تفصيلات منهجية مهمة في بيان آداب النصيحة ورد المخالفة وبعض افتراءات وتلبيسات القوم "للعلامة عبيد الجابري"
السؤال العاشر:
ما الجواب عمن يقول: (إن كثيرًا من المشايخ السلفيين المعاصرين، ينهجون في ردودهم على بعض المعاصرين، منهج التسرع والإسقاط، لا منهج النصح والإرشاد، فلا يراعون حال المردود عليه ولا يتلطفون معه، لكسبه وكسب أتباعه؟).
أولًا: أهل السنة وسط وعدول وأهل تؤدة ورفق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (أهل السنة هم أعرف الناس بالحق ، وهم أرحم الناس بالخلق).
ثانيًا: من رفق أهل السنة للمخالفين، أنهم يسلكون في الرد مسار المخالفة،" فإذا كانت المخالفة في النفس ناصحو، وإذا كانت في مجلس بينوا الحق، وإذا انتشرت نشروا الرد بنفس المسائل."
وهذه الردود مبنية على الأدلة العلمية، ومؤصلة طبق القواعد الشرعية، ليس فيها شطط أبدًا، ولكن هذا السؤال يحكي قاعدة، أو ذكرني بقاعدة يقعدها القوم.
وهي كما يزعمون: (التحذير من الدخول في نِيَّات الناس)، ويعنون به أهل العلم الذين ردوا المخالفات،" وحاشا أهل السنة، أهل السنة حكمهم على الظاهر قولًا أو فعلًا"، وهذا هو هدي الرسول-صلى الله عليه وسلم-، من ذلكم أنه قال للمسيء صلاته: (ارجع فصلي فإنك لم تصلي)، حكم على الفعل الظاهر، والحديث في صحيح البخاري وغيره، وهو حديث مشهور، أظن أن أبنائنا وبناتنا في الصفوف الابتدائية يحفظونه، وقال-صلى الله عليه وسلم-لرجل قال: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله)، قال: (ويحك!!أجعلتني لله ندًا)، ولكن لا يزال المخالفون يسومون أهل السنة بما يعلم الله أنهم برآءاء منه، إما أهل السنة ليس لهم هدف في المردود عليه، بل الهدف تصفية السنة مما خلطها هذا المردود عليه.
وقولهم: (أنهم لا يراعون حال المردود عليه)، هذا ليس بصحيح، فإنه إذا كانت المصلحة الراجحة في عدم ذكر اسم المردود عليه فإنهم لا يذكرونه، إذا كان في مصلحة راجحة في عدم ذكر اسمه، أبدًا، ومن خَبُرَ أهل السنة وجد ذلك في منهجهم ومسلكهم في الذب عن السنة ورد المخالفة.
بل أهل السنة يسلكون أحيانًا المداراة، يسلكون المداراة ويتألف هذا المخالف بالثناء عليه من أهل السنة وليس ولاءً عامًا مطلقًا، لكن يهشون له ويبشون له إذا لقوه، ويحاولون الرفق في الكلام عليه، إذا أخطأ الشيخ فلان، ما كنا أن الشيخ فلان أو فضيلة الشيخ فلان يقول كذا وهو معروف بالعلم، ما كنا نظنه يقع في مثل هذه الزلة الخطيرة.
فهم لا يسلكون قاعدة الموازنة، ولكن يدارون أحيانًا، وأسوتهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ففي صحيح البخاري أنه استأذن عليه رجل، فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة)، فلما دخل ألان له الكلام، قالت عائشة-رضي الله عنها-: (قلت يا رسول الله قلتَ الذي قلت، ثم ألنت له الكلام)، قال: (أي عائشة إن شرَّ الناس من تركه الناس-أو ودعه الناس-اتقاء فحشه).
السؤال الخامس عشر:
ما ضوابط نصيحة المخالف لمنهج السلف، هل للنصيحة مدة محددة؟.
النصيحة أولًا: ذكرت لكم أن أهل السنة يسلكون مساق المخالفة، وفصَّلت فيه بما أرى أنه يغني عن إعادته هنا،"" فلا تلازم بين النصيحة والرد، لكن أهل الشطط وأهل الهوى، من كان جلدًا منهم، يعيبون على أهل السنة أنهم لم ينصحوهم بل ردوا، وهذا من تلبيساتهم.""
فإذا انتشرت المخالفة ردت، والنصيحة شيء آخر، النصيحة قد تنكر وقد لا تنكر، بل بعض الناس استنكف عن النصيحة، ولا يمكن الناس به، ومنهم من لا يقبل يفتح أبوابًا من الجدل، لكن إذا كان المخالف حسن التخاطب، ليِّن العريكة، ذلف الخلق، وأمكن الجلوس إليه ومناصحته فهذا حسن.
لكن لا يلزم أن يكون طول العمر، بل إذا بلغته النصيحة على أحسن وجه بالأدلة، ولا يلزم اقتناعه، اقتناعه شيء بينه وبين ما لنا شغل فيه، لكن تبليغه النصيحة على أحسن وجه، من لين الكلام، وحسن الخطاب، وحسن المسايسة، وإيراد الأدلة بصدر واسع.
كذلك استقبال حجته بصدر واسع وردها بالدليل، فإنه يستمر معه حتى يبين له البيان الشافي، الذي تبرأ به الذمة، فإن عاد عن تلك المخالفة والمخالفات إلى ما هو الحق والهدى فَبِهِ ونعمَ، ولا يضره الرد عليه أبدًا.
بل رَدَ العلماء على رجال قد رجعوا عن مخالفاتهم، ومن هؤلاء ابن قدامه-رحمه الله-، رَدَ على ابن عقيل-رحمه الله-، مع أن ابن عقيل تاب ورجع، لكن لأن رَدَه انتشر.
إن صدق العزم هذا المخالف، وبين الحق قبل الرد عليه فإنه لا يرد عليه، ما دام بين الحق ونشر رجوعه إلى الحق بنفس المسار الذي انتشرت فيه مخالفته قدر الإمكان، كانت المخالفات في التلفزة أو الإذاعة أو صحف سلك نفس المسالك، إن كانت في خطب جمعة سلك نفس المسالك يبين الحق، لقوله-تعالى-: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)(البقرة:160)هنا لا يرد عليه، أما إن سكت وترك فإنه يرد عليه، والنصيحة قد تكون قبل الرد وقد تكون بعد الرد.
لكن إن كان كما ذكرت لكم: إن كان هو صَدَقَ وبين الحق وأعلن الرجوع عن مخالفاته، فالحمد لله كفانا، وإن كان قد رد عليه، فمن كان منصفًا لا مانع من مناصحته على الوجه الذي فصلناه آنفًا
السؤالان من الأسئلة القطرية للشيخ العلامة عبيد الجابري حفظه الله .