منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 May 2015, 08:52 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي مجالات حسن الخلق ....للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مجالات حسن الخلق

من كتاب مكارم الأخلاق
للشيخ ابن العثيمين رحمه الله

إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر, فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق, يكون أيضاً في معاملة الخالق, فموضوع حسن الخلق إذن: معاملة الخالق جلا وعلا, ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.
أولاً: حسن الخلق في معاملة الخالق:
حسنُ الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور:
1 - تلقي أخبار الله بالتصديق.
2 - وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
3 - وتلقي أقداره بالصبر والرضا.
هذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى.
أولاً - تلقي أخبار بالتصديق: بحيث لا يقع عند الإنسان شك, أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى, لأن خبر الله تعالى صادر عن علم, وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} 1. ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان
__________
1 سورة النساء, الآية: 87.
******صفحة********


واثقاً بها, مدافعاً عنها, ومجاهداً بها وفي سبيلها, بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه, أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم.
ولنضرب لذلك مثلاً [حديث الذباب] :
ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء" 1.
هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى, لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه لأنه بشر, والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} 2.
وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد, فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في
__________
1 أخرجه البخاري رقم5782 كتاب الطب. وأبو داود بنحوه رقم 3844 كتاب الأطعمة. وأخرجه ابن ماجه رقم 3505 كتاب الطب. وأحمد في المسند 2/246, 236, 340, 355.
2 سورة الأنعام, الآية: 50.

******صفحة********


هذا الحديث فهو حق وصدق, وإن اعترض عليه من اعترض, ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل, لأن الله تعالى يقول: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 1.
ومثال آخر [من أخبار يوم القيامة] :
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل" 2. وسواء كان هذا الميل ميلَ المكحَلة أم كان ميل المسافة, فإن هذه المسافة بين الشمس ورءوس الخلائق قليلة ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها, مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها.
قد يقول قائل: كيف تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة, ثم يبقى الناسُ لحظةً واحدةً دون أن يحترقوا؟! نقول لهذا القائل: عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث.
وحسنُ الخلق نحو هذا الحديث الصحيح يكون أن نقبله ونصدق به, وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد, وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق, ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا, وأحوالهم في الآخرة, بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال
__________
1 سورة يونس, الآية: 32.
2 أخرجه مسلم رقم62 كتاب الجنة ونعيمها. والترمذي رقم 2421 كتاب الزهد.

******صفحة********


الدنيا بأحوال الآخرة, لوجود هذا الفارق العظيم.
فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة!! وعلى مقياس ما في الدنيا, فهل يمكن أن يقف أحدٌ من الناس خمسين ألف دقيقة؟ الجواب: لا يمكن ذلك, إذن الفارق عظيم, فإذا كان كذلك, فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة, ويتسع فهمه له, وينفتح قلبه لما دل عليه.
ثانياً: ومن حسن الخلق مع الله عز وجل, أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله, فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل, سواءٌ ردها منكراً حكمها, أو ردها مستكبراً عن العمل بها, أو ردها متهاوناً بالعمل بها, فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل.
مثال على ذلك: [الصوم]
الصوم لا شك فيه أنه شاقٌ على النفوس, لأن الإنسان يترك فيه المألوف, من طعام وشراب, ونكاح, وهذا أمر شاق على الإنسان ولكن المؤمن حسن الخلق مع الله عز وجل, يقبل هذا التكليف, أو بعبارة أخرى: يقبل هذا التشريف, فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة, فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة, وتتسع لها نفسه فتجده يصوم الأيام الطويلة في زمن الحر
******صفحة********


الشديد, وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر, لأنه يحسن الخلق مع ربه, لكن سيئ الخلق مع الله عز وجل يقابل مقل هذه العبادة بالضجر والكراهية, ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه, لكان لا يلتزم بالصيام.
مثال آخر: [الصلاة]
فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس, وهي ثقيلة على المنافقين, كمال قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر" 1.
لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ , الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 2. فهي على هؤلاء غري كبيرة وإنما سهلة يسيرة, ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قُرة عيني في الصلاة" 3.
فالصلاة هي قرة عين المؤمن, وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى, ولذلك فهو يعظم قدرها لها أعظم الاهتمام, لأنها عماد
__________
1 أخرجه البخاري رقم 644 كتاب الأذان. مسلم رقم251, 252, 253 كتاب المساجد. والترمذي رقم 217 في أبواب الصلاة. وأبو داود رقم 548 كتاب الصلاة. والنسائي رقم 848 كتاب القبلة. وابن ماجه رقم 791 كتاب المساجد.
2 سورة البقرة الآيتان: 45, 46.
3 أخرجه النسائي رقم 3949, 3950 كتاب عشرة النساء. وأحمد في المسند 3/128, 199, 285 وهو في صحيح الجامع رقم 3134.

******صفحة********


الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ,وعينك قريرة تفرح إذا كنت متلبساً بها, وتنتظرها إذا فات وقتها, فإذا صليت الظهر, كنت في شوق إلى الصلاة العصر, وإذا صليت المغرب كنت في شوق إلى صلاة العشاء, وإذا صليت العشاء كنت في شوق إلى صلاة الفجر. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال أرحنا بالصلاة" 1. يقول: أرحنا بها, فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة, لا كما يقول البعض: أرحنا بها, لأنها ثقيلة عليهم, وشاقة على نفوسهم. وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات فهذا لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى.
مثال ثالث [تحريم الربا]
وهذا في المعاملات فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً وأحل لنا البيع وقال في ذلك: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ
__________
1 أخرجه أبو داود رقم 4985 كتاب الأدب. وأحمد في المسند 5/364 من طريق مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن الجعد, عن رجل من أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضر. والحديث في صحيح الجامع للألباني رقم 7892.
******صفحة********


وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1. فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة, وعلم الحكم, توعد بالخلود في النار, والعياذ بالله, بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2. هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات.
فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم, وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله, ويضيق صدره به, وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل, لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة, لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلك لآخر ' ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} 3.
ثالثاً: ومن حسن الخلق مع الله تعالى: تلقي أقدار الله تعالى بالرضا والصبر.
وكلنا نعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها كلائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم.
فالمرض مثلاً: لا يلائم الإنسان, فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى.
__________
1 سورة البقرة, الآية: 275.
2 سورة البقرة الآية: 278, 279.
3 سورة البقرة الآية: 279.

******صفحة********


وكذلك الفقر: لا يلائم الإنسان, فالإنسان يحب أن يكون غنياً.
وكذلك الجهل: لا يلائم الإنسان فالإنسان يحب أن يكون عالماً. لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل, منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته, ومنها ما لا يكون كذلك. فمت هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقدار الله؟
حسن الخلق مع الله نحو أقداره: أن ترضى بما قدر الله لك, وأن تطمئن إليه وتعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر.
وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره, هو أن يرض الإنسان ويستسلم ويطمئن, ولهذا امتدح الله الصابرين فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ , الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1.
ثانياً: حسن الخلق في معاملة الخَلق:
أما حسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضُهم بأنه كفُّ الأذى, وبذلُ النّدى، وطلاقة الوجه. ويذكر ذلك عن الحسن البصري رحمه الله2.
__________
1 سورة البقرة الآية: 156.
2 انظر الآداب الشرعية 2/216. وهناك تعريفات أخرى لحسن الخلق منها: تعريف الواسطي قال: هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى. وقيل: هو التخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل. وقيل: هو بذل الجميل وكف القبيح. وسئل سهل عنه فقل: أدناه الاحتمال وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه راجع في ذلك: مدارج السالكين لابن القيم 2/294 الإحياء لأبي حامد الغزالي 3/53 والآداب الشرعية2/216.

******صفحة********


أولاً: معنى كفى الأذى:
معنى كف الأذى أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق.
وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حُرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء وذلك في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته حيث قال: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا, في بلدكم هذا" 1.
إذا كان رجل يعتدي على الناس بأخذ المال، أو يعتدي على الناس بالغش، أو يعتدي على الناس بالخيانة، أو يعتدي على الناس بالضرب والجناية، أو يعتدي على الناس بالسبّ والغيبة والنميمة، لا يكون هذا حسنَ الخلق مع الناس، لأنه لم يكف أذاه، ويعظم إثم ذلك كلما كان موجهاً إلى من له حق عليك أكبر.
فالإساءة إلى الوالدين مثلاً أعظم من الإساءة إلى غيرهما، والإساءة إلى الأقارب أعظم من الإساءة إلى الأباعد، والإساءة إلى الجيران أعظم من الإساءة إلى من ليسوا جيراناً لك. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قالوا: من يا رسول الله؟ قال: "من لا يأمن جاره بوائقه" 2.
__________
1 أخرجه البخاري رقم67 كتاب العلم. ورقم 1741 كتاب الحج. ورقم 4406 كتاب المغازي. وأخرجه مسلم رقم 29, 30 كتاب القيامة.
2 أخرجه البخاري رقم 6061 كتاب الأدب. واللفظ له. ومسلم بنحوه رقم 73 =

******صفحة********


ثانياً: معنى بذل الندي:
الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود. والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم.
إذا رأينا شخصاً يقضي حوائج الناس، يساعدهم، يتوجه في شئونهم إلى من لا يستطيعون الوصول إليهم، ينشر علمه بين الناس، يبذل ماله بين الناس، هل نصفُ هذا بحس الخلق؟ نعم، نصفه بحسن الخلق، لأنه بذل الندى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن" 1.
ومن مخالفة الناس بخلق حسن: أنك إذا ظُلمت أو أسيء إليك، فإنك تعفو وتصفح وقد امتدح الله العافين عن الناس، فقال في أهل الجنة: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2
وقال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 3
__________
= كتاب الإيمان ولفظه: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" قال النووي: البوائق: جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك. انظر مسلم بشرح النووي 2/207.
1 أخرجه الترمذي رقم1987 كتاب البر والصلة. وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند 4/153, 158, 236 من حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما. وهو في صحيح الجامع الصغير رقم 97.
2 سورة آل عمران الآية: 134.
3 سورة البقرة الآية: 237.

******صفحة********


وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} 1
وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 2.
وكل إنسان يتصل بالناس، فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه يعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية، ومحبة، وصداقة، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 3.
وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفُجائية، لأن إذا الفجائية تدل على الحدوث الفوري في نتيجتها: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ} ., ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 4.
هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني محمود مطلقاً ومأمور به؟ وقد يفهم البعض من الآية هذا الكلام، ولكن ليكن معلوماً أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، فإن كان الأخذ أحمد فالأخذ أفضل. ولهذا قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا
__________
1 سورة النور الآية: 22.
2 سورة الشورى الآية: 40.
3 سورة فصلت الآية: 34.
4 سورة فصلت الآية: 35.

******صفحة********


يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} 1. فجعل العفو مقروناً بالإصلاح.
فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المقام أن تأخذ هذا الرجل بجريرته، لأن في ذلك إصلاحا ً. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة وصدق رحمه الله.
__________
1 سورة الشورى الآية: 40.
******صفحة********


تنبيه مهم
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان، وهي أن تقع حادثه من شخص، فيهلك بسببها شخص آخر، فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث، فهل إسقاطهم للدية محمود ويعتبر من حسن الخلق؟ أم في ذلك تفصيل؟
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً.
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئ مقداراً.
إن كان من هذا الطراز الأخير فالعفو في حقه أولى، ولكن حتى وإن كان من هذا الطراز المتعقل المتزن, يجب قبل أن نعفو عنه أن ننظر: هل على الميت دين؟ فإذا كان على الميت دين، فإنه لا يمكن أن نعفو، ولو عفونا فإن عفونا لا يعتبر. وهذا مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس، ونحن نقول ذلك لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من الميت الذي أصيب بالحادث، ولا يردُ استحقاقهم إلا بعد قضاء الدين إن كان الميت مديناً.
******صفحة********


ولهذا لما ذكر الله الميراث قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1.
والحاصل أن من حسن الخلق: العفو عن الناس وهذا من باب بذلك الندى، لأن بذل الندى إما إعطاء وإما إسقاط، والعفو من الإسقاط.
ثالثاً: طلاقة الوجه:
وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" 2. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال: وجه طلق ولسان لين.
وقد نظمه بعض الشعراء فقال:
بني إن البر شيء هين ... وجه طليق ولسان لين
فطلاقة الوجه وتُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك.
لكن إذا كنت عبوساً, فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر
__________
1 سورة النساء الآية: 11.
2 أخرجه مسلم رقم 144 كتاب البر والصلة. والترمذي رقم 1833 كتاب الأطعمة مطولا.

******صفحة********


وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم.
هذه هي الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسنُ الخلق في معاملة الخلق.
ومن علامات حسن الخلق مع الخلق: أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب, لا يضيق بهم ولا يضيق عليه, بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله, وهذا القيد لا بد منه, لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله والعياذ بالله فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه, لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي" 1.
وكثير من الناس - مع الأسف الشديد - يحسن الخلق مع الناس, ولكنه لا يحسن الخُلُق مع أهله, وهذا خطأ عظيم, وقلبٌ للحقائق, إذ كيف تحسن الخُلق مع الأباعد وتسيء الخلق مع الأقارب؟ قد يقول: لأن
__________
1 أخرجه الترمذي رقم3895 كتاب المناقب. وابن حبان في صحيحه رقم 1312 موارد من حديث عائشة رضي الله عنها. وهو في صحيح الجامع رقم3314. وأخرجه ابن ماجه رقم 1977 كتاب النكاح من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
******صفحة********


الأقارب أمونُ عليهم1. فنقول: هذا ليس بسبب يجعلك تسيء الخلق معهم, فالأقارب أحق الناس بأن تحسن إليهم في الصحبة والعشرة, ولهذا قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن مصاحبتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أبوك" 2.
والأمر عند بعض الناس على العكس تجده يسيء العشرة مع أمه, ويحسن العشرة مع زوجته, فيكون مقدماً إحسان العشرة مع زوجته التي هي عنده بمنزلة الأسير, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم" 3. يعني: بمنزلة الأسرى.
والحاصل: أن إحسان العشرة مع الأهل والأصحاب والأقارب كل ذلك من مكارم الأخلاق.
__________
1 أمون عليهم: أي أقوم بكفايتهم من النفقة وغيرها.
2 أخرجه البخاري رقم5971 كتاب الأدب. ومسلم رقم1, 2 كتاب البر والصلة. وابن ماجه رقم 2706 كتاب الوصايا.
3 أخرجه الترمذي رقم3087 كتاب التفسير وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

******صفحة********

المكتبة الشاملة

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أخلاق, تزكية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013