في حكم العمل عند الكفار بأُجرة،ومدى دخوله في عقيدة الوَلاَء والبَرَاء
بسم الله الرحمن الرحيم
في حكم العمل عند الكفار بأُجرة،
ومدى دخوله في عقيدة الوَلاَء والبَرَاء
السؤال: هل يجوزُ للمسلمِ أن يقومَ بِخِدمة الكافر مقابلَ أَجْرٍ؟ أي: يقوم بخِدمته وخِدمة أعماله اليومية، وهل هذا العمل لا يدخل في عقيدة الولاء والبراء؟ وبارك الله فيكم.
الجواب: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يومِ الدِّين، أمّا بعدُ:
فاعلم أنَّ مِنْ أصولِ العقيدة الإسلامية أن يُوالِيَ المسلمُ أهلَها ويُعَادِيَ أعداءَها، لكن معاداتُنا للكُفَّارِ وهي البَرَاءُ لا تعني الإساءةَ لهم بالأقوال والأفعال، فالتبرُّؤُ مِنَ المشركين وبُغْضُهُم لا يمنع من أداء الحقوق لهم وقَبول شهادةِ بعضهم على بعضٍ وحُسْنِ المخالقة معهم، قال تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، كما لا يمنع من معاشرة الكتابية بالمعروف: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، وذلك غير مانع -أيضًا- من الإحسان إلى الوالدين والأقربين وأهل الجِوار ولو كانوا مشركين، بل هو من كريم خُلُق المسلم، أَمَرَهُ اللهُ تعالى به، وحضَّه على سلوكه، قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
أمّا التأييد للكُفْرِ ونُصْرَةُ أهلِه فهو محرَّم يَصِلُ إلى الكفر بالله، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51] وهو المقصودُ بالبَرَاءِ، ومن حُقوق البراء بُغْضُ الشِّرك وأهلِه والكُفْر وأعوانِه، وعَدَمُ اتخاذِ الكفار أولياء أو مودَّتِهم وعدم التشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم دِينًا وَدُنْيَا، وعَدَمُ مناصرتِهم ولا مدحِهم، ولا إعانتِهم على المسلمين، وعدم الاستعانة بهم واتخاذِهم بطانةً له يحفظون سرَّه ويقومون بأهمّ أعماله، وعدم مشاركتهم في أعيادهم وأفراحهم وعدم جواز تهنئَتهم عليها، وعدم التحاكُمِ لهم أو الرِّضَى بحُكْمِهِم وترك حكم الله تعالى، وما إلى ذلك.
فالحاصلُ، إذا كان عمل المسلم عند الكافر يتضمَّن مُداهَنَةً ومَداراةً على حِساب الدِّين، أو كان العملُ في ذاته غيرَ مشروعٍ، وكان المسلم في موضع إذلال وسُخرية واستهزاءٍ فلا يجوز العمل عنده لما فيه من تعظيم الكافر وتعظيم معصيته، وقد أذلَّه الله وأخزاه قال تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29]، أمّا إذا خَلاَ من ذلك فهي معاملة جائزة وإجارة مباحة، ومع ذلك فلا يُسَوِّدُه ولا يبدؤه بالسلام لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في شأن المنافق: «لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدٌ فَإِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ»(١- أخرجه أبو داود في «الأدب»، باب لا يقول المملوك ربي وربتي: (4977)، والبخاري في «الأدب المفرد»: (781)، وأحمد في «مسنده»: (23641)، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. والحديث صححه المنذري في «الترغيب والترهيب»: (3/359)، والنووي في «الأذكار»: (1/362)، والألباني في «صحيح الجامع»: (7405).)، والكافر بطريق أولى، وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَبْدَؤُوا اليَهُودَ بِالسَّلاَمِ وَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ»(٢- أخرجه مسلم في «السلام»: (5789)، وأبو داود في «الأدب»: (5207)، وأحمد: (7831))، ما لم يكن مع الكفَّار مسلمون فيجوز له التسليم؛ لأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ اليَهُودِ وَالمُسْلِمِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ»(٣- أخرجه البخاري في «كتاب الأدب»: (6207)، ومسلم في «كتاب الجهاد والسير»: (4760)).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه وإخوانِه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 25 شعبان 1426ﻫ الموافق ﻟ: 29 سبتمبر 2005م
١- أخرجه أبو داود في «الأدب»، باب لا يقول المملوك ربي وربتي: (4977)، والبخاري في «الأدب المفرد»: (781)، وأحمد في «مسنده»: (23641)، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. والحديث صححه المنذري في «الترغيب والترهيب»: (3/359)، والنووي في «الأذكار»: (1/362)، والألباني في «صحيح الجامع»: (7405).
۲- أخرجه مسلم في «السلام»: (5789)، وأبو داود في «الأدب»: (5207)، وأحمد: (7831).
٣- أخرجه البخاري في «كتاب الأدب»: (6207)، ومسلم في «كتاب الجهاد والسير»: (4760).