن الإسلام كيد الكائدين، ويجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ويلقمون كل عاو وناعق من أعداء الإسلام أحجارهم، ويطاردونهم حتى يدخلوهم أجحارهم " (37) .
والله نسأل أن يحفظ الشيخ محمد علي فركوس ويبارك في أعماله، ويفسح في مدته، ويكتب له السداد والتوفيق، ويقيه شر وكيد أهل بنيات الطريق، ويثبتنا وإياه على الحق والهدى، آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع المسائل لابن تيمية المجموعة الخامسة (ص: 42) .
(2) آثار ابن باديس (2/ 125) .
(3) وقريبا ما سمعته من فم الشيخ الجليل سليمان الرحيلي حفظه الله تعالى عند شرحه لكتاب: " مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" فقال مثنيا على الشيخ فركوس وتحقيقه:" وإن كان الشيخ فركوس - وفقه الله- قد وفق توفيقا عظيما في التعليق على الكتاب، والحقيقة أن تحقيقه للكتاب ليس تحقيقا فقط بل هو شرح، وشرح طيب موثوق، ونافع ولذلك لو أن طالب العلم اقتنى الكتاب بتحقيق الشيخ فركوس، فإن هذا ينفعه نفعا عظيما، في الكتاب وفي فهم الكتاب" .
(4) منهاج السنة (2/604).
(5) التبيان في أيمان القرآن (ص313 ).
(6) مدارج السالكين (1 /94).
(7) الإستغاثة (1/380).
(8) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12 /411)، وهو الصحيحة (رقم2285).
(9) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3 /110)، وابن حبان في صحيحه (رقم247)، وصححه الألباني في الصحيحة ( رقم355).
(10) يدخل معهم : الحدادية البغيضة، وفئة الحجاورة الغلاظ فالجميع جاهروا بمحاربة علماء جمعية المسلمين، وأعلام العصر قاطبة .
(11) مجلة الجماعة - لسان حال الجماعة الإسلامية المسلحة ربيع الثاني 1417 هـ الموافق لسبتمبر 1996 م .
(11) فوائد الفوائد(ص163).
(12) ينظر: " الإرهاب وآثاره في الأفراد والأمم ".
(13) ينظر كتابه النفيس: " المورد العذب الزلال فيما أنتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال".
(14) آثار ابن باديس (3/ 133) .
(15) المصدر نفسه (3/ 66) .
(16) ساق هذا جامع آثار الشيخ .
(17) آثار ابن باديس (3/ 463) .
(18) المصدر نفسه (3/ 562)
(19) المصدر نفسه (4/ 359) .
(20) المصدر نفسه (4/ 367) .
(21) المصدر نفسه (4/ 368- 369)
(22) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/ 170) .
(23) المصدر نفسه (1/ 172- 173)
(24) المصدر نفسه (1/ 174- (1/ 175) .
(25) المصدر نفسه (1/ 176) .
(26) المصدر نفسه (1/ 186) .
(27) المصدر نفسه (1/ 190) .
(28) المصدر نفسه (1/ 195) .
(29) المصدر نفسه (1/ 196 - 197) .
(30) المصدر نفسه (5/ 141) .
(31) المصدر نفسه (5/141- 142- 143) .
(32) سورة الأنعام، الآية : ( 10) .
(33) تفسير ابن كثير(3/ 242) .
(34) سورة مريم الآية: (96)
(35) آثار ابن باديس (1/ 342-343) .
(36) رسائل الهلالي (2/668) .
......

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 Mar 2018, 02:34 PM
يوسف عمر يوسف عمر غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2017
المشاركات: 91
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي كمال على هذا المقال. بارك الله فيك.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 Mar 2018, 07:10 PM
حميد جبار حميد جبار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
المشاركات: 41
افتراضي

أحسن الله إليك وجزاك خيرا على صنيعك.
ومن محاسن الشيخ تعظيمه للعلماء و توقيره لهم، كذلك عدم تنازله عن الحق تحت الضغوطات فلله دره عالما عاملا و معلما.
اللهم احفظ شيخنا فركوس و سائر مشايخنا.

التعديل الأخير تم بواسطة حميد جبار ; 28 Mar 2018 الساعة 07:13 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 Mar 2018, 07:19 PM
أبو عبد الرحمن كمال بن خميسي أبو عبد الرحمن كمال بن خميسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2018
المشاركات: 21
افتراضي

بارك الله فيكما وسلمتما
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 Mar 2018, 07:34 PM
أبو سهيل يوسف مرنيز أبو سهيل يوسف مرنيز غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2018
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 43
افتراضي

جزاك اللّه خيرًا
مقال ممتاز

التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 28 Mar 2018 الساعة 07:42 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مسائل, تبرئةالعلامةفركوس, تجليةالحقائق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013