منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14 Apr 2017, 11:22 PM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي بين الحفّاظ المُبرّزين والأدعياء الخنفشاريين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين ، و على آله و صحبه أجمعين . و بعد :
فإن المشتغل بالطلب ، و المعتنيَ بالتّحصيل ، يدرك أن هذا الشأن شديد ، و الإيغال فيه إلى الغاية حديد ، و قد أدرك بعضَ هذا رجالٌ أختصهم المولى جل ّو علا بمزيد فضل ، فسُمُّوا علماء و حفاظا و جهابذة ، في حين رضي السّواد الأعظم ، بالقعود عند العتبات ، و القطون بالجنبات ، فسُمُّوا بطّالين و عامّة . و دعت بعض النّاس أنفسُهم إلى ترسُّم طرائق الأولين ، لكنّ همتّهم أبت بهم إلا اقتفاء سَنن الآخِرين ، فاقتنعوا بالدّعة و الخمول ، مع ادّعاء العلم و الوُصول .
و هذا أفتك سبيل ، و صاحبه أوّل قتيل ، و اصطُلح على هؤلاء : الخنفشاريين ، و ما أكثر هذا الضربَ من النّاس فيهم ، و هو أعدى لهم من ساذجِ الجهلِ ، مُقِرٍّ به . و الشّكوى من أمثالهم قديمة ، لكنّها اليوم أحرى و أولى ، لأنهم صاروا هم المُقدّمين و المشار إليهم بالبنان . و إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر السّاعة .
و لا أدّل على ذلك من صاحبَيْ قناة النّهار ، الشّمس و الوسيم ، مما يذكر بقول محمد بن عمار المهري الأندلسي :
مما يزهدني في أرض أنــدلس *** أســـماء معتمد فيها ومعتــــضد
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
و غيرهم كثيرون ، و استقصاؤهم يُلغِبُ الدّؤوب ، و يَخرق الذَّنوب
و إذا أردت أن تعرف سبب نعتهم بالخنفشاريين فاقرأ ما ذكره العلامة تقي الدّين الهلالي (1407هـ) في الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية (1/77)
[ فإن قلت أيها القارئ ما معنى قولك خنفشاريتين؟ فالجواب: أن جماعة من الأدباء زارهم رجل كذاب محتال إلا أنه كان فصيح اللسان؛ وادعى لهم أنه من أهل العلم فما سألوه عن مسألة إلا أفاض في جوابها ارتجالا بما حير ألبابهم. فقال أحدهم: تعالوا نمتحنه لنعلم صدقه من كذبه؛ وكانوا ستة؛
فقالوا: ليكتب كل واحد منا حرفا ثم نجمعها فتصير كلمة ونسأله عن معناها. فكتب كل واحد منهم حرفا ثم جمعوا الأحرف فتألفت منها كلمة هي (خنفشار) فقالوا أيها الأديب هل تعرف الخنفشار؟ فقال نعم هو نبات يطول إلى مقدار ذراع وله أوراق مستديرة؛ وفيه لبن وهو صالح يوضع في اللبن الحليب فيحسن طعمه؛ وتطيب رائحته قال الشاعر:
لقد حلت محبتكم بقلبي **** كما نفع الحليب الخنفشار
وله خواص طبية ونقل عن الأطباء اليونانيين منافع كثيرة لهذا النبات؛ ثم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع أحدهم يده على فمه؛ وقال أيها الرجل حسبك بهتانا؛ كذبت على علماء اللغة وعلى الشعراء وعلى الأطباء والآن تريد أن تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
]
و لا يُعكِّر على ما نحن بصدد بيانه ، ما ذكره الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس عند بيان معنى كلمة خنشفر (11/228) بعد أن ذكر طرفا من القصة نقلا عن المقرّي من " نفح الطيب " لاقتراب لفظة الخنفشار من خنشفر :[ وَقد نُسِب ذَلِك إِلَى أَبي العَلاءِ صَاعد اللُّغَويّ صاحِبِ الفُصُوص، وَقيل الزَّمَخْشَرِيّ، والأَوَّلُ أَقْرب.] فإنه و إن نسبت القصة إلى أحدهما و هما من هما في اللّغة و النّحو ، فإن العبرة ها هنا في ادّعاء العلم بالشيء زورا و كذبا و تدليسا ، و هو قبيح حتى من العالم ـ بل هو منه أقبح ـ
و القضية نسبة المُدّعين للعلم زورا و كذبا ، إلى لبّ المسألة و باعثها و هو الخنفشار ، فسُمُّوا خنفشاريّين .
و من اللّطائف ، مشابهة هذه القصّة لأخرى في الظاهر ، مناقضة لها في الباطن ، فإن العلم بالشّيء ، و بذله لجاهله ، مَظِنّة التُّهمة و التّكذيب و التّجهيل منه للعالم . فقد أورد العِمران في كتاب المشوّق إلى القراءة و طلب العلم (ص103) عند ذكره لصنيع بعض العلماء [ ... لمزيد اعتنائهم ببعض الكتب، وممارستهم لها يُلقونها دروسًا في أسرعِ وقتٍ وأقصرِ مُدة، مع مزيد المثابرة والجهد ... ] (ص101) نقلا عن الكتّاني قوله في أبي راس النّاصري [ جاء في ((فهرس الفهارس)) -أيضًا- في ترجمة أبي رأس المُعَسْكري محمد بن أحمد بن عبد القادر الجزائري ت (1239) : أنه كان مُتْقِنًا لجميع العلوم عارفًا بالمذاهب الأربعة، مُحقِّقًا لمذهب مالكٍ غايةً، لا سيما ((مختصر خليل)) ، فَلَهُ فيه الملَكة التامة، بحيث يُلْقيه على طلَبته في أربعين يومًا، و ((الخلاصة)) في عشرة أيامٍ. ] ثم قال في الهامش [ وحلاَّه الكتاني بـ ((حافظ المغرب الأوسط ورحَّالته)) .
(لطيفة) : كان يُذكر أبو رأسٍ هذا بقوَّةِ الحافظةِ وسَعَة الاطلاع، فاتُّهِمَ، فاجتمع جماعةٌ من تلاميذه فركَّبوا اسمًا نطقَ كلُّ واحدٍ منهم بحرفٍ منه، وجعلوه اسمًا لملكٍ، وسألوا الشيخَ عنه، فأملى لهم ترجمتَه وسِيْرته وأعمالَه، فاتفقوا أن الشيخَ كاذبٌ!!.
ولما طالت المدَّة، وقف أحدُهم على الاسم والسيرة في كتابٍ تاريخي على نحو ما كان أملاه الشيخ أبو رأسٍ عليهم، فعلموا أن الشيخَ صادق وهم مقصِّرون متهمون الشيخ مما هو منه بريىءٌ.
قال الكتاني: وهذه حالة كبار الحفاظ مع القاصرين والجاهلين.
] (ص103)
فانظر رحمك الله إلى القصّتين و ما بينهما من التّشابه في صورتيهما و التّباين في حقيقتيهما ، لتعلم الفرق بين العالم و المتعالم ، و بين المبرّز و الدّعي ، فالأول يرفعه الله و ينصره ، و الثاني يفضحه الله و يخذله .
و قريبا منها ما ذكره ابن الجوزي في كتاب الحث على طلب العلم و ذكر كبار الحُفّاظ في ترجمة أبي عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم ، تلميذ ثعلب قال : [ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ «أَبُو عُمَرَ»
اللُّغَوِيُّ الزَّاهِدُ، غُلامُ ثَعْلَبٍ، سَمِعَ الْكَثِيرَ وَحَفِظَ مِنَ اللُّغَةِ الْكَثِيرَ، أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ وَرَقَةِ لُغَةٍ، وَلِسَعَةِ حِفْظِهِ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَكَى رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحَسّنِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِدَ كَانَ يُؤَدِّبُ وَلَدَ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ، فَأَمْلَى يَوْمًا عَلَى الْغُلامِ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ مَسْأَلَةً فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ غَرِيبَهَا، وَخَتَمَهَا بِبَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ.
وَحَضَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ، وَابْنُ مِقْسَمٍ، عِنْدَ أَبِي عُمَرَ الْقَاضِي، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْمَسَائِلَ، فَمَا عَرَفُوا مِنْهَا شَيْئًا،وَأَنْكَرُوا الشِّعْرَ! فَقَالَ لَهُمُ الْقَاضِي: مَا تَقُولُونَ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: أَنَا مَشْغُولٌ بِتَصْنِيفِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ، وَلَسْتُ أَقُولُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ مِثْلَ ذَلِكَ لاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَاتِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ مَوْضُوعَاتِ أَبِي عُمَرَ، وَلا أَصْلَ لَهَا وَلا لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي اللُّغَةِ، وَانْصَرَفُوا.
فَبَلَغَ أَبَا عُمَرَ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ مَعَ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِحْضَارَ دَوَاوِينِ جَمَاعَةٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشُّعَرَاءِ عَيَّنَهُمْ لَهُ، فَفَتَحَ الْقَاضِي خَزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ لَهُ تِلْكَ الدَّوَاوِينَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو عُمَرَ يَعْمِدُ إِلَي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَيُخْرِجُ لَهَا شَاهِدًا مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الدَّوَاوِينِ، وَيَعْرِضُهُ عَلَى الْقَاضِي حَتَّى اسْتَوْفَى جَمِيعَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ أَنْشَدَهُمَا ثَعْلَبٌ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي، وَكَتَبَهُمَا الْقَاضِي بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِ الْقَاضِي الْفُلانِيِّ : فَلَمَّا أَحْضَرَ الْقَاضِي الْكِتَابَ، فَوَجَدَ الْبَيْتَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّهِ، كَمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ، وَانْتَهَتِ الْقِصَّةُ إِلَى ابْنِ دُرَيْدٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا عُمَرَ بِلَفْظِهِ حَتَّى مَاتَ
] (ص59/60) نقلا عن الشاملة
فانظر إلى العلم و الذّاكرة و الاستحضار و حسن المحاضرة و المذاكرة ، و قبل هذا و بعده توفيق الله للعبد ، و قوة اليقين في قلب الحفاظ و العلماء
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع و العمل الصّالح
إنه ولي ذلك و القادر عليه

أبو عاصم مصطفى بن محمد
السُّـــلمي
تبلبـــالة يوم الجمعة 17 رجب 1438هـ

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 23 Feb 2018 الساعة 02:13 PM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, مسائل, الأدعياءوالحفاظ

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013